في ظل مناخ تسوده العنصرية والتمييز، تبدو رهانات النجاح والتفوق قليلة إن لم تكن منعدمة في بعض الأوساط والفضاءات. وهو ما يواجهه من فترة الأمريكيون من أصل إفريقي في الولايات المتحدة، حيث إن المحافظة على وظيفة أو اختراق سوق العمل يعد في كثير من الأحيان حلماً صعباً، فضلاً عن امتلاك عمل تجاري، فإنه سيكون غالباً محفوفاً بالكثير من التحديات والمعوقات.

وقد فاقم انتشار جائحة كورونا الوضع سوءاً، على جميع فئات المجتمع وكان المواطنون من أصول إفريقية من أكثر هذه الفئات تضرراً في أعمالهم، إلا أن ذلك لم يدم كثيراً بعد ذلك. حيث أظهرت نسب وإحصائيات رسمية، نشرت لاحقاً، ارتفاعاً كبيراً في نسبة امتلاك الأمريكيين من أصل إفريقي، للأعمال التجارية في الولايات المتحدة.

وأما المفاجأة الأكبر، فقد كانت في تزعم النساء "السود" قائمة رائدات الأعمال الأمريكيات الأكثر نجاحاً، لتطرح العديد من التساؤلات حول كيفية نجاحهن في ذلك رغم الصعوبات التي تحيط بهن.

سياسات حكومية عنصرية

كشف تقرير سابق صدر عن لجنة مجلس النواب للأعمال التجارية الصغيرة، انخفاضاً كبيراً في ملكية الأعمال التجارية للأمريكيين من أصل إفريقي، بأكثر من 40% في الفترة ما بين شهري فبراير/شباط وأبريل/نيسان 2020، أي في بداية انتشار جائحة كورونا. وتعد هذه النسبة وفق مسؤولين ومختصين، أكبر انخفاض لأي مجموعة عرقية في الولايات المتحدة.

وبينما أعلنت الإدارة الأمريكية السابقة، تحت ولاية الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترمب، عن مجموعة من الإجراءات والمساعدات الحكومية لتخطي أصحاب الأعمال، التداعيات السلبية التي تسبب فيها انتشار الوباء، لم تكن الحظوظ آنذاك متساوية بين فئات المجتمع الأمريكي كافة.

فوفق ما أكدته العديد من التقارير، تلقى أصحاب الأعمال "ذوو البشرة السمراء" منحاً للأعمال الصغيرة أقل من أصحاب الأعمال البيض. وقد وصلت أموال برنامج حماية الراتب الذي أعلنت عنه السلطات الرسمية، إلى 29% فقط من المتقدمين بطلب من فئة الأمريكيين من أصل إفريقي، وذلك مقابل 60% "للبيض".

حتى عندما انطلقت الكثير من الشركات عملياً في تسريح الموظفين، لتخفيف الأعباء المالية، أثناء انتشار الوباء، كان الأمريكيون "السود" من أكثر الموظفين الذين جرى طردهم وتسريحهم، فيما اضطر بعضهم إلى البقاء مقابل أجور زهيدة جداً.

لم تحظ هذه الفئة بالدعم الكافي، وكان الوباء قد زاد من وطأة الظروف الصعبة التي يمرون بها، وكان حتمياً بالنسبة لهم أن يجدوا حلولاً لتخطي هذه الأزمة، وخططاً يتحدون بها هذا التمييز العنصري والسياسات المجحفة التي أوصدت في جوههم أبواب سوق العمل.

النساء "السود" يتحدين الميز العنصري

اتجهت هذه الفئة من المجتمع الأمريكي في النهاية إلى الأعمال الخاصة، ووفق ما أفاد به الخبير الاقتصادي بجامعة كاليفورنيا سانتا كروز، روبرت دبليو فيرلي، فإن ملكية أعمال الأمريكيين من أصل إفريقي قد شهدت الآن ارتفاعاً بنسبة 30% تقريباً عن مستويات ما قبل الجائحة.

وإن كان الأمريكيون "من أصول إفريقية" قد حققوا هذه النسب الذاهلة والأرقام القياسية في وقت قصير، فقد كانت النساء منهم، المجموعة الأسرع نمواً من رائدات الأعمال الأمريكيات، وفق ما أعلنت عنه مؤخراً إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن.

وفي هذا السياق، قالت ميليسا برادلي، مؤسس وكالة أصحاب المشاريع السوداء والبنية Ventures 1863 في تصريح لموقع بيزنس انسايدر :" في الوقت الذي يعيد فيه الناس التفكير في حياتهم وخياراتهم ، ليس من المستغرب أن يختار المزيد من النساء السود ليصبحن مديرات تنفيذيات لشركاتهن الخاصة بدلاً من انتظار الاعتراف بذكائهن ومهاراتهن في شركاتهن الحالية".

ويعتقد خبراء ومحللون أن انعدام الأمن في الوظائف، الذي تسببت فيه عمليات تسريح الموظفين إثر انتشار جائحة كورونا، قد دفع بالكثيرات منهن إلى البحث عن خيارات بديلة بما في ذلك البدء بعمل تجاري جديد.

وفي هذا الإطار قال ديامونتي ووكر، نائب المدير التنفيذي لهيئة إعادة التطوير الحضري في بيتسبرغ، في تصريح إعلامي : "كونك مديناً للشركات والمؤسسات لا يبدو وكأنه رهان آمن في أوقات عدم اليقين. خطر البدء عمل تجاري يبدو الآن أقل بكثير من خطر الجلوس في وظيفة مع عدم معرفة موعد ظهور رقمك".

كما يفسر العديد من الخبراء والمختصين سبب ظهور صاحبات أعمال من "ذوي البشرة السمراء"، هو رغبتهن في مزيد من السيطرة على حياتهن العملية، وقدرتهن على التوفيق بين رعاية أغلبهن للأطفال، في وقت أصبحت فيه المفاوضات مع رؤساء العمل في هذا الشأن صعبة بل ومستحيلة.

وفي النهاية، فإن النساء الأمريكيات من أصل إفريقي قد تمكنّ من كسر هذا الحاجز الذي شيدته السياسات العنصرية، وأسسن أعمالهن الخاصة وتفوقن على الكثيرات من الأمريكيات، مدفوعات بالعديد من المبررات.

TRT عربي