قبل 213 عاما، تحديدا في مثل هذا اليوم من العام 1809 ولد عالم الطبيعة الإنجليزي تشارلز داروين، صاحب أكثر نظرية علمية مثيرة للجدل حتى الآن خاصة في منطقتنا العربية، ألا وهي نظرية التطور وأصل الأنواع. والتي تأثر فيها بنظريات مواطنه عالم الاقتصاد توماس مالتوس عن السكان والهرم الغذائي.

في عام 1837 رأى تشارلز داروين، أن الانتخاب هو حجر الأساس لنجاح الإنسان، غير أن كيفية تطبيق الانتخاب على أحياء عضوية تعيش في حالة طبيعية قد بقي غامضا لفترة ما. فلما قرأ داروين بحث توماس مالتوس في السنة التالية، أيقن في الحال أن بعض الأنواع تجتاز عملية التناحر على البقاء، وذلك بتمتعها بمميزات القدرة على الحصول علي الغذاء، في حين تجوع الأحياء الأضعف وتفنى.

كتب تشارلز داروين مجمل استنتاجاته في سنة 1842  وأضاف إليها في سنة 1844 ولكنه لم ينشرها. حيث حذره زميله تشارلز ليل من أن التباطؤ قد يعطي غيره الفرصة للحصول علي المجد. ولقد تذكر داروين هذا التحذير في سنة 1858  عندما أرسل مبحث والاس إلي ليل. ولقد حثه ليل علي سرعة نشره. وأخيرا بدأ يعمل جديا في كتابه "أصل الأنواع"، فطبع في 24 نوفمبر 1859 وكانت الطبعة الأولى منه 1250 نسخة، حدثا علميا مروعا في عالم النشر، إذ بيعت في أول يوم من ظهورها، تماما كما حدث بعد ذلك بمائة سنة عندما ظهر كتاب ألفريد كنزي "السلوك الجنسي عند الرجل".

في كتابه "أحداث شهيرة من التاريخ"، يشير مؤلفه وليام دي ويت، إلي أن نشر كتاب "أصل الأنواع" أحدث عاصفة من الجدل العلني لا حدود لها. كان الصراع أساسيا بين العلم والرأي القائل بالتمسك بأصول الدين. ولقد بلغ الصراع أوجه في مجادلة شهيرة بجامعة أكسفورد سنة 1860 بين العالم ت. ه. هكسلي ونظيره ولبرفورس.

واستمر الجدل عشرات السنين، تتراوح حدته بين الشدة والضعف، ومع ذلك فقد ظهر تأييد الرأي العلمي الموحد القوي شيئا فشيئا قبول الرأي العام لنظرية تشارلز داروين عن أصل الأنواع. وبلغ الصراع جذوته في محاكمة "سكوبس" الشهير لآخر مرة، في مدينة صغيرة، ما كان داروين يسمع عنها أبدا، تقع في مقاطعة "تينسي" الأمريكية.

حكاية المعلم الذي قدم للمحاكمة لتدريسه نظرية التطور
ويضيف وليام دي ويت: كانت “ديتون” بمقاطعة تينيسي بالولايات المتحدة الأمريكية، هي مسرح المحاكمة التي جرت في سنة 1925. وكان “جون سكوبس” المتهم مدرسا بالمدارس العليا في ذلك الوقت، وكانت التهمة الموجهة إليه هذ تدريس نظرية التطور لتلاميذه. غير أن المتهم لم يظهر إلا لماما في أثناء المحاكمة التي طغت عليها المواهب القانونية الشهيرة التي أتخذت أهبتها للدفاع والاتهام في هذه القضية، إضافة إلي الأضواء الخيالية التي سلطتها دعايات الصحافة علي النتيجة المبسطة التي قدمها الكتاب ورسامو الكاريكاتير للقراء: هل ينحدر الإنسان من قرد أم لا؟.

مثل الدفاع في هذه المحاكمة كلارنس دارو وودلي فيلد مالون، وربما كانا من أشهر المحامين في أمريكا وقتها. ومثل الاتهام وليام جننجز برايان وهو مرشح الحزب الديمقراطي عدة مرات للرئاسة. كانت جهوده كبيرة للغاية، حتي أنه توفي بعد يومين من قرار المحلفين الذي كان في صالحه وصالح التمسك بأصول الدين، وحكم علي "جون سكوبس" بمبلغ مائة دولار، ودفع نفقات المحكمة. غير أن محكمة الدولة العليا أوقفت العقوبة، ثم تلاشت تلك الضجة من غير اتخاذ قرار حول دستورية القانون الذي حوكم "جون سكوبس" بمقتضاه.

ويشدد وليام دي ويت علي أن: أما حقيقة التطور ــ أي التحول التدريجي في الأحياء في أثناء سلسلة من الأجيال للانتهاء إلي أنواع جديدة ــ فأمر قبله العلماء عموما منذ عصر تشارلز داروين، أما نظريته في كيفية حدوث هذه التغيرات، فلا يزال الجدل دائرا حولها.