نعم للوحدة ولكن النداء له مستحقاته


معتصم أقرع

يواصل الكثير من المحترمين العقلاء الدعوة إلى وحدة كل الاحزاب والجماعات السياسية في كيان واحد للإطاحة بنظام الانقلاب.
هذا جيد ومفهوم بغض النظر عن الاتفاق أو الاختلاف مع الطرح. ما لا يليق هو الابتزاز والكذب عن المجموعات التي لديها تحفظات على إعادة الوحدة غير المشروطة والتي فشلت مرارا وتكرارا في تاريخنا.
المجموعات التي أبدت تحفظات لديها نقاط مشروعة تبدأ بحقيقة أن الشعب السوداني قد أطاح بثلاثة أنظمة استبدادية، ولكن في كل مرة انتهت التجربة بالفشل في أربع سنوات أو أقل.
الإخفاق في الحفاظ على الديمقراطية في حد ذاته لا يمكن أن يكون حجة ضد الوحدة في هذه اللحظة، ولكنه بالتأكيد يؤكد الحقيقة الصارخة المتمثلة في أن محاولات الإطاحة بالنظام يجب أن تقترن في نفس الوقت بالنقاش من اجل تدابير وضمانات للتأكد من استدامة الديمقراطية بعد سقوط النظام وحتى لا يتم اختطاف الثورة وتسقط السلطة مرة اخري في الأيدي الخطأ.
ما جدوى اسقاط نظام بمئات الشهداء إذا كان العسكر سيعودون الي الحكم بعد سنوات بسيطة بقبضة أكبر وميول دموية أشرس؟
ومن المهم ملاحظة ان الخلاف ليس حول ضرورة مواجهة النظام واسقاطه. الخلاف يتعلق بالوحدة داخل تنظيم موحد وهي الفكرة التي ترفضها جماعات تقول ان الجميع يمكنه النضال من منصته الخاصة ويتكامل النضال من المنابر المتعددة.
لكن لا يزال من المفهوم أن تكون جهة ما ضيقة الأفق وقصيرة النظر لتجادل بأن علينا التوقف عن التفكير في الماضي والمستقبل والاكتفاء بتجميع كل طاقاتنا لتشكيل جبهة موحدة غير مشروطة من أجل اسقاط النظام.
لكن من غير المقبول ابتزاز الآخرين وتصويرهم على أنهم خونة يساعدون الانقلاب بتفضيلهم القتال، ولكن من خارج خيام قحت المثقوبة مع ان المجموعات الابتزازية كانت في شراكة مثالية مع الانقلابيين حتى أمس قريب.
علاوة على ذلك، من غير المقبول إسكات وقمع جميع الأصوات التي تطالب بفحص أسباب الفشل السياسي والاقتصادي الذي بدأ في عام 2019.
ما لا شك فيه ولا يحتاج لترديد هو ان لجنة البشير الأمنية وضعت كل أنواع العوائق أمام الحكم المدني، لكن هذا كان طبيعيًا ومتوقعًا للغاية، فالجنرالات هم أعداء الثورة لا دعاتها وقد صعدوا إلى السلطة بمدفع البشير لا بادعاء تمثيل الشعب وثورته.
من بين الأنواع العديدة لتكميم عقل الشعب النقدي وفرض فقدان الذاكرة وعمي التاريخ هو تصوير كل دعوة للتأمل وفحص الممارسات السياسية خلال الثلاثين شهرًا الماضية على أنها تخوين أو تمرين على إلقاء اللوم من اجل المزايدة أو ممارسة منخفضة في علوم “ما قلنا ليكم”.
وهناك فرق بين ما قلنا ليكم وبين التذكير بان الأخطاء الفادحة التي يدفع ثمنها الشعب الان كان من الممكن تفاديها ببساطة لأنه كانت هناك أفكار بديلة مطروحة بينت ضمن ما بينت ان السياسات المختارة في ملفات الاقتصاد والسياسة الخارجية والسلام قصيرة النظر واخرها خراب.
قمع العقل النقدي واخراس النقاش بالتشكيك في دوافعه دون دليل ممارسة سلطوية وصائية مناهضة للفكر ومتواطئة مع الطبيعة المساومة التي تسم معظم الطبقة السياسية متدنية القدرات.
لا يمكن للأمة أن تنجح إلا من خلال التركيز على الحاضر مصحوبا بالتطلع إلى الأمام والنظر نحو ما وراء الأهداف الآنية المباشرة، ثم فحص التاريخ البعيد والاقرب لفهم ومواجهة جذور الفشل. وهذا يشمل وضع جميع المساهمين في التجارب الديمقراطية الفاشلة أمام محاكم الرأي العام وكتب التاريخ ليعرف شباب اليوم والغد من أهدر الثورات وكيف حتى لا يتم خدعهم مرة اخري.
يواصل الجنرالات إراقة الدماء منذ عام 1956 لأنهم لم يدفعوا ثمنا لموت روح واحدة. أيضا السياسيون المدنيون يعيدون الفشل ويضيعون الثورات لأنهم لم يدفعوا ثمنا للمساومات والخيانات في محكمة الرأي العام دع عنك دفع ثمن عن قصور بشري بحسن نية.
تغييب التاريخ والزجر عن فحص سيرة من قاد الوطن الي هذا المأزق هو ممارسة عملية في فقه عفا الله عما سلف، حتى لو استحت الممارسة من ذكر اسمها. وهو عفو من لا يملك لمن لا يستحق.
الأصوات (السياط) التي تسعي لحماية الممارسات السياسية خلال الثلاثين شهرًا الماضية من الفحص والتدقيق، وتسعي لحماية الأفراد والجماعات الذين تسببوا في الفشل من محكمة الرأي (على سبيل المثال بتصوير كل نقد صحيح على أنه تخوين) هم جزء من المشكلة ومتواطئون في تدوير الكارثة السياسية وإعادة انتاج الفشل.
تضم قائمة الإخفاقات واجبة المراجعة ما عدده الأستاذ صديق الزيلعي في مقاله بعنوان “يتحمل المكون المدني ومجلس الوزراء وقحت كل المسئولية عن أفعال البرهان” بتاريخ أغسطس 2021. رغم ان قائمة الأستاذ صديق غير كاملة ولم تتطرق الي الفشل الاقتصادي، إلا ان ما جاء بها مهم يستحق الانتباه والمراجعة مثل:

– ابتداء بمبدأ الشراكة نفسه.
– الصياغة القانونية للوثيقة الدستورية المعيبة.
– القبول بهيمنة العسكر على كل ما يتعلق بالمنظومة الأمنية.
– القبول بحق الفيتو الذي فرضه المكون العسكري، بوضع اليد، حول اصلاح المنظومة العدلية واختيار رئيس للقضاء ونائب عام.
– القبول بممارسة العسكر السياسة الخارجية، عنوة واقتدارا وعقد اجتماعات والاتفاق على التطبيع مع إسرائيل.
– القبول برفض العسكر ولاية وزارة المالية على الشركات التجارية والاقتصادية التي يديرها قادة الجيش.
– القبول بانتزاع العسكر ملف مفاوضات السلام والسيطرة التامة على المفاوضات والسعي لكسب ود الحركات المسلحة، تمهيدا للتحالف معها مستقبلا.
– التلكؤ في محاكمات قادة النظام البائد عن الجرائم التي ارتكبوها في حق شعبنا.
– تكرار المكون المدني بان الشراكة بين العسكر والمدنيين هي شراكة متميزة ونموذج يحتذي به وشكل ذلك دعوة صريحة للعسكر بان يواصلوا الاستيلاء على كل السلطات من المدنيين.
الدعوة الي مراجعة أسباب الفشل وأماكن القصور هدفها تحسين الأداء والخروج من تاريخنا الدائري الذي يكرر نفسه ولا تعني بأي شكل من الاشكال تخوين أي جهة لم تثبت خيانتها ولا تعني ابدا الذهول عن عطاء وبطولات وتضحيات الكثير من قادة العمل السياسي الذين تصدوا لمهام القيادة في ظروف صعبة وخطرة وعانوا من العسف والسجون والاستهداف. وهؤلاء الابطال موجودون في كل الأحزاب بما في ذلك أحزاب قحت مثل الأمة والمؤتمر السوداني والبعث والشخصيات المستقلة. ومعظمهم لا تنقصه الشجاعة ولا الوطنية ولا حسن النية ولكن احكامهم ليست دائما صائبة أو منزلة فهم بشر لا يمتلكون الحقيقة كاملة ومن واجبهم التواضع وتوسيع دوائر الحوار والاستماع الي وجهات النظر المختلفة وبالذات وجهات النظر غير المريحة.
الدعوة الي الوحدة لإسقاط النظام ستقوي، وسنكون من داعميها بلا تواني، لو تفضلت المجموعات التي قادت الصف المدني في الثلاثين شهرا السابقة باعتراف حقيقي – يتجنب غموض اللفظ – بالقصور وتحديد أسبابه ووضع خطط سليمة وتبني إجراءات تقلل من احتمال تكراره حتى لا يحرث الثوار في البحر مرة اخري.
الاصوات التبريرية والوصائية كانت ستكون أكثر اتساقا لو انها نبهت لانحراف الثورة في لحظة حدوثه وحين كان يمكن إصلاحه بكلفة اقل أو على الاقل كانت ستكون متسقةلو اكتفت بالتضامن مع من نبه للانحراف قبل ان يستفحل ويقع الفأس علي الراس.

تاريخ الخبر: 2022-02-12 18:22:16
المصدر: صحيفة التغيير - السودان
التصنيف: سياسة
مستوى الصحة: 58%
الأهمية: 52%

آخر الأخبار حول العالم

سانشيز يتراجع عن قرار الاستقالة ويقرر البقاء في منصبه

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-04-29 15:26:37
مستوى الصحة: 48% الأهمية: 50%

الشعباني: "سنواجه فريقا متمرسا في نهائي الكونفدرالية"

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-04-29 15:27:20
مستوى الصحة: 55% الأهمية: 57%

سانشيز يتراجع عن قرار الاستقالة ويقرر البقاء في منصبه

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-04-29 15:26:31
مستوى الصحة: 52% الأهمية: 53%

الشعباني: "سنواجه فريقا متمرسا في نهائي الكونفدرالية"

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-04-29 15:27:21
مستوى الصحة: 59% الأهمية: 60%

رئيس ريال مدريد يهاتف مبابي عقب التتويج بالدوري الفرنسي

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-04-29 15:26:13
مستوى الصحة: 58% الأهمية: 63%

المزيد من الأخبار

مواضيع من موسوعة كشاف

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

تحميل تطبيق المنصة العربية