تشهد الأزمة الطاقة الأوروبية تفاقماً منقطع النظير، يزيد طينها بلَّة التوتر المتصاعد بين الغرب وروسيا على حدود القارة الشرقية. فيما جذور هذه الأزمة عالمية، تعود إلى خريف السنة الماضية، حيث أطلق كبار مصنعي العالم تنافساً شرساً حول من يحقق الإقلاع الاقتصادي أولاً، بعد أكثر من سنتين من الركود جراء الجائحة الوبائية.

خلال الأسابيع الأخيرة، والصراع يحتدم حول أوكرنيا، تتوارد التقارير حول ارتفاع جديد لفاتورة الطاقة الأوروبية. حيث يعتمد الأمن الطاقي الأوروبي، بنسبة كبيرة، على واردات الغاز. يفتح التوتر بين موسكو والغرب الباب أمام احتمالات حدوث انقظاعات في الإمدادات واضطرابها، إذا ما فكرت روسيا أن تسحب زناد الغاز كسلاح في الصراع.

بالمقابل، يرى مسؤولون أوروبيون أن اللَّوم الأوروبي يجب أن لا يقع دائماً على روسيا، بما أن الشق الكبير من أزمة الطاقة راجع إلى ضعف الاحتياطيات الاستراتيجية لدول الاتحاد، مع تلكؤ حكوماته في بناء خزانات كافية لتأمين هذا الاحتياطي.

أزمة وحرب ووباء

منذ خريف العام الماضي، وأوروبا تشهد أزمة طاقة خانقة. ذلك للتنافس العالمي الذي انطلق وقتها حول التزود بالغاز، من أجل تحقيق إقلاع اقتصادي بعد قرابة سنتين من ركود سببته الجائحة الوبائية. وقتها، حققت أسعار الغاز ارتفاعاً صاروخياً، بلغت نسبته في القارة العجوز حوالي 500%.

فيما أجبرت تداعيات هذا النقص الحاد لمخزون الغاز في أوروبا، مقابل ارتفاع أسعاره بارتفاع الطلب عليه في السوق العالمية، أجبر بعض منتجي الأسمدة في أوروبا على خفض الإنتاج. ويتوقع أن يستمر ذلك الارتفاع الأمر الذي يهدد بزيادة التكاليف على المزارعين وربما زيادة تضخم أسعار الغذاء العالمي، مع قدوم شتاء صعب.

وما كادت أوروبا تخرج من هذه التداعيات، حتى نشب التوتر بينها وبين روسيا التي تعتمد عليها بشكل كبير في تحصيل إمداداتها من هذه المادة الحيوية. حيث "تعتمد ست دول أعضاء بشكل كامل على الغاز الروسي في تلبية حاجياتها من هذه المادة، ومنها ثلاث دول تعتمد عليه في أكثر من ربع حاجياتها من الطاقة" حسب المفوضية الأوروبية. فيما تصدر روسيا ما يقدر بنحو 230 مليون متر مكعب من الغاز إلى أوروبا كل يوم، ويمر حوالي ثلثها غرباً عبر أوكرانيا.

هذا ورفعت ألمانيا من قيمة واردات الغاز الروسي لتقدر اليوم بنحو 55% من إجمالي واردات الغاز الذي يمثل 26.7% من إجمالي الطاقة المستهلكة في ألمانيا، كما يساهم في تدفئة منزل من كل اثنين. هذا وتعول برلين على مضاعفة إمدادات الغاز الطبيعي الزهيدة التي تصل إليها من روسيا عبر خط أنابيب "نورد ستريم 2" الذي يصل بين البلدين عبر بحر البلطيق.

تعويل قد يصبح في مهب الريح، خصوصاً بعد تهديد الرئيس الأمريكي جو بايدن بإجهاض مشروع خط الغاز الروسي الأوروبي الجديد. وقال بايدن بأنه: "إذا غزت روسيا مرة أخرى فلن يكون هناك نورد ستريم 2 سننهي ذلك!". فيما سيضاعف "نورد ستريم 2" حجم تصدير الغاز المباشر من روسيا إلى ألمانيا إلى 110 مليارات متر مكعب سنوياً.

هذا وتحدثت تقارير متخصصة في اقتصاد الطاقة، عن أن التوتر بين أوروبا وروسيا سيفاقم من أزمة الطاقة الأوروبية، كما سيزيد فاتورة الطاقة بالنسبة للأسر بما يقدر بـ 54% خلال الشهور القادمة.

"لا تلوموا روسيا واملؤوا خزاناتكم!"

بالمقابل، يعد مسؤولو الطاقة بالاتحاد الأوروبي أن أكبر تهديد لأمن الطاقة للاتحاد ليست روسيا أو الأزمة العالمية، بل عدم اعتماد القارة توفير احتياطي استراتيجي من الغاز. في هذا الصدد، قال المدير التنفيذي للشركة الإيطالية العملاق في نقل الغاز SNAM، ماركو ألفيرا، بأنه "على الأوروبيين أن يتوقفوا عن لوم روسيا في أزمة الغاز، والبدء في شراء الغاز الرخيص كل صيف لتجنب التنافس عليه مع آسيا كل شتاء".

وأضاف ألفيرا في حديثه لموقع Politico بأنه على أوروبا "بناء خزانات يمكنها أن تسع 40 مليون متر مكعب التي يلزم توفيرها كاحتياطي استراتيجي للقارة. هذه الخزانات يمكن ملؤها في الصيف حين ينخفض سعر الغاز لعدم السقوط في المنافسة عليه في الشتاء". وأوضح المتحدث بأن جزء من البنية التحتية موجود لكن المشكلة في الاقتصاد الأوروبي، حيث يرفض الموزعون التخزين مخافة انخفاض الأسعار بسبب ظهور أحد متحورات كورونا.

بالمقابل يسلط ألفيرا الضوء على مشكلة أخرى، هي انخفاض الإنتاج المحلي للغاز الذي بلغ 15% "مع توقف الاعتماد على حقول بحر الشمال بعد البريكست وإغلاق هولندا حقولها". وأمام هذا تعاني الدول الأوروبية في تأمين حاجياتها من هذه المادة لرفضها توفير بنية تحتية لتخزين احتياطي استراتيجي دون الرضوخ لتقلبات السوق العالمية.

TRT عربي