"يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا"


لا شيء أغلى وأثمن في حياة المرء يندم عليه ندما شديدا من ندمه على تفريطه فيمن يدله على الله، بدءا بالحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم، ثم أمنائه وورثته من بعده كبر شأنهم أم صغر، عرفوا أم لم يعرفوا.

 يومها لن تنفعني تجارتي ولا سلطاني ولا منصبي ووظيفتي، ولا عشيرتي ولا فلسفتي وتطاولي على أولياء الله، ولن ينفعني أني كنت أعرف الحق وأسفهه إرضاء وطمعا، وكنت أعرف الباطل وأزينه تزلفا ونفاقا.

لن ينفعني النسيان أو التناسي لقوله سبحانه في الحديث القدسي: «من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب” ، قال صاحب الإفصاح: إن “الله سبحانه وتعالى قدم الأعذار إلى كل من عادى وليا: أنه قد آذنه بأنه محاربه بنفس المعاداة، وولي الله تعالى هو الذي يتبع ما شرعه الله تعالى، فليحذر الإنسان من إيذاء قلوب أولياء الله عز وجل. ومعنى المعاداة: أن يتخذه عدوا.” .

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: “مَن كان مؤمنًا تقيًّا، كان لله وليًّا، فمن آذى مؤمنًا فقد آذنه الله -أي: أعلمه الله – أنه محارب له، والله تعالى إذا حارب العبد أهلكه، فليحذر الإنسان من التعرض لكل مسلم.” .

فلا تستعجلي يا نفس، قد يصلك نصيبك، فاحذري دفاع الله عنهم، قد يصيبك الذل والهوان والخذلان… وأنت غافلة عما أصابك في غيك منتشية.

يا نفس، إذا كنت قادرة اليوم، فلا تنسي قدرة الله عليك، اليوم أنت تصولين وتجولين طالقة العنان للسانك السليط على أولياء الله، وقلمك في المنتديات وعبر التدوينات، شغلك الشاغل هو تسفيه أحلام العقلاء، اتخذت لغيك منبرا، وصرت عالمة بكل شيء، تفهمين في الاقتصاد والسياسة والتربية والتعليم والتاريخ والفلسفة والأبعاد الآفاقية والأنفسية… لا ترقبين في مؤمن أو شريف من ذوي المروءات وذوي الفضل إلا ولا ذمة، موسوعية أنت.. يا لجهلك! ما أبلهك!  ما أريكم إلا ما أرى، قالها أعلم منك.. فكانت النتيجة: الطرد من رحمة الله، نعوذ بالله من السلب بعد العطاء.

أنسيت يوم كنت لا تستطيعين الكلام، ولا تستطيعين في الساحات مقارعة الأقران، فعُلمت حسن البيان والاقتحام، فلما اشتد عودك عاديت من أطعمك لذيذه، وجنبك سم الخطاب وحذرك من رفيق السوء وزلاته، هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ ، أم أن الملح قد أصابه ما أصابه.

يا ناكرة الجميل والمعروف، كم أنت جاهلة! يا حاقدة: تعادين من ينصحك ويردك إلى الصواب، ويرفق بك ويرحمك ويشد من عضدك ويقويك، ولا يتخلى عنك وقت الشدائد والمكائد… وترفعين من شأن الفساق والفاسدين والمفسدين في الأرض من أجل فتات موائدهم، أو ابتسامة حانق منهم، لا محالة ستذوقين من نفس الكأس، إن لم تستيقظي من غفلاتك، كمدا.

سينتهي الكلام المنمق وسيتخلى عنك كل من كان “يجمجم لك”، سيتبرأ منك الجميع، الآن حصحص الحق، أتى الوعد الحق، ولا شيْء أشد عليك حينذاك من شماتة الأعداء وخذلان الأخلاء، أين هم؟ اللهم إني أسألك حسن الخاتمة.

هكذا هو حال كل من ركن إليهم ونسي مصير أمثاله، عبر تاريخ الأمم، دمارا ومسخا وذلا، ولات حين ندم، قال الله عز وجل: وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنْسَانِ خَذُولًا .

يا له من تصوير بديع وخطير ومخيف، ويا ليت هذه “ليت” كانت في دار التوبة والندم، وأنت قادرة على الاعتذار وطلب الصفح، وأنت تستطيعين التترس بالورع وإصلاح ما أفسدته يداك، أخي المدون أختي المدونة، يا نفس، احذري مما تخطه يداك، عما قريب سترحلين وتبقى الأحرف شاهدة عليك بأجسادها وأرواحها.

احذري: هما اثنان لا ثالث لهما: خليل السوء، وهو شر ما في الدنيا ويتبرأ منك فيها قبل الآخرة، ويخذلك في موقف أنت أحوج إلى من يدعمك، أو خليل الخير وهو أفضل ما في الدنيا وينفعك في الآخرة.


[1] الحديث كاملا: عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إن الله تعالى قال: من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب، وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إليّ مما افترضته عليه، ولا يزال عبدي يتقرب إليّ بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، ولئن سألني لأعطينه ولئن استعاذني لأعيذنه” رواه البخاري.
[2] تقي الدين أبو الفتح محمد بن علي بن وهب بن مطيع القشيري، المعروف بابن دقيق العيد (المتوفى: 702هـ)، شرح الأربعين النووية في الأحاديث الصحيحة النبوية، مؤسسة الريان الطبعة: السادسة 1424 هـ – 2003 م عدد الأجزاء: 1، ص: 127.
[3] عبدالعال سعد الشليّه شرح حديث: من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب، https://www.alukah.net/sharia/0/107177/#ixzz6hoJhZiHw
[4] سورة الرحمن، الآية: 60.
[5] سورة الفرقان، الآيات:27-29.
تاريخ الخبر: 2022-02-14 12:20:12
المصدر: الجماعة.نت - المغرب
التصنيف: سياسة
مستوى الصحة: 47%
الأهمية: 54%

آخر الأخبار حول العالم

المزيد من الأخبار

مواضيع من موسوعة كشاف

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

تحميل تطبيق المنصة العربية