يمثل الطلبة المغاربة ثاني أكبر جالية أجنبية تدرس في الجامعات الأوكرانية، بتعداد يقارب 10 آلاف طالب وطالبة. أقل منهم عدداً الجزائريون، الذين زادوا بنسبة 212% إلى حدود 2019، وتستقبل الجامعات الأوكرانية بشكل سنوي ما يقارب 500 طالب جديد بمدرَّجاتها. وفي المركز الثالث يحل الطلبة التونسيون.

كل هذه معطيات تظهر أن طوال السنوات الأخيرة كانت أوكرانيا قبلة دراسية مهمة للطلبة المغاربيين، الذين يقبلون فيها على تخصصات أبرزها الطب والهندسة المعمارية، يغيرهم من أجل ذلك سهولة ولوج هذه الشعب التي ربما تبقى ممتنعة عليهم في بلدانهم، كما لانخفاض تكاليف المعيشة في أوكرانيا مقارنة بدول أوروبية أخرى.

اليوم، وطبول الحرب تدق على حدود البلاد، مهددة إياها باجتياح روسي قد يقع في أي لحظة، تقلب هذه المستجدات حياة أولئك الطلاب رأساً على عقب، توقف قسرياً مسارهم الدراسي وتفرض عليهم مغادرة قد تبقى ممتنعة عند قسم كبير منهم لغلاء تذاكر الطيران وشح الرحلات. كما يزيد من حيرتهم تضارب التصريحات بين تحذيرات دولهم الأم وتطمينات الحكومة الأوكرانية.

دعوات مغادرة مكثَّفة

مع تزايد التصعيد بين روسيا وأوكرانيا إثر انطلاق المناورات المشتركة بين الجيش الروسي والبيلاروسي شمال البلاد، وتوارد دعوات الحكومات الغربية لرعاياها من أجل مغادرة الأراضي الأوكرانية، بلغت حد إفراغ الولايات المتحدة وكندا وأستراليا سفاراتها من الموظفين وتعليق العمل فيها. طالبت كل من الخارجية المغربية والجزائرية رعاياها في أوكرانيا بمغادرة البلاد.

وقالت وزارة الخارجية المغربية في بلاغ لها، يوم السبت: "في ظل الوضع الحالي، توصي سفارة المملكة المغربية في كييف المواطنين المغاربة في أوكرانيا بمغادرتها حرصاً على سلامتهم، وذلك عبر الرحلات الجوية التجارية المتوفرة". كما دعت السفارة المغربية في كييف المواطنين المغاربة الراغبين في السفر إلى أوكرانيا إلى تأجيل سفرهم في الوقت الراهن. ووضعت رهن إشارة رعاياها أرقاماً هاتفية للتواصل والإجابة على استفساراتهم.

في ظل الوضع الحالي، توصي سفارة المملكة المغربية بكييف المواطنين المغاربة المتواجدين في أوكرانيا بمغادرتها حرصا على...

Posted by Ministère des Affaires Etrangères on Saturday, February 12, 2022

وفي نفس السياق، نشرت السفارة الجزائرية في أوكرانيا بياناً تطالب فيه رعاياها بتحيين بياناتهم الخاصة لديها. وقالت السفارة: "للأوضاع الراهنة في أوكرانيا وتجنبا لأي طارئ، يتوجب على المواطنين الجزائريين القاطنين في أوكرانيا تحيين المعلومات الخاصة بعناوينهم وأرقام هواتفهم من أجل الاتصال بهم عند الضرورة". ووضعت هي الأخرى خطاً هاتفياً أخضر تحت تصرف الجزائريين للتواصل معها.

أصوات الطلبة وسط الحرب

قلبت هذه النداءات إضافة إلى الوضع الأمني المنساق نحو التدهور حياة الطلبة المغاربة والجزائريين بأوكرانيا رأساً على عقب. هذا ما استقيناه من حديثنا معهم، إذ غلب الاضطراب كل الإجابات، والحيرة التي تحاول رسائل التطمين أن تخفيها دون جدوى.

فمن جانبه، يقول ياسين تامريغتي، طالب مغربي بأوكرانيا لـ TRT عربي إن "الوضع إلى حد الآن على ما يرام، غير أن أصدقاء أوكرانيين حذروني من سوء مرتقب". مضيفاً أنه "نتمنى الأفضل ألا يقع مكروه لهذه البلاد، لكن على الواحد منا ألا يلقي بنفسه في مغامرة قد تؤذيه". وبعدها ركب ياسين طائرة متوجهة إلى الدار البيضاء.

عكسه خالد النيف، الطالب المغربي بأوكرانيا، الذي فضل عوض الرجوع إلى بلده السفر نحو الغرب الأوكراني بعيداً عن مناطق التهديد. قال لـ TRT عربي: "أنا من ناحيتي فضلت ألا أعود للمغرب حتى تتوضح الأمور". مضيفاً عن الحيرة التي يتشاركها مع باقي زملائه من نفس الوضع: "لم نعد نعرف ما هو الصحيج وما هو الخطأ ، فالغرب والإعلام يقولون إن الحرب وشيكة، والحكومة الأوكرانية تقول إن الأمور على ما يرام.. لهذا فضلت عدم التسرع والمغادرة".

وحسب فيصل قنِّي، الطالب الجزائري بأوكرانيا، فإن وسائل الإعلام أثرت بشكل كبير على نفسية الطلبة بأوكرانيا، قائلاً في حديثه لـ TRT عربي: "لقد أصبنا بالهلع والقلق في الأيام الأخيرة، للأخبار التي تهافتت وسائل الإعلام على تداولها، بالمقابل طمأنتنا رسائل الحكومة الأوكرانية التي تحدثت عن أن الغزو لا يزال بعيداً، وإلى ذلك الحين فالأمر متروك لإرادة الله من قبل ومن بعد".

متاعب عودة قسرية

فيما لا تخلوا هذه العودة المفروضة من متاعب، تنزل هي الأخرى بثقلها على رؤوس الطلبة المغاربة والجزائريين بأوكرانيا. على رأسها صعوبة اتخاذ قرار الرحيل بين عشية وضحاها، وما يستلزمه من توفير ثمن التذاكر وإيجاد رحلات مناسبة بالنسبة لأشخاص يعتمدون بشكل أساسي على تمويل عائلاتهم لتأمين معيشهم هناك.

الأمر الذي اشتكى منه حسن الكرماوي، الطالب المغربي بأوكرانيا، إذ صرّح لـ TRT عربي قائلاً: "نجد مشكلة في إيجاد تذاكر العودة، فهي مفقودة نظراً لضعف عرضها مقابل الطلب الكبير عليها بعد تحذيرات السفارة المغربية بكييف، وإذا نجحت في تأمين واحدة فستجدها بأثمنة خيالية". ويضيف حسن: "يوجد عدد من الطلبة لم يجدوا ما يدفعون به أثمنة هذه التذاكر، فهم يتوجهون عوض ذلك إلى غرب البلاد بعيداً عن المناطق المهددة بالغزو، في انتظار أن توفر لهم رحلات إجلاء مباشرة".

يوجد كذلك مشكل آخر يؤرق الطلبة المغاربة هناك، هو مصير مسارهم الدراسي. إذ يطالب الطلبة بمتابعة دروسهم عن بعد نظراً لهذه الظروف، فيما تجيبهم الجامعات الأوكرانية بأنها لن تتخذ الخطوة إلا بتدخل رسمي من السفارة المغربية. تدخل رسمي تقول السفارة إنه خارج اختصاصها، هذا ما يوضحه مقطع فيديو نشرته صفحة "مغاربة أوكرانيا" قالت إنه لطالبات مغربيات يتحاورن هاتفياً مع مسؤول في سفارتهم.

#جميعا_لمساعدة_الطلبة_العالقين_في_أوكرانيا #مغاربة_أوكرانيا🇺🇦🇲🇦

Posted by ‎Marocains D'Ukraine مغاربة أوكرانيا‎ on Sunday, February 13, 2022

فيما تواجه هذه العودة كذلك متاعب مع الإجراءات الصحية التي تفرضها السلطات المغربية لمواجهة تفشي فيروس كورونا، فتلزم القادمين إليها من الخارج باستكمال جرعات لقاحهم الثلاث مع إجراء فحوصات لثبوت عدم إصابتهم بالفيروس. وبعث الطلبة المغاربة بأوكرانيا رسالة استفسار عن طريق الصحفي المغربي المعروف رضوان الرمضاني، الذي نشر على صفحته منشوراً يطالبون فيه السلطات المغربية بالإجابة عن أسئلتهم حول "شروط السفر (التلقيح-pcr)؟ هل يمكن للسفارة ارسال خطاب مباشر للجامعات او وزارة التعليم الاوكرانية بشأن توقف الدراسة؟ وهل سيجرى توفير خطوط مباشرة من كييف الى المغرب بسبب أزمة التذاكر الحالية؟".

رسالة من أوكرانيا… في ظل التوتر القائم بين روسيا و أوكرانيا و على غرار الشائعات التي تم نشرها على مختلف المنابر...

Posted by Ridouane Erramdani on Sunday, February 13, 2022

نفس الأمر يعيبه مراقبون على تحركات الخارجية الجزائرية في هذا الصدد، واحد منهم الصحفي الجزائري مولود صياد، الذي أشار في حديثه لـ TRT عربي أنه: "يمكن أن نقرأ عبر تفاعل السفارة الجزائرية ووزارة الخارجية مع وضع المغتربين في أوكرانيا أنها فضَّلت أن تتريَّث في اتخاذ إجراءات المطالبة بالمغادرة". لكنه عبَّر عن قلقه من هذا الأمر، إذ إن "لا أحد يعلم موعداً لانطلاق الحرب وأخاف أن يصاب الطلبة والمواطنون الجزائريون بأوكرانيا بمكروه، وبالتالي كان يمكن تسيير رحلات إجلاء مباشرة من الآن، دون الاضطرار لها إذا ما اندلعت الحرب ويمكن أن يكون وقتها الأمر متأخراً".

TRT عربي