مع تزايد التصعيد على حدود أوكرانيا، والغزو الروسي المحتمَل لأراضيها، تمتدّ آثار هذا النزاع بين الغرب وموسكو إلى مناطق بعيدة جدّاً عن رقعته الجغرافية الأصلية. ولا تخرج المنطقة المغاربية عن دائرة ذلك النزاع، هي التي كانت الحرب الباردة أحد عوامل الاستقطاب داخله، وما أنتجته من خلافات عسيرة الحلّ تهزّ إلى يومنا هذا العلاقات بين الجارين، المغرب والجزائر.

بينما يعود التوتر بشكل مختلف ليلقي بظلاله على البلدين، استبدلت فيه بالخندقة الآيديولوجية الواقعية السياسية والبراغماتية في بناء الأحلاف، مع استمرار أشكالها التقليدية: الجزائر حليفة روسيا لكن لها مصالح مع الغرب، والمغرب حليف الغرب لكن لا يمانع في توقيع شراكات اقتصادية مع موسكو، الأمر الذي يجعل رسم خريطة لهذا التنافس حول المنطقة أمراً أكثر تعقيداً.

في المقابل يرى محللون أن هذا التنافس الذي كان سبب شقاء المغاربيين في السابق، يمكن أن يكون سبب هنائهم بتحقيق الوحدة المأمولة، بسبب الدور الاستراتيجي الذي تلعبه في تعزيز الأمن الطاقي الأوروبي، بما قد يؤدي إلى جهود وساطة لعودة مياه العلاقات إلى مجاريها بين الرباط والجزائر.

سباق الأحلاف العسكرية

منذ شهور تقع المنطقة المغاربية تحت ثقل التنافس الاستراتيجي المحتدم بين الغرب وروسيا، نظراً إلى موقعها الاستراتيجي الذي يغذّي أطماع كل منهما. بالنسبة إلى الغرب فتلك منطقة نفوذها الاستعماري التاريخية، كجبهة دفاعاتها الخلفية في البحر الأبيض المتوسط، إضافة إلى ثرواتها الطاقية الزاخرة. وبالنسبة إلى روسيا، فاختراقها المنطقة يعني الحضور قرب السواحل الجنوبية لأوروبا وأن تكون طرفاً في معادلة مضيق جبل طارق، وهي باب نحو العمق الإفريقي وسوق بقرابة 100 مليون مستهلك لاقتصادها.

تنافس في سياقه العسكري أخذ شكل تنافس نحو تسليح قطبَي المنطقة، إذ وافق البنتاغون شهر نوفمبر/تشرين الثاني الماضي على تسليم المغرب منظومة الدفاع الجوية "باتريوت"، في صفقة تُضاف إلى حزمة أسلحة أخرى بقيمة 4.25 مليار دولار للقوات المغربية، بما في ذلك 36 مروحية هجومية ثقيلة من طراز "AH-64 Apache"، وغيرها من الأسلحة ومعدات الصيانة المرتبطة بها.

في المقابل زوّدَت روسيا الجزائر بأنظمة صاروخية للغواصات متطورة للغاية لا يملكها سوى سبع دول في العالم. جُرّبت خلال مناورات "مركب الردع 2021" البحرية المشتركة في سبتمبر/أيلول الماضي بالقرب من الحدود المغربية، حيث رُميت صواريخ وطوربيدات لقصف أهداف على سطح البحر و"دُمّر الهدف بنجاح" حسب بلاغ نشرته وكالة الأنباء الجزائرية. كما أوردت وسائل إعلام جزائرية عن تسلُّم البلاد منظومة الدفاع الجوية الروسية "S-400".

إضافة إلى تلك المناورة، كثفت روسيا مناوراتها في البحر الأبيض المتوسط، بمشاركة القوات الجزائرية أو دونها. ردّ عليها الغرب كذلك بتكثيف مناوراته في المنطقة، بداية بـ"أسد إفريقيا" التي أجرتها القوات الأمريكية والمغربية شهر يونيو/حزيران الماضي. ومناورات "بولاريس 21" التي أجْرَتها القوات البحرية لكلٍّ من الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وإسبانيا وإيطاليا واليونان بمياه المتوسط في ديسمبر/كانون الأول الماضي.

وحسب محللين استراتيجيين، فهذا السباق نحو التسلُّح والمناورات المكثفة، يأتي تأكيداً لاستراتيجية الأحلاف التقليدية بين الجزائر وروسيا، كما بين المغرب والغرب، إذ تُعَدّ المملكة منذ 2004 حليفاً رئيسياً للناتو من خارج الحلف.

لعبة الواقعية السياسية

هذا التشبُّث بالأحلاف التقليدية استراتيجياً وعسكرياً مع قطبَي المنطقة المغاربية، لا يعني بالضرورة إعادة إنتاج للقطبية الآيديولوجية السابقة خلال الحرب الباردة، في المقابل يفتح الباب أمام الواقعية السياسية كي تجعل تلك العلاقات أكثر تشابكاً وتعقيداً.

هذا ما يكشف على سبيل المثال الردّ الروسي على ترويج الإعلام الجزائري أزمةً بين الرباط وموسكو في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، إذ قالت الخارجية الروسية وقتها في بيان إن "المزاعم عن العلاقات المتوترة للغاية بين روسيا والمغرب، لا سيما بسبب تعزيز التعاون بين موسكو والجزائر وفقاً لما قالته وسائل الإعلام الجزائرية، لا تتوافق مع الواقع، وليست إلا في خيال هذه الصحيفة (الشروق الجزائرية)"، كما تدلّ عليه العلاقات الاقتصادية المغربية-الروسية، خصوصاً في مجال الفلاحة والصيد البحري.

بنفس الكيفية، يمكن أن تصبح الجزائر ملاذ الأمان الطاقي للاتحاد الأوروبي في حال وقوع حرب مع روسيا، حسب ما أرده مقال تحليلي لمؤسسة "المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية" البحثية. بالتالي سيفرض الأمر على بروكسيل الدخول بخيط أبيض بين المغرب والجزائر، في جهود مصالحة تعيد تفعيل أنبوب الغاز "المغرب العربي-أوروبا" الذي توقف العمل به نظراً إلى القطيعة الدبلوماسية بين البلدين، إذ سترفع عودة الأنبوب إلى الخدمة من القدرة الإنتاجية الجزائرية للغاز، وسيمكّن الأوروبيين من تغطية جزء كبير من النقص الممكن أن يخلّفه غياب الغاز الروسي.

TRT عربي