في 18 فبراير/شباط من كل سنة، تحلّ ذكرى مجزرة قرية نيلي بولاية آسام شرقي الهند، التي راح ضحيتها ما قُدر بـ5000 مدني مسلم، أغلبهم من الشيوخ والنساء والأطفال، في إحدى أكثر المجازر دموية في تاريخ البلاد منذ الحرب العالمية الثانية.

ويعود وقوع مجزرة نيلي إلى سياق سياسي وعرقي محتدم، اتهم فيه القوميون المتطرفون مواطنيهم المسلمين بمحاولة التلاعب بنتائج الانتخابات المحلية وقلب التوازن الديموغرافي لصالحهم، كما تحالفت الشرطة الهندية مع القتلة من القوميين الهندوس، ولم تتدخّل لحماية الضحايا طوال أطوار الواقعة.

فيما هو ذات الواقع الذي تعيشه الولاية مسرح عملية القتل العنصري وقتها، والهند بأكملها، منذ تَقلُّد حكومة ناريندرا مودي اليمينية المتطرفة مقاليد السلطة في البلاد، حيث تضاعفت الهجمات الدموية ضد الأقلية المسلمة بشدة، والاضطهاد العنصري والتضييق الممنهج على حرياتهم في البلاد.

مجزرة نيلي

قبل أيام من وقوع مذبحة نيلي كانت الأوضاع بدأت في اضطراب صاخب داخل الأوساط السياسية في المنطقة التي لم تكن هادئة منذ سنوات السبعينيات، إذ اندلعت القلاقل في ما سُمي بقضية "المهاجرين غير الشرعيين"، وقيادة حزب "اتحاد طلاب آسام" احتجاجات معادية لهؤلاء المهاجرين ومحرضة ضدهم.

مع بداية سنة 1983، عام وقوع المجزرة، عرفت المنطقة تنظيم انتخابات فرعية، صبَّت الزيت على نار الكراهية المشتعلة. ضغط خلالها حزب "اتحاد طلاب آسام" لتأجيل إجرائها إلى أن تُنقَّح اللوائح الانتخابية ممن ادعى أنهم مهاجرون بنغال غير شرعيين أُغرقَت بهم. وأطلق حملة تحريض منقطعة النظير ضد مسلمي الولاية.

في المقابل أصرت حكومة أنديرا غاندي وقتها على إجراء الانتخابات في موعدها، متعهّدة ببعث قوات من الشرطة والجيش لتأمين مرورها في ظروف آمنة. وطوال تلك الفترة، كان القوميون المتطرفون بدؤوا فعلاً ارتكاب جرائمهم العنصرية بالهجوم على القرى المسلمة. وتشير تقارير لجنة التحقيق في أعمال الشغب إلى أنه بين يناير/كانون الثاني 1983 ومارس/آذار 1983، وقع 545 هجوماً على الطرق والجسور، وسُجّل أكثر من 100 حادثة اختطاف.

وصولاً إلى يوم 17 فبراير/شباط، إذ قدمت الشرطة إلى قرية نيلي وأخبرت السكان المسلمين بأن الوضع آمن، وليس عندهم ما يخشونه، اطمأن هؤلاء لحديث رجال الأمن فقرروا الذهاب إلى أعمالهم خارج القرية صبيحة اليوم التالي.

صبيحة 18 فبراير/شباط، ومع خروج الرجال إلى أعمالهم، هاجمت عصابات متطرفة من قبيلة لالنجو قرية نيلي من ثلاثة مداخل، كما حاصروا 13 قرية مسلمة أخرى، مسلَّحين بالأسلحة البيضاء والعصيّ وبعض البنادق، فباغتوا السكان الذين كان أغلبهم من الشيوخ والنساء والأطفال، فدفعوهم نحو النهر حيث وقعت المجزرة.

عند تجميع أولئك السكان بدأ المهاجمون إحراق بيوتهم، ثم انطلقوا في عمليات ذبح ممنهجة راح ضحيتها 5000 شخص حسب روايات محلية. في ذلك الوقت لم تتدخل الشرطة لوقف السفاحين، وكانت على علم مسبق بأن ذلك سيحصل، إذ تكشف برقية لأحد الضباط المسؤولين في المنطقة تحذيره من أن "نحو ألف آسامي من القرى المجاورة جمّعوا أسلحة فتاكة في نيللي بقرع الطبول، والأقليات في حالة ذعر وتخوُّف من هجوم في أي لحظة. الخضوع لعمل فوري للحفاظ على السلام".

الاضطهاد قائم

مثّلت مجزرة نيلي جرحاً في التاريخ الهندي، لكنها لم توقف تمدُّد النزعة القومية العنصرية داخله، بل استمر اتساعها لتتقلّد زمام السلطة ممثَّلة في حكومة ناريندرا مودي الحالية، إذ كان آخر قراراتها المعادية للمسلمين منع الطالبات داخل المدارس من ارتداء الحجاب، مما أثار موجة غضب كبيرة واحتجاجات دفعت بعض الولايات إلى وقف الدراسة.

تعود الأصول الآيديولوجية لهذا الاضطهاد إلى عقيدة الهيندوتفا، التي يتبناها رئيس الحكومة الهندي، والتي يلتفّ حولها عدد كبير من الأتباع يتشكلون في مليشيات مسلحة "راشتريا سوايامسيفاك سانغ"، أو " آر إس إس" اختصاراً. وتهدف هذه العقيدة إلى تأسيس نظام شمولي قائم على نمط الحياة الهندوسي والتمجيد المغالي للانتماء الهندي.

ومنذ تأسيس مليشيات "آر إس إس" دأبت على استفزاز الأقلية المسلمة تزامناً مع كل احتفال ديني هندوسي قبل أن يعيثوا في المسلمين تعنيفاً وتقتيلاً. وسنة 1992 عمد آلاف من مليشيات "آر إس إس" إضافة إلى جماعات هندوسية متطرِّفة أخرى إلى الهجوم على "مسجد بابري" التاريخي بولاية أرت بارديش المقدسة لدى الهندوس، وهدموه بدعوى أنه بُني على أنقاض معبد للإله رام، مطلقين العنان لأعمال عنف دامت عدّة أشهر متسبّبةً في مقتل ما لا يقل عن 2000 شخص.

ومع اعتلاء ناريندرا مودي رئاسة حكومة الهند، عرفت عقيدة الـ"هندوتفا" انتشاراً واسعاً، وبسطت مليشيات "آر إس إس" نفوذها على الساحة السياسية والاجتماعية الهندية. وبرز الوزن الكبير لتحالف لحكومة مع هذه العصابات مع اندلاع احتجاجات المسلمين الهنود على "قانون الجنسية الجديد" سنة 2019، وقتها لعبت العصابات الهندوسية المتطرفة، على رأسها "آر إس إس"، دوراً مهمّاً في قمع المظاهرات المناهضة للحكومة، بعد أن جنَّدتها شرطة العاصمة نيودلهي في ذلك، "مما شجع العصابات الهندوسية على زيادة هجماتها على المسلمين"، حسب تقرير سابق لوكالة الأناضول.

فيما تشير الأرقام التي كشفت عنها التقارير الاستقصائية حول جرائم الكراهية في الهند، عن تجاوز الضحايا من المسلمين تحديداً خلال السنوات العشر الماضية نسبة 90%، وفي الوقت الذي تُدين فيه القوانين الدولية مرتكبي جرائم الكراهية في العالم، تكافئ السلطات الهندية المتورطين في أعمال عنف ضد الأقلية المسلمة هناك ولا تلاحقهم بأي عقوبة، لتكون الهند بذلك عنواناً لأبشع أنواع الإسلاموفوبيا في العالم كما يصفها ناشطون وحقوقيون.

TRT عربي