أثُيرت حالة من الجدل خلال الأيام والأسابيع القليلة الماضية في مصر إثر انتشار مقطع شكك فيه أحد الإعلاميين البارزين في معجزة الإسراء والمعراج واصفاً إيّاها أنّها "قصة وهمية كاملة"، وسبق ذلك هجوم شرس لشخصيات بارزة من النخبة المصرية على مؤسسة الأزهر وشيخها أحمد الطيب محاولين تشويه صورتها.

ورغم الضجة التي تحدثها تلك المقاطع وحالة الاستنكار الواسعة على مواقع التواصل الاجتماعي، غير أنّ الإعلاميين المتسببين في تلك الضجة كثيراً ما يروّجون لأفكارهم على أنها "تنويرية" وأنهم يستهدفون من خلالها تجديد الخطاب الديني في البلاد، فيما يتّهمهم البعض بالرغبة في استهداف هوية المجتمع المصري الإسلامية، وإلهاء المجتمع بمسائل غير ملحّة فارغة من المضمون.

هجوم وتشويه مستمر

خاطب الإعلامي المصري إبراهيم عيسى المشاهدين في برنامجه "حديث القاهرة" على قناة "القاهرة والناس" الجمعة، قائلاً "طيب ما رأيك إن مفيش (لا يوجد رحلة) معراج، ستصدق؟"، مضيفاً أنّها "قصة وهمية كاملة وفق ما تقول كتب سيرة وتاريخ وحديث"، وذلك دون أن يذكر اسم أيّ من تلك الكتب.

وأمرت النيابة المصرية الأحد، ببدء التحقيق في بلاغات ضد عيسى، إثر حديثه عن إنكار رحلة المعراج النبوية، وذلك بعد أيام من إثارته جدلاً كبيراً بادعاء أن النساء في صعيد مصر (جنوبي البلاد) كن يرتدين الملابس القصيرة و"المايوهات" (لباس البحر) في الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي.

وكان الإعلامي المصري ذاته قد أثار الجدل مطلع الشهر الجاري عبر هجومه الحاد على الأزهر وشيخه أحمد الطيب، واصفاً ما يقوله الطيب بالـ"خطأ" وذلك بعد عرضه مقطعاً قديماً ومجتزأ لشيخ الأزهر يعود إلى عام 2019، زاعماً أنّ الأخير دعا فيه إلى العنف ضد المرأة.

وتضمّنت موجة الهجوم على الأزهر حينئذ مشاركة من إعلاميين آخرين أيضاً مثل عمرو أديب الذي استضاف الدكتورة مايا مرسي رئيسة المجلس القومي للمرأة، وإسلام البحيري الذي قدّمه الإعلامي المصري كـ"باحث إسلامي كبير". وقالت مرسي أثناء مداخلة مع أديب في برنامجه "الحكاية" على قناة "MBC مصر" إنّ "حق السيدات اللاتي يتعرضن للعنف الأسري في رقبة شيخ الأزهر"، فيما هاجم البحيري شيخ الأزهر قائلاً إنّ "كلامه خطأ وضد الدستور".

"شجاعة" أم "استعلاء فكري"؟

وصف الكاتب الصحفي المصري حمدي رزق حالة الجدل والانتقاد الواسعة التي طالت عيسى جرّاء مواقفه وأحاديثه الفترة الأخيرة بكونها مثل قيادة "شاحنة فى طريق الحياة بعقل ورؤية، ودراية على الطريق التنويرى الصعيب".

وأضاف رزق في عموده الذي عنونه بـ"إلى إبراهيم عيسى" في صحيفة "المصري اليوم" أنّ ما يقدم عليه عيسى هي "شجاعة أغبطه عليها، شجاعة لا أملكها"، لكنّه حذّره أيضاً من "كثرة المتربّصين" مطالباً إيّاه بتهدئة حدّة ووتيرة مواقفه، والوقوف لالتقاط الأنفاس "هنيهة على طريق السلامة الذي أرجوه لمن قرر المضي قدماً في هذا الطريق".

ولا يتفق الكاتب والباحث خليل العناني مع وصف "الشجاع التنويري" الذي أطلقه رزق، موضحاً إنّ "أوّل شروط التنوير الحقيقي هو الحرية والتحرير، تحرير الإنسان وإرادته وعقله من الاستبداد"، مشيراً إلى أنّ ما يفعله كثير من الإعلاميين والنخبة المصرية هو مجرّد "ممارسة الاستعلاء الفكري والأخلاقي على المخالفين ووصفهم بالرجعيين والمتخلّفين والمتشددين".

واستنكر العناني في مقال صحفي بعنوان "العقل المصري بين التكفير والتنوير والتزوير" عدم تطرّق هؤلاء ممن يصفون أنفسهم بـ"التنويرين" لقضايا تتعلّق بـ"قيم الحرية، أو العدالة، أو الديمقراطية، أو التعددية، أو المواطنة الحقيقية"، على حد وصفه.

واتّهم الكاتب والباحث المصري "المواضيع الجدلية" التي يثيرها هؤلاء الإعلاميون وتعمّدهم إثارة الجدل حول قضايا دينية شائكة لمحاولة "الاستيلاء على الترند"، وذلك بغرض إشغال وإلهاء الناس بـ"قضايا هامشية وأحيانا تافهة" لصرف أنظارهم عن قضايا أكثر أهمية.

TRT عربي