حزموني ولزموني: ميثاق ومركز موحد ليش!


عبد الله علي إبراهيم
تنتاب معارضة انقلاب ٢٥ أكتوبر حالة يمكن وصفها ب”حزموني ولزموني”. فلا ترى من وجوه مقاومتهم في بياناتهم إلا أن يكونوا جماعة يظللهم ميثاق سياسي ملمومين فيما عرف ب”المركز الواحد” لملقاة الانقلاب عرايا طالما جاءهم محزماً. وغير خاف أنهم يدعون لتلافي سقطتهم بنكسة الانتقالية (ولا يظننن الحزب الشيوعي بمنجاة هنا لأنه لم يكن في هياكلها) بلبن الطير، أي بما لم ينجحوا في تحقيقه لسنوات ثلاث (ميثاق ومركز موحد) حتى جاءتهم الطامة. فلا مركزاً موحداً قطعوا ولا ميثاقاً أبقوا.
وكما سبق لي القول إن هذه هرطة أعرفها عن صفوة البرجوازية الصغيرة. تفشل وتغطي عجيزتها دون مكاشفة نفسها بنفسها بعللها لتجويد مقاومتها في القادم. فلا يعرف المرء لماذا هذا الخلاف والعوة وجرجرة الأقدام بين أطراف المقاومة حول الميثاق والمركز الموحد طالما اتفق للجميع أن فيه شفاء الوطن إلا أنها تفشل لتدمن الفشل. هذا هو الراجح.
هل مقاومة الانقلاب بحاجة إلى حزموني ولزموني هذه؟ هل لابد أن تبدأ بعد اكتتاب ميثاق ومهره في تجمع موحد؟
لا. هذه المقاومة أرحب من ذلك. وليست بحاجة إلى مركزة. إنها مما تبذله كل جماعة على حدة لا انتظاراً لمركز موحد يأتي تمنياً أو لا يأتي، بل لتأمين قيامه من فوق ممارسات معارضة مؤكدة. كنا في الحزب الشيوعي على أيام معارضة عبود في جبهة وطنية شملت حزب الأمة والوطني الاتحادي، أزهري، وبعض اتحادات الطلاب. ولم نكل ممارسة المعارضة لذلك المركز حصرياً على أنه كان بقيادة واحد من أميز السياسيين ذوي التابعية هو السيد الصديق المهدي. ومتى تصفحت كتاب “ثورة شعب” (١٩٦٥)، الحاوي لمجاهدات الحزب الشيوعي للنظام خلال سنواته الست، سترانا حركة في حلف مع جماعة ولم ترهن مع ذلك نضالها المستقل لأحد كائناً من كان. بل جاء وقت في ١٩٦٣ خرجنا على الجبهة الوطنية لأنها لم تتفق معنا على مقاطعة المجلس المركزي المسخ بقوة أو دخوله بقوة. وكان السيد الصديق قد غادرنا إلى دار البقاء وأصبحت الجبهة الوطنية صورة باهتة من نفسها. وتركناها لنقرر بكامل حريتنا في ما ينبغي لنا عمله.
مرت بي مواقف أخيرة غاية في النضج السياسي المقاوم لم يحتج قيامها إلى مركز سياسي موحد. فقرأت لجريدة “الميدان” كلمة استنكرت اعتقال قادة لجنة إزالة التمكين لم تقبل فيه مطاعن قوى الردة في أمانتهم. وطالبت بإطلاق سراحهم بغير قيد أو شرط كقادة دولة تعرض لهم الانقلابيون خلال أداء واجباتهم الرسمية. وكلنا يعرف مع ذلك أن الحزب الشيوعي ممن لم يكن راضياً عن وجوه كثيرة من عمل لجنة إزالة التمكين.
أما البينة الثانية على أن مقاومة الانقلاب فريضة بلا حزموني ولزموني فبيان حسن السبك والحجة من تجمع المهنيين (هل بوسع قادة الاتحاديين المتشاكسين التفريق بينهما برموز للنسب لنعطي الفضل به لأهله) في الرد على تصريحات الفريق البرهان عن مديونية الحكومة للجيش بمليار وأربعة من عشرة مليار دولار. فوضّح التجمع، كما لم يفعل خلال سنوات حكمه، أن الدولة لا تدفع مرتبات القوى النظامية حتى الدعم السريع “جدادة الخلا” فحسب، بل أنه لا يدخل خزينتها قرش أحمر من شبكة شركات القوى النظامية المزعومة. وهذه مقاومة تضرب في عمق قوى الهرج بالسلاح. وددت لو تجمع أمثال هذه البيانات في كتاب يوفر لشبابنا مادة موثقة ليلحنوا بحجتهم في جدالهم مع الثورة المضادة.
بل رغبت ألا نقف عند هذا البيان بل أن تتوسع في مادته أقلام اقتصادية لتنفذ إلى بنية الدولة السودانية التي اسقطناها وضاع عنا معناها. وذكرني زعم البرهان بدين للجيش على عاتق الحكومة كلمة لباحث فرنسي عن الجيش الجزائري قبل أكثر من عقدين. قال لو أن للأمة جيش فللجيش الجزائري أمة. لم نبلغ بعد علماً ثورياً بأمتنا التي هي للجيش والجيوش الخاصة.
أما “أجمل حلوين” هذه الكتابات المقاومة فكان اللقاء الذي عقدته “الراكوبة” مع جمال حسين مقرر لجنة إزالة التمكين (١٥ فبراير ٢٠٢٢). فأوضح عن لجنته أنها تكونت خالصة من عسكريين (ودعم سريع)، ومخابرات، وأمن، ونيابة عامة، وشرطة وشرطة مرور، وجمارك دون غيرها من اللجان. كل ميسر لما انتدب له. لجنة لا تخر ماء. فلم يقف عند الدفاع عند ذمة لجنة إزالة التمكين، بل كشف من واقع معلومات توافرت له، كمقرر للجنة، فساداً أزكم الأفئدة عن تملك السيارات في دولة الإنقاذ. فوجدت اللجنة مثلاً سيارات لمنظمة الدعوة الإسلامي يمتطيها من لا يمت لها بصلة. والهجوم هو الأصل في شغل الثورة. فلا يكرهنك أحد من دولة اللصوص للدفاع لأنه الكاسب في خاتمة الأمر. فلو قبلنا للحظة بالتهمة الموجهة لأفراد لجنة إزالة التمكين بمطلب توفير فرص الدفاع عن أنفسهم لهم، كما أوحى بعضنا، لعززوا موقفهم القائل بأنهم ليسوا فاسدين بل اتهمتم بذلك لجنة لم توفر لهم فرص الدفاع عن أنفسهم.
وزكت لي مقابلة جمال حسين مع “الراكوبة” فكرة أذعتها هنا مرات من وجوب استمرار لجنة إزالة التمكين في أداء أعمالها بصورة أو أخرى لتواصل الهجوم على مباذل الإنقاذ في المال العام وكل مال. ولا أعرف أن كان مثل هذا الشغل المنتظر من لجنة إزالة التمكين مما يحتاج إلي ميثاق ومركز موحد و”حزموني ولزموني”.
تاريخ الخبر: 2022-02-24 12:22:04
المصدر: صحيفة التغيير - السودان
التصنيف: سياسة
مستوى الصحة: 57%
الأهمية: 58%

آخر الأخبار حول العالم

الحبس النافذ للمعتدين على “فتيات القرآن” بشيشاوة

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-04-28 12:26:12
مستوى الصحة: 53% الأهمية: 54%

طقس الأحد.. أمطار رعدية بعدة مناطق من المملكة

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-04-28 12:26:21
مستوى الصحة: 60% الأهمية: 69%

ساعة جيب لأغنى ركاب "تايتانيك" بيعت في مزاد لقاء 1,46 مليون دولار

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-04-28 12:26:31
مستوى الصحة: 52% الأهمية: 64%

ساعة جيب لأغنى ركاب "تايتانيك" بيعت في مزاد لقاء 1,46 مليون دولار

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-04-28 12:26:38
مستوى الصحة: 47% الأهمية: 70%

طقس الأحد.. أمطار رعدية بعدة مناطق من المملكة

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-04-28 12:26:15
مستوى الصحة: 55% الأهمية: 68%

المزيد من الأخبار

مواضيع من موسوعة كشاف

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

تحميل تطبيق المنصة العربية