كما كان متوقعاً وحذر منه عدد من الجهات الغربية، شنت موسكو فجر يوم الخميس هجومها ضد أوكرانيا. سبقته هجمات سيبرانية مكثفة شلَّت عدداً من مواقع المؤسسات الحكومية على الإنترنت. تلتها ضربات جوية وصاروخية شملت مواقع في العاصمة كييف.

وأعلن حرس الحدود الأوكراني أن البلاد تتعرض لهجوم مدفعي على طول حدودها الشمالية مع روسيا وبيلاروسيا، مشيراً إلى أن القوات الأوكرانية تردّ بإطلاق النار. فيما شنَّت ميليشيات انفصاليي دونيتسك ولوغانسك على خط التماس بينها وبين القوات الأوكرانية.

فيما ليست هي المرة الأولى التي تدخل فيها القوات الروسية على خط مواجهة مع نظيرتها الأوكرانية، كما ليست هي الحرب الوحيدة التي خاضتها القوات الروسية خلال العشرين سنة الأخيرة. بل يعد الجيش الروسي أحد أكثر جيوش العالم نشاطاً، بمشاركته في حروب عديدة بكافة جهات الأرض الأربع وفي بيئات مختلفة.

حرب الشيشان الثانية

مع تنصيب بوتين على رئاسة الروسية، أول وجهة عسكرية له كانت الشيشان التي أوجع مقاتلوها الجيش الروسي في حربهما الأولى. من الجهة الأخرى، كان الوضع الأمني بالجمهورية الوليدة بعيداً على الاستقرار، مع تدهور اقتصادها وصعوبة تداول السلطة بشكل سلمي.

في أغسطس/آب 1999، نفذ أمراء الحرب الشيشانيين هجمات على قرى في داغستان المحاذية. هجمات تبرأت منها السلطة في العاصمة غروزني، لكن هذا لم يوقف عزم بوتين على الحرب، بعد أن سحب اعترافه بسلطة الرئيس الشيشاني مسخادوف.

في الخامس سبتمبر/أيلول، قصف الطيران الروسي الأراضي الشيشانية، وفي 23 من ذات الشهر أعلنت موسكو الحرب على الشيشان، ودفعت بنحو ثلاثين ألف جندي إلى الحدود الشيشانية.

واصلت القوات الروسية عملياتها العسكرية التي لقيت إدانات دولية واتهامات بارتكاب مجازر ضد الإنسانية. ودمَّر الطيران الحربي 60% من البنية التحتية للبلاد. ولقي الرئيس الشيشاني أصلان مسخادوف حتفه، سنة 2005، على يد قوات روسية، الأمر الذي أدى إلى إضعاف المقاتلين الشيشانيين وهزيمتهم بعدها.

في أبريل/ نيسان 2009، أعلنت الحكومة الروسية رسمياً انتهاء العمليات في الشيشان، وعهدت عبء التعامل مع "التمرد المنخفض" إلى قوة الشرطة المحلية. وقتها دعا زعيم المقاتلين الشيشانيين إلى وقف العمليات القتالية "كيلا يقتل الشيشانيون بعضهم البعض". وأدت الحرب، حسب تقديرات غير رسمية، إلى وفاة ما بين 25 و50 ألف قتيل ومفقود.

حرب أبخازيا وأوسيتيا الجنوبية

اندلع فتيل الأزمة بين روسيا وجورجيا، منذ أظهرت الأخيرة طموحها إلى الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي (ناتو)، وساد التوتر بذلك العلاقات بين البلدين المتجاورين. الأمر الذي ردت عليه موسكو في صيف 2008 بالتهديد بالردّ العسكري على أي عدوان جورجي على إقليم أوسيتيا الانفصالي شمال جارتها الجنوبية.

في 8 أغسطس/آب من ذات السنة، أعلن الرئيس الجورجي ميخائيل ساكشفيلي الحرب على انفصاليي أوسيتيا الجنوبية. بالمقابل تعهد الرئيس الروسي ديمتري ميدفيديف بـ"احترام حياة المواطنين الروس وكرامتهم أينما كانوا"، وأرسل بذلك مزيداً من القوات العسكرية لتعزيز تلك القوات المتمركزة في أوسيتيا الجنوبية.

نفذت القوات الروسية ضربة خاطفة ضد جورجيا، توغلت قواتها من أوسيتيا وأبخازيا في الداخل الجورجي محتلة بعض المواقع. ولم يدم الاقتتال سوى خمسة أيام، حتى تراجعت جورجيا عن موقفها وأبرمت معاهدة سلام مع روسيا. فيما اعترفت هذه الأخيرة باستقلال جمهورية أوسيتيا الجنوبية وجمهورية أبخازيا.

روسيا في سوريا

عقب ثورة الشعب السوري في 2011 نظام بشار الأسد، شكَّل الثوار جيشاً حراً لإسقاطه. بعدها بخمس سنوات، كان نظام الأسد يتداعى أمام تقدم للمعارضة المسحلة، الأمر الذي دفع به للاحتماء بحليفه الروسي وطلب منه التدخل لحمايته.

في 30 سبتمبر/أيلول 2015، نفَّذ الطيران الحربي الروسي أولى ضرباته الجوية في سوريا. وفي 7 أكتوبر/تشرين الأول من ذات السنة، ووفقًا لوزارة الدفاع الروسية، أطلقت سفن أسطول بحر قزوين 26 صاروخ "كاليبر إن كا" على 11 موقعاً في ريف الرقة وحلب وإدلب.

وإضافة إلى تنفيذها إسناداً جوية لقوات النظام، دعمت القوات الروسية نظام بشار الأسد بالخبرات العسكرية والقدرات اللوجيستية والتسليح. ونشرت موسكو دفاعاتها الجوية على الأراضي السورية، هذا ما ساعد نظام الأسد على استرداد مساحات مهمة من الأراضي من قبضة الثوار.

روسيا في إفريقيا

وعرفت السنوات الأخيرة وجوداً روسياً كبيراً في إفريقيا، عبر بوابة الحرب الليبية وإفريقيا الوسطى. ودعمت روسيا عسكرياً ميليشيا خليفة حفتر خلال الحرب الليبية، بالعتاد كما بالخبرات العسكرية، وحارب مرتزقة فاغنر إلى جانبه.

نفس الأمر في إفريقيا الوسطى، حيث تدعم موسكو سلطات بانغي بالعتاد خارقة بذلك الحظر الدولي عليها. وتحارب قوات فاغنر في إفريقيا الوسطى، حيث تلاحقها اتهامات بارتكاب جرائمة ضد الإنسانية.

ووثقت مالي كذلك علاقاتها بموسكو لهذا الغرض، فتورد تقرير تعاون المجلس العسكري مع المتعهد الأمني المقرب من الكرملين، كما تؤكد نشر قوات فاغنر بعدد من المواقع في مالي. الأمر الذي دفع القوات الفرنسية المشاركة في عملية بارخان والعمليات العسكرية المماثلة إلى الانسحاب بشكل نهائي من البلاد.

ويجمع عدد من المراقبين على التقارب بين السلطات البوركينابية الجديدة، بعد انقلاب يناير/كانون الثاني الماضي، والذي أشاد به مديرو شركة فاغنر. كما كشفت تسريبات أخيرة طلب أحد زعماء المتمردين التشاديين مساعدة فاغنر في "طرد فرنسا من البلاد".

TRT عربي