«ما من شخصية طلّت علينا فوق خشبة مسرح التاريخ المصرى والعالمى وأثارت الجدل، بقدر الملك المصرى القديم أخناتون، فنحن أمام شخصية فريدة من نوعها، قلما يقدم الزمان مثلها».. هكذا بدأ الدكتور شريف شعبان كتابه «النبى المفقود أخناتون»، الصادر مؤخرًا عن دار «الرواق» للنشر والتوزيع، خلال الدورة الـ٥٣ من معرض القاهرة الدولى للكتاب.

وخلال مقدمة الكتاب، قال «شعبان» إنه «حين ننظر إلى ملوك مصر القديمة، نجدهم دائمى الظهور بنمط الملك المقدس والبطل المحارب، دون تغيير فى تلك الصورة النمطية المعهودة طيلة آلاف السنين، لكن يأتى أخناتون ليغير جميع قواعد اللعبة، ويحدث صدمة زلزلت المجتمع المصرى ككل فى كل النواحى».

وأوضح أن «ذلك الرجل لم ينل شهرته مثل أجداده كفاتح عظيم صاحب معارك فاصلة مثل تحتمس الثالث، أو بإصلاحات إدارية مؤثرة مثل حور إم حب، أو منشآت خالدة مثل رمسيس الثانى أو خوفو، لكنه غيّر من تقاليد عصره الملكية والمجتمعية؛ فبدأ بتغيير اسمه والمراسم الملكية القائمة على الجمود والصرامة، وانطلق نحو الواقعية فى تجسيده وتصوير يومياته». وأضاف: «كان لغموض شخصية أخناتون وغموض عصره أثرهما البالغ فى عالم الأدب والدراما، فأشعل جذوة الخيال لدى العديد من المؤلفين والروائيين، مثلما فعل فى الفلاسفة وعلماء التاريخ والآثار، وأصبح بطلًا للعديد من الأعمال الأدبية، سواء فى الأدب المصرى أو العالمى، وفتح الباب لشطحات الخيال فى إعادة تركيب شخصيته المتأرجحة ما بين الطيب الصالح والشرير المارق». وواصل: «هذا الملك لا بد أن يحظى بقدر أكبر من البحث والاستقصاء، لذا آثر الكاتب أن يمسك بمعول التاريخ، ويحفر داخل جوانب تلك الفترة الغامضة، ويتجول بين خلجات شخصية أخناتون الأثرية، والتى تثير الشفقة تارة، والغضب تارة أخرى». يقع الكتاب فى ٢١٧ صفحة، ويحتوى على مقدمة و٨ فصول، تكشف عن تفاصيل عديدة حول الملك أخناتون وشخصيته الغامضة وفك خيوطها النفسية، فى محاولة لكشف العديد من الأسرار، والتى يمكن أن تغير شكل التاريخ ومجراه. «أخناتون: فيلسوف مجدد أم شاب مهرطق؟»، هذا هو عنوان أحد فصول الكتاب، وفيه كشف المؤلف عن أن «أخناتون يبدو قد تأثر بهذا الزخم الكبير من الأفكار والمعتقدات، سواء الموروثة من آلاف السنين أو تلك الواردة من الشرق، التى تشعبت داخل قصر أبيه ممتزجة بتأثره الكبير بفكرة رب الشمس وما كان يسمعه من خاله (عانن) أحد أكبر كهنته، فراقت له فكرة المعبود المنفرد، وانطلق فى العام التاسع من حكمه يعلن نسخة راديكالية حادة من فكره، وأخذ يمارس الاضطهاد ضد بقية المعبودات». وأوضح أن «أخناتون أطلق رجاله يمنعون طقوس الأديان الأخرى ويمسحون أسماءها، ويرهبون من يعارض فكر الدولة الجديد، معلنًا (آتون) الرب الأوحد للإمبراطورية والكون، بل جعل من نفسه، وزوجته نفرتيتى، الرسولين والوسيطين المنفردين بين ذلك المعبود وبين الشعب المصرى، وأصبح فى أيديهما هما فقط مفاتيح الطقوس وإحلال البركة، وأصبح (آتون) هو المعبود الأوحد وليس فقط المتفرد بين أقرانه».

وفى فصل «أخناتون والأنبياء»، تناول الدكتور شريف شعبان علاقة الملك الفرعونى بالأنبياء، قائلًا إن فكرة «الوحدانية» التى نادى بها «أخناتون» جعلت الباحثين المعاصرين يربطون بينه وبين أنبياء الله المكرمين، بناء على العلاقة بين الوحدانية التى نزلت بها الأديان السماوية، وفكرة الوحدانية الآتونية، رغم الاختلاف الجذرى بينهما.

وأضاف: «يتمادى البعض فى اعتباره هو نفسه نبيًا ممن لم يذكروا فى القرآن الكريم، فى تفسير خاطئ للآية الكريمة، وذلك على أنه قد اتخذ الشمس مجرد قِبلة له فى تعبده، لكن فى حقيقة الأمر تتنافى فكرة التوحيد السماوى مع فكرة أخناتون كليًا».