على الرغم من ممارسة الرئيس الأمريكي جو بايدن وفريقه نشاطاً دبلوماسياً مكثفاً منذ نوفمبر/تشرين ثاني عندما بدأ التوتر بين أوكرانيا وروسيا في التصاعد، فإن تلك الجهود لم تسفر عن نتائج، وجرى إجهاضها من خلال العملية العسكرية الروسية التي بدأت ضد أوكرانيا صباح 24 فبراير/شباط الجاري.

وبدأت حالة التوتر في التصاعد بمنطقة شمال البحر الأسود عندما كشفت صور الأقمار الصناعية نوفمبر/تشرين الثاني 2021 حشد روسيا عشرات آلاف من القوات على الحدود الأوكرانية.

واعتباراً من ذلك التاريخ دعت الإدارة الأمريكية لحل المشكلة من خلال "تفعيل القنوات الدبلوماسية"، ملوحة في حال غزو أوكرانيا بفرض عقوبات ضد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أشد وطأة من تلك التي جرى فرضها بعد السيطرة الروسية على شبه جزيرة القرم عام 2014.

وبعد بدء روسيا عمليتها العسكرية ضد أوكرانيا أعلنت الولايات المتحدة العقوبات الأولى ضد موسكو، محملة روسيا عواقب "احتلال" أوكرانيا. ورغم أن الولايات المتحدة تركت الباب موارباً أمام "الحلول الدبلوماسية" فإن آمال إيجاد حلول تبددت مع إلغاء مجموعة من الاجتماعات بين المسؤولين الروس والأمريكيين على مستوى وزراء الخارجية ورؤساء الدول.

ومنذ نوفمبر/تشرين الثاني الماضي عقد بايدن وبوتين 3 اجتماعات منفصلة لنزع فتيل الأزمة.

وبعد الاجتماع الأول 7 ديسمبر/كانون الأول 2021 أعلن مستشار الأمن القومي لبايدن جيك سوليفان أن الولايات المتحدة والحلفاء في (الناتو) سيرسلون مساعدات عسكرية إلى أوكرانيا إذا أقدم بوتين على غزو أوكرانيا.

بدوره قال الكرملين إن بوتين طلب من بايدن ضمانات أمنية حول عدم توسع الناتو شرقاً. أعقب ذلك إعلان الإدارة الأ مريكية في تقييم للاجتماع الأول أن إرسال قوات عسكرية أمريكية وأطلسية إلى أوكرانيا ليس مطروحاً على الطاولة، لكن إذا لزم الأمر فسيجري استقدام تعزيزات لحلفاء الناتو إلى المنطقة.

وفي 31 ديسمبر/كانون الأول 2021 انعقد الاجتماع الثاني بين الزعيمين بشأن أوكرانيا، إذ حث بايدن نظيره الروسي على تهدئة التوترات وحذر من أن أي غزو لأوكرانيا سيقابل بفرض عقوبات شديدة ضد موسكو.

وفي 12 فبراير/شباط الجاري عقد الزعيمان بايدن وبوتين آخر اجتماع، إذ حذر بايدن روسيا من مغبة غزو أوكرانيا وتأثير هذه الخطوة على السلمين الإقليمي والدولي.

3 أيام من "الدبلوماسية الأوكرانية" في أوروبا

واصلت الولايات المتحدة جهودها الدبلوماسية في سياق المنظمات الدولية، والتقى نائبا وزيرَي خارجية الولايات المتحدة وروسيا بجنيف السويسرية في 10 يناير/كانون الثاني الماضي، إلا أن الاجتماع لم يسفر عن نتائج ملموسة.

وفي 12 يناير/كانون الثاني الماضي انعقد اجتماع جمع مسؤولين روساً وآخرين من حلف شمال الأطلسي (الناتو)، في خطوة هي الأولى من نوعها منذ فترة طويلة، أعقبها في 13 يناير/كانون الثاني اجتماع لمنظمة الأمن والتعاون في أوروبا بمشاركة روسيا وأوكرانيا والولايات المتحدة والدول الأوروبية.

وخلال هذه المرحلة أجرى وزيرا خارجية الولايات المتحدة وروسيا لقاءات دبلوماسية مكثفة بشكل مباشر أو عبر الهاتف، إلا أن واشنطن لم تستطع الحصول على إجابة واضحة من الجانب الروسي.

وخلال الاتصالات الدبلوماسية المكثفة للدبلوماسية الأمريكية عقد مسؤولون بالخارجية الأمريكية مجموعة من الاجتماعات مع نظرائهم الروس والأوكرانيين ومسؤولين في حلف شمال الأطلسي والدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي.

الولايات المتحدة وروسيا تقدمان مطالب متبادلة

وفي هذه الأثناء قدمت روسيا لحلف شمال الأطلسي والولايات المتحدة في 17 ديسمبر/كانون الأول 2021 مطالب أمنية مفصلة شملت وقف حلف الناتو للأنشطة العسكرية في أوروبا الشرقية وضمانات بعدم انضمام أوكرانيا إلى الحلف.

من ناحية أخرى ردت واشنطن على مطالب روسيا في 26 يناير/كانون الثاني الماضي معلنة أن الناتو يتبع سياسة "الباب المفتوح"، وأن الحلف لن يرفض طلب أوكرانيا الانضمام.

فيما أعلن بوتين في تصريحات أدلى بها يوم 28 يناير/كانون الثاني عدم تلبية الولايات المتحدة والناتو بعد مطالب بلاده المتعلقة بالضمانات الأمنية.

الجهود الدبلوماسية تصل إلى طريق مسدود

وفي نهاية شهر يناير/كانون الثاني الماضي شددت الولايات المتحدة على أهمية "الجهود الدبلوماسية" في إيجاد حل للأزمة الأوكرانية، ومن جهة أخرى، واصلت موسكو منذ مطلع فبراير/شباط الجاري التلويح باحتمال غزو أوكرانيا.

بدوره أشار بايدن في خطابه يوم 27 يناير/كانون الثاني الماضي إلى أن روسيا قد تغزو أوكرانيا في فبراير/شباط.

فيما قال متحدثون باسم البيت الأبيض والبنتاغون والخارجية الأمريكية إن احتلال أوكرانيا من قبل روسيا بات "مسألة وقت".

من ناحية أخرى ذكرت المخابرات الأمريكية أن روسيا تستعد لتنفيذ "عملية تلاعب" في أوكرانيا وأن موسكو عاقدة العزم على غزو كييف من خلال التذرع بأعذار واهية.

وفي المقابل حذر مسؤولون أمريكيون من أنه لا يزال يوجد متسع من الوقت للدبلوماسية، مشيرين إلى أن روسيا "دخلت حرباً غير اضطرارية".

كما صرحت الإدارة الأمريكية على لسان عدد من مسؤوليها بأنها لن تفرض "عقوبات اقتصادية صارمة" ضد موسكو إلا في حالة وقوع غزو عسكري ضد أوكرانيا، وأنها ليس لديها خطط لإرسال قوات أمريكية إلى أوكرانيا.

روسيا تقلب طاولة الدبلوماسية

وخلال الأسبوع الجاري أعلن بوتين اتخاذه خطوات حاسمة في خطابه يوم الاثنين (21 فبراير/شباط)، مشيراً بوضوح إلى أن بلاده عازمة على غزو أوكرانيا.

وبعد مرور وقت قصير على انتهاء الخطاب أعلن بوتين اعتراف بلاده بـ"استقلال" المنطقتين الانفصاليتين في شرق أوكرانيا، وهما "دونيتسك" و"لوغانسك".

أثارت خطوة بوتين هذه رد فعل العالم بأسره وسارعت دول، منها الولايات المتحدة الأمريكية، إلى فرض حظر تجاري على المنطقتين الانفصاليتين شرقي أوكرانيا.

وبعد هذا القرار مباشرة أرسل بوتين وحدات قوات مسلحة روسية إلى المنطقتين الانفصاليتين تحت اسم "قوات حفظ السلام".

فيما أعلن بايدن الجزء الأول من العقوبات ضد روسيا في بيان أدلى به يوم 22 فبراير/شباط الجاري، أي بعد يوم واحد من قرار بوتين. فيما صرّحت المتحدثة باسم البيت الأبيض "جين ساكي" بأن بايدن لن يعقد أي اجتماعٍ مع بوتين خلال هذه المرحلة.

وفي 24 فبراير/شباط الجاري أمر بوتين قواته بإجراء عملية عسكرية في أوكرانيا، بدأت بشن هجمات ضد مدن أوكرانية.

من جهته أعلن بايدن في بيان مكتوب أن نظيره الروسي بوتين دخل حرباً "غير ضرورية وغير مبررة"، وأن بلاده سوف تفرض عقوبات جديدة مشددة تستهدف الاقتصاد الروسي.

وفي مؤتمر صحفي عقده في البيت الأبيض أعلن بايدن فرض عقوبات على 4 بنوك روسية، من بينها "بنك VTB" ثاني أكبر بنك في روسيا، وقال إن العقوبات الجديدة سوف تحد من قدرة روسيا على التعامل مع الدولار واليورو والجنيه الاسترليني والين.

TRT عربي - وكالات