“نيف سينتي” لحن الصوم الناسك (٢)


بقلم: م. منير وصفي بطــرس

باحث في موسيقى الألحان القبطية

مـدرس مــــادة اللــــحن الكنــــسي

بمعــــهـــد الرعـــــاية والتـــــربيـة

المفهوم الكتابي للحن “نيف سينتي”:

لحن “نيف سينتي” هو الأربع آيات من المزمور87 (1، 2، 3، 5 )، وهو يتكون من جزئين، الجزء الأول: الآيات 1، 2، 3 (أول خمس جُمَل لحنية) تتكلم عن محبة الله لأورشليم المؤسسة على الجبال المقدسة، والتي قيل عنها أموراً عظيمة، وتنتهي يكلمة هلليلويا، والجزء الثاني: الآية 5 (آخر ثلاث جُمَل لحنية) التي تتكلم عن المسيح الذي صار فيها، وعن العذراء التي ولدته مع أنه خلق الكل، وهو مؤسس الكنيسة التي سينضم إليها الكثيرون من كل الأمم.

آية 1 : “أساساته في الجبال المقدسة”، التي تُعَبر عن الأنبياء والرسل، الذين قامَ عليهم إيمانُ الكنيسة، وقال بعض المفسرين أن تعاليم الكنيسة هي أساسها، وجبالها هم الرسل والأنبياء، والجبل يُعَبر عن ثبات الإيمان الراسخ.

آية 2 : “أحب الرب أبواب صهيون أكثر من جميع مساكن يعقوب”، أبواب صهيون هي الفضائل، التي بها ندخل أبواب الحياة الروحية المقدسة، مع الإيمان بالثالوث القدوس، وعمل ربنا الفدائي على الصليب وقيامته، وصهيون تمثل كنيسة العهد الجديد، أحبها الربُ أفضل من جميع مساكن يعقوب، أي من حرفية الشريعة الموسوية.

آية 3 : “قد قيل بك أمجاد يامدينة الله”، يقول إشعياء النبي: ” ويكون في آخر الأيام أن جبل بيت الرب يكون ثابتاً في رأس الجبال، ويرتفع فوق التلال، وتجري إليه كل الأمم، وتَسير شعوب كثيرة ويقولون: هلم نصعد إلى جبل الرب إلى بيت إله يعقوب، فيعلمنا طُرُقَه ونَسلُك في سبله، لأن من صهيون تخرج الشريعة، ومن أورشليم كلمة الرب” (أش 2: 2، 3)، كنيسة المسيح إمتلأت مجداً لأن المسيح في وسطها وهو سر مجدها، بمجيئه تلألأ تاريخ العهد القديم وأحداثه، وتجلت معانيه المبهجة، كما فهمنا النبوات، وتمتعت البشرية بتسابيح وتعاليم مبهجة، وانكشفت أسرار سماوية، وصارت لها إمتيازات فائقة ووعود إلهية، ومن الأشياء المجيدة التي قيلت عن الكنيسة أنها عروس المسيح، وأن أبواب الجحيم لن تقوى عليها، وأنه اشتراها بدمه، وأما عن العذراء أنها مدينة الله أيضاً، فقد قيل عنها أشياء مجيدة أنها ستُصبح والدة الإله أعظم كائن خَلَقَه الله.

آية 5: “صهيون الأم سوف تقول إن إنسانًا وإنساناً صار فيها، وهو العلي قد أسسها إلى الأبد”، يرى القديس أنسيموس الأورشليمي ” إن كلمة الله الذي يهب المؤمن التبني أو الولادة الروحية، قد وُلد وتأنس لأجلنا، بهذا كل من يعترف بلاهوته يَقبَل صهيون أماً روحية له”، ويرى البعض أن القول إن إنساناً وإنساناً صار فيها، أنها تُشير إلى أن كثيرين سيتمتعون بالولادة الجديدة، ويأتون من كل الأمم ويصيرون سكان صهيون الجديدة، وأعضاء في كنيسة العهد الجديد.

موسيقية لحن “نيف سينتي”:

لحن “نيف سينتي” من الناحية الموسيقية يتركب على مقام السيكا بصورة أساسية، وبصورة أدق على جنس الأصل أو نسبة السيكا ( النسبة هي ثلاث نغمات متتالية تشكل طبيعة موسيقية مستقلة)، فيعتمد اللحن بصورة عامة على ثلاث نغمات أساسية فقط، وهي (مي سيكا،فا، صول) ما عدا في أجزاء معينة كتحضير، أو تذييل لبعض الجمل اللحنية.

واللحن يُرَكِز بصورة متكررة وعديدة على نغمة الأساس (مي سيكا)، كما أنه يُبنى على إيقاع ثنائي بسرعة متوسطة تقريبية (ما بين 120 إلى 125 نبضة في الدقيقة)، ومن المعروف عن مقام السيكا في العلوم الموسيقية أنه يمتاز بالبطء والترسل، ويساعد على التفكير والتأمل، وله إحساس يُعبر عن المشاعر و الحب.

يميل لحن نيفسينتي عامةً إلى أن يكون بأسلوب “الريسيتاتيف” (الكلام المنغم)، أكثر من أن يكون له مواصفات الجملة الموسيقية التقليدية، فهو يفتقر إلى القفزات الموسيقية، وإلى الجُمَل اللحنية المتموجة والمتحركة التي تعلو وتهبط، وإلى الحليات الكثيرة؛ ولكنه لحن إيقاعي ثابت في نغماته وركوزاته، يقال بأسلوب الدمج (كل نغمة يقابلها حرف لفظي).

ومن ناحية القالب الموسيقي للحن فهو يتكون من ثمانية جُمَل موسيقية متشابهة تقريباً، الجُمَل الفردية على طبقة منخفضة (نعتبرهم أ1، أ2، أ3، أ4)، والجُمَل الزوجية تبدأ بنغمات أعلى (نعتبرهم ب1، ب2، ب3، ب4)، وهكذا حتى نهاية اللحن، و نُلاحظ أن اللحن في مُجمَله يتكون أيضاً من جزئين رئيسيين، الجزء الأول يشمل أول خمس جُمَل وينتهي بكلمة ألليلويا، والجزء الثاني يشمل آخر ثلاث جُمَل وينتهي أيضاً بكلمة ألليلويا.

الجملة الأولى: “نيف سينتي خين ني توؤو إثؤواب”(أساساته في الجبال المقدسة)، نغماتها منخفضة،ونلاحظ علواً بسيطاً في كلمة “ني توؤو” (الجبال).

الجملة الثانية: “آإبتشويس مي إن ني بيلي إنتى سيون” (الرب أحب أبواب صهيون)، وتبدأ بنغمات عالية لتٌعبرعن محبة الله لكنيسته، فأعطى علواً للنغمات ليعبرعن قيمة هذا المعنى.

الجملة الثالثة: “إى هوتى ني ما إنشوبي تيرو إنتى ياكوب” (أكثر من كل مساكن يعقوب) ، وهنا لم يعلو بالنغمات، لأن صهيون في نظر الله أهم من مساكن يعقوب.

الجملة الرابعة: “أفساجي إثفيتي إن هان إهفيئوي إفتايوت” (تكلموا عنك بأعمال كريمة)، هي جملة نغماتها عالية، لتُعَبر عن الأعمال والأمور العظيمة التي قيلت.

الجملة الخامسة: “تي فاكي إنتى إفنوتي ألليلويا” (يا مدينة الله هلليلويا)، وهي جُملة لحنية هادئة؛ ولكنها طويلة وتنتهي بنغمات أعلى قليلاً في كلمة الليلويا التي تعتبر تذييل للجملة اللحنية وختام الجزء الأول من اللحن، وهنا أعطى أهمية خاصة؛ لأنها جُملة محورية فهي تتكلم عن أورشليم التي كان ملكها وكاهنها ملكي صادق، ثم أصبحت عاصمة مملكة داوود وسليمان العظيمة، وهي أيضاً تمثل كنيسة العهد الجديد، كذلك تُمَثل هيكل كنيسة الله، الذي يحوي جسد الرب ودمه الأقدسين، كما أنها تُشير إلى مدينة أورشليم السمائية التي فيها سيسكن الله مع المؤمنين إلى الأبد، ومن ناحية أخرى فهي تَرمُز إلى العذراء مريم “ثيئوتوكوس” والدة الإله السماء الثانية، ولذلك تنطلق الكنيسة في هذه الجملة بالتهليل لأجل هذه الأمور وتسبح هلليلويا.

الجملة السادسة: “سيون تي ماف ناجوس” (صهيون الأم تقول)، نغماتها عالية لتُعَبر عن إنطلاق الفم بالنبوة التالية.

الجملة السابعة: “جي أورومي نيم أورومي أفشوبي إنخيتس” (إن إنسان وإنسان صار فيها)، ونغماتها منخفضة.

الجملة الثامنة والأخيرة: “أووه إنثوف بيتتشوسي أفهيسينتي إمموس شائينيه، ألليلويا” (وهو العلي قد أسسها إلى الأبد هلليلويا)، ومن الطبيعي أن تكون نغماتها عالية وجملتها اللحنية طويلة ممتدة، وتنتهي أخيراً بكلمة الليلويا كتذييل وختام للحن كله، بل تصل إلى ذُروة اللحن في أعلى نغمة وهي (لا بيمول)، وتُنهي هذا اللحن المُعَبر والعميق، فهي تعبر عن تأسيس الله لكنيسته التى ستبقى إلى الأبد، وطبيعي أن نتهلل لهذه المعاني العميقة بكلمة هلليلويا، ولكن نُلاحظ أن نغمة (لا بيمول) التي ظهرت أخيراً أعطت إحساس الشَجَن الملائملروح الصوم والنسك الذي نعيشه في هذه الأيام المقدسة.

إن كنيستَنَا إستطاعت أن تُطَوِع النغمات لتتناسب مع الأفكار المتنوعة التي تتناولها في الصلاة، واستطاعت في لحن “نيف سينتي” البسيط في نغماته والمحدود في مساحته الصوتية، أن تُخرج كنوزاً وأعماقاً مُتَنَاسبة تماماً مع فكرة الصوم المقدس وأحاسيسه المصاحبة له، واستطاعت الكنيسة أن تتعامل مع قيود النغم التي وضعتها بقصد، بكل حكمة وسلاسة؛ لتُعَبر عن المعاني والكلمات بأبسط النغمات وأعمق المفاهيم الروحية،لتُعطي الصائم المُصَلِي وجبة روحية موسيقية، يتغذى بها روحياً خلال فترة الصوم المقدس.

لينك لحن نيفسينتي:

تاريخ الخبر: 2022-03-03 09:21:04
المصدر: وطنى - مصر
التصنيف: غير مصنف
مستوى الصحة: 50%
الأهمية: 64%

آخر الأخبار حول العالم

مهمة غير مسبوقة.. الصين تغزو الجانب البعيد من القمر

المصدر: المصريون - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2024-05-04 09:21:54
مستوى الصحة: 53% الأهمية: 53%

أول تعليق من نيشان بعد إعلان ياسمين عز حصولها على حكم ضده

المصدر: المصريون - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2024-05-04 09:21:57
مستوى الصحة: 57% الأهمية: 58%

غادة عبد الرازق: ندمانة ولو رجع بيا الزمن مكنتش هخش التمثيل

المصدر: المصريون - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2024-05-04 09:21:59
مستوى الصحة: 58% الأهمية: 67%

سعر صرف الدولار مقابل الجنيه اليوم

المصدر: المصريون - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2024-05-04 09:21:52
مستوى الصحة: 48% الأهمية: 52%

المزيد من الأخبار

مواضيع من موسوعة كشاف

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

تحميل تطبيق المنصة العربية