منذ إعلان روسيا بدء عمليات عسكرية تستهدف أوكرانيا، لم تتوقف العواصم الغربية الحليفة لكييف عن إعلان وابل من العقوبات، التي لا تكاد تستثني قطاعاً في روسيا، وذلك لزيادة تشديد الخناق عليها وردعها عن الاستمرار في قصف واجتياح الأراضي الأوكرانية.

وكان آخر فصول هذا التصعيد تلويح الولايات المتحدة باستبعاد روسيا من برنامج محطة الفضاء الدولية، وذلك بداية عبر فرض مجموعة من العقوبات التي تستهدف صناعة التكنولوجيا الفائقة والفضاء لديها.

اعتبرت موسكو الأمر إعلان حرب عليها، بخاصة وقد بدأت تحرز تقدماً كبيراً خلال السنوات الأخيرة في صناعة الفضاء، وأصبحت قوة عالمية منافسة. كما كان لها دور كبير في تشغيل محطة الفضاء الدولية بالتعاون مع واشنطن. فحذرت بناء على ذلك من العواقب الوخيمة التي ستترتب على هذه العقوبة، لتصل بذلك شرارة الأزمة المندلعة بين الطرفين على الأرض إلى الفضاء، ساحة الصراع الجديدة.

تهديد باستبعاد روسيا من محطة الفضاء الدولية

لطالما كانت محطة الفضاء الدولية ISS رمزاً لانفراج الأزمة بين الولايات المتحدة وروسيا بعد الحرب الباردة، فقد طوّر البلدان منذ ذلك الحين وطوال عقود، التعاون بينهما لتشغيل المحطة والاستفادة المشتركة منها كمختبر فضاء فريد. ووضع الطرفان جميع الخلافات جانباً.

ولكن يبدو أن هذا التعاون بدأ يشهد اختباراً كبيراً، إذ لوّحَت مؤخراً وكالة الفضاء الأمريكية "ناسا" بأنها تبحث خيارات جديدة لتشغيل المحطة من دون روسيا، على خلفية الهجوم العسكري على أوكرانيا.

وأفادت رئيسة برنامج رحلات الفضاء التجارية في "ناسا" كاثي لوديرز، بأن شركة الطيران والدفاع الأمريكية "نورثروب غرومان" عرضت خدماتها وقدراتها بشأن تشغيل محطة الفضاء الدولية بدلاً من روسيا.

وأضافت: "كما تعلمون فإن العاملين في سبيس إكس يبحثون عن توفير قدرات إضافية"، وبينت لوديرز أنه لا مؤشرات على أن نظراءها في الجانب الروسي غير ملتزمين بدورهم".

جاءت مبادرة "ناسا" المفاجئة تفاعلاً مع تصريح الرئيس الأمريكي جو بايدن من البيت الأبيض يوم 24 فبراير/شباط المنقضي، الذي أعلن فيه في إطار العقوبات التي ستفرضها واشنطن على موسكو أنه "نقدّر أننا سنقطع أكثر من نصف واردات روسيا عالية التقنية، وهذا سيوجه ضربة إلى قدرتهم على مواصلة تحديث جيشهم، وسيؤدي إلى تدهور صناعة الطيران، بما في ذلك برنامجهم الفضائي".

وأثارت بذلك تصريحات بايدن غضب الجانب الروسي، فتوجه على أعقاب ذلك ديمتري روجوزين، المدير العامّ لوكالة الفضاء الروسية "روسكوسموس"، بالسؤال قائلاً: "هل تريد تدمير تعاوننا في محطة الفضاء الدولية؟" .

وتابع بلهجة تهديدية: "إذا منعت التعاون معنا، فمن سينقذ محطة الفضاء الدولية من فوضى غير خاضعة للرقابة لتتحطم وتسقط في الولايات المتحدة أو أوروبا؟". وأشار في السياق ذاته إلى أن المحطة لا تحلّق فوق روسيا كثيراً مقارنة بالولايات المتحدة وأوروبا.

ووفق ما أوضحه خبراء ومسؤولون، فإن محطة الفضاء الدولية تعتمد على نظام روسي للبقاء في مدارها، على ارتفاع نحو 250 ميلاً، أي نحو 400 كيلومتر، فوق مستوى سطح البحر، في حين أن الجزء الأمريكي مسؤول عن أنظمة أصول الكهرباء والحياة.

هل تنتقل الحرب إلى الفضاء؟

رداً على سؤال المدير العامّ لوكالة الفضاء الروسية "روسكوسموس" حول من سينقذ المحطة الدولية للفضاء، نشر الرئيس التنفيذي لـ"سبيس إكس" إيلون ماسك تغريدة على حسابه على تويتر، وضع فيها شعار شركته.

وكانت "ناسا" بدأت فعلا خلال السنوات الأخيرة تقليل اعتمادها على الصواريخ الروسية لإرسال روادها إلى الفضاء، وبدأت استخدام صواريخ "سبيس إكس Space X " عوضاً عن ذلك.

لكن الجميع يكاد يتفق على أن هذه الحلول والإجراءات لا تتعدى كونها ظرفية، وأكدت ذلك لورديز قائلة إنه "سيكون من الصعب علينا العمل بمفردنا. محطة الفضاء الدولية قائمة على الشراكة والارتباطات الوثيقة... وسيكون محزناً للعمليات الدولية إن لم نستطِع العمل بسلام في الفضاء".

بدورها حاولت "ناسا" تخفيف حدة التوتر بعد تصريحات الجانب الروسي المهدّدة بسقوط المحطة فوق الولايات المتحدة أو أوروبا، وأصدرت بياناً جاء فيه: "يتواصل العمل مع جميع شركائنا الدوليين، بما في ذلك شركة الفضاء الحكومية روسكوزموس، من أجل العمليات الآمنة المستمرة لمحطة الفضاء الدولية".

وأضافت البيان: "لا تغييرات مخطط لها لدعم الوكالة للعمليات الجارية في المدار والمحطات الأرضية".

من جانبه صرّح رئيس "فوييجر سبيس" جيف مانبر قائلاً: "سيكون استمرار محطة الفضاء الدولية من دون المساهمات الروسية تحدِّياً تقنياً كبيراً"، مضيفاً أن ذلك سيكون مكلفًا للغاية، ويفترض أن يبلغ عشرات مليارات الدولارات.

في الوقت نفسه يتخوف عديد من الأطراف من أن تطور الحرب الكلامية والتهديدات بين الجانبين الأمريكي والروسي في هذا المجال، التي فجرتها حزمة العقوبات، إلى حرب مدمرة، يُعَدّ الفضاء ساحتها الجديدة.

TRT عربي