غزو روسيا لأوكرانيا: هل يعلم مشاهدو التلفزيون في روسيا حقيقة ما يجري في أوكرانيا؟
غزو روسيا لأوكرانيا: هل يعلم مشاهدو التلفزيون في روسيا حقيقة ما يجري في أوكرانيا؟
ما المعلومات التي يحصل عليها متابعو المحطات التلفزيونية والوسائل الإعلامية الروسية الرسمية عن أخبار الحرب في أوكرانيا؟وما هي الرسائل التي تصلهم عبر موجات الأثير؟ في هذه المقالة نتابع ما يمكن للروسي العادي أن يطلع عليه من أخبار في تنقله عبر القنوات التلفزيونية الرئيسية في البلاد، والتي يسيطر عليها الكرملين والشركات الحليفة له. ولمعرفة ما يمكن تسميته بـ"الرواية البديلة" الذي تقدمه التقارير الإخبارية، تبدو التغطية الإعلامية الروسية لأحداث يوم الثلاثاء الأول من مارس/ آذار نموذجا مثاليا لهذا النهج. في ذلك اليوم مثلا، في الساعة الخامسة مساء بتوقيت غرينتش، بينما افتتحت قناة بي بي سي ورلد نشرتها الإخبارية بخبر الضربة الروسية التي استهدفت برجا تلفزيونيا في العاصمة الأوكرانية كييف، كان التلفزيون الروسي يعلن أن أوكرانيا هي المسؤولة عن الضربات التي تتلقاها مدنها. برنامج "صباح الخير" على القناة الأولى، التي تسيطر عليها الحكومة، هي إحدى القنوات الروسية الأكثر شعبية. برنامج موجه للمشاهد العادي، ولا يختلف عما تقدمه برامج صباحية مماثلة في العديد من الدول الأخرى من مزيج من الأخبار والثقافة والترفيه الخفيف. يوم الثلاثاء قطع بث البرنامج في الساعة الخامسة والنصف فجرا بتوقيت موسكو (الثانية والنصف بعد منتصف الليل بتوقيت غرينتش)، وأعلن المقدمون أن جدول البث قد تغير "بسبب الأحداث المعروفة جيدا"، وأنه سيكون هناك المزيد من الأخبار والتغطيات للأحداث. وأكدت نشرة الأخبار على أن التقارير حول تدمير القوات الأوكرانية لأعتدة عسكرية روسية تقدم معلومات "ملفقة"، وتهدف إلى "تضليل المشاهدين المفتقرين للخبرة". يقول المذيع "لا يزال تداول اللقطات مستمرا على الإنترنت، والتي لا يمكن وصفها سوى بأنها مزيفة"، بينما تعرض على الشاشة لقطات يصفها بـأنها "تزوير افتراضي غير متقن". في وقت لاحق من صباح اليوم نفسه، وفي الساعة الثامنة بتوقيت موسكو، تابعنا النشرة الإخبارية الصباحية على قناة NTV، التي تملكها شركة تابعة لشركة غازبروم، التي يسيطر عليها الكرملين. وتركز هذه القناة تغطيتها بشكل شبه حصري على إقليم دونباس في شرقي أوكرانيا، وهو الإقليم الذي أعلنت منه روسيا في 24 فبراير/ شباط انطلاق "عمليتها العسكرية الخاصة" لنزع السلاح" من أوكرانيا و"تحريرها من النازية". ولم يرد أي ذكر للقافلة العسكرية التي يبلغ طولها عشرات الكيلومترات والتي تزحف من بيلاروسيا في الشمال باتجاه العاصمة الأوكرانية كييف، وهو الخبر الذي كان بعد نصف ساعة فقط الخبر الرئيسي الأول في نشرة الأخبار على راديو بي بي سي 4. "نبدأ بآخر الأخبار من دونباس. يواصل مقاتلو جمهورية لوهانسك الشعبية هجومهم، بعد أن قطعوا مسافة 3 كيلومترات، بينما قطعت وحدات من جمهورية دونيتسك الشعبية مسافة 16 كيلومترا" كما يقول مذيع الأخبار على قناة NTV. يشير المذيع هنا إلى قوات المتمردين الانفصاليين المدعومين من موسكو، والذين منذ تدخل روسيا في شرقي أوكرانيا قبل ثماني سنوات، يسيطرون على ما يسمى بجمهوريتي دونيتسك ولوهانسك الشعبيتين المعلنتين من طرف واحد، واللتين اعترفت بهما موسكو. وعلى قناة روسيا 1، والقناة الأولى، وهما القناتان الأكثر شعبية في روسيا، وتسيطر الدولة على كلتا القناتين، يتم اتهام القوات الأوكرانية بارتكاب جرائم حرب في إقليم دونباس. ويقول أحد المقدمين على قناة روسيا 1 أن التهديد الذي يواجهه المدنيون في أوكرانيا لا يأتي من القوات الروسية، بل من "القوميين الأوكرانيين". ويضيف "إنهم (الأوكرانيون) يستخدمون المدنيين كدروع بشرية، ويتعمدون وضع أنظمة قصف في مناطق سكنية، ويصعدون من قصف المدن في دونباس". أما على القناة الأولى، فأعلن مذيع أن القوات الأوكرانية "تستعد لقصف منازل سكنية" وضرب مستودعات باستخدام نترات الأمونيا، وذلك في "أعمال استفزازية ضد المدنيين والقوات الروسية". كما لا تستخدم كلمة "حرب" في الإشارة إلى ما يجري في أوكرانيا. وبدلا من ذلك، يوصف الهجوم الروسي بأنه عملية "نزع سلاح تستهدف البنية التحتية العسكرية" أو "عملية عسكرية خاصة للدفاع عن الجمهوريتين الشعبيتين". وعبر القنوات التلفزيونية التي تسيطر عليها الحكومة، يستخدم مقدمو البرامج والمراسلون لغة انفعالية ويعرضون صورا معينة بهدف رسم "أوجه تشابه تاريخي" بين "العملية العسكرية الروسية الخاصة" في أوكرانيا وحرب الاتحاد السوفيتي ضد ألمانيا النازية. ويقول مقدم برنامج صباحي على قناة روسيا 24 وهي قناة شقيقة لـ روسيا 1 "إن نهج القوميين الذين يستخدمون الأطفال لحماية أنفسهم لم يتغير منذ الحرب العالمية الثانية". ويلي ذلك فورا، عرض تقرير مصور بعنوان "الفاشية الأوكرانية"، يقول فيه مراسل القناة "إنهم يتصرفون مثل الفاشيين، بالمعنى الكامل لهذه الكلمة: لقد وضع النازيون الجدد أجهزتهم ومعداتهم ليس فقط بجوار المنازل السكنية، وإنما في الأقبية التي احتمى فيها الأطفال".