النفط مصدر الثروات وأتون الصراعات


منذ اكتشافه في منتصف القرن الثامن عشر كان النفط ولا يزال من أهم مصادر الثروة، ورمزا من رموز القوة السياسية والاقتصادية، التي سعت الإمبراطوريات والدول والشركات لامتلاكه والسيطرة على موارده، لتعزيز قوتها وتنمية بلادها وتعزيز استقلالها وازدهارها، فهو مرتكز الاقتصاد الكوني وعصب الثورة الصناعية وشريان انتعاش الاقتصاد الحديث.

لقد أدت الأطماع في الثروات النفطية إلى بدء عملية «زد»، حين قامت اليابان بهجوم على قاعدة الأسطول البحري الأمريكي في المحيط الهادئ في ميناء بيرل هاربر بجزر هاواي، التي أرغمت الولايات المتحدة أن تترك جانب الحياد، وأن تدخل في أتون الحرب العالمية الثانية، وهو ما غيَّر مجرى التاريخ، وأفضى إلى نتائج حاسمة، لقد كان أحد أهم أسباب الضربة اليابانية هو الانتقام من قرار الولايات المتحدة الأمريكية الحد من صادرات النفط لليابان، التي تعتمد اعتمادا كليا على استيراد النفط، وتحتاج إليه لتموين عمليات بحريتها الطموحة والمتمددة.


كما هدفت اليابان إلى تحييد الأسطول الأمريكي في جزر هاواي من اعتراض أهدافها في الاستيلاء على الجزر الغنية بالنفط في جنوب شرق آسيا، وفي المشهد الأوروبي كانت أذربيجان والنفط الروسي من ضمن قائمة الأهداف، التي زحف هتلر بجيشه لأجلها لغزو الاتحاد السوفييتي، لقد أراد هتلر أن يسيطر على أذربيجان الغنية بالنفط، وباقي حقول الزيت في جمهوريات الاتحاد السوفييتي وروسيا، ليضمن إمدادات النفط وتأمين تفوقه العسكري والاقتصادي وحرمان أعدائه منها، وفي اعتراف لهتلر في تلهفه للسيطرة على موارد النفط السوفييتية، قال مقولته الشهيرة «بدون النفط الروسي سينتهي بي المطاف مستسلما».

وفي إيران الشاه، لعب النفط دورا مهما في صناعة التاريخ، فبعد أن قام محمد مصدق رئيس الوزراء المنتخب بتأميم شركة النفط البريطانية برتش بتروليم، التي كانت تحقق أرباحا هائلة، وكان أفرادها من العاملين والإداريين يحظون بحياة مرفهة، ويتمتعون بأعلى الامتيازات في إيران، تمّت الإطاحة بحكومته وتنصيب الشاه بدعم أمريكي بريطاني، لقد كانت حقول النفط والشركة البريطانية، التي تدير هذه الحقول غير قابلة للمساس في نظر الولايات المتحدة وبريطانيا، التي كانت ترى حقول النفط الإيرانية مصدرا مهما لهما.

أما في بداية عقد التسعينيات من القرن الماضي، فلقد كانت أطماع الرئاسة العراقية في عهد صدام حسين في نفط الكويت وثرواته لا يمكن إخفاؤها، فبدأت الاتهامات للكويت أنها تسحب من مكامن النفط المشتركة في حقل الرميلي جنوب العراق، وأن الكويت تآمرت على العراق وزادت من إنتاجها النفطي لتغرق الأسواق، وتخفض أسعار هذه السلعة الإستراتيجية المهمة، في حين أن العراق كان في أمسِّ الحاجة إلى مداخيل وعائدات النفط بعد خروجه من حرب طاحنة، استمرت على مدى ثمانية أعوام تدمر معها الاقتصاد العراقي، وخسر العديد من القتلى والجرحى والكفاءات والمقدرات الوطنية.

قادت هذه الادعاءات العراقية إلى غزو العراق للكويت، وتغيّر معها الشرق الأوسط برمته، وقادت إلى حرب تحرير الكويت، التي كان أحد نتائجها حرق النظام العراقي لمئات من آبار النفط الكويتية، وأدت إلى أسوأ كارثة بيئية في المنطقة والعالم، وليس بعيدا عن العراق الذي أصبح لاحقا في بؤرة الأطماع الأمريكية قبل عقدين من الزمان، حين تم التخطيط لغزوه تحت ذريعة امتلاكه أسلحة الدمار الشامل، إلا أن النتائج كما العديد من الأحداث والمواقف أثبتت خطأ ما ذهب إليه الأمريكان، وبرهنت على أن النفط كان هدفا كبيرا ضمن قائمة الأهداف الكبرى من احتلال العراق.

ففي مؤتمر آسيا للدفاع في مايو 2003، رد نائب وزير الدفاع الأمريكي بول وولفوفيتز على سؤال لماذا العراق وليس كوريا الشمالية، التي لم يتم نزع أسلحتها؟ قائلا: «إن الفرق بين العراق وكوريا الشمالية، هو أن الأخيرة لا تطفو على بحر من النفط»، وفي المؤتمر نفسه قال تشاك هيجل، الذي تم تعيينه في منصب وزير الدفاع عام 2013: «بالتأكيد نحن نقاتل من أجل النفط، وليس من أجل فاكهة التين».

كما اعترف رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي السابق الآن جرينسبان، الذي ذكر في مذكراته أنه من المحزن فعلا أن الساسة لا يعترفون ما يعرفه الجميع سلفا وهو أن حرب العراق كان دافعها النفط إلى حدٍّ كبير.

وفي بريطانيا، تم الكشف عن رسالة بعثها رئيس الاستخبارات البريطاني إم آي 6 إلى مستشار توني بلير رئيس الحكومة البريطانية للشؤون الخارجية، قال فيها: «إن الإطاحة بصدام تؤمن إمدادات نفطية جديدة لبريطانيا»، لقد كان النفط وما زال مصدرا للثروات والازدهار وهدفا للأطماع وسببا للحروب والصراعات ما لم تكن هنا قوة سياسية وعسكرية واقتصادية ومجتمعية تحميه وتجعل منه مأمنا ومصدر ازدهار وخيرا.

خبير في إستراتيجيات الطاقة والشأن النفطي العالمي

naifaldandeni@

م. نايف الدندني يكتب:
تاريخ الخبر: 2022-03-05 00:25:15
المصدر: صحيفة اليوم - السعودية
التصنيف: مجتمع
مستوى الصحة: 37%
الأهمية: 41%

آخر الأخبار حول العالم

معركة بالأكياس بين الطلاب الأميركيين

المصدر: RT Arabic - روسيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-07 06:07:17
مستوى الصحة: 93% الأهمية: 99%

استراتيجية بايدن المتهورة قد تؤدي لحرب خطرة

المصدر: RT Arabic - روسيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-07 06:07:16
مستوى الصحة: 84% الأهمية: 96%

عن مشروع اتفاق كباشي والحلو – صحيفة التغيير السودانية , اخبار السودان

المصدر: صحيفة التغيير - السودان التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-07 06:23:05
مستوى الصحة: 50% الأهمية: 70%

"لن يوجد يهودي آمن حتى يصبح الجميع آمنا"

المصدر: RT Arabic - روسيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-07 06:07:15
مستوى الصحة: 92% الأهمية: 95%

مسؤول أمريكي: التوغل الحالي في رفح لا يمثل عملية عسكرية كبر

المصدر: مصراوى - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2024-05-07 06:22:14
مستوى الصحة: 60% الأهمية: 50%

"سنحرق البلاد".. عائلات الأسرى يهددون نتنياهو ويطالبون بوق

المصدر: مصراوى - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2024-05-07 06:22:09
مستوى الصحة: 56% الأهمية: 66%

المزيد من الأخبار

مواضيع من موسوعة كشاف

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

تحميل تطبيق المنصة العربية