معركة بوتين مع المنصات الاجتماعية الأمريكية


أدرك الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مبكرا أن الشبكات الاجتماعية الأمريكية ستكون سلاحا ضده في أي معركة، فبنى استراتيجيته على استغلال ذلك السلاح لمصلحته قدر استطاعته وتوفير البدائل.

كما هو الحال في كل أزمة عالمية، وجدت إدارة موقع فيسبوك نفسها تحت ضغوط الجمهور والمستثمرين والإدارة الأمريكية والحكومات الغربية، ولكن القرار هذه المرة كان سهلا، ففضل الموقع أن يخسر الحكومة الروسية ويكسب كل الحكومات الغربية وأن يتنازل عن السوق الروسي الذي لا يلقى فيه شعبية كبيرة ويعزز موقعه في كل الأسواق الغربية.

فالموقع يستحوذ فقط على 39 بالمئة من مستخدمي الشبكات الاجتماعية في روسيا
بينما يفضل 78 بالمئة من المستخدمين موقع VK وهو شبكة اجتماعية روسية لا تكتفي بتقديم نفس خدمات فيسبوك وإنما تستخدم اللونين الأزرق والأبيض فتحول الموقع إلى نسخة من فيسبوك ولكن بشروط روسية وليست أمريكية.

أعلنت شركة ميتا المالكة لفيسبوك أن الموقع (وليس كل منصات الشركة) فرض قيودا على محتوى المؤسسات الإعلامية الروسية في أوروبا، كما قلل انتشار المحتوى الصادر عن الإعلام الرسمي الروسي على مستوى العالم، وبالتالي تم تقليص فرص الحكومة الروسية في توصيل رسائلها إلى نحو ثلاثة مليارات شخص هم إجمالي مستخدمي الموقع حول العالم وربما روج لوجهة النظر الأمريكية.

فموقع فيسبوك لديه قدرة حصرية على التحكم في طريقة عرض المحتوى بالنسبة للمستخدم، ويستطيع الموقع أن يقدم محتوى يخدم وجهة نظر محددة سلفا، كأن يركز على المكاسب العسكرية لجيش وخسائر الجيش الآخر فيقنع الرأي العام بصورة محددة عن مسار الحرب، وليس ضروريا أن تكون هذه الصورة متطابقة مع الحقيقة على أرض الواقع.

وقد خلصت التحقيقات في قضية كامبريدج أناليتكا إلى أن فيسبوك طبق هذه الآلية خلال حملة الانتخابات الرئاسية الأمريكية عام 2016 فكان فيسبوك يعرض على عشرات الملايين من الناخبين الأمريكيين محتوى يشيد بدونالد ترامب وينتقد هيلاري كلينتون، وكانت الطريقة متقدمة لدرجة أن المحتوى كان يفسر البرنامج الانتخابي لدونالد ترامب حسب توجهات القارئ، فأجندة ترامب بشأن الأسلحة الشخصية مثلا كان يتم تفسيرها في منشورات مختلفة وتقديمها للمستخدم حسب توجهه سواء كان مؤيدا لامتلاك الأسلحة الشخصية أو معارضا.

مارست الحكومة الروسية سياستها في استغلال الموقع الأمريكية ومكافحته في الوقت ذاته، فأعلنت هيئة تنظيم الاتصالات في روسيا حظر موقع فيسبوك وبررت القرار بأنها
رصدت 26 حالة تمييز من فيسبوك ضد الإعلام الروسي، ولكن الغريب أن الهيئة قالت إن هذه الوقائع تم تسجيلها في الفترة من أكتوبر 2020 حتى وقوع الحرب في أوكرانيا وهو ما يعني أن الهيئة انتظرت نحو عام ونصف كي تعلن هذه الحصيلة وتتخذ قرارها.

تدرك روسيا أن قرار حظر فيسبوك لن يؤثر كثيرا في مشهد الشبكات الاجتماعية في روسيا، ولكنها تعمدت إصدار قرار الحظر لأسباب مختلفة، فموسكو تريد دائما أن تتصدر قراراتها عناوين الأخبار، وأفضل طريقة هي إصدار عقوبة ضد أكبر موقع اجتماعي في العالم واستدراج الموقع لإصدار رد فعل، فتشغل القصة العناوين الإخبارية مرتين.

ولأسباب مشابهة شمل قرار الحظر موقع تويتر، ويظل الموقع مؤثرا في روسيا حتى لو كان يحتل المركز الحادي عشر في قائمة الشبكات الاجتماعية في روسيا برصيد 18 بالمئة، فهو الوسيلة المفضلة للسياسيين والمؤسسات الكبرى والوسائل الإعلامية في نشر التعليقات والأخبار، وكانت موسكو قد اتهمت الموقع من قبل بتجاهل مطالب حذف محتوى محظور في روسيا، ويبدو أن إحصائيات شركة تويتر تؤيد وجهة النظر الروسية، فتقرير الشفافية الصادر في فبراير 2022 يقول إن الشركة تلقت نحو 16 ألف بلاغ من داخل روسيا بشأن تغريدات مسيئة خلال العام الماضي، ولكنها اتخذت إجراءات ضد نحو 10 بالمئة فقط من التغريدات.

ومن خلال حظر موقعي فيسبوك وتويتر، أرادت الحكومة الروسية أن توجه رسالة إلى المنصات الأمريكية الأخرى سواء التابعة لشركة ميتا مثل موقع انستجرام الذي يتابعه 61 من المستخدمين الروس وتطبيق واتساب الذي يستخدمه 75 بالمئة من رواد الانترنت في روسيا، أو منصات شركة ألفابيت وفي مقدمتها موقع يوتيوب وهو المنصة الاجتماعية الأولى في روسيا بنسبة 85 بالمئة من المستخدمين وموقع جوجل وإن كان لا يتصدر قائمة محركات البحث في روسيا بسبب وجود البديل الروسي يانديكس فهو محرك البحث الأشهر حول العالم.

وبالتزامن مع الرهان الروسي على البدائل المحلية تطرق البعض إلى إمكانية التعاون مع المنصات الصينية وفي مقدمتها تيك توك، ولكن لا يبدو تيك توك حليفا مثاليا للحكومة الروسية في مواجهة المنصات الأمريكية، فتيك توك يأتي في المرتبة الثامنة بين المنصات الاجتماعية في روسيا، ويبلغ عدد مشتركيه في روسيا 36 مليونا من بين حوالي مليار شخص هم إجمالي مستخدميه حول العالم.

ولو كانت المنصة تجاهلت ضغوط الجمهور في بداية الأزمة ولم تتحرك ضد روسيا، فإنها لم تصمد طويلا، حيث أعلنت تقليص خدماتها في روسيا وأشارت المنصة إلى أن السبب هو الحاجة إلى تقييم الموقف والحفاظ على سلامة موظفيها في روسيا في ضوء قانون الأخبار الكاذبة الذي أقره البرلمان الروسي.

ويقول القانون الجديد إنه يتصدى لنشر معلومات مضللة عن الجيش الروسي ويعاقب المخالفين بالسجن لمدة تصل إلى 15 عاما. وتريد روسيا أن تلتزم وسائل الإعلام التقليدي والجديد بالمصطلحات الرسمية الروسية فتستخدم مصطلح ”العملية العسكرية الخاصة“ بدلا من ”الحرب في أوكرانيا“.

أما البيان الذي أعلن تقليص نشاط تيك توك في روسيا يبدأ بكلمة ”الحرب في أوكرانيا“ التي لا تعجب الحكومة الروسية ولكنه انتهى بإشارة إلى أن تيك توك لا تستبعد أن تعيد كامل أنشطتها إلى روسيا عندما تسمح الظروف.

ويلخص هذا البيان استراتيجية المنصات الاجتماعية سواء الصينية أو الأمريكية، فهي مضطرة لاتخاذ قرارات غير حاسمة ضد روسيا ولا تمانع في العودة إلى السوق الروسي في أقرب فرصة.

تاريخ الخبر: 2022-03-07 21:16:54
المصدر: العربية - السعودية
التصنيف: سياسة
مستوى الصحة: 91%
الأهمية: 99%

آخر الأخبار حول العالم

توقعات أحوال الطقس اليوم الجمعة

المصدر: موقع الدار - المغرب التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2024-05-03 09:24:52
مستوى الصحة: 52% الأهمية: 70%

في سوق الأسهم .. هل عليك بيع أسهمك في مايو وإعادة الشراء في نوفمبر؟

المصدر: أرقام - الإمارات التصنيف: إقتصاد
تاريخ الخبر: 2024-05-03 09:24:00
مستوى الصحة: 38% الأهمية: 36%

هذه وضعية سوق الشغل خلال الفصل الأول من سنة 2024

المصدر: موقع الدار - المغرب التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2024-05-03 09:24:54
مستوى الصحة: 47% الأهمية: 68%

انهيار طريق سريع جنوب الصين: ارتفاع حصيلة الضحايا إلى 48 شخصا

المصدر: موقع الدار - المغرب التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2024-05-03 09:25:00
مستوى الصحة: 47% الأهمية: 63%

بين فيتنام وغزة – صحيفة التغيير السودانية , اخبار السودان

المصدر: صحيفة التغيير - السودان التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-03 09:22:59
مستوى الصحة: 46% الأهمية: 59%

المزيد من الأخبار

مواضيع من موسوعة كشاف

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

تحميل تطبيق المنصة العربية