السودان: فرص نجاح «سياسة التعويم» في إنقاذ العملة المحلية من الغرق


بعد قرابة العام من تعويم جزئي للعملة السودانية الجنيه أصدر بنك السودان المركزي قراراً بتوحيد سعر صرف الجنيه السوداني لتقوم المصارف وشركات الصرافة بتحديد وإعلان أسعار بيع وشراء العملات الحرة دون تدخل من البنك المركزي في عملية تحديد الأسعار.

تقرير: الفاضل إبراهيم

القرار جاء بعد انخفاض كبير في سعر الجنيه السوداني مقابل العملات الأجنبية خاصة الدولار الذي وصل لأكثر من “550” جنيهاً مما أثر سلباً على الأسعار في الأسواق السودانية التي تعتمد بنسبة “85%” علي الخارج.

وتشير القرارات التي أصدرها بنك السودان بحسب مراقبين إلى التخبط الكبير الذي تعيشه الحكومة الانقلابية بقيادة وزير ماليتها د. جبريل إبراهيم الذي انتقد مؤخراً سياسات البنك المركزي بسبب ارتفاع الدولار، ليتم إقالة المحافظ وإبداله بآخر يصنف من ضمن كتيبة النظام البائد.

وكانت أولى قرارات المحافظ الجديد، تحرير الجنيه السوداني بالكامل، رغم أنه مكث عدة أعوام في إدارة البنك المركزي ولكنه لم يصدر مثل هذه القرارات التي انعكست مباشرة علي معاش المواطن فارتفعت الأسعار حاليا في الأسواق بنسبة 25%.

قرار ممتاز

ووصف المحلل والخبير الاقتصادي د. الفاتح عثمان محجوب، قرار بنك السودان المركزي بإعطاء البنوك والصرافات حق تحديد سعر الصرف للجنيه السوداني بدون تدخل من بنك السودان بـ(الممتاز).

د. الفاتح عثمان محجوب

وقال لـ(التغيير) إن القرار تأخر كثيراً، وهو كفيل بأن يعيد تحويلات المغتربين والمهاجرين والمصدرين إلى المصارف السودانية بدلاً عن السوق الموازية.

لكن القرار -والكلام ما يزال للفاتح- يحتاج إلى دعم من عدة جهات حكومية تراقب السوق الموازية وتتدخل بوسائل فنية لضمان تحجيم السوق السوداء، ومنع أي تنافس ضار بين البنوك والسوق الموازية.

استيعاب التجار

ودعا د. الفاتح محجوب لاستيعاب معظم أو كل تجار السوق الموازية في صرافات تعمل بشكل رسمي وتتعاون مع المصارف لتحديد السعر العادل الجنيه السوداني مقابل الدولار، لضمان تقبل المهاجرين والمغتربين والمصدرين لسعر الصرف للجنيه السوداني الذي يتفقون عليه، وبذلك فقط تنتهي قصة سيطرة السوق الموازية علي تجارة السودان الخارجية واحتياجات المسافرين للخارج.

سقوط الجنيه

وعلى عكس ما ذهب إليه د. الفاتح، اعتبر الخبير الاقتصادي د. عثمان برسي، أنّ منشور بنك السودان الذي صدر يمثل إعلان للسقوط الحر الكامل للجنيه والاقتصاد السوداني مشيراً إلى إجراءات العام الماضي التي أصدرها بنك السودان، وفي المقابل شدد على أن القرار الأخير ببساطة يعني سقوط الجنيه السوداني.

قرار التعويم العام الماضي الذي أصدره البنك المركزي حرك فيه السعر من 55 إلى 366 جنيهاً، بوقت كانت أسعار السوق الموازي تساوي 370 جنيهاً، أي أن السعر الرسمي كان أعلى من الموازي، وبالتالي الحكومة كانت في منافسة مع السوق الأسود.

وتابع: وصلنا حالياً مرحلة التضخم الانفجاري بزيادة تصل لـ 1000% في الأسعار عكس ما تصدره الحكومة من بيانات عبر الجهاز المركزي للإحصاء حول التضخم، والتي هي أرقام غير صحيحة في الواقع لأنّ الأسواق تكذ أرقام جهاز الإحصاء.

وواصل برسي: دائما عندما تخفض العملة تزيد الأسعار، وحالياً نحن وصلنا مرحلة الكارثة بعد قرار التعويم مصطلح التعويم، ببساطة يعني أعلى سعر في السوق والنتائج كارثية علي السوق والقطاع الزراعي والصناعي اللذان تراجعا لصالح القطاع الخدمي بسبب التعويم.

محاذير واشتراطات

يقول برسي حذرنا من التعويم إلا بعد تحقيق متطلبات محددة، أبرزها أن يكون معدل التضخم رقم أحادي، وهذا لم يحدث، وكذلك معدل النمو مابين “4-5%”.

وأردف: لايوجد نمو أصلا في الوقت الحالي، والعجز الحكومي يجب أن لا يتعدى “1.5%” عند التعويم، وهذا أيضاً لم يتحقق والعجز حاليا 12% من الناتج القومي الإجمالي.

وواصل برسي: معدل الاستثمار من المفترض أن يكون حوالي 40% لكنه الآن يقف في رقم صفر، ومعدل الادخار لا يوجد.

مشدداً على أم كل هذه المؤشرات الاقتصادية ضرورية لبدء تعويم العملة، ويحرم وفقا للنظريات الاقتصادية اتخاذ قرارات بالتعويم.

وخلص إلى أن وزارة المالية وبنك السودان ارتكبا خطيئة لا تغتفر، وستقود لكارثة حقيقية (حد تعبيره).

زيادة المضاربات

وأعلن الأمين العام لاتحاد الغرف التجارية، الصادق جلال الدين صالح، رفض القرار.

وقال لـ(التغيير): “لم تتم مشاورتنا رغم أننا طرف أصيل في القضية”.

منوهاً إلى أن قرار تحرير الجنيه السوداني الصادر من البنك المركزي ستزيد من المضاربات في السوق، وبالتالي تعميق الأزمة الاقتصادية والسير بسرعة نحو الهاوية، لجهة أن القرار لا يتناسب تماماً مع الوضع القائم الآن وإنما يزيده تعقيداً.

ربكة

أوضح تجار عملة بالسوق الموازي لـ(التغيير) أنهم يدرسون حاليا عبر آلياتهم كيفية الاستفادة من القرار الذي سيضعهم في منافسة مع المصارف والبنوك.

وقالوا إن السوق الموازي يشهد ربكة حالياً، والسعر غير مستقر، ولكن خلال اليومين القادمين ستتضح الرؤية.

وأشاروا إلى ضرورة تغيير مصطلح السوق الأسود إلى السوق الموازي عقب قرار التحرير الذي وضعهم جنباً إلى جنب مع البنوك.

مقارنة

بابكر أحمد عبد الله

وقارن الباحث الاقتصادي بابكر أحمد عبد الله بين نشرة بنك السودان المركزي وفقا لقرارات الطوارئ الاقتصادية، قائلاً إن السياسية السابقة تحرير وفق سعر حر، لكنه مرن ويدار بواسطة بنك السودان الذي يحدد السعر التأشيري للمصارف بنسبة هامش ربح ما بين ” -5% و +5% “من السعر المعلن.

وأضاف بابكر لـ(التغيير): “السياسة الجديدة حررت سعر الصرف نهائياً وتركته لآلية العرض والطلب، وأبعدت البنك المركزي من أي دور في إدارة السعر، ومنحت الحرية للبنوك التجارية والصرافات في تحديد الأسعار، حيث ينحصر دور البنك المركزي في الإشراف فقط والاطلاع وإلزام البنوك بنشر الأسعار فقط، مع إمكانية تغييرها في اليوم الواحد.

متطلبات ومخاوف

يقول بابكر أحمد عبد الله، إن سعر الصرف الحر في عالم الاقتصاد هو الأفضل على الإطلاق، ولكنه يحتاج لبيئة اقتصادية رشيدة واحتياطي نقدي عالي من العملات الأجنبية والذهب.

وتابع: المشكلة في سعر الصرف الحر في ظل ظروفنا الاقتصادية من الممكن أن ينهي السوق الموازي، لكنه سيحول المضاربة من إزقة السوق العربي وعمارة الذهب إلى مكاتب البنوك التجارية.

وأردف: من الممكن لأي بنك أن يعلن سعر عالي لاستقطاب التحويلات وحصائل الصادر، وتبقى المنافسة غير مقيدة بسقف معين، وتحدث فوضى رسمية في سعر الصرف، تمتد لتقييم دولار عائد الصادر، خاصة إذا ألزم بنك السودان المصارف بالشراء بالسعر العادل أو ربما يتهرب المصدرين أنفسهم إذا ألزمهم المركزي بشراء دولار عوائد الصادر بسعر تاريخ الحصيلة.

ورغم ما ذكرنا من حديث حول أفضلية التحرير لكننا ووفقا للواقع بالسودان نقول إن سعر الصرف المرن المدار هو الأفضل في ظل الظروف الحالية منعا للمضاربة بين البنوك.

مخاطرة

ورأي بابكر في إفاداته لـ(التغيير) أن محافظ البنك المركزي حسين جنقول أقدم على مخاطرة غير محسوبة النتائج، استجابة لضغوطات لجنة الطوارئ الاقتصادية، لأنّ الرجل كان محافظا للبنك المركزي من قبل لمدة سنة ونصف ولم يقم بتغيير أي سياسة، وحالياً وفي شهرٍ واحدٍ، قام بتغيير السياسة بهذه الطريقة، كما فعل الراحل عبد الرحيم حمدي.

وأنهى حديثه بالقول: إذا سلمنا بالواقع رغم عدم موافقتنا على التحرير بهذه الصيغة، يمكن القول إن المضاربة في الأسعار بين البنوك أفضل من السوق الأسود الذي تحدث فيه مضاربات بين (الجوكية) لا تراعي المصلحة العامة.

تاريخ الخبر: 2022-03-09 00:22:24
المصدر: صحيفة التغيير - السودان
التصنيف: سياسة
مستوى الصحة: 55%
الأهمية: 66%

آخر الأخبار حول العالم

أمريكا: أب يجبر طفله على الركض حتى وفاته - أخبار السعودية

المصدر: صحيفة عكاظ - السعودية التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2024-05-02 09:24:05
مستوى الصحة: 55% الأهمية: 60%

وفاة حسنة البشارية أيقونة «الجزائر جوهرة» - أخبار السعودية

المصدر: صحيفة عكاظ - السعودية التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2024-05-02 09:24:06
مستوى الصحة: 59% الأهمية: 60%

الصين تعتزم إطلاق المسبار القمري “تشانغ آه-6” في 3 ماي

المصدر: موقع الدار - المغرب التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2024-05-02 09:25:15
مستوى الصحة: 52% الأهمية: 54%

توقعات أحوال الطقس اليوم الخميس

المصدر: موقع الدار - المغرب التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2024-05-02 09:25:13
مستوى الصحة: 48% الأهمية: 59%

الصين: مصرع 36 شخصا اثر انهيار طريق سريع جنوب البلد

المصدر: موقع الدار - المغرب التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2024-05-02 09:25:10
مستوى الصحة: 54% الأهمية: 62%

المزيد من الأخبار

مواضيع من موسوعة كشاف

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

تحميل تطبيق المنصة العربية