“ميغالو”.. لحن الخضوع لرئيس الكهنة الأعظم (١)


بقلم: م. منير وصفي بطــرس

باحث في موسيقى الألحان القبطية

مـدرس مــــادة اللــــحن الكنــــسي

بمعــــهـــد الرعـــــاية والتـــــربيـة

ألحان كنيستنا القبطية هي مصدر رئيسي من مصادر التعليم الكنسي، وخاصة في الإيمانيات والعقائد التي نؤمن بها، فنحن نجد ألحاناً عديدة تُثَبِت مفاهيم إيماننا بوحدانية الله وفكرة الثالوث القدوس، ومفهوم التجسد والفداء وعقيدة الشفاعة وغيرها من الأفكار الروحية واللاهوتية العظيمة بصورة مبسطة ولكنها عميقة.

ونحن كلما سبحنا بالألحان زاد إيمانُنا رسوخاً في قلوبنا وعقولنا وتغيرت طبيعتنا المادية ورفعتنا إلى مستوى تسبيح الملائكة الروحاني.

لحن ميغالو من الألحان العميقة الفخمة ذات الجمل اللحنية الرائعة والمعبرة عن قيمة الفكر اللاهوتي المختزن في “ميلودياتها” (الميلودي هوالخط اللحني في الموسيقى) وتأخذ المُصَلِي عبر رحلة إلى الأقداس السماوية حيث رئيس الكهنة الأعظم قائم فيها كأنه مذبوح لأجل خلاصنا، فيزيد إحساسُنا بالتوبة والإنسحاق والخضوع لمن قَدَمَ نفسه فدية لأجل خلاصنا من أجل محبته اللانهائية ونعيش هذه الأحاسيس خلال الصوم الكبير.

ومن خلال هذا المقال إن شاءالله نحاول أن ندخل إلى أسرار هذا اللحن العظيم لنستخرج منه أفكاراً متعددة تساعدنا على الصلاة والتسبيح في فترة من أقدس فترات السنة وهي الصوم الكبير فهو يُقال بعد الإبركسيس في سبوت وآحاد الصوم المقدس، وفي جمعة ختام الصومإستعداداً لملاقاة رب المجد في أسبوع البصخة المقدسة.

وأول دراستنا في هذا اللحن نتكلم عن الفكر اللاهوتي والإيماني في مفهوم التجسد والفداء الذي يتناوله هذا اللحن العميق فيقول الجزء الأخير منه: ” المتجسد من الروح القدس ومن القديسة مريم البتول بسر عظيم، قدوس الحي الذي لا يموت ، إرحمنا”.

ويقول مثلث الرحمات قداسة البابا شنوده الثالث عن عبارة (تجسد من الروح القدس) في كتابه عن قانون الإيمان: “أن الروح القدس حل في أحشاء العذراء كان حلولاً أقنومياً وهي حالة إستثنائية وذلك للسببين الأول لكي يكون في بطنها جسد المسيح بدون زرع بشر وثانياً لكي يقدس مستودعها بحيث أن المولود منها لا يرث الخطية الأصلية التي ورثتها القديسة العذراء مريم؛ وهكذا صار حَبَلُها بالسيد المسيح حبلاً بلا دنس”

وأما من حيث أنه وُلِدَ من العذراء مريم فهو (تأنس) كما يقول قانون الإيمان أي أصبح إنساناً وليس جسد من أي خليقة أخرى لأنه فدى الإنسان الذي أخطأ، وتأكيداً لذلك كان السيد المسيح يحرص دائماً على لقب (ابن الإنسان) في كلامه مع الناس.

ولنيافة الحبر الجليل الأنبا رافائيل محاضرة رائعة يشرح فيها عقيدة التجسد، ومنها نستخرج بعض الأفكار الهامة:

الفكرة الأولى: أن التجسد معناه أن الله كائن منذ البدء، منذ الأزل ثم في فترة معينة من الزمن (ملء الزمان) أخذ جسداً خاصاً به ونفساً إنسانية خاصة به، وإجمالاً الله صار إنساناً؛ ولذلك نُشَبِه تجسد الله بفكرة معينة ولكنها لم تُعرف إلا حينما صارت مكتوبة أو مسموعة، أو مثل نظرية مبهمة لم تفهم إلا حينما تجسدت أي خرجت في صورة كلام أو محاضرة، أو إختراع معين كان في عقل عالِم من العلماء ولم يره الناس أو يُحِسوا به إلا عندما ظهر للعيان في صورة مشروع مرئي والناس مُتَفاعلة معه، وفي كل هذا نقول أن الفكرة تجسدت، والتجسد يختلف عن الولادة الطبيعية فالطفل المولود لم يكن له كيان أصلاً وغير موجود، ولكن أخذ أصله حينما أخذ البذرة الأولى من أبيه وأخذ جسده الذي تَكَوَن داخل أحشاء أمه ، وهنا يتأكد لنا لاهوت السيد المسيح لأنه لم يحتاج إلى أصل أو بذرة أولى؛ لأنه أصل كل شيء، ولكن كل ماإحتاجه هو جسد أو ناسوت خاص به، كَوَنَهُ لنفسه من أحشاء القديسة العذراء مريم، فهو الوحيد الذي إختار أمه بعد تقديس أحشائها من الروح القدس لتكون مهيئة لحلوله العظيم

وفي ثيئوتوكية الأربعاء نجد تعبيراً عميقاً “السلام لمعمل الاتحاد غير المفترِق الذي للطبائع التي أتت معاً إلى موضع واحد بغير إختلاطٍ” ففي بطن العذراء عمل الروح القدس في تقديس أحشائها مع حلول الله الكلمة داخلها ليولد منها، إتحد اللاهوت بالناسوت(جسد ونفس)، وكل هذا بدون إختلاط أوامتزاج أو تغيير.

الفكرة الثانية: أن هدف التجسد الأساسي كان الفداء وكان له عدة شروط، فلابد أن يكون الفادي قدوس بلا خطية لأنه سيدفع الدِين ويكون غير محدود لأنه سيفدي كل البشرية من آدم إلى آخر الدهور، ويكون هو الخالق لأنه سيجدد خليقته التي فسدت بالخطية ليُعِيد إليها نقاءها، كذلك لابد أن يكون أقوى من الموت حتى يقوم من الموت ويقيمنا معه، وأن يكون الفداء بإرادته غير مُجبَر عليه من أحد؛ ولذلك فالمسيح فعل هذا من أجل حبه اللانهائي للبشرية، ولابد أن يكون إنساناً لأنه سيفدي الإنسان؛ ولم تتوافر كل هذه المواصفات إلا في السيد المسيح حينما تجسد ومات على الصليب لأجل خلاصناوكان هذا ممكناًلأن الله قادر على كل شيء.

الفكرة الثالثة: أن الله المتجسد المتحد بلاهوته عاش طبيعتنا بكل ظروفها وإمكانياتها، وأظهر لاهوته في تعاليمه ومعجزاته، وفي قيامته وصعوده، ومات بناسوته المتحد باللاهوت، فانفصلت الروح الإنسانية عن الجسد وهما متحدان باللاهوت، وعندما قام رجعت الروح الإنسانية إلى الجسد مرة أخرى وهما مازالا مُتَحِدَين باللاهوت.

الفكرة الرابعة: أننا بسبب التجسد صارت لنا بركات عديدة منها أنه تم الفداء وأعطانا الله الخلاص من الهلاك الأبدي، وأصبح الإنسان غالي ومُكَرَم لأن الله أخذ نفس طبيعتنا في تجسده كما نقول في القداس ( باركت طبيعتي فيك)، كما أنه في التجسد أخذنا إمكانية الطبيعة المُمَجَدة التي أظهرها السيد المسيح في قيامته ليُعطِي المؤمنين إمكانية الدخول إلى ملكوت السموات، ومن بركات التجسد أنه صار للمسيح جسد ودم على المذبح لنأكله ونتحد به ونأخذ غفران الخطايا والحياة الأبدية، وتصير لنا العضوية في جسد المسيح، ومن بركات التجسد أيضاً أنه صارت حياتنا الطبيعية من مأكل ومشرب ونوم وحركة وعمل وغيرها مقدسة لأن الله مارسها وقدسها، وهنا نحس أن كل فعل بسيط هو شركة مع إلهنا الحي ماعدا الخطية.

كل هذه الأفكار نتأمل بها حينما نُسبح ونُصلي بهذا اللحن العميق والعظيم والمعبر، وهنا نجد أن موسيقى اللحن تُعطينا أجواء فخمة وتأملية تتناسب تماماً مع فكر اللحن اللاهوتي وعن هذا السر العظيم الذي كان مخفياً عن البشر ثم ظهر واتضح في ملء الزمان حينما صار إنساناً وعاش بيننا.

لينك لحن ميغالو:

تاريخ الخبر: 2022-03-10 09:21:06
المصدر: وطنى - مصر
التصنيف: غير مصنف
مستوى الصحة: 51%
الأهمية: 68%

آخر الأخبار حول العالم

أزيلال.. فاعلون إسبان وإيطاليون يكتشفون الإمكانيات السياحية للجهة

المصدر: موقع الدار - المغرب التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2024-04-30 03:25:30
مستوى الصحة: 58% الأهمية: 50%

400 فرصة لتطوير القطاع اللوجستي بالشرقية السعودية

المصدر: جريدة الوطن - السعودية التصنيف: إقتصاد
تاريخ الخبر: 2024-04-30 03:24:44
مستوى الصحة: 53% الأهمية: 65%

75.3 مليار ريال نموا بإيرادات السعودية للكهرباء السعودية

المصدر: جريدة الوطن - السعودية التصنيف: إقتصاد
تاريخ الخبر: 2024-04-30 03:24:42
مستوى الصحة: 50% الأهمية: 51%

بتهم ارتكــاب جرائم إبادة جماعية

المصدر: جريدة النصر - الجزائر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-04-30 03:24:40
مستوى الصحة: 52% الأهمية: 60%

هضبة تكنوبول قسنطينة: نحو استحداث ركن خاص بتمويل المؤسسات الناشئة

المصدر: جريدة النصر - الجزائر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-04-30 03:24:34
مستوى الصحة: 48% الأهمية: 52%

السعودية تنشئ مركزاً عالمياً متخصصاً في الفضاء - أخبار السعودية

المصدر: صحيفة عكاظ - السعودية التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2024-04-30 03:24:33
مستوى الصحة: 57% الأهمية: 58%

الجلاجل: إجراءات استباقية لمواجهة تحديات المستقبل - أخبار السعودية

المصدر: صحيفة عكاظ - السعودية التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2024-04-30 03:24:34
مستوى الصحة: 46% الأهمية: 58%

المزيد من الأخبار

مواضيع من موسوعة كشاف

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

تحميل تطبيق المنصة العربية