الهجوم الروسي على أوكرانيا وأثره على الاقتصاد الوطني: طبول الحرب العالمية تدق والمغرب يترقب


  • زينب مركز

لم يكد العالم يطمئن إلى بداية استعادة عافيته وهو يحاول الخروج من جائحة كورونا، حتى أعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الحرب على أوكرانيا، ووضع البسطاء والضعفاء من عامة الناس في أرجاء المعمور أيديهم على قلوبهم وتساءلوا بقلق: هل تدق طبول الحرب العالمية الثالثة؟

هذه حرب شنتها ثاني أكبر قوة عسكرية عالمية على أوكرانيا التي كانت جزءا من الاتحاد السوفياتي في زمن الحرب الباردة والنظام العالمي ذي القطبية الثنائية حتى انهيار جدار برلين عام 1989، الذي آذن بميلاد النظام العالمي الجديد الذي هيمنت على قيادته الولايات المتحدة الأمريكية بدون أي منافس؟ في أي سياق تأتي الحرب الروسية الأوكرانية في ظل وضع كارثي للاقتصاد العالمي الذي لا زال يصارع آثار أكبر وباء كوني؟ وما أصل الصراع بين روسيا وأوكرانيا؟ ولماذا لم يتدخل الغرب لحماية أوكرانيا التي خاضت حوارا من أجل الانضمام إلى الحلف الأطلسي، لتحذو حذو كرواتيا والجبل الأسود وبولونيا وغيرها من دول ما كان يُعرف بكتلة أوربا الشرقية؟ ما علاقة شخصية بوتين وتكوينه بطموح استعادة أمجاد الإمبراطورية الروسية بشنه الحرب على أوكرانيا؟ ما هي إسقاطات وتبعات هذه الحرب على النظام العالمي في ظل خوض دول في مجلس الأمن الدولي لها حق استعمال الفيتو في ضرب الشرعية الدولية وقوانين الأمم المتحدة؟

لكن ألم تقم بذلك أمريكا في أكثر من منطقة في العالم تحت ذرائع شتى، من العراق إلى أفغانستان فليبيا دون مراعاة لما يفرضه القانون الدولي؟ هل تدشن الحرب الروسية على أوكرانيا عودة الحرب الباردة بوجه جديد في ظل ما أصبح يعرف بالحروب الحديثة في قوتها وشكلها والتي لم تعد تجرى على المجالات التقليدية المعهودة: البحر والجو والبر، بل شملت المجال الفضائي والسيبراني؟

ما هي الآثار المحتملة لهذه الحرب على الاقتصاد الوطني الذي ما صدق أنه نجا من جائحة كورونا رغم الآثار الاقتصادية والاجتماعية وانعكاساتها، وفي ظل سنة جفاف غير مسبوقة، لم يعرفها منذ أكثر من 40 عاما، خاصة وأن البلدين تربطهما بالمغرب اتفاقيات هامة، وهما مصدر حاجياته من القمح والغاز والبترول؟ وما هي الدروس والعبر التي يمكن أن تستخلصها النخب العسكرية المغربية من الحرب الروسية الأوكرانية التي تنتمي إلى الجيل الجديد لدعم الأمن القومي وحماية الوحدة الترابية والسيادة المغربية في ظل هيمنة منطق القوة وقانون الغاب في تسوية النزاعات والصراعات بالتدخل العسكري؟

أسئلة كثيرة طرحها الهجوم الروسي على أوكرانيا، وبعضها ستفرضه ظروف ومسار وتطورات هذه الحرب التي لن تكون مجرد نزهة رومانسية للدب الروسي في حديقة أوكرانيا.

«الأيام» ستواكب هذه الصفحة المخيفة من تاريخ العالم وآثارها على بلادنا في انتظار أن تطوى في أقرب وقت.

 

الحرب و الأسعار

 

وصل سعر القمح إلى مستويات غير مسبوقة في جلسات التداول الأوروبي بعد الهجوم الروسي على أوكرانيا، إذ بلغ 344 يورو للطن الواحد، كما ألهبت الحرب الروسية الأوكرانية بشكل كبير المعادن والطاقة، حيث قفزت أسعار النفط فوق 105 دولارات للبرميل للمرة الأولى منذ 2014، وهي مرشحة للارتفاع أكثر، وقفزت أسعار البلاديوم الذي يستخدم في صناعة المركبات والمحركات بالإضافة إلى المجوهرات، إلى أعلى مستوياتها، إذ تعتبر شركة Nornickel الروسية المورد العالمي للمعدن الكيميائي الحيوي البلاديوم بنسبة 40% من الإنتاج العالمي.

مصدر وازن صرح لـ«الأيام» أن الخطوة الملكية بدعم صندوق الحسن الثاني للتنمية الاقتصادية والاجتماعية لبرنامج الحد من تداعيات الجفاف ومساعدة الفلاحين وتدبير ندرة المياه، بمبلغ 3 ملايير درهم سيكلف الدولة غلافا ماليا إجماليا يقدر بعشرة ملايير درهم، عقب اجتماع محمد السادس مع رئيس الحكومة عزيز أخنوش، ووزير الفلاحة والصيد البحري والتنمية القروية والمياه والغابات محمد الصديقي، والذي ينصب على ثلاثة محاور رئيسية، الأول حماية الرصيد الحيواني والنباتي، وتدبير ندرة المياه، والثاني يستهدف التأمين الفلاحي، أما الثالث فيهتم بتخفيف الأعباء المالية على الفلاحين والمهنيين، وتمويل عمليات تزويد السوق الوطنية بالقمح وعلف الماشية، علاوة على تمويل الاستثمارات المبتكرة في مجال الري، كانت أشبه بالخطوة الاستباقية لما نعيشه الآن ولو أنها وضعت في سياق سنة جافة غير مسبوقة، يضيف ذات المصدر، حيث دعمت الحكومة استيراد القمح اللين، بما يقارب 60 مليار درهم، بما يعزز المخزون الوطني من هذه المادة الحيوية بالإضافة إلى تحمل الحكومة عبء ارتفاع أسعار بعض المواد الغذائية للتخفيف من حدة الغلاء، لكن يبقى المشكل الجوهري، يؤكد المصدر ذاته، في الارتفاع الصاروخي لأسعار البترول والغاز وانعكاساتها الصعبة على الاقتصاد الوطني الذي سيعيش أزمة صعبة تستدعي التدخل العاجل والبحث عن أسواق بديلة وتوفير احتياط الأمن الغذائي والطاقي في ظل حرب يبدو أنها ستطول في الأمد المنظور على الأقل.

 

المغرب وأوكرانيا = تحالف القمح

 

حسب بيانات رسمية، فقد بلغ الحجم الإجمالي للمبادلات التجارية للمغرب مع أوكرانيا سنة 2020 حوالي 4.68 مليار درهم، أي بنسبة 0.7 بالمائة من المبادلات التجارية، حيث تحتل أوكرانيا المرتبة 23 من ضمن الدول التي تجمعها مبادلات مع المغرب، ووصل حجم الواردات من هذه الدولة التي تتعرض لهجوم روسي كاسح 4.1 مليار درهم، أي بنسبة 1 بالمائة سنة 2020. فيما بلغ حجم الصادرات 534 مليون درهم، أي بنسبة 0.2 بالمائة، حيث تتركز صادرات المغرب إلى هذا البلد في الأسمدة الطبيعية والكيميائية والسيارات والسمك. بينما تعتبر الحبوب أهم واردات المغرب من أوكرانيا، وتمثل 12 في المائة من وارداته الإجمالية وهو ما يعني وجود تأثير مباشر على الاقتصاد الوطني بسبب هذه المادة الحيوية.

 

العالقون المغاربة

 

ظلت أوكرانيا قبلة دراسية مهمة للطلبة المغاربة، الذين أصبحوا خلال عقدين من الزمان يدرسون بجامعاتها تخصصات الطب والهندسة المعمارية، بسبب سهولة الولوج إلى هذه الشُّعب بالإضافة إلى انخفاض تكاليف المعيشة في أوكرانيا مقارنة بدول أوروبية مجاورة. وحتى قبل الغزو الروسي لأوكرانيا أوصت سفارة المملكة المغربية في كييف المواطنين المغاربة هناك بمغادرة البلاد حرصاً على سلامتهم، وذلك عبر الرحلات الجوية التجارية المتوفرة، وفي الآن ذاته دعت السفارة المغربية في كييف المواطنين المغاربة الراغبين في السفر إلى أوكرانيا إلى تأجيل سفرهم في الوقت الراهن. ووضعت رهن إشارة رعاياها أرقاماً هاتفية للتواصل والإجابة على استفساراتهم».

لكن هناك طلبة وجدوا صعوبات في الرحيل قبل الاجتياح الروسي، الذي قلب حياة الطلاب المغاربة بأوكرانيا، إما بسبب اطمئنانهم الزائد وثقتهم بالخطاب الرسمي الأوكراني الذي كان يستبعد الحرب، أو خوفهم من التوقف القسري لمسارهم الدراسي واحتمال تعرضهم للطرد بعد أن أدى قسم كبير منهم ثمن الدراسة في المعاهد والجامعات الأوكرانية، ورحل بعضهم إلى غرب البلاد ظنا منهم أن الحرب ستكون على الحدود فقط مع روسيا، وعانى العديد منهم من غلاء تذاكر الطيران وقلة الرحلات.

وقد تشكلت خلية في وزارة الخارجية بتعليمات عليا، حسب مصادر مطلعة، لإيجاد حل سريع للمغاربة العالقين بأوكرانيا، حيث حرصت السلطات المغربية على تحديد سعر ثابت للرحلات، لمواجهة أي غلاء مُحتمل أو أسعار مبالغ فيها من طرف شركات الطيران، بعد ارتفاع الطلب على رحلات العودة إلى المغرب.

وانطلقت، أول أمس الثلاثاء عمليات إجلاء المغاربة المُقيمين بأوكرانيا، عبر رحلات جوية مباشرة نحو مختلف مدن المملكة، وأقلت العربية للطيران، الناقل الإماراتي، 99 طالباً مغربياً من كييف، نحو مطار بن بطوطة بمدينة طنجة، شمال المملكة. كما نقلت طائرة تابعة للخطوط الملكية المغربية 174 مواطناً، أغلبهم من الطلبة نحو مطار محمد الخامس بمدينة الدار البيضاء. ويُنتظر أن تتواصل الرحلات، لإجلاء من تبقى من المغاربة الراغبين في مغادرة الأراضي الأوكرانية، بل استجابت المملكة لطلب تقدمت به الحكومة الموريتانية، وخصصت مقاعد في رحلات إجلاء الطلبة المغاربة المقيمين بأوكرانيا، لزملائهم من الطلبة الموريتانيين، وذلك بعدما اشتدت حدّة التوتر بالبلد بسبب الاجتياح الروسي.

 

الدكتور إبراهيم اسعيدي الخبير المتخصص في شؤون الحلف الأطلسي لـ”الأيام”:الحرب الروسية على أوكرانيا «حديثة» و«متعددة الأوساط» وهي مراجعة عنيفة لتسويات ما بعد الحرب الباردة

 

ما هي التحديات التي يمكن أن تواجهها روسيا في إدارة العمليات أو الخلاصات المتعلقة بها وما هو تقييمكم للاستراتيجية العسكرية التي يتم تطبيقها في هذه الحرب؟

> أريد أن أؤكد بأن الحرب الجارية في أوكرانيا من وجهة نظري تعتبر حدثا استراتيجيا لكنه ليس مفاجئا، بحكم العلاقات الصعبة والمعقدة بين روسيا ودول الحلف الأطلسي، وكذلك بين روسيا وأوكرانيا. ولكنها تعد حدثا استراتيجيا على الأقل لثلاثة أسباب:

السبب الأول هو أن أحد أطراف هذه الحرب هو روسيا التي تُعتبر القوة العسكرية الثانية في العالم، سواء على صعيد القدرات العسكرية التقليدية أو على مستوى القدرات النووية، فهذا الحدث الاستراتيجي بالتالي كبير لأنه يعطينا إمكانية تقييم الاستراتيجية العسكرية لثاني أكبر قوة عسكرية في العالم ومدى قدرتها على تطبيق ما نطلق عليه وصف استراتيجية الحرب الحديثة في حسم المعركة.

السبب الثاني أن هذه الحرب تعتبر في نهاية المطاف وبالأساس نتاجا وخُلاصة لفشل أو استعصاء في حل القضية الأساسية المتعلقة بتوسع الحلف الأطلسي في دول أوروبا الشرقية، والذي كانت تعترض عليه روسيا منذ نهاية الحرب الباردة، وتنظر إليه على أنه تهديد لأمنها القومي ونوع من اللعب في حديقتها الخلفية.

ولكن هناك مسألة ثالثة، وهي الطريقة التي تمت بها محاولة تسوية هذا الخلاف، والتي يمكن أن أقول أنها تمت بأسلوب عنيف وفوضوي، وإن لم يشكل سابقة، لأنه سبق لروسيا ضم جزيرة القرم وسبق للولايات المتحدة الأمريكية غزو العراق سنة 2003 بدون الحصول على تفويض من مجلس الأمن.

ولكن ألا يمكن اعتبار النسخة الحالية للحرب الأوكرانية الروسية تكريسا لما ميز العقود الماضية من استعمال العنف في العلاقات الدولية بدل التسويات التفاوضية، وفرض القوة لفض النزاعات بدل منطق القانون؟

> بالفعل، تشكل النسخة الحالية للحرب الأوكرانية الروسية نوعا من المراجعة العنيفة للتسويات الاستراتيجية التي ترتبت عن نهاية الحرب الباردة. كما تقلب المفاهيم المتعلقة بالسيادة وبالدولة القوية وباحترام الوحدة الترابية وبمفهوم الحدود.

على المستوى العسكري، فمنذ بداية هذه الحرب، أستطيع أن أقول بأن روسيا من خلال الاستراتيجية التي طبّقتها، كانت عازمة على حسم المعركة عسكريا وتدمير القدرات الدفاعية لأوكرانيا التي تُعتبر العدو الآن في ساحة المعركة، وذلك، أولا وقبل كل شيء، من خلال استهداف القواعد العسكرية والمطارات، وثانيا استهداف مركز قيادة العمليات العسكرية.

لماذا في تقديرك حاولت روسيا أن تستهدف مراكز القيادة العسكرية والمطارات؟

> نحن نعرف أن أكبر عيب في استعمال القوة الجوية هو ارتباطها بالأرض أي بالقواعد وبالمطارات، من أجل التوقف والتموين والتزود بالوقود. استهدفت روسيا القواعد العسكرية والمطارات لإضعاف القدرات العسكرية والقوة الجوية للجيش الأوكراني، ثم تدمير ما نطلق عليه في العمليات العسكرية مركز القيادة، لأنه حين يتم تدمير مركز القيادة والسيطرة، فإن العدو لا يستطيع التحكم في إدارة العمليات العسكرية، فمنظومة القيادة والسيطرة والاتصالات تشكل دائما نقطة استهداف استراتيجي من طرف قوات العدو.

لماذا برأيكم؟

> لأن ذلك يمنعه من معرفة ما يجري في الخطوط الأمامية والخلفية، كما يمنعه من ضمان إمداد وتسيير العمليات، وتنفيذ المهام العسكرية بشكل دقيق ومحدد. هدف روسيا هو إفشال استراتيجية أوكرانيا في ما يتعلق برصد تحركات الجيش الروسي على مسافات متفاوتة، وهذا يُبين على أن روسيا هدفها الأساسي هو حسم المعركة عسكريا. ولكي لا تفوتني هذه الفكرة، فالنقطة الثانية في تقييمنا للاستراتيجية العسكرية وفي قولنا على أن هذا الحدث يُعتبر استراتيجيا باعتبار أن روسيا ثاني قوة عسكرية متقدمة في العالم، أنها مناسبة لتقييم ما نصطلح عليه في الاستراتيجية العسكرية بالمفهوم الجديد الذي دخل التفكير العسكري، وهو العمليات المتعددة الأوساط، معناها العمليات التي أصبحت الآن تدخل في نطاق الحروب الحديثة وتدل على أن المعركة والعمليات العسكرية التي تُنفذها القوات العسكرية تدور في عدد من الأوساط المتاحة للقتال. وقد لاحظنا أن روسيا قامت بتجميع إمكاناتها وقواتها في الوسط البري والوسط الجوي والسيبراني، وبطبيعة الحال الوسط الفضائي باعتبارها تمتلك تفوقا فضائيا يساعدها على جمع المعلومات ومعرفة تحركات العدو.

وبالتالي، تُشكل هذه الحرب مناسبة لتقييم مفهوم العمليات المتعددة الأوساط وتقييم الحرب الحديثة والتأكيد على أن الحرب لم تعُد تدور في وسط محدود. وضمن الأوساط التقليدية الثلاثة لم يتم لحد الآن استعمال القوات البحرية بشكل كبير، ولكن هناك استعمالا للقوات البرية والقوات الجوية التي تُقدّم تغطية وقصفا عن بُعد للأهداف الاستراتيجية إضافة إلى الجانب السيبراني والجانب الفضائي. هذه الخلاصة تسمح لنا بإعادة النظر في أساليب تنظيم القوات وفي طريقة توزيعها ونشرها، وفي الاستراتيجيات المُعتمدة. وتُبين لنا أن المعركة الحالية تُشارك فيها قوات مشتركة ضخمة، وأن مسرح العمليات والقتال متعدد حيث تُخاض الأعمال القتالية في مستويات البر والجو والمجال السيبراني والفضائي، فتنوع وسائل القتال وقوتها وحركتها، كلها أمور تُبين التطورات التي تعرفها الحرب الحالية بين أوكرانيا وروسيا.

النقطة الثالثة، في تقييمي لهذه الاستراتيجية، في ما يتعلق بموازين القوى، أن روسيا تمتلك تفوقا استراتيجيا نوعيا على جميع المستويات سواء القوات البرية وعتادها وتجهيزاها، أو في القوات الجوية، وكذلك في استراتيجية الدفاع الصاروخي، حيث يشكل نظام القصف عن بُعد، تفوقا نوعيا يسمح لروسيا بحسم المعركة في الميدان. نحن لاحظنا على سبيل المثال القوة الجوية، وصار من الممكن مقارنتها مع غيرها لمعرفة هذا التفوق في ما يتعلق بعدد ونوعية الطائرات التي تملكها روسيا، وكذلك عدد ونوعية الطيّارين والقدرة على الحصول على الصيانة وقطع الغيار، أو كذلك الطائرات المتقدمة وعلاقتها بالقواعد الجوية والمطارات التي تمتلك منها روسيا ما يكفي لإدامة المعركة، كما أننا نرى أن روسيا وضعت استراتيجية قيادة وسيطرة يحقق الترابط بين مجالات الحرب، وحتى الآن يمكن أن نقول بأن الأمور تسير كما يرغبون، رغم بعض الخلل الموجود في قواعد وطرق التموين وكذلك إمكانية تعويض الخسائر والزمن اللازم لتعويضها.

إلى حدود الآن، نستطيع أن نقدم توصيفا لهذه الاستراتيجية المعتمدة في إطار حرب تدخل في نطاق الحروب الحديثة والمعاصرة، رغم أنها بكل تأكيد حرب نظامية بين جيشين نظاميين يطبقان استراتيجية عسكرية واضحة، ولكنها حرب حديثة لأنها تستعمل تكنولوجيا متقدمة وكذلك لأن هناك عناصر أخرى جديدة في إدارة العمليات خاصة الوسط السيبراني والفضائي، وأنظمة الصواريخ المتطورة والعتيدة والاعتماد على التكنولوجيا العسكرية خاصة من طرف روسيا.

السؤال الذي يطرح اليوم هل تستطيع روسيا أن تقوم بحرب خاطفة، وتُنهي المعركة في مُدّة قصيرة الأمد؟

> أنا لا أستطيع أن أزعم ذلك. رغم أن روسيا تبدو مُصممة بأن تقوم بهذه الحرب الخاطفة وتتمتع بتفوق عسكري واضح، ولديها هدف عسكري لتدمير القُدُرات الدفاعية واجتياح العاصمة الأوكرانية والسيطرة عليها، ولكن الإشكالية هنا أن الحرب الخاطفة لا تكون دائما في المُتناول، لسبب من الأسباب التي ستُشكل عائقا بالنسبة لروسيا وهي ما يمكن أن نُطلق عليه في الاستراتيجية العسكرية بحرب المُدن، التي تُعتبر حربا قذرة ووسخة، وتكون فيها صعوبة في الحركة.

الأكيد أن روسيا أخذت ذلك بعين الاعتبار، ولكن الدخول إلى المُدن يطرح إشكالية الاشتباك المُباشر في مناطق آهلة بالسكان، وروسيا ستعتبر الحفاظ على حياة المدنيين بالطبع شرطا استراتيجيا، ولكن حرب المُدن التي دخلت فيها روسيا الآن بكل تأكيد تتميز بصعوبتها وخطورتها وطول مُدّتها، وغالبا ما تُهزم فيها الجيوش المُدرّبة والمُجهزة بأحدث العتاد إضافة إلى التأثير على معنويات المُقاتلين. إنها عملية عسكرية مُعقدة بسبب وجود مجموعات مُتحركة، يمكن أن تكون فيها عمليات قنص للجنود الروس، فالحرب الروسية على أوكرانيا مرفوضة شعبيا حتى من بعض مؤيدي الروس داخل أوكرانيا، والتحدي الكبير بالنسبة لروسيا والقضية التي يمكن أن تُعرقلها على المستوى التكتيكي والعملي والاستراتيجي هي الدخول في مناطق القتال ذات الكثافة السّكانية، التي تُشكل لها تحديا في ربح المعركة.

وهناك كما قلنا كذلك تحدي حماية المدنيين، لأن روسيا هدفها سياسي، وهو إسقاط الرئيس وتنصيب حكومة تابعة لها، ولكن الحصول على هذا الهدف السياسي لا يمكن أن يتحقق على حساب أرواح الناس. بمعنى، كيف يمكن أن تبذل روسيا الجهود للحفاظ على المدنيين أو الالتزام بالقانون الدولي، لأنه في هذه الحالة لن يكون مطلوبا فقط من الجيش الروسي الاشتباك مع الجيش الأوكراني ولكن حماية المدنيين في مناطق آهلة بالسكان.

لنعد إلى السبب المباشر للهجوم الروسي المتمثل في سياسة توسع الحلف الأطلسي الذي بدأ «يلعب» بالقرب من وكر الدب الروسي، هل هذا وحده يبرر الحرب؟

> بصفتي خبيرا متخصصا في شؤون الحلف الأطلسي، الذي يطلق عليه اختصارا باللغة الإنجليزية اسم «الناتو»، فإن هذه الحرب لها عدة أسباب، ولكن السبب الأساسي والمباشر الذي عمق الخلاف بين روسيا والغرب هي قضية توسع الحلف الأطلسي تجاه أوروبا الوسطى والشرقية، ودخوله في مفاوضات مع عدة دول، ورغبة أوكرانيا في الانضمام أيضا، وهو ما عدته روسيا خطا أحمرا، لأنها لا تريد أن تكون لها حدود مباشرة مع الحلف الأطلسي. ولكن هناك أسبابا أخرى ترتبط بالجغرافيا السياسية والمنافذ البحرية ونظرة بوتين للعالم وعلاقته بأوروبا والولايات المتحدة الأمريكية ورغبته في أن يثبت للغرب أنه يجب التعامل مع روسيا باعتبارها وريثا للاتحاد السوفياتي.

سقط الاتحاد السوفياتي سنة 1989 وظهر النظام الدولي الجديد، فدخل الحلف الأطلسي فيما أُطلق عليه أنا شخصيا في كتاباتي بأزمة هوية، فما دام أن الحلف الأطلسي تأسس لمواجهة حلف وارسو الذي لم يعد موجودا، أي أنه تأسس لمواجهة عدو تقليدي وهو الاتحاد السوفياتي الذي اختفى، فإنه يُفترض بطبيعة الحال من حلف الناتو أن يختفي هو الآخر، لأن التهديد الذي أنشئ من أجله لم يعد موجودا. لكن الحلف الأطلسي قدم قراءة مُختلفة خاصة في قمته بمدريد سنة 1991، واعتمد مفهوما استراتيجيا جديدا يقول إنه إذا لم يكن هناك تهديد عسكري مباشر على سيادة الدول المُنتمية إليه، فإن هذا لا يعني أن هذا التهديد لا يُمكن أن يعود للظهور بعد 10 أو 20 سنة، أو لا يمكن أن يأتي في المستقبل البعيد، وهو ما حدث اليوم. والآن يتبين بأن التهديد المباشر يأتي من روسيا وإمكانية الحرب مع روسيا تظل دائما قائمة.

كما أن الحلف قدم قراءة أخرى تبرر استمراره ووحدته وتوسعه، وهي أن دول الحلف الأطلسي لم تعد تواجه فقط تهديدات عسكرية وإنما أصبحت تواجه تهديدات جديدة غير عسكرية تقتضي استمراريته، سواء في ما يتعلق بالإرهاب أو بالجريمة المنظمة والهجرة السرية والاتجار في أسلحة الدمار الشامل والحرب السيبرانية…

ولكن في ظل هذا التحول الوظيفي الذي عرفه الحلف الأطلسي، الذي حافظ على مبدأ الدفاع المشترك، وعززه بوظيفة الأمن الجماعي، حيث تدخل في عدة مناطق من العالم خارج حدوده التقليدية أو ما نُطلق عليها حدود الفصل الخامس، مثل التدخل في ليبيا. فإضافة إلى نهج سياسة التوسع نحو دول أوروبا الوسطى وأوروبا الشرقية، الذي كان يعتبر بمثابة تصحيح لخطأ تاريخي تجاه هذه الدول باعتبارها دولا أوروبية، خرجت من الاتحاد السوفياتي وكانت لديها رغبة بأن تلتحق بحلف الناتو، مما يعطيها ضمانات الدفاع المشترك الذي ينص عليها الفصل الخامس من اتفاقية واشنطن المؤسسة للحلف الأطلسي، والتي تقول أنه إذا تعرضت أي دولة عضو إلى الاعتداء فإن الحلف الأطلسي ملتزم بالدفاع عنها، أي ما نُسميه «قاعدة الدولة العضو للكل والكل للدولة العضو»، فهذه الدول كانت لديها رغبة في الانضمام إلى الحلف الأطلسي لحماية نفسها من النفوذ والتهديدات الروسية.

وهكذا التحقت بولونيا سنة 1999 بالحلف الأطلسي، وآخر دولة من أوروبا الشرقية التحقت به هي الجبل الأسود سنة 2017. وكان مجموع هذه الدول من المنطقة الشرقية 13 دولة. كانت روسيا تنظر إلى كل هذه التحولات التي تقع على الحدود الروسية بنوع من الشك والريبة وتعتبرها تهديدا لأمنها القومي، رغم أن هذه الدول لها سيادة واستقلت بنفسها وتُقرر مصيرها، فإن روسيا تعتبر التحاقها بحلف الناتو تهديدا لأمنها القومي وتضييقا عليها، وترى أن الحلف الأطلسي يتوسع ويقترب من حدودها في مواجهة مباشرة.

وكانت روسيا قد دخلت في حوار مع الحلف الأطلسي لم يترتب عنه حل إشكالية ما يُوصف بالقضايا الخلافية، أي تمدد وتوسع «الناتو» وهذا هو السبب الرئيسي والمباشر والسياق العام لهذه الحرب المرتبطة بتوسع الحلف تجاه الشرق.

لكن لماذا لم يتدخل الحلف الأطلسي حتى الآن تحت يافطة الدفاع المشترك؟

> لو تدخل الحلف الأطلسي فسنكون أمام حرب عالمية كارثية، حرب مُباشرة بين روسيا والحلف الأطلسي، لأن ما حدث أعاد إلى الأذهان أننا دخلنا في منطق حرب باردة جديدة. لم يتدخل الحلف الأطلسي لسبب أساسي وهو أن أوكرانيا ليست دولة عضوا فيه، فالحلف الأطلسي ليس مُلزما بالتدخل للدفاع عن أوكرانيا، لأنه يتدخل للدفاع فقط عن أعضائه حسب اتفاقية واشنطن، والفصل الخامس الذي ينص على ضرورة و»أوتوماتيكية» حماية الدول الأعضاء ضمن نطاق الدفاع المشترك.

فعلى سبيل المثال، حين وقعت حرب الخليج الثانية وحرب الخليج الثالثة، مع الغزو الأمريكي للعراق، تم نشر منظومة صواريخ «باتريوت» على الحدود التركية، تضامنا معها وتطبيقا لمنطق الدفاع المشترك. وهذا يبين أن الاعتداء على تركيا هو اعتداء على أراضي الحلف الأطلسي، فبالتالي، من المنظور القانوني ومنطوق اتفاقية واشنطن، فإن الغزو الروسي لأوكرانيا لا يعتبر اعتداء على أراضي حلف الناتو لأن أوكرانيا ليست دولة عضوا.

لكن لماذا تدخل الناتو في ليبيا وهي ليست دولة عضوا؟

> هذا سياق آخر، ارتبط بوضع خاص لحلف الناتو الذي تدخل بمقتضى تفويض من مجلس الأمن. كان هناك قرار لمجلس الأمن بالتدخل العسكري، وأيضا كان بطلب من المجلس الانتقالي الليبي، حينما فقد نظام القذافي شرعيته. وثالثا كانت هناك رغبة من عدد كبير من الدول العربية التي أيّدت التدخل العسكري في ليبيا تحت مقتضيات الفصل السابع ومبدأ مسؤولية الحماية، أي أن الحلف الأطلسي وجد لنفسه مخرجا قانونيا باعتبار أنه يطبق قرارا للأمم المتحدة، واعتبر أن الأزمة في ليبيا لها تداعيات مُباشرة على الأمن الأطلسي خاصة دول جنوب الدول الأوروبية التي لها واجهة مُتوسطية.

لكن أوكرانيا تختلف في هذه المعادلة، باعتبارها دولة غير عضو، رغم أنها كانت في حوار مباشر لتكون في المستقبل مرشحة لعضوية الحلف الأطلسي وإن لم يكن هذا مؤكدا، لأن الحلف الأطلسي كان يدرك أن قبول عضوية أوكرانيا يعتبر قرارا جريئا وغير ودي، بل إنه عدائي وترسيم للصراع مع روسيا في هذا الصدد، ولهذا تأخرت عملية انضمام أوكرانيا إلى حلف الناتو بالمقارنة مع بقية دول أوروبا الشرقية.

كيف يمكن لتداعيات هذه الحرب أن تنعكس على سياسة حلف الناتو في المستقبل ونظرته وعلاقته بروسيا؟

> هذه التداعيات ستكون في اتجاهين: الاتجاه الأول وهو أن الحلف الأطلسي يخرج بقناعة أن منطق الحرب الباردة في علاقته بروسيا قادم، ولا يمكن بعد الآن أن ينظر إلى روسيا باعتبارها شريكا ولا منافسا تقليديا، ولكن باعتبارها عدوا حقيقيا لن يتردد في استعمال القوة العسكرية، سواء التقليدية أو النووية في الدفاع عن مصالحه وعن أولوياته في الأمن القومي.

هذه الحرب ستدفع حلف الناتو إلى إعادة تقييمه ونظرته وتصوره للتهديد الذي يأتي من روسيا، لأنه ساد الاعتقاد بعد الحرب الباردة أن روسيا يمكن أن تنتقل من موقع العدو إلى موقع الشريك، ودخل الناتو في حوارات استراتيجية مع موسكو لكنها لم تنجح بسبب سياسة التوسع. هذه الحرب تؤكد أن المنطق الذي تعتمده روسيا لن يتردد في استعمال القوة العسكرية وبشكل عنيف إذا تعلق الأمر بمصالحها وأمنها القومي، وعلى الحلف الأطلسي أن يضع هذا السيناريو في الحسبان.

هناك بعد آخر لهذه الحرب، فما وقع في أوكرانيا سيزيد من تخوف دول أوروبا الشرقية المنتمية إلى الحلف الأطلسي، لتُلزم هذا الأخير بمزيد من الإجراءات لطمأنتها بتطبيق مقتضيات الدفاع المشترك، لأن هذه الدول تعتبر أنها يمكن أن تكون مستهدفة غدا من طرف روسيا. ومن جهتها، تأخذ روسيا بعين الاعتبار أن الاعتداء على هذه الدول التي حصلت رسميا على عضويتها بالناتو، إنما هو ترسيم للحرب بشكل مباشر في أراضي الحلف الأطلسي، فدول أوروبا الشرقية ستشكل ضغطا وكتلة داخل حلف الناتو للمزيد من رفع الإنفاق العسكري والقدرات العسكرية ونشر القوات على حدودها القريبة من الحدود الروسية للحفاظ على أمنها.

ما هي السيناريوهات المحتملة إذن في المنطقة؟

> السيناريو الأول وهو أن الحلف الأطلسي ستعطيه الحرب الروسية الأوكرانية إمكانية للحفاظ على التماسك ومراجعة الخلافات الداخلية، والرفع من المجهود العسكري للحفاظ، ليس فقط على التوازن الاستراتيجي مع روسيا، ولكن الاستعداد لإمكانية أي حرب في المستقبل ضد روسيا، للحفاظ على أمن وسيادة دول أوروبا الشرقية التي تنتمي إليه.

والخلاصة من هذه الأزمة، أن حلف الناتو منذ نهاية الحرب الباردة عانى نوعا من التراجع وعدم الاستثمار في قدراته الدفاعية، وعدد من الدول لم تعد تبدي رغبتها في الاهتمام بالاستراتيجيات التي يعتمدها، وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية. هذه الحرب ستعطي الحلف فرصة لإعادة تقييم خططه حول التهديد الروسي، ولكن هذا يواجه بتحديات داخلية، فالتوسع الذي خلقه الحلف الأطلسي أحدث نوعا من التفكك الداخلي باعتبار أنه أصبح خليطا من عدد من الدول، وأولويات هذه الدول أصبحت تختلف باختلاف مواقعها الجغرافية، لأن دول أوروبا الشرقية ليست هي دول أوروبا التي لها واجهة متوسطية أو لها واجهة أطلسية، فهناك إشكال متعلق بأننا أمام حلف أطلسي يسير بأولويات مختلفة حسب الموقع الجغرافي لكل دولة. ثم هناك كذلك التفاوت في الاستثمار في المجهود الحربي، لأن ما تقدمه ألبانيا أو جمهورية التشيك أو دول البلطيق التي انضمت إليه ليس هو المجهود الحربي لبريطانيا ولا فرنسا ولا الولايات المتحدة الأمريكية. وفي حالة وقوع حرب، فإن الذي يتحمل المسؤولية الكبيرة في قيادة العمليات هي الدول الكبرى التي تمتلك التكنولوجيا والقدرات. فهل ستدفع الحرب الحلف الأطلسي إلى إعادة تجاوز هذه التفاوتات والاستمرار في الانفاق العسكري بشكل متوازن في المستقبل؟

هذه كلها تحديات، ولكن هذه الحرب تُعطينا بكل تأكيد إمكانية القول أن الحلف الأطلسي لا زالت له ضرورة استراتيجية، ولا زال قائما ويؤدي وظيفة، وأن من مصلحة دول أوروبا المنتمية إليه الاستثمار في هذا الحلف العسكري للحفاظ على سيادتها لأن التهديد لم يختف.

ومحليا، ما هي تداعيات هذه الحرب الممكنة على المغرب؟

> المغرب معني بالحرب الأوكرانية الروسية. أولا على المستوى العسكري، من الضروري للنخب العسكرية أن تقوم بتقييم ما نُطلق عليه بالعمليات المتعددة الأوساط، التي تعتبر السمة الأساسية في الحروب الحديثة، وكيف يتم الآن توظيف مختلف الأوساط في إدارة العمليات، ليس فقط المجال الجوي والمجال البري والمجال البحري، ولكن في المجال السيبراني والمجال الفضائي أيضا، فهذه الحرب فرصة لتقييم الاستراتيجيات وتقييم العمليات العسكرية لإعادة النظر في الحروب النظامية بين جيشين نظاميين وخطورة حرب المدن، هذه النقطة الأولى.

النقطة الثانية، كما قلنا سابقا، تتمثل في أن هذه الحرب تعتبر حدثا استراتيجيا لأن الطرف الأول فيها هو روسيا، ثاني قوة عسكرية عالمية وهي دولة عضو في مجلس الأمن تمتلك حق الفيتو، والمغرب له علاقات متضاربة معها ومن مصلحته أن يأخذ بعين الاعتبار كل هذه التوازنات، رغم أن الموقف المغربي واضح ويتماشى مع أولويات وفلسفة السياسة الخارجية في الحفاظ على سيادة الدول ووحدتها الترابية وحل النزاعات عن طريق الدبلوماسية والوساطة والحلول السلمية.

ولكن بعيدا عن كل هذا، على هذه الحرب أن تعطينا فرصة إعادة قراءة أولويات الأمن القومي المغربي أو تحديث هذه الأولويات ومراجعتها بما يسمح بتحقيق أهداف السياسة الخارجية، ثم النقطة الأساسية هي أن هذه الحرب أعادت إلى الأذهان ما نطلق عليه الواقعية السياسية في العلاقات الدولية، وأهمية مراكمة مصادر القوة العسكرية بالنسبة للدولة. أي أن الدولة، للحفاظ على أمنها وسيادتها ووحدتها الترابية، يجب أن تعتمد على ذاتها في مجال أولوية البُعد العسكري الذي يجب أن يظل دائما من أهم مقومات الأمن القومي المغربي، وأن لا يكون هناك تهاون في إعداد مصادر القوة العسكرية من خلال المزيد من الاستثمار في تقوية القدرات القتالية للجيش المغربي أو القوات المسلحة الملكية، وبناء أحلاف عسكرية وكذلك البحث عن دفاع مشترك مع شركاء موثوق بهم، لأن تحقيق هذا الهدف يعني بالضرورة تمكين الدولة من مواجهة التهديدات التي يمكن أن تسعى في المستقبل إلى إخضاعها. فالاستثمار في القوة العسكرية يظل دائما أولوية، لأن النظام الدولي هو نظام فوضوي وعدد من الخلافات والنزاعات لا تُحل بالطريقة الدبلوماسية، وإنما باللجوء إلى القوة. والمغرب تأتيه تهديدات من الجهة الشرقية ومن جهة الشمال ومن الجهة الجنوبية، وله واجهة بحرية عريضة، فبالتالي يتحتم على الدولة أن تكون قادرة في قوتها العسكرية إذا ما تعرضت لتهديدات، أن تُكشر عن أنيابها ولها القدرة في الدفاع عن سيادتها واستقرارها، لأن منطق الواقعية السياسية يظل قائما.

وهنا الخلاصة التي أعتبرها ذات أهمية كبيرة، أن تتحول مراكمة مصادر القوة العسكرية إلى استراتيجية عُليا. أنا لا أعلم هل المغرب يمتلك وثيقة للأمن القومي، ولكن ما أعرفه أنه لا يعتمد أوراقا بيضاء في الدفاع ولا أوراق رسمية يعبر فيها عن نظرته إلى العالم وأولويات أمنه قومي، ولكن هذه النقطة يجب أن تظل مركزية وربما كان يفترض أن يتم تفعيل مجلس الأمن الوطني الذي نصّ عليه الفصل 54 من الدستور، بتطوير ووضع هذه الوثائق المتعلقة بالأمن القومي وإعادة ترتيب الأولويات. صحيح أن المغرب استثمر في البعد العسكري والقوة العسكرية ويجب أن يظل ذلك أولوية كبرى في سياسة الأمن القومي.

النقطة الثانية التي يجب أن نأخذها كخلاصة أساسية في ما يتعلق بالحفاظ على الدولة ككيان، تتمثل في أن أوكرانيا الآن تواجه تهديدا في كيانها ونظامها السياسي، وفي سيادتها ووحدتها الترابية من طرف دولة تفرض منطق الهيمنة والقوة العسكرية، فمنطق العلاقات الدولية الحالية يفرض أن يظل البُعد السياسي للأمن القومي دائما أولوية كبرى، لتمتلك الدولة القدرة على الحفاظ على أمنها واستقرارها الداخلي، بطريقة تحقق لها الوحدة الوطنية والتماسك السياسي بين الشعب والنخب الحاكمة، بدون صراعات وبدون فوضى داخلية، لأنه يتبين دائما في مثل هذه الأزمات ومثل هذه الصراعات وهذه الحروب أن جدار الوحدة الوطنية والتماسك السياسي والحفاظ على النظام السياسي يُعتبر دائما من أهم المصالح الوطنية العليا التي تسعى الدولة إلى تحقيقها، وانعدامها بطبيعة الحال يعرضها للتمزق، ويجعلها مطمعا للتدخلات الخارجية.

 

في تقييمنا للحرب الأوكرانية الروسية، كيف يمكن للدولة أن تمتلك عناصر القوة؟

> هناك أدبيات طرحها الفكر السياسي الأمريكي في ما يعرف بمفهوم «D.I.N.E» يعني أن عناصر قوة الدولة تتمثل في أربعة أشياء، في الدبلوماسية وفي المعلومات وفي القوة العسكرية وفي الاقتصاد. هذا المفهوم «D.I.N.E» أعتبره بطبيعة الحال أساسيا ولكنه ناقص لأنه لا يتوفر على عنصر الهوية الوطنية والحفاظ على الثقافة الوطنية، لأن الهوية تُعتبر مكونا أساسيا، ولكن هذه التحولات تفرض إعادة تقييم ما نطلق عليه عناصر قوة الدولة في مختلف أبعادها. والخلاصة الثالثة الضرورية لنا من هذه الحرب (إلى جانب النقطتين السابقتين)، تتعلق بالدبلوماسية، فالمغرب يتمتع بعلاقات دولية جيدة وبدبلوماسية نشيطة ولديه سمعة محترمة على المستوى الإقليمي والدولي. هذه أدوات ضرورية لتحقيق أهداف السياسة الخارجية للدولة والاستثمار فيها بشكل جيد، يجب أن تظل الدبلوماسية أولوية من أولويات الأمن الوطني المغربي. أما الخلاصة الرابعة، فتتمثل في أن الحرب الأوكرانية الروسية طرحت إشكالا جديدا يرتبط بمنطق العولمة وأولويات الأمن الغذائي والاقتصادي الذي أصبح مصلحة وطنية عليا، لأن كل هذه التحولات تؤثر على المغرب، فمصادر التهديدات الآن اختلفت، وأصبحت تظهر بشكل مفاجئ ومن بينها في حرب أوكرانيا وروسيا، قضية الأمن الغذائي والطاقي، الذي أضحى أحد مقومات الأمن القومي، لأنه يرتبط بقدرة المجتمع على توفير احتياجاته من المواد الغذائية، من سلع أساسية، وخدمات صنعت على المستوى المحلي أو عن طريق الاستيراد من العالم الخارجي.

تاريخ الخبر: 2022-03-11 15:17:26
المصدر: الأيام 24 - المغرب
التصنيف: سياسة
مستوى الصحة: 68%
الأهمية: 72%

آخر الأخبار حول العالم

في مواجهة الحتمية الجيوسياسية.. الاتحاد الأوروبي يختار التوسع

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-01 15:26:27
مستوى الصحة: 50% الأهمية: 61%

حماس تطلب توضيحا بشأن "شرط غير مفهوم" في اقتراح الهدنة

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-01 15:26:12
مستوى الصحة: 49% الأهمية: 55%

الوكالة العالمية للمنشطات تفرض عقوبات على تونس

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-01 15:26:19
مستوى الصحة: 60% الأهمية: 53%

حماس تطلب توضيحا بشأن "شرط غير مفهوم" في اقتراح الهدنة

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-01 15:26:06
مستوى الصحة: 53% الأهمية: 63%

الوكالة العالمية للمنشطات تفرض عقوبات على تونس

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-01 15:26:14
مستوى الصحة: 51% الأهمية: 70%

لوكا مودريتش يحطم رقما قياسيا في أبطال أوروبا

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-01 15:26:02
مستوى الصحة: 56% الأهمية: 68%

في مواجهة الحتمية الجيوسياسية.. الاتحاد الأوروبي يختار التوسع

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-01 15:26:22
مستوى الصحة: 47% الأهمية: 63%

لوكا مودريتش يحطم رقما قياسيا في أبطال أوروبا

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-01 15:25:54
مستوى الصحة: 51% الأهمية: 64%

الأمم المتحدة: حجم الدمار في غزة أكبر من أوكرانيا

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-01 15:25:51
مستوى الصحة: 60% الأهمية: 70%

المزيد من الأخبار

مواضيع من موسوعة كشاف

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

تحميل تطبيق المنصة العربية