قبل بضعة أشهر قرر شكري الأسمر أنه ليس مستعداً للتخلي عن الأمل. لذلك قاد مجموعة من السكان في ”تظاهرة سلمية لحماية الأشجار” في حيه بالقاهرة.

وكانت السلطات المصرية تخطط لتطهير شارع كبير من أشجار اللبخ والسنط والنخيل، وهي جزء من مشاريع إعادة تطوير حضري واسعة النطاق تعمل على تغيير الكثير من القاهرة التاريخية.

وقال الأسمر: ”لقد كانت أشبه بحرب على اللون الأخضر”.

رقَّم الأسمر وسكان آخرون في حي مصر الجديدة -وهو حي قديم يضم بعض أهم مباني المدينة التي تعود إلى أوائل القرن العشرين- الأشجار التي تصطف في شارع نهرو، وأطلقوا على كل واحدة منها اسم شخصية مصرية مشهورة.

بعد خمسة أيام أزالت الشرطة اللافتات وتلقى الأسمر تحذيراً من مسؤولي الأمن.

نجت الأشجار في الوقت الحالي بينما لم تنجُ أشجار أخرى مجاورة جرى تقطيع خشبها وسُحبت بعيداً في شاحنات.

ودمر جزء من الحديقة المجاورة لبناء نصب تذكاري حجري لإحياء ذكرى تطوير طريق القاهرة والطرق السريعة، في حين هدمت حديقة عامة قريبة تعود إلى أوائل القرن العشرين لإفساح المجال لشارع جديد ومحطة وقود مملوكة للدولة.

نصب تذكاري أقيم لإحياء ذكرى تطوير طريق القاهرة والطرق السريعة (AP)

وفي السياق قال الأسمر إنه بين أغسطس/آب 2019 ويناير/كانون ثاني 2020 فقدت مصر الجديدة ما يقدر بنحو 396 ألف متر مربع (نحو 100 فدان) من المساحات الخضراء.

وأضاف: ”ثم توقفنا عن العد، لكننا خسرنا أكثر بكثير”، ووصف شعوره بالارتباك والتشتت في شوارع كانت مألوفة بيوم من الأيام.

ويوجد ما يقرب من 73 ملعب كرة قدم من المساحات الخضراء في حي واحد فقط من العاصمة المترامية الأطراف التي تمتد من الأهرامات في الجيزة في الغرب، عبر نهر النيل، إلى التطورات الحديثة الجديدة في الشرق.

(كوب 27)

ويبلغ عدد سكان القاهرة نحو 20 مليون نسمة موزعين على مساحة 648 كيلومتراً مربعاً (250 ميلاً مربعاً)، ما يجعلها واحدة من أكثر المدن كثافة في العالم.

ويخضع السجل البيئي لمصر للتدقيق حيث تستضيف مؤتمر المناخ للأمم المتحدة (كوب 27) في منتجع شرم الشيخ على البحر الأحمر في نوفمبر/تشرين الثاني.

ولم يردُد مسؤول بوزارة البيئة المصرية على طلب للتعليق على فقدان المساحات الخضراء الحضرية.

مسؤولون وعدوا بأن تشمل التطورات الجديدة حدائق وتضم قدراً من الغطاء النباتي (AP)

وقال مسؤولون آخرون إن تحسين الطرق سيخفف حركة المرور، ووعدوا بأن تشمل التطورات الجديدة حدائق كبيرة وستضم أكبر قدر ممكن من الغطاء النباتي.

وتتمثل إحدى الخطط التي جرى الإعلان عنها في وسائل الإعلام الحكومية في إنشاء حديقة بالمركز التاريخي تضم منطقة أثرية كبيرة.

العاصمة الجديدة

ويهدف الكثير من إعادة تصميم القاهرة والطرق السريعة الجديدة إلى خدمة عاصمة جديدة قيد الإنشاء في ضواحي المدينة.

وفي السنوات الأخيرة ظهرت مجموعات شعبية في مناطق مختلفة من القاهرة لمحاولة حماية الهوية الحضرية للمدينة. فالأسمر عضو بمبادرة تراث مصر الجديدة التي تأسست عام 2011.

وتعيش سارة رفعت على بعد خمس دقائق سيراً على الأقدام من ساحة المساحة، وهي بقعة مورقة نادرة في الجيزة، وهي منطقة شاهقة الارتفاع.

حقق النشطاء بعض الانتصارات بما في ذلك وقف إعادة تطوير حديقة الأسماك في منطقة الزمالك (AP)

وقبل بضعة أشهر قالت سارة إنها تأثرت بشدة بعد مشاهدة تسجيل مصور لرافعة شوكية وهي تسوي حديقة الساحة بالأرض.

وانضمت سارة إلى مجموعة على تطبيق واتساب حيث أعرب السكان عن قلقهم بشأن فقدان المساحات الخضراء. ونظم السكان التماساً، ولكن استمر رصف الحديقة، وقالت سارة: ”يوجد شعور بالارتباط الجماعي بالأشجار لم أره من قبل”.

مدينة سريعة التغيير

حقق النشطاء بعض الانتصارات بما في ذلك وقف إعادة التطوير التجاري لحديقة الأسماك، وهي حديقة في منطقة الزمالك.

وشهدت سارة بعض التحسينات الحضرية التي بدأها مسؤولو المدينة أيضاً، لكنها قالت إنه لا توجد مساءلة بين صانعي القرار.

وأوضحت أن سكان القاهرة يكافحون من أجل التكيف مع مدينة سريعة التغير، حيث جرى الاستيلاء على العديد من الأماكن العامة أو تسويقها.

وتعتقد سارة أن حماية الأحياء أصبحت شكلاً من أشكال الاحتجاج، مع استمرار تقلص مساحة المجتمع المدني في مصر.

وبدعم من المجموعات السكنية في جميع أنحاء المدينة يتولى المحامي البيئي أحمد الصعيدي الدفاع في دعوى منظورة أمام أعلى محكمة إدارية في مصر يأمل أن تلزم الحكومة إعادة زراعة الأشجار وحماية المساحات الخضراء القليلة المتبقية في القاهرة.

وأشار إلى أن الحكومة مطالبة بموجب القانون بإجراء مشاورات عامة وتقارير الأثر البيئي على إنشاء الطرق السريعة التي مزقت العديد من الأحياء القديمة. وأضاف أن القانون يحمي المسطحات الخضراء ويخصص الأشجار باعتبارها ملكية عامة.

في السياق ذاته قال الصعيدي إنه قدم وثائق تثبت عدم إجراء دراسات بيئية قبل أي مشروع للطرق، بما في ذلك في مصر الجديدة.

وقالت ريم حمدي أستاذة علم النبات بجامعة القاهرة إن بعض أنواع الأشجار يمكن أن تختفي من شوارع المدينة.

تراث حكام مصر

ويشار إلى أن العديد من أنواع الأشجار والحدائق العامة من تراث حكام مصر في القرن التاسع عشر، الذين زرعوا آلاف الأشجار أثناء إعادة بناء القاهرة. لقد استوردوا العينات بما في ذلك الجاكاراندا الأرجواني المزهرة والبوينسيانا الحمراء التي أصبحت من علامات شوارع القاهرة.

وتخطط ريم لتقديم التماس للسلطات للسماح لها بقص وحماية شجرة جميز عمرها قرن من الزمان خارج جامعتها.

وبينما تستعد مصر لاستضافة كوب 27 يقول نشطاء إن المساحات الخضراء تساعد في تقليل التلوث الشديد في القاهرة وخفض درجات حرارة الصيف الحارقة في المناطق الحضرية.

وفي النضال من أجل الحفاظ على المساحات الخضراء تحقق المناطق الأكثر رفاهية نجاحات أكثر، إذ يتمتع السكان عادة بوصول أفضل للمسؤولين مقارنة بأولئك الذين يعيشون في المناطق الفقيرة.

وفي النهاية أعرب الأسمر عن خيبة أمله لأنه لم يتمكن من فعل المزيد لحماية ألماظة، وهي منطقة للطبقة العاملة بجوار مصر الجديدة الأكثر ثراء. وقال إن السلطات تزيل الطريق الرئيسي الذي تصطف على جانبيه الأشجار وتخطط لإجلاء السكان على طول الطريق.



TRT عربي - وكالات