الخبير الاقتصادي محمد بنموسى: الحكومة تلاحقها «خطيئة الولادة» وستكبدنا خسارة 475 مليار درهم


قبل أيام نشرت حركة “ضمير” دراسة فريدة خلصت إلى وجود بون شاسع بين البرنامج الحكومي والنموذج التنموي، وحددت بدقة الخسائر التي سيتكبدها الاقتصاد الوطني جراء التفريط في إصلاحات النموذج التنموي الجديد. ومن أجل الاستيضاح أكثر حول هذه المعضلة، يأتي هذا الحوار الساخن مع الخبير الاقتصادي محمد بنموسى ونائب رئيس حركة “ضمير”.

 تعيش بلادنا على وقع ارتفاعات مهولة في أسعار عدد من المواد الاستهلاكية، فضلا عن أسعار المحروقات، كيف تقيم أداء الحكومة لمعالجة هذا المشكل؟

> الإجراءات الحكومية المتخذة حتى الآن غير متوازنة بشكل كافٍ مع حجم المشكل وخطورة الوضعية الراهنة التي تتميز بأبعاد داخلية وخارجية، والإجراء الأكثر أهمية المتخذ حتى الآن والمتعلق بضخ 10 ملايير درهم من أجل مساعدة القطاع الفلاحي والعالم القروي لم يكن بمبادرة من الحكومة، بل هو قرار لصاحب الجلالة الملك محمد السادس. وهكذا فإن الحكومة تستمر في شكل من الانتظارية والتهرب من المسؤولية والاختباء وراء التقلبات الدولية التي لها تأثير جزئي على الارتفاعات المسجلة وطنيا، لا ينقص من تأثير إخفاق السياسات العمومية المتعاقبة، وعدم تنظيم الأسواق الداخلية ومحاربة الاحتكار والمضاربات وغيرها من التصرفات اللاأخلاقية أو المخالفة للقانون.

صحيح أن هذه الإخفاقات والاختلالات ليست من فِعل الحكومة الحالية وحدها بل هي نتيجة تراكم أخطاء متعددة، لكنها تتحمل مسؤولية الإصلاح لكونها الحكومة الأولى المشرفة على الإجراءات المرتبطة بانطلاقة النموذج التنموي الجديد. من جهة أخرى، تبين أن هدف الاكتفاء الذاتي للمملكة في عدد من المنتوجات غير مضمون، وهو ما يجعلنا نتساءل حول مدى نجاعة بعض السياسات العمومية المتبعة منذ أزيد من عقد ونصف والتي كان في قلبها وزراء ينتمون إلى الحكومة الحالية. ويمكن أن نستحضر كمثال على ذلك «مخطط المغرب الأخضر»، الذي أشرف على تفعيله منذ سنة 2007 وبدون انقطاع رئيس الحكومة الحالي، والحالُ أنه لم ينجح في ضمان الاكتفاء الذاتي للمملكة في المواد الغذائية والحبوب والدقيق والزيوت والسكر وغيرها، ناهيك عن الفشل في خلق طبقة اجتماعية متوسطة في العالم القروي تتمتع بالرفاه. نفس الأمر ينطبق على برنامج مواجهة «الإجهاد المائي» ومخططات المملكة في مجال التصنيع التي تعاني من ثغرات وإخفاقات عديدة.

نحتاج الآن إلى تفعيل سليم وعادل للقرار الملكي بشأن ضخ عشرة ملايير درهم لإنقاذ العالم القروي، من خلال توجيه التمويلات لمستحقيها من الفلاحين الصغار وليس للمستثمرين الكبار.

 مع لجوء الحكومات عادة إلى جيوب المواطنين للخروج من الأزمة، يخشى البعض من تحول الضغط على المواطنين إلى «قنبلة» موقوتة، خاصة بعد المظاهرات التي خرجت في مدن مختلفة في 13 فبراير و20 فبراير، ما هو السبيل لتجاوز هذا الضغط؟

> بطبيعة الحال، ينبغي التخفيف من حالة الاحتقان، خاصة بالنسبة للشرائح الاجتماعية المتوسطة والضعيفة، وذلك من أجل التقليل من حدة الغضب الجماعي، ولن يتحقق ذلك دون تقديم الحكومة إشارات إيجابية تُعيد الطمأنينة للمواطنين، وذلك من خلال سن تدابير عملية استعجالية من جهة، وإطلاق سلسلة إصلاحات هيكلية على المدى القصير والمتوسط من جهة أخرى.

والتدابير الاستعجالية كبرامج اجتماعية يجب أن تُوجه للفئات الأكثر ضعفا وهشاشة مثل النساء والمسنين والشباب وذوي الاحتياجات الخاصة، وأن تستهدف القطاعات الأكثر تضررا من تداعيات جائحة كوفيد-19 والجفاف مثل القطاعين السياحي والفلاحي اللذين شهدا أكبر نسبة من المقاولات المفلسة في ظل تردد الحكومة وتذبذبها وميولها للانتظارية.

المغرب يحتاج إلى إطلاق حزمة إصلاحات يكون لها الأثر على المديين القصير والمتوسط، ويبقى النموذج التنموي الجديد بمثابة خارطة طريق واضحة التزمت الدولة أمام كل المغاربة أن تُفَعلها بوفاء وجدية وصرامة.

 أصدرت حركة «ضمير» قبل أيام دراسة حول التحديات الهيكلية الرئيسية للمغرب في ضوء المقارنة بين البرنامج الحكومي والنموذج التنموي الجديد، كان من بين خلاصاتها تسجيل تواضع أهداف الحكومة على مستوى خلق الثروة، بمعدل سنوي قدره 4 في المائة، ما يعني خسارة الاقتصاد الوطني نحو 475 مليار درهم خلال الولاية الحكومة الحالية، كيف قمتم بحساب هذه الخسارة؟ وما الذي يمكن أن يترتب عنها على مستوى السلم الاجتماعي؟

> تُقَدر هذه الخسارة بـ1.5 ضعف للميزانية السنوية العامة للدولة والتي تمثل 328 مليار درهم، وقد تم تقدير حجم هذه الخسارة جراء تواضع أهداف الحكومة على مستوى خلق الثروة بمبلغ 475 مليار درهم على مدى خمس سنوات من عمر الولاية الحكومية (2021-2026)، واعتمد في ذلك على عملية حسابية جد واضحة وسهلة، فالحكومة تقول إنها تعمل من أجل تحقيق وتيرة نمو اقتصادي محددة في 4 في المائة سنويا، بينما النموذج التنموي الجديد يدعو إلى تحقيق 6 في المائة على الأقل كمعدل سنوي بدون توقف وطيلة مدة 15 سنة، وبالتالي فإن تطبيق البرنامج الحكومي يُضيع 2 في المائة كل سنة من إنتاج الثروات الاقتصادية، وقد قدمت دراسة «حركة ضمير» تفاصيل هذه الحسابات باستحضار نسبة التضخم السنوية التي يستشرفها بنك المغرب والمندوبية السامية للتخطيط.

المؤكد أن خسارة الاقتصاد الوطني لنحو 475 مليار درهم سيُخلف تداعيات على مستوى السلم الاجتماعي، وبالأخص على الطبقتين الوسطى والضعيفة، وستتولى جيوب المواطنين تَحَمل هذه التكلفة الباهظة، التي ستنعكس على ضياع عشرات الآلاف من مناصب الشغل التي كان يفترض أن تذهب للطبقة الوسطى والكادحة في إطار توزيع عادل للثروات الوطنية. كما ستساهم هذه الوضعية في تفاقم الفوارق الاجتماعية، والتي تزيد من وطأتها معضلة هجرة الأطر خارج البلاد بحثا عن ظروف عمل أفضل، وقد حز في نفسي أن 70 في المائة من الطلبة الأطباء يطمحون إلى مغادرة البلاد بعد نيل شواهد تخرجهم، كما أوضح استطلاع رأي مؤخرا، فهذا مؤشر مقلق جدا.

 من بين الملاحظات الأخرى التي سجلتها الدراسة «غياب أي إجراءات لمحاربة الريع»، لكن ألا ترى أن هذه المعركة أكبر من الحكومة وتتطلب تجنيدا جماعيا؟ وما هي الوصفة الفعالة لمواجهة هذا «الغول»؟

> من الناحية المبدئية، فإن محاربة الريع بكل أشكاله، الاقتصادي والسياسي، تدخل في صلب العمل الحكومي، كما يمكن استنتاج ذلك من قراءة موضوعية ووفية لمضمون وروح دستور 2011، يضاف إلى ذلك أن الحكومة هي التي تسهر على تنفيذ السياسات الحكومية، فضلا عن توجيه جلالة الملك تعليماته السامية من أجل إعادة توزيع الثروات بشكل عادل وتخليق الحياة العامة، وهذا لن يتم إلا عبر تفكيك اقتصاد الريع.

وأخيرا وليس آخرا، فإن فكرة تفكيك الريع الاقتصادي والسياسي توجد في صلب النموذج التنموي الجديد، لذلك تبقى المسؤولية الكبرى ملقاة على عاتق الحكومة، لكن تحقيق ذلك لا يمكن أن يتم إلا في ظل حكومة سياسة قوية لها كفاءات ذات شرعية ومصداقية ورؤية استراتيجية، وإرادة للإصلاح الحقيقي والهيكلي والوفي للنموذج التنموي، ومحمية من حالات التنافي وتضارب المصالح، لأن محاربة اقتصاد الريع يفترض إعطاء الأولوية للمصلحة العامة واستبعاد المصالح الفئوية والشخصية.

 أمام النقائص المسجلة في البرنامج الحكومي، كما تقول، هل مازالت هناك فرصة لِتَدَارُكِ النقص المسجل في برنامج الحكومة؟ وما هي خارطة الطريق التي تقترحونها لملاءمة البرنامج الحكومي مع النموذج التنموي؟

> كي أكون صريحا معك، لا أظن أنه يمكن تَدَارُك نقائص البرنامج الحكومي إذا بقيت هذه التشكيلة الحكومية كما هي، لأننا إزاء حكومة تلاحقها «خطيئة الولادة»، ونحن كبلد ناشئ على مستوى الديمقراطية نحتاج إلى أن نبني تدريجيا ممارسات وأعرافا سياسية تكون سليمة وواضحة وشفافة وعقلانية وناضجة ومطابقة للمعايير الدولية للديمقراطية. عندما نرى التشكيلة الحكومية وتضارب المصالح لدى بعض أعضائها وحالة الخلط بين المسؤولية السياسية والتنفيذية الحكومية وممارسة الأعمال والمال يتبين أن ديمقراطيتنا مازالت فتية وبها نقائص عديدة نحتاج إلى تصحيحها، من بينها بناء ما يمكن تسميته بـ»جدار الصين» ما بين المسؤولية السياسية والحكومية وممارسة التجارة والأعمال، وإذا لم نخلق هذا الجدار سنكون دائما إزاء شبهات تضارب المصالح وحالات التنافي، لذلك أظن شخصيا بأن البلاد في حاجة إلى تعديل حكومي عاجل يأخذ بعين الاعتبار هذا البعد، ويبقى ذلك بطبيعة الحال ضمن الصلاحيات الخاصة لجلالة الملك الذي يُجري تقييما للأداء الحكومي وللوضعية الاقتصادية والاجتماعية والسياسية وطنيا ودوليا.

صحيح، احترمت المنهجية الدستورية بتعيين رئيس الحزب الفائز في الانتخابات كرئيس الحكومة، لكن حين ننظر بعقلانية وبموضوعية وبهدوء إلى مواصفات رئيس وبعض أعضاء الجهاز التنفيذي وإلى مضمون البرنامج الحكومي، نجد أن حالات التنافي موجودة والتفعيل الحقيقي والسليم للنموذج التنموي الجديد في خطر، لذلك بالنسبة لي تبقى البلاد في حاجة إلى تعديل حكومي يشمل رئيسها وبعض أعضائها.

رأيي في هذا الشأن هو أن المغرب في حاجة إلى شخصية أخرى لقيادة الحكومة، وبطبيعة الحال شخصية يجب اختيارها من داخل الحزب الأول وفي احترام تام للدستور ومبادئه، وهذه الشخصية يجب أن تكون وطنية ومستقلة وذات كفاءة مشهود بها وعلى دراية بكل الملفات وقادرة على التواصل، لأن السياسة في النهاية هي الشرعية والمصداقية والكفاءة والقدرة على ضبط الملفات التقنية والقدرة على التواصل مع المواطنين. بطبيعة الحال يجب أن يتمتع الوزراء بنفس الصفات التي تميز رئيس السلطة التنفيذية من أجل ضمان تجانس وتماسك وفعالية الحكومة.

 ما هي الشخصية التي تراها الأقدر لقيادة المرحلة المقبلة إذا ما سِرنا معك في هذا النقاش؟

> الحكومة الحالية تعيش تذبذبا وشكلا من الارتباك، ما يجعلها غير قادرة على الالتزام بتنزيل النموذج التنموي الجديد بحذافيره، والالتزام بالإطلاق الفوري للأوراش والإصلاحات الاستراتيجية دون تردد، والمتمثلة في تفكيك الريع الاقتصادي والسياسي والإصلاح الضريبي، وإصلاح المقاولات العمومية وترشيد النفقات العمومية وإعادة النظر في السياسات الماكرو اقتصادية بما فيها السياسة الضريبية والسياسة الميزانياتية والسياسة النقدية والسياسة التجارية، وإصلاح القطاع البنكي وإصلاح الصفقات العمومية والشفافية في الولوج إلى الصفقات العمومية وإصلاح النظام السمعي البصري العمومي، وإصلاح النظام التعليمي والقيمي والثقافي.

إذا لم نقم بهذه الإصلاحات التي لها تأثير على المديين المتوسط والطويل فإننا لن نسترجع الثقة للمواطنين، التي كانت لازمة رددها المواطنون على مسامعنا طيلة مسار إعداد النموذج التنموي الجديد وأثناء تقديم مخرجاته في جلسات عمومية عبر كل أنحاء المملكة.

ليس من صلاحياتي اقتراح أسماء. لكنني – كما الرأي العام – نعرف من هو الحزب الأول ونعرف الكفاءات المتواجدة ضمن قياداته ومسارات ومميزات كل منها، وعلى أي حال فالقول الفصل يعود لجلالة الملك.

تاريخ الخبر: 2022-03-14 12:18:10
المصدر: الأيام 24 - المغرب
التصنيف: سياسة
مستوى الصحة: 71%
الأهمية: 78%

آخر الأخبار حول العالم

مقاييس الأمطار المسجلة بالمملكة خلال الـ24 ساعة الماضية

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-04-28 18:26:18
مستوى الصحة: 45% الأهمية: 60%

نصف ماراطون جاكرتا للإناث.. المغرب يسيطر على منصة التتويج

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-04-28 18:26:31
مستوى الصحة: 45% الأهمية: 60%

مقاييس الأمطار المسجلة بالمملكة خلال الـ24 ساعة الماضية

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-04-28 18:26:25
مستوى الصحة: 54% الأهمية: 54%

نصف ماراطون جاكرتا للإناث.. المغرب يسيطر على منصة التتويج

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-04-28 18:26:26
مستوى الصحة: 49% الأهمية: 50%

المزيد من الأخبار

مواضيع من موسوعة كشاف

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

تحميل تطبيق المنصة العربية