رغم الغضب الفرنسي والغربي، والعقوبات الإفريقية التي استهدفت باماكو، لم يُثنَ عزم هذه الأخيرة على الاستعانة بمرتزقة "فاغنر" الروسية. ذلك ما أكدته وسائل إعلام غربية مطلع السنة، بأن نحو ألف من هذه المجموعة المقربة من الكرملين نُشروا بمالي، بدعم لوجيستي من سلاح الجو الروسي.

ردّاً على ذلك أعلن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في فبراير/شباط الماضي، أنه سيسحب كل قوات بلاده التي تقاتل الجماعات المتشددة في مالي منذ 2013. وقال ماكرون: "لا يمكننا أن نبقى منخرطين عسكرياً إلى جانب سلطات الأمر الواقع التي لا نشاركها استراتيجيتها وأهدافها الخفية".

ولم يمرّ إلا أسابيع من انتشارهم في البلاد حتى بدأ مسلحو "فاغنر" بث الرعب بين المدنيين الماليين، وممارسة انتهاكات جسيمة في حقهم، حسب تحقيق لصحيفة "لوموند" الفرنسية، بأن المرتزقة الروس حولوا ثكنة عسكرية مالية إلى مركز اعتقال، تُمارَس داخله أبشع عمليات التعذيب والقتل.

معتقل "فاغنر" الجحيمي

في منطقة "نيونو" وسط مالي، منذ نهاية يناير/كانون الثاني الماضي، حولت مليشيات "فاغنر" ثكنة تابعة للجيش إلى مركز اعتقال وتعذيب. هذا ما تكشفه صحيفة لوموند الفرنسية في تحقيق لها، قالت فيه إنه تجري داخل تلك المنشأة جلسات استنطاق للمدنيين، يُستخدم فيها الصعق بالكهرباء وسيلة تعذيب.

ويسهر على تلك الجلسات، حسب شهادة استقتها "لوموند" من أحد الضحايا، "رجل أبيض يتحدث لغة غير مفهومة ومترجم مالي". يقول الضحية الذي كان راعي غنم، إنهم كانوا يعذبونه ويسألونه: "أين الإرهابيون؟"، فيجيب بأنه لا يعرف، فيستمرون في تعذيبه.

ويضيف أن الجندي الأبيض البشرة "يلبس نفس زي القوات المسلحة المالية، أجبرني على شرب كثير من الماء قبل أن يربط الجندي المالي سلكاً كهربائياً حول أصابع قدمَيّ ويمرّر التيار عدة مرات حتى أُغميَ علَيَّ". بعد ذلك "قيد الرجال الثلاثة قدمي ويدي وعلقوني بالمقلوب. وأخرج الجندي المالي سكيناً وقال لي: سنقتلك، لكن الأجنبي قال لهم اتركوه، فليس لديه معلومات، ليُطلَق سراحي بعد ذلك".

انتهاكات "فاغنر" في مالي

ليست هذه هي الانتهاكات الوحيدة التي ترتكبها قوات "فاغنر"، إلى جانب القوات الحكومية في مالي. وحسب تقرير جديد لمنظمة "هيومن رايتس ووتش" سيُنشر الأربعاء، فإن" 107 مدنيين على الأقل، بينهم تجار ورؤساء قرى وأطفال، قُتلوا مؤخراً في وسط وجنوب غرب مالي منذ ديسمبر/كانون الأول"، مشيراً إلى أن قوات الأمن المالية ومرتزقة "فاغنر" على صلة بإعدام ما لا يقلّ عن 71 مدنياً.

وعلقت مديرة المنظمة في الساحل كورين دوفكا، قائلة إن "هذه الأرقام تمثل ارتفاعاً دراماتيكياً (...) ويجب التحقيق في هذا التجاهل التامّ لحياة الإنسان، الذي من الجليّ أنه يدخل ضمن جرائم الحرب، ومعاقبة من تَبيَّن تورطهم بالشكل المناسب لثقل الجريمة".

فيما توثّق إحدى الشهادات التي تضمنها التحقيق، عن شخص قال إنه كان محتجَزاً في مخيم ديابالي بداية مارس/آذار الجاري، أنه "رأى جنوداً يُخرِجون نحو ثلاثين رجلاً من زنزانتهم في الليل، الذين كُسرت أذرعهم وأرجلهم، قبل وضعهم في الشاحنات". بعدها اكتُشف ما لا يقلّ عن 35 جثة قرب قرية دانغويري ووتورو.

وفي 7 مارس/آذار الجاري احتجت السلطات الموريتانية على مقتل عشرات من رعاياها المدنيين في المناطق الحدودية مع مالي. وأكّدَت وسائل إعلام موريتانية أن عمليات الاستهداف هذه التي سقط ضحيتها مواطنوهم، كان وراءها دوريات من القوات المالية ومرتزقة فاغنر.

وفي وقت سابق نقلت ذات المصادر أن مجموعة من ستة مدنيين موريتانيين وقعوا في مواجهة دورية من الجيش المالي و"فاغنر" الروسية، بمنطقة “الشيخ أحمد” المالية، حيث أصيب اثنان منهم بجروح بالغة. وأكدت أن مقاتلي "فاغنر" بادروا بإطلاق النار على الموريتانيين، قبل أن يتوقفوا عن ذلك إثر تبيُّن هويتهم.

TRT عربي