ذاكرة الحرب: شهادات جزائريين وفرنسيين بعد 60 عاما على الاستقلال


إعلان

ماري كلود، سيرج، روجي، جميلة... فرنسيون، جزائريون. في عام 1954، عندما اندلعت "الأحداث" في الجزائر، كانوا لا يزالون شبانا. كان زمن الاستعمار في ذلك الوقت يشارف على نهايته في عدة أنحاء من العالم. أولئك الذين كانوا يُطلق عليهم آنذاك "السكان الأصليون" تطلعوا .

لكن فرنسا لم تسمع الأمر بنفس الأذن. فمع وجود أكثر من مليون أوروبي استقروا على أراضيها، الجزائر هي المستوطنة الوحيدة للإمبراطورية الاستعمارية الفرنسية. كما أنها أرض غنية بالنفط والغاز. منذ عام 1956، قررت حكومة غي موليت استخدام الجيش للحفاظ على النظام في هذه المنطقة. إجمالا، سيتم إرسال 1.5 مليون مجند فرنسي شاب إلى الجزائر لمواجهة المقاتلين الفلاقة، المقاومون الجزائريون الذين انتشروا في الجبال والغابات.

في 19 مارس 1962، عندما دخل وقف إطلاق النار المنصوص عليه في اتفاقيات إيفيان حيز التنفيذ، كان 400 ألف مجند لا يزالون على الضفة الأخرى من البحر الأبيض المتوسط. استمرت خدمتهم العسكرية 18 شهرا، وأحيانا 28 أو 30 شهرا. تجربة كانت بمثابة صدمة للعديد منهم لا يزالون يعانون تأثيراتها. لعقود من الزمان، سيظل ما عاشوه من المسكوت عنه - بما في ذلك داخل عائلاتهم.

بعد ستين عاما من نهاية هذه الحرب المجهولة (لم يتم الاعتراف رسميا بـ "الحرب" إلا عام 1999)، زاروا خبايا ذاكرتهم ليمدونا بشهاداتهم.

  • روجي وينترهالتر... جندي فرنسي انضم إلى جبهة التحرير الوطني  

"أصبح هذا الشعب شعبي" 

ولد روجي وينترهالتر عام 1938 في مدينة لوترباخ، الألزاس، شمال شرق فرنسا. علمه والده المقاوم تحت الاحتلال الألماني، أن يقول لا للحرب. كان يبلغ من العمر 22 عامًا عندما انضم للجيش الفرنسي وبقي 27 شهرا في الجزائر. عنف المجتمع الاستعماري وازدراء الجزائريين حسب شهادته دفعا به للانضمام إلى جبهة التحرير الوطني مع بقائه في صف الجيش الفرنسي. في عام 2012 عندما سرد قصته لأول مرة في رواية، سي سيتي آ روفار (ماذا لو وجبت الإعادة)، اتُهم بأنه خان فرنسا. على الرغم من الإهانات والتهديدات بالقتل، لم يندم على شيء مذكرا بأنه قاتل من أجل السلام وأن يديه لم تتلطخا بالدماء. فيروي لنا: 

"نزل الأمر علي: 27 شهرا في الجزائر، كان عمري آنذاك 22 عاما، شربت الخمر... كانت تلك المرة الوحيدة في حياتي التي أشرب فيها حد الثمالة. في يناير 1960 وصلت إلى تلرجما، حيث مكثت حتى نهاية خدمتي. كان مركز تدريب وفوج تأديب. لم أكن أفهم لماذا فلم أفعل شيئًا. عندما أعطوني بندقية، لم أضع فيها الرصاص...لم أكن قادرا على أن أقتل أي شخص. قابلت أناسا يتم ازدراؤهم واحتقارهم، أنا أسميتهم "الجزائريين" لكن بالنسبة للآخرين، كان اسمهم "البونيول" و"البيكو"، لقد فقدوا كرامتهم ولا أحد يحترمهم. أدركت بسرعة أننا لم نكن هناك لاستعادة النظام، بل لزرع الفوضى. تساءلت: لماذا أنا هنا؟ المعسكر كان مروعًا. كان يُدعى الحجار، بالنسبة للبعض كان معسكر الموت. كان قذرا، لم يكن الطعام جيدا. شاهدت تحول الناس خلال بضعة أيام وأسابيع. أصبحوا شرهين، يسرقون الملابس التي كانت تجف. كان الوضع فظيعا. 

روجي وينترهالتر في الجزائر. © أرشيف روجي وينترهالتر

كنت في فوج من المقاتلين الجزائريين، بينهم فرنسيون من أصول شمال أفريقية ونحن، الفرنسيون من الأصول الأوروبية، هناك أقمت صداقات قوية جدا. في 9 يوليو/تموز 1961، كانت هناك مظاهرة في تلرجما، شارك فيها نحو ألف شخص بينهم نساء وأطفال. هتفوا "يعيش الاستقلال" و "يسقط الاستعمار". كان الكولونيل في المقدمة. طلب من القوات إلقاء قنابل يدوية على الحشد. لكنهم كانوا من الشباب المبتدئ، فلا يدرون أنه عندما تقوم بفك القنبلة فإنك تعد إلى ستة أو أحد عشر، ثم تقوم برميها. حمل الحشد القنابل اليدوية وألقوها على فوجنا. كانت هناك إصابات قليلة. طلب العقيد بعد ذلك إطلاق النار. سقط أكثر من 50 قتيلا. نقلوهم في عربات يدوية. عدت إلى المنزل مصدوما. سألت صديقًا، يدعى محفوظ: "كيف يمكنك أن تكون في هذا الجيش؟". دعاني للانضمام إليه في غرفة بعد حظر التجول. كانوا خمسة أو ستة. أخبروني أنهم ينتمون إلى جناح من جبهة التحرير الوطني تم تشكيله داخل الجيش الفرنسي. كان جناحا نادرا، إن لم يكن الوحيد. أخبروني عن كفاحهم وقتالهم. عرضوا علي أن أنضم إلى المجموعة. أجبت بنعم بشكل تلقائي.  

بلدة تلرجما عام 1960. © أرشيف روجي وينترهالتر

هذا هو السياق الذي "خنت" فيه فرنسا. كل شهرين أو أربعة، كنت أؤدي عملا لصالح جبهة التحرير الوطني. يعطيني جيش التحرير الوطني ما بين ثلاثة وخمسة أسماء لمثقفين يقومون بدعاية مضادة، فأزور توقيع الكولونيل لانتدابهم في أحد المعسكرات. لم يحقق أحد في ذلك. كانت تلك وظيفتي الرئيسية. لم نكن بحاجة إلى حمل السلاح. كما فهمت أنه يمكن فوريا إطلاق الجزائريين الذين أدوا الخدمة المدنية لمدة عام أو عامين في الجيش. أطلقنا أيضا بشكل قانوني سراح عشرات الأشخاص الذين وصلوا للتو. كما نظمنا فرار 19 آخرين. لقد كان عملا فذا. أخيرا، عندما طال وباء الجدري جيش التحرير الوطني، سرقنا اللقاحات لجميع شرق قسنطينة. كانت مغامرة مثيرة. أصبح هذا الشعب شعبي. كنت أعلم أننا سنعدم في حال قبض علينا. لكننا كنا مقتنعين بأننا سننتصر، واثقين باستقلال الجزائر. معركتي كانت من أجل العدالة وضد الحرب. لقد أصبحت من دعاة السلام. أنا ألزاسي، أنا فرنسي، أنا جزائري. أنا فخور حقًا بالتزامي، وكان والدي فخورا جدا بي".  

روجي وينترهالتر في فوج تلرجما. © أرشيف روجي وينترهالتر
  • ماري كلود برياند... زوجة فرنسي استدعي للخدمة في الجزائر  

"فهمت أنني وصلت إلى الجحيم" 

ماري كلود برياند مولودة في 1938، في بلاي بجيروند، جنوب غرب فرنسا. التحقت بزوجها عندما تم إرساله إلى الجزائر خلال أدائه الخدمة العسكرية. كان ذلك في تشرين الثاني/نوفمبر 1961 في قسنطينة حيث حصلت على وظيفة سكرتيرة، هناك اكتشفت الحرب وشهدت عدة هجمات. بعد الاستقلال، قرر الزوجان البقاء في الجزائر حيث وُلد طفلاهما، وعملا هناك لمدة خمس سنوات. وتروي لنا: 

"غادرت فرنسا في الخامس من تشرين الثاني/نوفمبر 1961 متوجهة إلى قسنطينة بالطائرة. سألني أحد الركاب عما سأفعله هناك. نصحني بأن أكون محتاطة، وألا أدلي بآرائي الشخصية وأن أتجنب الكشف عن عمل زوجي. عندما وصلت، أدركت أن الحرب تسود. رأيت الثقوب في لافتات الشوارع المعدنية بفعل الرصاص ولفائف الأسلاك الشائكة على الطريق. فهمت أنني وصلت إلى الجحيم. في اليوم التالي من وصولي بدأت العمل. رأيت وسمعت ولم أدل بآراء شخصية. كان الأمر صعبا للغاية، وكانت هناك معاناة من مختلف الجهات. أمام صمتي وحيادي، تحررت الألسنة. سمعت زملائي يتحدثون عن "الأحداث" والهجمات. ما سمح لي بفهم أحسن وإعادة تركيب الأحجية المحيطة بي.  

ماري كلود بريان وزوجها بيير في قسنطينة شمال شرق الجزائر عام 1962. © أرشيف عائلة برياند

ذات يوم وأنا أغادر إلى عملي، عبر شارع فيكتور هوغو، شاهدت صالون تصفيف الشعر قد دمر بالكامل بقنبلة يدوية. وأنا أواصل طريقي، رأيت أن قنبلة قد ألقيت أيضًا داخل متجر بائع الكعك. كان مشهدًا صادما. رأيت أشلاء بشرية تتناثر على الأرض. أصبت بالهلع والصدمة. وصلت إلى ساحة بيهاغل، أمام الشركة التي أعمل فيها، وقد تجمع الموظفون خارجها. فهمت أن هناك خطرا محدقا. على الرصيف المقابل، شاهدنا كوماندوس من منظمة الجيش السري [منظمة معارضة للاستقلال، ملاحظة المحرر]، مع ثلاثة فرنسيين. وصل مديرنا بالسيارة وشرحنا له ما حدث في شارع فيكتور هوغو. طلب منا أن نعود إلى بيوتنا. عدنا على خطانا في الشارع وكان الخوف سائدا. رأيت فرنسيين معهما بندقية والدخان يتصاعد منها. ثم صادفت جزائريًا أصيب في حلقه وكان يترنح. أصبت بالذعر. فهمت أن الحرب أمر مروع.  

سيارة مدمرة في قسنطينة © أرشيف عائلة برياند

بعد بضعة أشهر، في 19 مارس/آذار 1962، تم الإعلان عن وقف لإطلاق النار. اعتقدنا أن الأمر قد انتهى أخيرا. مع ذلك قتل يومها شاب كان يعمل في شركتنا. أطلق عليه الرصاص من قبل جبهة التحرير الوطني عند منعطف مفترق طرق. أدركت أن الأمر لم ينته بعد في أذهان الناس، وأنه ما زالت هناك معاناة وحاجة إلى الانتقام. حل الاستقلال في يوليو/تموز. لم يخرج الفرنسيون إلى الشوارع. فقد كان الكثيرون قد غادروا إلى فرنسا. برفقة اثنين من الأصدقاء، وجدت نفسي الوحيدة وسط كل هؤلاء الجزائريين الذين كانوا يحتفلون بالاستقلال. انتهزت الفرصة لالتقاط الصور.   

 مكثنا بعد ذلك خمس سنوات في هذه البلاد التي أحببناها. لم يظهر السكان المحليون مشاعر عدوانية تجاهنا. لطالما شعرت بالثقة. لا أشعر بأي ندم لأنني تعلمت الكثير، وإن كنت لا أزال أخاف جدا من الحرب والأسلحة. تبددت الكراهية اليوم، لكن أشخاصا من الطرفين قد عاشوا المعاناة. إذا كنت تريد إبقاء فكر الناس في سلام، يجب اعتماد خطاب تهدئة. يجب أن نحاول دائمًا فهم الآخر الذي يختلف عنا. الجهل يؤدي إلى الخوف ويولد الكراهية ".  

  • سيرج كاريل... حركي في الجيش الفرنسي

"لست نادما على خدمتي لفرنسا"

ولد سيرج كاريل عام 1937 في منطقة قصر البخاري بجنوب الجزائر العاصمة. انخرط في الخدمة العسكرية وانضم إلى صفوف الحركى، باسم هؤلاء الجزائريين الذين يحاربون في صفوف الجيش الفرنسي، حيث أصبح مترجما. في تموز/يوليو 1962، تم اعتقاله وتعذيبه من قبل جبهة التحرير الوطني. تمكن الشاب من الفرار بعد تعرضه للتعذيب طيلة أسابيع. تلقى العلاج في السر، وفر إلى فرنسا حيث أعاد بناء حياته. ناضل سنوات عديدة من أجل اعتراف فرنسي رسمي بالتخلي عن الحركى والمجزرة التي طالتهم. في عام 2021، تمت ترقيته إلى رتبة ضابط في وسام جوقة الشرف الوطني. فيروي لنا:

نشأت بفكرة خدمة فرنسا. في عائلتنا، أحببناها دائما وبقينا مخلصين لها. في عام 1957، عرض علي أحد الأصدقاء الانضمام إلى الفلاقة. قضيت ليلة بلا نوم. لم أكن أريد خيانة والدي اللذين كانا دائما مؤيدين للفرنسيين، وخيانة فرنسا التي أعطتنا كل شيء، لذلك قررت أن أصبح حركيا. لم أخبر أحدا وغادرت منطقتي لأنني لم أكن مستعدا للوقوف ومواجهة أحد أصدقائي في يوم من الأيام. لذلك غادرت إلى منطقة القبائل، حيث التحقت لأخدم فرنسا.

سيرج كاريل مع إخوته وأخته ووالده. © أرشيف سيرج كاريل

تم تكليفي فورا بالعمل كمترجم. كنا نصعد الجبال سيرا على الأقدام أو على متن الهليكوبتر. كنا في منطقة جبلية شديدة الانحدار. وجدنا أنفسنا في ساحة المعركة. نصبت لنا الكمائن وكنا نقاوم. سقط قتلى من الجانبين. كنا دائما خائفين لأن العدو كان دائما مختبئا في مكان ما.

بمجرد توقيع اتفاقيات إيفيان، بدأنا في طرح الأسئلة عن مصيرنا. في القرية التي كنت فيها خرج الناس للتظاهر رافعين العلم الجزائري. قدم قائدنا التحية العسكرية. عندها فهمت أن الأمر انتهى بالنسبة إلينا، لكنني لم أكن أعلم أننا سننزع أسلحتنا ونترك لمصيرنا المحزن. انتهزت جبهة التحرير الوطني الفرصة. بدأت في اعتقال وتعذيب وإعدام كل من عمل لصالح فرنسا، وخاصة الحركى. سُجنت بعد الاستقلال بثلاثة أيام، في 8 تموز/يوليو 1962، في تيزي وزو. تم تطويق جميع مخارج المدينة. كنت مطلوبا. اعتقلني ضباط جبهة التحرير، قيدوا يدي وأخذوني إلى القرية حيث كان الجميع ينتظرني واستقبلت بالبصاق.

وضعت في غرفة تضم ما لا يقل عن خمسين حركيا. كانت الدماء على الأرض والجرحى في كل مكان. ثم نقلوني إلى أخرى حيث خلعوا ملابسي وعذبوني بالكهرباء (120 فولت). كنت تقريبا في غيبوبة. طلبت أن أموت. ذات يوم مددت لساني من العطش فصعقوه بالكهرباء. كان فمي مليئا بالتقيحات ولا أستطيع ابتلاع شيء. أجبرونا على حفر القبور، وفي بعض الأحيان على دفن البعض منا أحياء. وألقي آخرون في النهر.

حركيون صورة التقطها سيرج كاريل أثناء الحرب. © أرشيف سيرج كاريل

بعد ثلاثة أشهر، وجدت نفسي في إحدى الأمسيات مع أحد مقاتلي جبهة التحرير الوطني لم يسبب لي أذى. كنت قد ساعدت في إطلاق سراح والديه عندما اعتقلهما الجيش الفرنسي. حثني على الهرب لأنني أنقذت والديه. أردت المحاولة رغم أني كنت في حالة يرثى لها، منهكا. لكن تمكنت من الوصول إلى منزل أحد الأصدقاء وطلبت منه أن يأخذني إلى الجزائر العاصمة حيث استقبلتني عمتي التي اعتنت بي. تمكنت من الحصول على العلاج وعلى إذن لمغادرة الجزائر للذهاب وقضاء عطلة في فرنسا بهوية مزورة. قبل ركوب القارب، بدأت أرتجف. كانت تذكرة ذهاب بدون عودة. صعدت المركب وقلت لنفسي إنني لن أعود مرة أخرى إلى هذه البلاد التي عذبتني. وصلت أخيرا في الأول من آب/أغسطس عام 1964 إلى باريس بقميص وسروال. لقد فقدت كل شيء.

لا أزال أشعر بالرعب من تلك الفترة. كانت حربا مجهولة الاسم ما كان يجب أن تكون. لست نادما على خدمتي لفرنسا، لأنها بلادي وأنا أحبها. لست جبانا فلم أتخل قط عن إخوتي في السلاح. الجبناء هم من تخلوا عنا".

  • جميلة عمران... ضابط اتصال في جبهة التحرير الوطني بفرنسا

 "حملت أسلحة في عربة طفلي" 

جميلة عمران (87 عاما) ولدت عام 1934 في سان دوني ضاحية باريس. كانت وحيدة لوالديها وتزوجت في سن مبكرة، بعد رحلة إلى الجزائر، في بداية الحرب بدأ شغفها بالنضال من أجل الاستقلال. تم تجنيدها في جبهة التحرير الوطني بفرنسا كضابط اتصال، كما قامت بجمع الأموال لتمويل الفلاقة ونقل أسلحة مخبأة في عربة الأطفال. اليوم، تواصل نشاطها من أجل النساء ومكافحة العنصرية بجمعية أفريقيا، في لاكورنوف.

كنت صغيرة جدا عندما اندلعت الحرب، والدي لم يحدثاني عما يحصل في الجزائر ليحمياني قدر المستطاع. لم أشعر بأي اختلاف مع الفرنسيين، كنت مندمجة جيدا في المدرسة. عندما بدأت الحرب في الجزائر، لم يكن الناس يفهمون لماذا نريد الاستقلال. كانوا يتساءلون عن ماهية هذه الحرب. تزوجت باكرا. بين 1954 و1955 ذهبت إلى الجزائر للتعرف على عائلة زوجي. أول ما لفت نظري هناك كان الأطفال الذين يعملون في تلميع الأحذية. لم أر أي جزائري يرتاد  المدرسة. تساءلت لماذا لدي حق الذهاب إلى المدرسة وليس لديهم ذلك. كانت صدمة بالنسبة لي. شعرت بحاجز بين فرنسا، فرنسيي الجزائر والجزائريين. شعرت بحزن شديد. أردت أن أفعل شيئا لهؤلاء الفتيات والفتيان لكي يتمكنوا من الذهاب إلى المدرسة.

سيدة محجبة وطفلها، تحت أنظار جندي فرنسي، في أحد شوارع الجزائر العاصمة، 12 ديسمبر/ كانون الأول 1960 © أ ف ب/ أرشيف

لم يخطر ببالي المشاركة في الحرب. لكن لاحقا، وعندما بدأت جبهة التحرير الوطني في تنظيم شبكة في فرنسا، عرض علي المشاركة في تحرير الجزائر. وافقت على الفور فتم تعييني كضابط اتصال. شاركت في الاجتماعات، وجمعت الأموال من أجل الفلاقة. حملت أسلحة في عربة ابني.

لم أكن خائفة. على العكس تماما. كان علي العمل بسرية تامة، حتى تمت الوشاية بي. تم اعتقالي أنا وزوجي. وجدوا أسلحة في المنزل. استجوبوني لأكثر من 24 ساعة في مركز الشرطة. عنفوني وضغطوا علي لكني قاومت. لم يكن الأمر سهلا. لكنني لم أعترف بشيء. آنذاك كنت على اتصال مباشر مع شخصين مطلوبين بشدة. لكن داخل المجموعات لم نكن نلتقي لتجنب الإدلاء بالمعلومات. كنا نعلم أنه إذا ما قبض علينا فسنتعرض للتعذيب، بالماء والكهرباء. فظيع ما كان يمكن أن يفعلوه. لم أكن خائفة مما كانوا سيفعلون بي، كنت فقط خائفة من عدم رؤية أطفالي الخمسة مجددا. بالنسبة إليهم زوجي هو من كان في جبهة التحرير الوطني. أُطلق سراحي لأنه حماني وقال إنني لا أعرف شيئا.

العودة إلى المدرسة في الجزائر العاصمة ، 15 أكتوبر ، 1962. © أ ف ب/ أرشيف

غادرنا الأراضي الفرنسية عقب الاستقلال، وصلنا في 5 تموز/ يوليو إلى الجزائر العاصمة. لن أنسى هذه اللحظة. كان الجميع على الأسطح في الشاحنات والحافلات وسيارات الأجرة. كان العلم الجزائري يرفرف في كل مكان. لقد انتصرنا ولم نفعل ذلك من أجل لا شيء. حتى لو كان لدينا الكثير من الوفيات، فقد ذهبنا إلى النهاية من أجل هذا العلم الجميل. اقترحوا علي أن أصبح معلمة. شاركت بهذه الثورة من أجل المدرسة ووجدت نفسي أدرس. كان لدي 40 طالبا في كل فصل. أسعدني ذلك، درست طيلة عشر سنوات. عدت إلى فرنسا عام 1975. فقد كان ابني مريضا جدا وأخبرني الطبيب أن المناخ في الجزائر العاصمة لا يناسب صحته.

نص: آسيا حمزة وستيفاني ترويار

نقلته للعربية بتصرف: صبرا المنصر

الرسالة الإخباريةأبرز الأحداث الدولية صباح كل يوم

ابق على اطلاع دائم بالأخبار الدولية أينما كنت. حمل تطبيق فرانس 24

Download_on_the_App_Store_Badge_AR_RGB_blk_102417
تاريخ الخبر: 2022-03-15 21:16:08
المصدر: فرانس 24 - فرنسا
التصنيف: سياسة
مستوى الصحة: 87%
الأهمية: 90%

آخر الأخبار حول العالم

الحوار الاجتماعي.. التفاصيل الكاملة لاتفاق الحكومة والنقابات

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-04-29 18:27:04
مستوى الصحة: 55% الأهمية: 59%

السجن 4 سنوات لصاحبي أغنية “شر كبي أتاي”

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-04-29 18:26:50
مستوى الصحة: 58% الأهمية: 52%

الحوار الاجتماعي.. التفاصيل الكاملة لاتفاق الحكومة والنقابات

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-04-29 18:27:00
مستوى الصحة: 49% الأهمية: 69%

السجن 4 سنوات لصاحبي أغنية “شر كبي أتاي”

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-04-29 18:26:44
مستوى الصحة: 53% الأهمية: 52%

المزيد من الأخبار

مواضيع من موسوعة كشاف

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

تحميل تطبيق المنصة العربية