لحن “ميغالو”.. الخضوع لرئيس الكهنة الأعظم (٢)


أ.منير وصفي

باحث في موسيقى الألحان القبطية

مـدرس مــــادة اللــــحن الكنــــسي

بمعــــهـــد الرعـــــاية والتـــــربيـة

كلمات لحن ميغالو:

رئيس الكهنة الأعظم إلى الأبد الطاهر قدوس الله، على طقس ملكيصادق الكامل قدوس القوي، المتجسد من الروح القدس ومن القديسة مريم البتول بسر عظيم، قدوس الحي الذي لا يموت إرحمنا.

الجانب الطقسي والتاريخي في لحن “ميغالو”:

لقد ذكرت مخطوطات ترتيب البيعة التي ظهرت في منتصف القرن الخامس عشر الميلادي إن لحن ميغالويُقال في آحاد الصوم الكبير، حيث أن يوم الأحد هو يوم الرب، ونحن في لحن ميغالو نمجد السيد المسيح رئيس الكهنة الأعظم الذي قدم نفسه ذبيحة لأجل خلاصنا، كما يُقال أيضا في يوم جمعة ختام الصوم، استعدادا لتهيئة المؤمنين لعمل السيد المسيح الفدائي على الصليب في أسبوع الآلام، ويُقال في الفترة بعد الإبركسيس والسنكسار، وقبل لحن “أجيوس” الثلاثة تقديسات،ونُلاحظ في طقس ألحان الصوم الكبير من الناحية الموسيقية أنها تعتمد أساسا على فكرة التقشف في النغمات (ومن أمثلتها لحن نيف سينتي الذي تم دراسته في المقال السابق)، فلا تستخدم آلات الإيقاع (الناقوس والمثلث)، ولكن في أيام السبوت والآحاد حيث أنها ذكرى لإتمام الخلاص وقيامة السيد المسيح، فتكون الألحانأكثر حركة، والجُمَل اللحنية تكون غنية ومنسابة في موسيقاها وأكثر تعبيراً، وتتميز بالمساحات الصوتية الكبيرة، (ومن أمثلتها لحن ميغالو مجال دراستنا في هذا المقال).

وبصورة عامة نحن نلتقي مع المسيح المختفي أو المنتظر في رفع بخور عشية وباكر، ونلتقي مع المسيح الحمل الآتي لخلاص العالم في فترة تقديم الحمل، أما في قداس الموعوظين (وهومزيج رائع مابين القراءات الكنسية والبخور والصلوات السرية والألحان العديدة ومنها في الصوم المقدس لحن ميغالو) نلتقي مع المسيح المُعَلِم،وهنا ملاحظة جميلة من نيافة الحبر الجليل الأنبا بنيامين حيث يقول: “أن البولس والكاثوليكون يُعتَبَروا أقوال والإبركسيس والسنكسار يُعتَبَروا أعمال، والأقوال في حقيقتها مبادىء، والإنسان يستطيع أن يُظهِر مبادئه من خلال أعماله، والأعمال يبقى تأثيرها أقوى وأعمقوأطول مفعولاً؛ لذلك فوجود لحن “ميغالو” بعد السنكسار يذكرنا بما فعله السيد المسيح وهو رئيس الكهنة الأعظم،الذي كانت أعماله تأكيد لأقواله، كما قال الكتاب: “هكذاأحب الله العالم حتى بذل ابنه الوحيد، كي لايهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة الأبدية”، فهو كرئيس كهنة قَدَمَ نفسه ذبيحة للبشرية، وهذا ما نقوله في هذا اللحن العميق الذي يُظهر أعظم أعمال الله للذين أحبهم وهوالتجسد وبالتالى الفداء.

والسنكسار(كلمة يونانية معناها الأخبار أو السِيَر) يُعتَبَر مُكَمِل للإبركسيس (أعمال الرسل) الذي ليس له خاتمة؛ ولذلك نقول في نهايته “لم تزل كلمة الرب تنمو وتزداد في هذه البيعة وكل بيعة”، فالسنكسار هوتاريخ الكنيسة الحي بقديسيه، كذلك هوتذكارلأعمال البطاركة والأساقفة الذين صاروا خلفاء للآباء الرسل، الذين بدورهم استلموا مقاليد الكهنوت من رئيس الكهنة الأعظم وهو رب المجد يسوع المسيح؛ ولذلك ففي هذه الجزئية من القداس تتم رسامة البطاركة والأساقفة كرؤساء كهنة مُمَثلين للسيد المسيح على الأرض في السلطان الكهنوتي الروحي، وهم حلقة جديدة في تاريخ الكنيسة، بها يصير إمتداد ملكوت المسيح على الأرض.

والكهنوت بصورة عامة في العهد الجديد سر مقدس أسسه السيد المسيح بنفسه والذي لا يمكن بدونه ممارسة أي سِر من باقي الأسرار الكنسية، وكل النِعَم والبركات التي تُعطَى للإنسان كثمرة من ثمرات الخلاص والفداء بالدم الكريم لها مصدر واحد وهو الله، والأسرار تستمد قوتها من شخصه المبارك؛ ولذلك لقب رب المجد برئيس الكهنة الأعظم.

وبهذه المناسبة نقول ملاحظتين طقسيتين، الأولى أنه جَرَت العادة أن الكاهن هو الذي يقرأ السنكسار حتى يعطيه القوة والصبغة التعليمية، والملاحظة الثانية أنه في حالة حضورالأب البطريرك أوالأب الأسقف، يكون هونفسه القارىء للإنجيل أمام باب الهيكل كممثل للسيد المسيح نفسه كرئيس الكهنة.

علاقة لحن ميغالو مع الألحان المحيطة به:

هنا نجد توافق مابين لحن “ميغالو” ولحن الثلاثة تقديسات “آجيوس” الذي يُقال بعده، فكلاهما يتكلمان عن “قدوس الله قدوس القوي قدوس الحي الذي لا يموت”.

والثلاثة تقديسات تسبحة قديمة جدا يرجع تاريخُها إلى العصر الأول للمسيحية، ويؤكد الكثيرون أن الذي بدأ باستعمالها هما القديسان يوسف الرامي ونيقوديموس عندما أنزلا جسد المسيح عن الصليب، وأن نيقوديموس لما رأى السيد مائتاً أخذه العَجَب واستولى عليه الذهول لأن رئيس الحياة يموت، فقال: “كيف أن صانع المعجزات يموت، من أقام لعازر من الموت! …أهذه اليد التي فعلت الخير تموت! …أهذا الفم الذي نطق بالعجب يموت!…أهاتان العينان اللتان كانتا تشعان نوراً وحناناً تموتان …أين جبروتك يارب؟”، فالتفت إليه السيد، وللحال سمع الملائكة تُنشِد من السماء قدوس الله قدوس القوي قدوس الحي الذي لايموت، أما هو فهتف على أثر ذلك قائلا: “يامن صُلبت عنا إرحمنا”، وقد سلم هذه التسبحة القديس بطرس الرسول إلى كنائس سوريا ومنها إلى باقي الكنائس.

وتسبحة الثلاثة تقديسات ترتلها الكنيسة بعد الرسائل وقبل الإنجيل، للدلالة على حضور السيد المسيح وظهوره وعمله الحي في الكنيسة عند كرازة الرسل بالإنجيل، كما تشير إلى أن البشارة بالإنجيل كانت مبنية على هذا الإيمان الذي أساسه تجسد الرب وموته وقيامته، وهذه التسبحة يقول عنها القديس يوحنا ذهبي الفم “بقولنا تسبحة الثلاثة تقديسات نشترك في الليتورجية السماوية باشتراكنا في ليتورجية الإفخارستيا، إذ لا نعود بعد على الأرض بل ننطلق بطريقة ما إلى السماء ونُقيم بين صفوف السمائيين، نقف بجوار العرش الإلهي ونطير مع السارافيم ونتغنى بالتسبحة المقدسة”.

وكلمة قدوس يمكننا نُسميها كمال القداسة، فالسيد المسيح كان فيه كل شيء كامل، ففيه كمال النبوة؛ فلذلك سُمي “النبي” معرف بأل، وفيه كمال الكهنوت فهو رئيس الكهنة الأعظم، وفيه كمال البُنوة لله؛ ولذلك إسمه “الإبن” فقط.

وتكرار كلمة قدوس في لحن ميغالو وفي لحن آجيوس تُقال لأقنوم الابن، وتكرر ثلاث مرات للرد على ما قاله اليهود اصلبه ثلاث مرات، وهذه التسبحة بصورة عامة لها جزئين، الجزء الأول ملائكي وفيها ينسبوا القداسة إلى الثلاثة أقانيم، والجزء الثاني يخص البشرالذين ينسبون الولادة والصلب والقيامة إلى أقنوم الابن الذي تجسد لأجلهم.

وختاماً نقول أن هناك توافق ما بين لحن ميغالو الذي يقال أيضاً في يوم جمعة ختام الصوم الذي يسبق أسبوع الآلام، وبين لحن أومونوجينيس الذي يقال في الجمعة اللاحقة وهي الجمعة العظيمة، ففيها نفس الأفكار حيث يقول لحن أمونوجينيس “قدوس الله الذي صار إنسانا بغير إستحالة وهو الإله، أيها الثالوث القدوس إرحمنا”،وكأن الكنيسة تؤكد من بداية أسبوع الآلام وحتى نهايته على فكرة أن المسيح الذي سيتألم ويُقَدم نفسه ذبيحة،ليس ضعيفاً ولكنه في منتهى القوة فهو الإله القوي الحي الذي لا يموت الذي أَظهَرَ بالضعف ما هو أعظم من القوة، فقد انتصر على الشيطان وأَبطَلَ سلطان الموت وأعطانا الخلاص؛ لذلك نطلب منه أن يرحمنا.

لينك لحن ميفالو تسجيل بصوت المتنيح المعلم ميخائيل البتانوني (منذ حوالي 90 سنة)

تاريخ الخبر: 2022-03-17 09:21:45
المصدر: وطنى - مصر
التصنيف: غير مصنف
مستوى الصحة: 52%
الأهمية: 60%

آخر الأخبار حول العالم

بركة : مونديال 2030.. وضع خارطة طريق في مجال البنيات التحتية

المصدر: موقع الدار - المغرب التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2024-05-03 03:24:53
مستوى الصحة: 49% الأهمية: 64%

بوريطة يتباحث ببانجول مع نظيره المالي

المصدر: موقع الدار - المغرب التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2024-05-03 03:24:56
مستوى الصحة: 51% الأهمية: 55%

المزيد من الأخبار

مواضيع من موسوعة كشاف

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

تحميل تطبيق المنصة العربية