سلّط الكاتب محمد سرساوى الضوء على قصة صعود واعتزال النجمة الراحلة مديحة كامل، فى كتابه «مديحة كامل.. سنوات الظهور والاختفاء»، الصادر مؤخرًا عن دار الرواق للنشر والتوزيع.

وفى مقدمة الكتاب، قال المؤرخ والناقد الفنى أشرف غريب، إن «مديحة» ظهرت على شاشة السينما عام ١٩٦٤، فى وقت كانت فيه السينما المصرية لا تزال مصرة على التمسك ببطلاتها المعتادات، سواء من جيل فاتن حمامة وشادية، أو من بنات الجيل اللاحق، مثل لبنى عبدالعزيز وزبيدة ثروت ونادية لطفى وسعاد حسنى، ومن هنا كانت البداية غاية فى الصعوبة بالنسبة لابنة الإسكندرية التى تركت مدينتها الجميلة جريًا وراء الحلم الكبير.

وأوضح «غريب»: «خلال هذا الكتاب، تتبع الكاتب الصحفى الشاب، محمد سرساوى، مشوار مديحة كامل بكل تعاريجه وانحناءاته، منذ مولدها فى مدينة الإسكندرية فى أربعينيات القرن الماضى، وصولًا إلى لحظة وفاتها، وما أحاط بها من ملابسات، مارًا بكثير من المحطات الفنية والحياتية المهمة فى مسيرة هذه الفنانة».

وأضاف: «اعتمد فى عمله- بجهد ودأب- على جميع المواد الصحفية التى صاحبت مشوار مديحة كامل دون أن يضع حدًا فاصلًا بين الخاص والفنى فى مسيرتها من حيث التأثير والتأثر، كاشفًا- فى الوقت ذاته- عن جوانب خفية تخص تجربة مديحة كامل فى الفن والحياة، أراها جديرة بالقراءة والتأمل».

وفى مقدمة الكتاب، التى جاءت تحت عنوان «فتاة لكل زمان ومكان»، حرص الكاتب محمد سرساوى على الكشف عن سبب اختياره لمديحة كامل لكتابة هذا العمل عنها، قائلًا: «كنت قد تجاوزت سن العاشرة بقليل، حينما رأيت مديحة كامل لأول مرة فى فيلم (عيون لا تنام) على شاشة قناة NILE TV، فتخيلت أن كائنًا قد خرج لتوه من مصباح مخيلتى، امرأة حقيقية تعيش على أرض الواقع، ولم تفارق مخيلتى، ظلت معى، كعشق دفين داخلى، وحرصت على مشاهدة كل أفلامها التى تعرض على شاشة التليفزيون، وكان حبى لها يزداد كل يوم، وربما يكون هذا الحب أحد دوافعى لكتابة هذا الكتاب».

وخلال صفحات الكتاب؛ لفت «سرساوى» إلى ٤ محطات رئيسية فى حياة مديحة كامل، ورصد هذه المحطات بكل مراحلها فى ٨ فصول، وكشف عن العوامل التى أدت إلى اعتزالها، والعوامل المباشرة وغير المباشرة، كآلام تجارب الحب والزواج، وآلام المرض، وآلام فقد الأحبة، وموقفها من الشائعات التى واجهتها ثم حياتها بعد الاعتزال ووفاتها.

فى الفصل الأول يتحدث «سرساوى» عن ميلاد مديحة كامل فى مدينة الإسكندرية بتاريخ ١٣ أغسطس ١٩٤٦، وطفولتها واكتشاف موهبتها التمثيلية فى مدرسة الشاطبى بالإعدادية، ويدور الفصل الثانى حول انتقالها إلى القاهرة، وبداية مشوارها الفنى، أما الفصل الثالث فيتناول تجربتها فى السينما اللبنانية والسورية، ويسرد الفصل الرابع قصة وصولها لدور بطولة فيلم «الصعود إلى الهاوية» وشجاعتها فى قبول الدور بعد أن رفضته نجمات كبريات.

بينما يلقى الفصل السابع الضوء على أهم أفلام مديحة كامل التى عرضت فى أواخر السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضى، ويحاول الفصل الثامن التعرف على الأسباب التى جعلت مديحة كامل تفكر فى الاعتزال، ويسرد الفصل التاسع تفاصيل حياتها بعد اعتزالها مهنة التمثيل.

انطلقت رحلة «سرساوى» عبر عالم الأرشيف فى مؤسسات الصحف القومية، والمركز الكاثوليكى بالسينما، ودار الكتب والوثائق القومية بمصر، وتصفح ملفها الذى تنوعت قصاصاته ما بين أخبار وحوارات ومقالات وموضوعات، يمكن أن ترصد وتنظم وتحلل؛ لتتحول إلى كتاب يكون مثل الوردة التى توضع على قبرها، ومن هنا كان منهج الكتاب التضفير ما بين الحياة الخاصة لمديحة كامل وأعمالها الفنية، حياتها الخاصة منذ كانت طفلة صغيرة بمدينتها الإسكندرية، طفلة موهوبة ذكية، كانت نجمة منذ طفولتها فى مجال الرياضة، والعزف وكتابة الخواطر، ثم التمثيل وهى فى المرحلة الإعدادية، بل إنها نالت جائزة التمثيل الأولى على مستوى الجمهورية فى مسابقة المسرح المدرسية.

ويقول «سرساوى»: «تدرجت معها فى جميع مراحلها العمرية والفنية، كاشفًا فيها عن حياتها الخاصة كزواجها وعلاقاتها بابنتها وأصدقائها وزملائها، وكذلك الأدوار التى أدتها فى كل مرحلة عمرية وفنية فى آن، ومن هنا كان الترتيب الزمنى عاملًا حاسمًا فى صنع الكتاب»، واستطرد: «عند التعامل مع مادة البحث كانت حوارات مديحة بالصحافة كاشفة لأبعاد جديدة فى شخصيتها ورؤيتها الفنية، حوارات صادقة مرحة أحيانًا عند الحديث عن الفن والأدوار التى جسدتها».

استطاع «سرساوى» أن يتتبع رحلة مديحة كامل، التى أشار خلال الكتاب إلى أنها لم تكن رحلة سهلة بل رحلة شاقة، عانت فيها الكثير حتى تحقق لنفسها ما تعى أنها تستحقه من مكانة فنية، فمن خلال حواراتها أخذ اقتباسات، وكانت مقالات النقاد بمثابة مصدر آخر لا يقل أهمية عن الحوارات.

رأى «سرساوى» أن تلك المقالات أجمعت على أن الدور المفصلى فى حياة مديحة كامل، هو دورها فى فيلم «الصعود إلى الهاوية»، وكذلك الموضوعات الصحفية عن مديحة نفسها أو عن أعمالها، وحوارات زملائها فى الوسط الفنى، والتقارير الصحفية والأخبار إلى جانب العديد من المواقع السينمائية الإلكترونية، كل ذلك كان بمثابة بصيص الضوء الذى ينقل بوضوح مكانة مديحة كامل الفنية من جهة، ومن جهة أخرى مكانتها فى قلوب الجميع.