الروائى فتحى سليمان حامل أسرار مجيد طوبيا: «ألزهايمر» أنساه كل شىء عدا حبيبته وقطته «سعدية»

مصر تدعو لكاتبها الكبير بعد دخوله العناية المركزة الثلاثاء الماضى 

رفض الزواج لخوفه من الفقد بعد رحيل أمه و«الجلطة» لم تمنع تدخينه الشره

صادق «يمامة» تأتيه الشقة وكان يقول: «دى عمتى الله يرحمها بتطمن عليا»

عرف الروائى فتحى سليمان الروائى والأديب الكبير مجيد طوبيا منذ ٢٥ عامًا، كان «سليمان» وقتها شابًا يعمل فى السياحة بمدينة شرم الشيخ، ويجلس كل ثلاثاء وخميس فى مقهى «أمفتريون»، ومن هنا عرف «طوبيا» وتعمقت علاقته به.

كان مجيد طوبيا وقتها قد خرج على المعاش وصحته تتراجع، فأصبح فتحى سليمان رفيقه الوحيد وكاتم أسراره، وراح يرعاه يوميًا، خاصة أن بيته يقع على بُعد محطتين فقط من بيت «طوبيا». ورعى فتحى سليمان مجيد طوبيا بشكل أكبر بعدما أصيب الأخير بمرض «ألزهايمر»، وعُرض على الأطباء فشددوا على حاجته للمتابعة، ومن هنا كان «سليمان» رفيقه وأنيسه، ولم يتركه لحظة واحدة.

فى السطور التالية، يكشف الروائى فتحى سليمان، لـ«الدستور»، عن العديد من الأسرار فى حياة مجيد طوبيا، الذى نُقل إلى العناية المركزة فى أحد مستشفيات القاهرة، الثلاثاء الماضى، نتيجة تدهور حالته الصحية، على رأس هذه الأسرار قصة الابن الوحيد لـ«طوبيا».
 

 

جمعته قصة حب بالإيطالية كونشيتا.. وفوجئ بشاب يطرق بابه: «أنا ابنك»

بدأ فتحى سليمان حديثه بالإشارة إلى أن مجيد طوبيا دائمًا ما يتذكر حبيبته كونشيتا باريدزى، التى ولدت فى مصر لأب وأم إيطاليين، وكان والدها يعمل فى القصور الملكية، وتزامن مولدها مع مولد الأميرة فريال، فأسماها والدها «فريال» لأن القصور الملكية فى ذلك الوقت كانت تمنح هدايا لمن يطلق على أولاده أسماء الأسرة الحاكمة.

وقال «سليمان» إن «كونشيتا» عملت أستاذة للغة العربية فى معهد الشرق بمدينة فلورنسا الإيطالية، ثم عادت إلى مصر لترجمة بعض الروايات فى إطار عملها الأكاديمى، وكان من ضمن ترجماتها «تغريبة بنى حتحوت» بأجزائها الأربعة لمجيد طوبيا، ومن هنا تعرفت عليه واشتعلت علاقة حب كبيرة بينهما، بدأت فى القاهرة وانتهت فى إيطاليا.

وحسب «سليمان»، كان «طوبيا» يعتبر «أجمل أيام حياته» هو اليوم الذى التقى فيه حبيبته «كونشيتا»، ومن أجلها سافر إلى إيطاليا، وحفظ شوارع وحوارى العاصمة روما، كما كان يحفظ القاهرة. 

وحكى «طوبيا» لـ«سليمان» قصة ابنه الوحيد بالتفصيل، قائلًا إنه فوجئ بشاب يطرق بابه، ثم يقول له: «أنا ابنك»، فعرف أنه ابنه من حبيبته الإيطالية، التى عاش معها ١٤ عامًا وسافرا إلى إيطاليا معًا أكثر من ٣٦ مرة، ومع ذلك لم يتزوجها.

ولم يفكر مجيد طوبيا فى الزواج بسبب هاجس الفقد الذى تملّكه بعد أن رحلت أمه، فخشى أن يعيش هذه المشاعر مرة أخرى إذا تزوج «كونشيتا»، وهو الهاجس الذى زاد بعد أن ابتعد عن أسرته، ولم يكن على علاقة بأى فرد منها سوى عمته، التى رحلت هى الأخرى بعد رحيل أمه.

وأضاف «سليمان» عن أسرة مجيد طوبيا: «هو فى الأصل من المنيا، وبحثتُ عن أهله لفترة طويلة، وتمنيت أن أصل إلى أى فرد منهم حتى أصله بمجيد، لكنى لم أوفق فى ذلك، علمًا بأن والده كان موظفًا كبيرًا فى بنك (سالفاجو) اليونانى، ومنزلهم كان فى ميدان (ابن خصيب) الشهير فى عروس الصعيد».

وعن الروتين اليومى للكاتب والروائى الكبير، قال فتحى سليمان: «نومه قليل مثل كل كبار السن، وحريص جدًا على أن يكون التليفزيون صالحًا للعمل، ويشاهد من خلاله العديد من البرامج، ويفطر بيضًا مسلوقًا وأرزًا باللبن، ولا يأكل من اللحوم سوى الفراخ، وهو مُدخن شره على الرغم من إصابته بجلطة».

وأشار إلى ارتباط مجيد طوبيا بـ«يمامة» تأتيه إلى الشقة، ويعتقد أنها تشبه عمته الراحلة، وقال: «أول ما أفتح الشقة يقول لى: (يا فتحى كانت فيه يمامة واقفة على الإفريز الخاص بالبلكونة، تشبه عمتى تمامًا، دائمًا ما تأتى لتطمئن علىّ وتسامرنى، حتى تأتى أنت وتفتح الباب فتطير عمتى!».

وكشف عن تفاصيل أزمته الصحية الأخيرة التى نُقل على إثرها إلى العناية المركزة، الثلاثاء الماضى، قائلًا: «فتحت باب الشقة ودخلت فى العاشرة صباحًا، وكنت معتادًا على أن أدخل وأقول: (صباح الخير يا ميجو) وأنتظر رده، لكنه لم يرد هذه المرة مثلما يفعل، فقلت إنه مات، لكنى وجدته نائمًا على السرير لا يتكلم، فطلبت الإسعاف». وأضاف: «جاءت الإسعاف وطرنا به إلى مستشفى سان بيتر، فى ظل وجود غطاء طبى لاتحاد الكُتّاب هناك، ودخل مجيد الطوارئ، وتواصلت مع اللجنة الطبية فى اتحاد الكتاب، وفى غضون ساعة كان يجرى أشعة على المخ، ثم دخل إلى العناية المركزة». وواصل: «بقيت إلى السادسة مساء وطلبوا منى المغادرة، وبعدها هاتفنى أحمد فاروق، مدير مكتب إيناس عبدالدايم، وزيرة الثقافة، والناقد الأدبى شعبان يوسف، والدكتور أحمد الجعفرى، من أجل الاطمئنان على مجيد طوبيا». وأكمل: «فى اليوم التالى ذهبت إلى المستشفى واطمأننت على مجيد، ثم ذهبت إلى شقته وأخذت منها ملابس كى يرتديها لحين خروجه، وفى الخامسة دخلت فوجدت أن الممرضات بادرن بتحميمه وإلباسه زى المستشفى». وأتم: «أنا بحمى مجيد علطول، لكنى لم أره أبدًا بهذه الصورة البهية، فالممرضات اعتنين به بشكل فائق، حتى إنهن قصصن أظافره، لذا أشكرهن على كل ما قدمنه له، وكنت سعيدًا لأن الله استجاب لدعاء الناس له».

أوصى بممتلكاته لمؤسسة مجدى يعقوب.. وينتظر مجموعة قصصية باسم «الوليف»

كشف فتحى سليمان عن ٣ دور نشر كان لها الفضل فى إعادة بعث وإحياء مجيد طوبيا، الأمر الذى بدأ عن طريق المخرج محمد راضى، قبل وفاته.

وأوضح: «كان راضى فى زيارة لمجيد طوبيا، فأخبرنى بضرورة إعادة نشر أعمال مجيد طوبيا مرة أخرى، واستجاب شريف الليثى صاحب دار (تويا) لهذا المقترح، وكذلك مسئولو دارى (تبارك) و(بتانة)، علاوة على الهيئة العامة للكتاب، ممثلة فى هيثم الحاج على».

وأضاف: «مسئولو الهيئة اتصلوا بى وطلبوا منى البحث عن كتب مجيد طوبيا، وأخرجوا كتبه من المخازن لديهم وباعوها، كما أعادوا نشر رواية بعنوان: (ترميم قضية أحمس)، تم طرحها فى الدورة الماضية من معرض الكتاب».

قبلها، أيضًا، تواصل مع «سليمان» جرجس شكرى، أمين عام النشر فى الهيئة العامة لقصور الثقافة، وطلب إعادة نشر «تغريبة بنى حتحوت»، وصدرت بالفعل فى كتابين يضمان الأجزاء الأربعة، وكان قد وقّع لنشرها أيضًا مع دار «الهالة»، وعندما أخبرنا «شكرى» بذلك لم يمانع، وقال: «إحنا بننشر للشعبويين».

ولمجيد طوبيا كذلك رواية اسمها «أوراق العذراء»، طلب الدكتور محمد الباز نشرها، ودفع للكاتب والروائى الكبير مبلغًا كبيرًا فيها، وهو ما أدهش «طوبيا»، الذى قال حينها: «معقول الدكتور محمد الباز يدفعلى المبلغ الكبير ده فى رواية (أوراق العذراء)»، فرد فتحى سليمان عليه قائلًا: «منذ عهدناه ورأيناه فى الحياة الإعلامية وجدناه إنسانًا صادقًا».

ونوه «سليمان» إلى أن أصحاب دور النشر أرسلوا مستحقات مجيد طوبيا بالكامل إلى بيته، وهم شريف الليثى، صاحب دار «تويا»، والدكتور عاطف عبيد، صاحب دار «بتانة»، ومحمود خلف، صاحب دار «تبارك».

وتطرق إلى التكريمات الأخيرة التى حصل عليها مجيد طوبيا، بداية من منير عتيبة، مدير مختبر السرديات فى مكتبة الإسكندرية، الذى أرسل إليه وكرمه أثناء معرض الكتاب فى المكتبة، مرورًا بمهرجان «سينما الـ٣ دقائق» تحت إدارة الدكتور أسامة أبونار، علاوة على تكريمه من قبل الأب الجميل بطرس دانيال فى المركز الكاثوليكى للسينما، متابعًا: «مجيد استقبل هذه التكريمات بفرحة كبيرة، لأنها دليل على أنه ما زال موجودًا فى عقول الناس». وكشف عن وصية مجيد طوبيا، قائلًا: «طلب وهب جزء من قيمة إصداراته لمؤسسة مجدى يعقوب، وكذلك كل مقتنيات الشقة تُباع لصالح المؤسسة ذاتها، على أن تذهب كل شهاداته وميدالياته إلى مكتبة الإسكندرية، ومنها قلادة النيل، وأذكر أننى قلت له: (يا مجيد الميدالية من الذهب)، فقال لى: (هى مطلية فقط بالذهب)، كما أنه وهب جزءًا من كتبه لجمعية الشبان المسيحيين، الذين خصصوا مكانًا لها باسم (مكتبة مجيد طوبيا)، وقال لى: (ممكن تدوهم الكتب قبل موتى)».

وأشار إلى آخر أعماله، وهى مجموعة قصصية منتظرة بعنوان «الوليف»، ستُنشر قريبًا عن دار «بتانة» لصاحبها عاطف عبيد.

خرج ضد الجماعة الإرهابية رغم مرضه.. واعتبر السيسى «عبدالناصر الجديد»

استرجع فتحى سليمان أيام مجيد طوبيا خلال أحداث ٢٥ يناير ٢٠١١، وقال إنه لم يكن يعانى من الضغط أو السكر، وكان يشاهد التليفزيون دون نظارة، لكن هاجمه «ألزهايمر» عام ٢٠١١، وكان ينسى كل الأشخاص ما عدا حبيبته وقطته «سعدية». 

وأضاف: «تزامن هذا مع وقت تعانى فيه مصر، وتعيش حالة من الانفلات الأمنى بعد الثورة، وكانت منطقته التى يسكن بها فى ميدان تريومف بمصر الجديدة مليئة باللصوص الذين كانوا يسرقون أى شىء يقع أمامهم».

وواصل: «كان يزوره فى هذه الفترة ويجلس معه على مقهى (أمفتريون) العديد من الكُتّاب والأدباء والشخصيات، منهم فهمى فؤاد، المدير المالى لمهرجان شرم الشيخ السينمائى، والمفكر نبيل عبدالفتاح، ولواء الشرطة بهجت فرج، والكاتب الصحفى مصطفى عبدالله، والدكتور عبدالله سرور- رحمة الله عليه- والكاتب الصحفى عاصم حنفى، والممثل لطفى لبيب، والنائبة فريدة الشوباشى، والكاتبة الراحلة ماجدة الجندى، التى كتب لها نعيًا بعد رحيلها».

وأكمل: «مرت فترة لم نكن نجلس فيها على المقهى بسبب الأحداث العاصفة فى مصر وقتها، وأذكر أن مجيد طلب منى أن نذهب لوقفة فى الاتحادية احتجاجًا على جماعة الإخوان، وخرج وقال: لا بد أن أخرج، وحضر كل الانتخابات التى أسهمت فى طرد الجماعة من مصر، وحين تولى السيسى فرح جدًا وقال إنه يشبه جمال عبدالناصر، وإن عصره سيكون زاهيًا بقيادته، معتبرًا أنه هو مَن سيُكمل مشوار القضاء على التنظيم الإرهابى».

وعن رؤيته فى الكُتّاب الشباب، قال فتحى سليمان إن مجيد طوبيا كان يعتبر الفارق بين كل جيل إبداعى وآخر فى الماضى ١٠ سنوات، لكنه تقلص الآن إلى ٤ سنوات، لأن الموهوبين عددهم زاد، لافتًا إلى أنه كان يقرأ له كل أعمال الجيل الجديد، مثل مى تلمسانى وميرال الطحاوى وأحمد القرملاوى وهانى عبدالمريد ورباب كساب وتيسير النجار، لكى يظل فى المشهد.

وكان آخر ما قرأه «سليمان» لـ«طوبيا» رواية «صباح ١٩ أغسطس» لضحى عاصم، وقبلها قرأ له «موسم الأوقات العالية» لياسر عبداللطيف، وكتاب «نجيب محفوظ الموظف» لطارق الطاهر، و«الببلومانى الأخير» لشريف عبدالمجيد، الذى وصفه بأنه «موهوب».

تاريخ الخبر: 2022-03-21 21:21:12
المصدر: موقع الدستور - مصر
التصنيف: سياسة
مستوى الصحة: 55%
الأهمية: 68%

آخر الأخبار حول العالم

المغرب – فرنسا: فتاح تدعو إلى أشكال تعاون جديدة تستشرف المستقبل

المصدر: موقع الدار - المغرب التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2024-04-27 00:25:37
مستوى الصحة: 45% الأهمية: 57%

المزيد من الأخبار

مواضيع من موسوعة كشاف

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

تحميل تطبيق المنصة العربية