"أيها الرفيق القائد الأعلى، لقد أخبرتك أكثر من مرَّة أنني جندي المشاةِ الخاص بك، وأنا مستعدّ للتضحية بحياتي من أجلك"، بهذه الكلمات خاطب الرئيس الشيشاني رمضان قديروف الرئيس بوتين في رسالة صوتية، يستجدي فيها أوامره بـ"وضع حدّ لكل شيء في يوم أو يومين"، والمقصود إباحة استعمال القوة المفرطة وارتكاب المجازر.

فيما تكشف هذه الكلمات طبيعة العلاقة التي تربط قديروف ببوتين، إضافة إلى التحالفات التاريخية بين عائلة الزعيم الشيشاني والكرملين، تبرز صفقة الحماية السياسية والدبلوماسية مقابل رجال يحاربون لصالح روسيا بالوكالة.

وكشف اعتماد بوتين في حربه ضد أوكرانيا على المرتزقة السوريين والليبيين وصرب البوسنة، عن أن قديروف ليس الطرف الوحيد المعنيّ بهذه المعادلة الروسية، بل تتعداه وتتعدى الدول التي تُعَدّ امتدادها التاريخي، إلى أن تمثّل النظرة المحددة لطبيعة للتحالفات الدولية التي يبنيها الكرملين.

قديروف والأسد وحفتر وغيرهم

تدين عائلة قديروف بالولاء المطلق لموسكو، منذ تنصيبها على زعامة الشيشان، إذ أصبحت يد الكرملين القوية في بسط الأمن والاستقرار بالجمهورية القوقازية الشمالية لأكثر من عقد من الزمن، فيما تتزايد الانتقادات الحقوقية الدولية لكيفية إدارة قديروف الجمهورية ذاتية الحكم تحت السيادة الروسية.

وكانت سنة 2015 وقت دخول روسيا الحرب السورية إلى جانب النظام لقمع الثورة التي قامت ضده، وسُجّل ذلك كأول تدخُّل عسكري للجيش الروسي خارج حدود الاتحاد السوفييتي. منذ ذلك الوقت لم يقتصر الدعم الروسي لنظام الأسد على إعانته عسكرياً في ارتكاب المجازر ضدّ شعبه، بل تضمن توفير غطاء سياسي ودبلوماسي لحمايته من التحركات الدولية لعرقلته.

في الحالة الليبية، تدخلت موسكو لدعم اللواء المتقاعد خليفة حفتر خلال الحرب الأهلية منذ عام 2014، فقدمت شحنات كبيرة من الأسلحة لميليشيات حفتر، كما شاركت مرتزقة فاغنر المقربة من الكرملين في تدريبها وحمل السلاح إلى جانبها. ولا تزال روسيا تلعب دوراً محورياً في تأجيج الاقتتال في ليبيا، بتدخُّلها في عملية التحضير للانتخابات الرئاسية المرتقبة.

في البلقان يوفّر بوتين دعماً سياسياً لزعيم صرب البوسنة ميلوراد دوديك، الذي يجهد لفرض انفصال جمهوريته الذاتية الحكم مهدِّداً المنطقة بالعودة إلى مستنقع الحرب الأهلية. إضافة إلى ذلك تدرّب موسكو مقاتلين قوميين متطرفين تابعين لدوديك. وهدَّدَت روسيا بعرقلة تجديد عهدة المبعوث الدولي للبوسنة كريستيان شميت وقوات حفظ السلام الأوروبية. وذلك رداً على تقرير شميت الذي يتهم فيه صرب البوسنة بجر المنطقة إلى الحرب.

كيف حول بوتين حلفاءه إلى وكلاء في الحرب الأوكرانية؟

كشفت الحرب الأوكرانية طبيعة العلاقات بين موسكو والأطراف الآنف ذكرها، على أنها صفقة دعم سياسي وعسكري مقابل قوات للحرب بالوكالة، إذ أقحمت روسيا قوات شيشانية ومرتزقة ليبيين وسوريين في الاقتتال الناشب إلى جانب قواتها.

وتحدثت وسائل إعلام روسية عن أن ما بين 10 آلاف و70 ألف مقاتل شيشاني مُعَدُّون للقتال في أوكرانيا، وقال تقرير لمجلة "فورين بوليسي" الأمريكية إن "روسيا تستغلّ الصور النمطية للوحشية الشيشانية لاستخدامها كسلاح نفسي ضد الأوكرانيين".

وسهلت روسيا الطريق أمام 16 ألف مرتزق سوري للقتال إلى جانبها، فيما وصفهم تقرير لصحيفة الغارديان بأنهم "فقط طليعة لما يمكن اعتباره أكبر عملية لتجنيد المرتزقة برعاية حكومية في العالم"، وسيكون ذلك "تحصيل بوتين لثمن قاتل مقابل ما فعلته موسكو لإنقاذ الأسد من قبل".

من جانبها كشفت وزارة الدفاع الأوكرانية عن تعهُّد حفتر بإرسال مرتزقة إلى روسيا لـ"دعم" الجيش الروسي في عملياته العسكرية التي يشنُّها ضدَّها. ومنذ سنة 2014 يقاتل مسلحون من صرب البوسنة إلى جانب انفصاليي شرق أوكرانيا المدعومين روسياً، إذ تمثّل لهم تلك الحرب ساحة تدريب على العمليات القتالية في بيئة ومناخ يشبهان إلى حد كبير البيئة والمناخ البلقانيَّين.

الكلمة الذهبية هي "المرتزِقة"!

"الكلمة الذهبية هي المرتزقة"، يقول علي سليمان، الباحث في الشؤون الاستراتيجية بمعهد الدراسات الدولية في فروتسواف بولندا، في حديثه لـTRT عربي: "في البداية كانت هذه الاستراتيجية الروسية مقتصرة على دول الكومنولث السوفييتي، لكن عُمّمَت في العقد الأخير على عدد من الدول المعزولة من الغرب، حيث تستثمر روسيا في النزاعات مقابل بسط نفوذها على تلك الدول وتحصيل مكاسب أبرزها المرتزقة".

ويشير الباحث إلى أنه "إذا لاحظنا، الحروب التي عرفها العالم خلال العقد الأخير كانت كلها حروب بالوكالة، عدا النزاع في أوكرانيا الذي أظنّ أنه هو الآخر بصدد التحول إلى ذلك النوع من حرب"، وبالتالي "قد نشهد زيادات كبيرة في حشد المرتزقة من مختلف الدول التي عرفت نزاعات تدخلت فيها روسيا، للقتال إلى جانب قواتها على الجبهات الساخنة في أوكرانيا، وهذا يحول طبيعة الصراع إلى حرب بالوكالة".

ويخلص المتحدث إلى أن النظرة الجيو-استراتيجية الروسية تجاه هؤلاء الحلفاء "تقوم على قاعدتين: التحالفات الأمنية، والإحساس الواسع هناك المناهض للغرب"، وهذه المعادلة تصبح رابحة للطرفين، إذ "يصبو بوتين إلى بسط نفوذه على مناطق واسعة من العالم خارج مجال النفوذ الروسي التقليدي، ومن ناحية دكتاتوريات تلك الدول فهي تؤمِّن بقاءها في السلطة بحماية قوة عالمية عظمى".

TRT عربي