مذكرات الراحلة مادلين أولبرايت.. يوم اعتبرت نشر رسوم الرسول (ص) تزمتا وربط الدين بالسياسة قوة للعدل والسلام


  • نجاة أبو الحبيب

 

“إنني متفائلة وكثيرة القلق، فخلال سبعة عقود من عمري تقريبا، رأيت ما يكفي من الأمثلة عن الإيثار والتضحية لكي أعيش مندهشة مما يرغب البشر في عمله لبعضهم البعض، ورأيت كذلك ما يكفي من أمثلة القسوة، لأشعر باليأس مما يستطيع أن يفعله البشر ببعضهم البعض”.

هكذا اختارت مادلين أولبرايت مندوبة أمريكا الدائمة لدى الأمم المتحدة وأول امرأة شغلت منصب وزيرة الخارجية على عهد بيل كلينتون أن تختم كتابها “الجبار والجبروت” الذي أصدرته في سنة 2006 بعد مرور خمس سنوات على خروجها من الحكومة وعودتها للتدريس بجامعة جورج تاون.

الكتاب الذي صدر أيضاً في ترجمة عربية، أشارت فيه أولبرايت إلى أن فهم مكانة الدين وقوته ومعرفة أفضل السبل للاستجابة لها ضرورية، إذا أرادت أمريكا أن تقود العالم بنجاح، فتتفحص الدين والشؤون الخارجية من خلال عدسة التاريخ الأمريكي، بالإضافة إلى تجاربها الشخصية في الحكومة، وتوجه انتقادات حادة للسياسة الأمريكية، وترى أن الدين والسياسة ليسا متلازمين فقط، بل إن شراكتهما يمكن أن تكون قوة العدل والسلام، إذا استخدمت بالشكل الصحيح.

ولم تتوقف انتقادات مادلين أولبرايت، البالغة من العمر اليوم ثلاثة وثمانين سنة، للسياسة الأمريكية عند حدود كتابها فقط، بل واصلت توجيه انتقاداتها لسياسة أمريكا الحالية في شخص الرئيس دونالد ترامب أيضا الذي وصفته بالرئيس المستبد.

وها نحن نرجع اليوم لمقتطفات من هذا الكتاب بعد وفاة هذه الدبلوماسية التي تعد من أكثر الشخصيات السياسية نفوذا في جيلها، عن 84 عاما إثر معاناتها من السرطان، وكانت أولبرايت قد تولت حقيبة الخارجية خلال عهد الرئيس بيل كلينتون بين 1997 و2001، وكانت أيضا سفيرة الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة.وقورن نفوذها على المستوى الدولي بدور مارغريت تاتشر في بريطانيا في ثمانينات القرن الفائت.

 

غياب رؤية القادة السياسيين للدين كوسيلة للمصالحة الحكومة الأمريكية أفسدت سمعة أمريكـا

 

يركز أصدقائي الخبراء في وزارة الخارجية ـ وهم مجموعة أكبر سنا إلى حد ما ـ على التهديد الذي يشكله المتطرفون الدينيون، بما في ذلك احتمال حصول الإرهابيين على أسلحة للقتل الجماعي، وهم يشعرون أيضا بخطورة فجوة الفهم القائمة التي انفتحت بين المجتمعات الإسلامية على الأغلب وبين الغرب. يشارك القادة العرب الذين تحدثت معهم في هذا الخوف أيضا، كما أنهم منزعجون من انتشار ما يعتبرونه تعميمات خاطئة ومضرة بشأن الإسلام.

ويشعر العلماء الدينيون الذين استشرتهم بانفعال شديد اتجاه حاجة القادة السياسيين إلى تعليم أنفسهم ضروب الأديان، وإلى رؤية الدين كوسيلة محتملة للمصالحة، أكثر من كونه مصدرا للنزاع. ويشعر الناشطون السياسيون، وليس الديمقراطيون فقط، بالغضب بشأن تأثير اليمين الديني على البيت الأبيض والكونغرس، وذلك موضوع يقلق الديبلوماسيين الأجانب.

 

تعود جذور ردود أفعالي إلى هوياتي المختلفة، فأنا كفتاة من تشيكوسلوفاكيا، أمريكية بالتبني ووزيرة سابقة للخارجية. كان بطلي في الشباب توماس غاري ماساريك مؤسس تشيكوسلوفاكيا الحديثة سنة 1918. فقد أثر ماساريك كثيرا في تفكير والدي وفيّ أيضا من خلالهما، وخلافا لكثير من الذين يجدون الإنسانية بديلا للإيمان بالله، وجد ماساريك أن الاثنين مرتبطان. فالإيمان الديني بالنسبة إليه إظهار للاحترام لكل شخص، والرغبة في مساعدة الآخرين.لكنه رأى أن المعتقد الديني، عند فهمه بشكل صحيح، يفعل الكثير للحض على السلوك وتقويته، ولدي آراء مماثلة. ومما يفسد الدين تحويله إلى مصدر للنزاع والكراهية، كما أن ذلك يجلب مشاكل حادة لأمريكا والعالم.

كنا في إدارة الرئيس بيل كلينتون نتحدث كثيرا عن القرن الحادي والعشرين. كان ينتابني شعور مميز بالثقة بأن بوسع أمريكا مع البلدان الأخرى، إيجاد حل لمعظم المشاكل، لكني قلقة من ارتكابنا لأخطاء خطيرة كان يمكن تجنبها. أعتقد أن الحكومة الأمريكية قد أفسدت تماماً ردها على الإرهاب الدولي، لقد أفسدت سمعة أمريكا.

في سنة 1977  كتب برنارد لويس المتخصص في الشرق الأوسط: “لم يعد الغربيون مع بعض الاستثناءات يمنحون الدين مكانا مركزيا في مخاوفهم، وبالتالي ما عادوا مستعدين للإقرار بأن أحدا سواهم يمكنه ذلك، فمن غير المقبول بالنسبة للعقل التقدمي الحديث أن يتقاتل الناس، ويموتوا من أجل اختلافات دينية محضة”.

وكان ذلك درسا تعلمته إدارة كارتر بمشقة. ففي أعقاب الثورة الإيرانية أمر الرئيس، بسلسلة من التقارير الموجزة التي قدمها خبراء وعلماء في البيت الأبيض، عن تعاليم الإسلام وسياسته، وتكثف الجهد بعد اقتحام سفارتنا في طهران، وأخذ الديبلوماسيين الأمريكيين رهائن، غير أن هذه التقارير المنجزة لم تحدث فرقا كبيرا، لأن شعبية الإدارة في ذلك الوقت كانت قد تدنت كثيرا، بحيث هزمت في الانتخابات.

فقد أظهرت تجربتنا مقدار التعقيد الذي يمكن أن تكون عليه القرارات الخاصة بالسياسة الخارجية، فللحفاظ على الموقف المتشدد من أحد مصادر الشر (شيوعيةالاتحاد السوفياتي)، وقفنا إلى جانب مصدر شر آخر(الشاه المستبد) ومن ثم ساعدنا في تمهيد الطريق أمام مصدر ثالث(آية الله الخميني). أذكر الإحباط الذي شعرنا به جميعا عندما تبين أن افتراضاتنا كانت خاطئة، وقال بعض النقاد أنه كان علينا أن نضع قيم ديمقراطيتنا في المقام الأول، ونتخلى عن الشاه في وقت مبكر.

فاجأتنا الثورة في إيران، لأننا لم نر شيئا مماثلا لها من قبل. كان يعتقد أن الإسلام كقوة سياسية في طور الانحسار لا المد، ولم تكن الولايات المتحدة القوى العظمى وحدها التي تقلل من أهمية الدين في ذلك الوقت، فالسوفيتيون لم يتوقعوا غضب المسلمين الذي سيحدثه غزوهم لأفغانستان، في كل أنحاء جنوب آسيا، وشبه الجزيرة العربية أيضا. ووفر هذا العداء فرصة استراتيجية للولايات المتحدة الأمريكية، فبعد أن أصبحت إيران مكانا محظورا، التفتنا إلى باكستان جارة أفغانستان الأخرى، وباتباع منطق العداوات في كل مكان (عدو عدوي صديقي) أوصلنا كميات من المساعدات عبر باكستان للمقاتلين المسلمين العازمين على شن الحرب على السوفيات. وفي أثناء زيارة قام بها بريجنسكي للحدود الباكستانية أعلن أمام المقاتلين المسلمين المحتشدين هناك أن “الله معكم”. استغرق الأمر عقدا من الزمن، لكن الأفغان بمساعدة حلفائهم أخرجوا الغزاة واستردوا بلادهم، ولم نكن نعرف في ذلك الوقت أن العديد من المسلمين المتشددين الذين قاتلوا بفعالية ضد عدونا المشترك، سيعيدون توجيه غضبهم اتجاهنا ذات يوم.

 

++++++++++++++++++

 

عندما قيل لي: كونك مسيحية سيصعب وصولك إلى وزارة الخارجية الأمريكية

 

مع أن أصول معظم القواعد التي تحد من استخدام القوة موجودة في التراث الديني، فإن هذه القواعد ليست صارمة بالشكل الكافي لترضي كل من يعلن التزامه بمعتقد ديني. ففي ربيع سنة 2004، ألقيت محاضرة عن الدين والسياسة الخارجية الأمريكية أمام جمهور من كلية اللاهوت في يال. وقد دعا محررو مجلة الكلية الخبراء للرد، فتلقيت رسالة من ستانلي هاوراس الذي اعتبرته المجلة أفضل عالم لاهوت في أمريكا. كتب هاوراس لا ليحتج على موضوع كلمتي بقدر احتجاجه على الفكرة ـ غير المعقولة بالنسبة إليه ـ والتي قد يكون لدي قدر من الاهتمام بعرضها على طلاب الدين، قال إن: “سجلي في الحكومة غير جدير بالاحترام البتة” وأن “كوني مسيحية يجعل من الصعب علي أن أكون وزيرة للخارجية الأمريكية”. فبالنسبة لهاوراس، النزوع إلى السلم جزء جوهري من كونك مسيحيا، وهو يرى أن الأمريكيين الذين يقاتلون أو يدعمون العمل العسكري لا يحق لهم البتة أن يدعوا المسيحية. وأنا أفهم منطقه، لكني لا أقبله. فما من قصة تبعث على الراحة أكثر من مثال المسيح الذي مات وهو يسامح قاتليه في الوقت نفسه، غير أن مغزى مذهب “الحرب العادلة” هو أن الأعمال العسكرية تكون ضرورية أحيانا لأسباب أخلاقية. ويرفض هاوراس هذا المذهب لأنه يقول إنه يستخدم لتبرير الكثير من الحروب.

وهو محق في ذلك. فالعنف يلحق الضرر بمن يستخدمه وأيضاً بمن يستخدم ضده، ومن المرجح أن يؤدي إلى نتائج كارثية أحيانا لم تكن منظورة. ومثلما تذكرنا قصة مارك توين الحزينة”دعاء الحرب” فإن الدعاء للنصر في الحرب يعادل طلب نزول الأهوال على الأبرياء.

عندما أسافر حول العالم، غالبا ما أسأل: لماذا لا نستطيع إبقاء الدين بعيدا عن السياسة الخارجية؟ وجوابي هو أننا لا نستطيع ولا ينبغي لنا ذلك. فالدين جزء كبير مما يحفز الناس، ويشكل آراءهم في السلوك العادل والصحيح، ويجب أن يحسب له ألف حساب، ولا يمكن أن نتوقع من قادتنا، اتخاذ القرارات بمعزل عن المعتقدات الدينية. وثمة حدود لمدى تصنيف القدرة على العقل الإنساني، وعلى أي حال، لماذا ينبغي لقادة العالم المتدينين، العمل والكلام كما لو أنهم غير متدينين؟ علينا العيش مع معتقداتنا، وخلافاتنا أيضا، فلن يجدي إنكارها نفعا.

 

+++++++++++++++++++++

 

السياسة الخارجية الأمريكية والحاجة إلى الخبرة الدينية

 

“سيكون هذا العالم أفضل العوالم الممكنة لو لم يكن فيه أي دين”. هكذا كتب جون أدامز إلى توماس جيفرسون. ويظهر هذا الاقتباس المعروف جيدا لدى الملحدين، مختلفا عندما يوضع في سياقه، وفيما يلي الفقرة كاملة: “وصلت عشرين مرة في سياق قراءتي الأخيرة إلى نقطة الانفجار صائحا:سيكون هذا العالم أفضل العوالم الممكنة لو لم يكن فيه أي دين، لكنني أبدي في هذا التعجب تعصبا، فهذا العالم بدون دين سيكون غير ملائم لكي يذكر في صحبة مهذبة، أعني، سيكون جحيما”.

تشير الدراسات إلى أن الحروب ذات المكون الديني تدوم مدة أطول، وتخاض فيها الحروب بشراسة أكبر مما يخاض في النزاعات الأخرى. وكما لاحظ كاتب العمود الليبرالي اللاذع إ. ف. ستون: “قطعت الكثير من الرقاب باسم الإله على مر العصور، ولم تكن الحرب الذي تشن للهو أو النهب سيئة قط بقدر الحروب التي تشن لأن معتقد بعض الناس غير قابل نظريا للتوافق مع معتقد أناس آخرين”.

ويكمن خطأ هذا المنطق بأنه على الرغم من معرفتنا بما يبدو عليه العالم المبتلى بنزاع ديني، فإننا لا نعرف ما سيكون عليه العيش في عالم تغيب عنه المعتقدات الدينية. من السهل لوم الدين، أو إذا توخينا مزيدا من الإنصاف، ما يفعله بعض الأشخاص باسم الدين، على كل مشاكلنا، لكن ذلك تبسيط شديد. الدين قوة هائلة، غير أن تأثيرها يتوقف تماما على ما تلهم الناس القيام به، والتحدي الذي يواجه صناع السياسة هو استغلال الإمكانات التوحيدية للدين، واحتواء قدرته على إحداث الانقسام في الوقت نفسه. ويتطلب ذلك على أقل تقدير، أن نجد المسائل الروحية موضوعا يستحق الدراسة، وإذا ما ألقيت نظرة على الكتب الدراسية القياسية للعلاقات الدولية، أو طريقة تنظيم وزارة الخارجية لدينا، فلن تجد مكانا يتم التعامل فيه مع الفهم المتطور للدين كقوة عامة في العالم”.

لاستباق الأحداث، بدلا من مجرد الاستجابة لها، يحتاج الدبلوماسيون الأمريكيون إلى الأخذ بنصيحة “بريان هيهير” عالم اللاهوت الكاثوليكي، والتفكير بدون تحفظ، بدور الدين في السياسة الخارجية وفي حاجتهم إلى الخبرة. عليهم أن يطوروا القدرة على معرفة أين تساهم المعتقدات الدينية في النزاعات، وكيف ومتى تتوسل المبادئ الدينية لتخفيف النزاعات. وعليهم أيضا إعادة توجيه مؤسسات السياسة الخارجية الأمريكية لتأخذ في الحسبان تماما القوة الهائلة للدين في التأثير على تفكير الناس وتصرفهم وشعورهم، وتوجد أمارات هذا التأثير من حولنا في حياة أناس من معتقدات عديدة مختلفة.

هناك أشخاص مستعدون للموت والقتل من أجل دينهم، وهذا يصح قبل آلاف السنين بقدر ما يصح اليوم، كما أن الدين يعلم في أحسن الأحوال التسامح والمصالحة، لا عندما تكون تلك الأفعال سهلة نسبيا، وإنما أيضا عندما تكون صعبة بشكل لا يصدق.

سعى العديد من ممارسي السياسة الخارجية، بمن فيهم أنا، إلى فصل الدين عن عالم السياسة، وتحرير المنطق من المعتقدات التي تتجاوز المنطق. من الصعب في النهاية تقسيم الأرض بين مجموعتين، على أساس الحق القانوني أو الاقتصادي، ومن الأصعب بكثير إذا زعم أحدهما أو كلاهما أن الله أعطاه الأرض المعنية، لكن الدوافع الدينية لا تختفي لأنها لا تذكر، فهي تبقى في الغالب هاجعة لتبرز ثانية في اللحظة الأقل ملاءمة، والولايات المتحدة لا تدرك ذلك جيدا، كما تعكس تجربتنا في إيران، ولكي يلعب صناع السياسة الأمريكية دورا قياديا على الصعيد الدولي، عليهم أن يتعلموا قدر ما يمكنهم عن الدين، ثم يدخلوا هذه المعرفة في استراتيجيتهم. وقد قارن “يريان هيهير” هذا التحدي بجراحة الدماغ، إنها عمل ضروري، لكنها مميتة إذا لم تجر بشكل جيد.

التسوية تصبح ممكنة في أي نزاع عندما يتوقف المتخاصمون عن تجريد بعضهم بعضا من الصفات الإنسانية، ويشرعون في رؤية شيء من أنفسهم في أعدائهم.

 

++++++++++++++++

 

 ظننت أن الرئيس السوداني يريد تسميمي 

 

يعد العنف بين المسيحيين والمسلمين مشكلة في أنحاء متعددة من أفريقيا، لكنه أحدث فوضى على الوجه الخصوص في السودان أكبر بلد في القارة، ونيجيريا أكثرها سكانا. وعلى الرغم من توجيه الانتقاد إلى صناع السياسة الأمريكية، لتجاهلهم أفريقيا، فإنني زرت القارة سبع مرات عندما كنت في الحكومة، بما فيها السودان في ربيع 1994. كنت قلقة لأنها أول مهمة ديبلوماسية لي مع حكومة نعتبرها معادية، ومع ذلك استقبلنا الرئيس عمر البشير بشكل حسن، وهو ضابط عسكري سابق، وصل إلى السلطة بانقلاب منذ عدة سنوات.

البشير في أوائل الخمسينات من العمر، وله شارب ولحية قصيرة ومذهبة بشكل جيد، كان صارم الهيئة يستخدم عصا خشبية. لكن قبل بدء العمل قدم إلي كوبا طويلا ذي سائل زهري اللون له قوام الشامبو. غالبا ما كنت أمزح بأن عملي كسفيرة هو الأكل والشرب نيابة عن بلدي، لكن بدا ذلك خارج نداء الواجب. لاحظت أن البشير لا يشرب أي شيء، وكذلك كل السودانيين الآخرين، لماذا؟ فخطر ببالي أنهم ربما يحاولون تسميمي، وبينما كان البشير يراقبني، رشفت ما آمنت أن يكون رشفة مقنعة من المشروب، كان المشروب حلوا، وانفرجت أساريري، لأنني لم أنقلب رأسا على عقب.

لم يكن فحوى اجتماعي بالبشير مرضي أكثر من المشروبات، فقد كنت أريد توجيه تحذير بشأن السودان كملاذ آمن للإرهابيين، وكان من بين الإرهابيين الذين استضافتهم البلاد أسامة بن لادن، الذي كانت شركة البناء التي يمتلكها تبني طرقا سريعة تساعد الجيش السوداني في حربه ضد الانفصاليين الجنوبيين. وتبلغ مساحة السودان ربع مساحة الولايات المتحدة الأمريكية.

+++++++++++++++++++++

 

 الدين والسياسة بين جيمي كارتر وبيل كلينتون 

 

سألت مؤخراً جيمي كارتر كيف يجب أن يفكر صانعو القرارات في الدين كجزء من أحجية السياسة الخارجية، أليس من الممكن فصل ما يشعر به الناس ويؤمنون في المجال الروحي، عما سيقومون به كسياسة عامة؟ فرأى أن “هذه فرصة سانحة، لأن العناصر الرئيسية للمعتقدات الدينية متماثلة جدا، وهي التواضع والعدل والسلام”. وأضاف أنه غالبا ما يطلب منه في الدبلوماسية غير الرسمية، تقصي ما إذا كان أطراف نزاع يمثلون المعتقد نفسه، وتابع أنه غالبا ما يجد نفسه يتعامل مع من يتشاركون دينا ما ويختلفون بشأن كيفية تفسيره. وقال كارتر إنه كمعمداني معتدل، يجد أن التحدث مع كاثوليكي أقل تعقيدا من التحدث مع أصولي معمداني. فمن الأسهل مع الكاثوليكي تقبل الاختلافات دون الشعور بضرورة النقاش حولها.

وعندما فتحت الموضوع نفسه مع كلينتون، شدد على نقطتين، الأولى أن القادة الدينيين يمكنهم التصديق على عملية سلام ما قبل المفاوضات، وفي أثنائها وبعدها، ويمكنهم من خلال الحوار والبيانات العامة، أن يسهلوا تحقيق السلام والمحافظة عليه.والثانية، أن إقناع أشخاص من مختلف المعتقدات بالتعاون معا يتطلب فصل ما هو خاضع للنقاش في الكتب الدينية، عما هو غير خاضع له. وقال: إذا كنت تتعاملين مع أشخاص يعلنون التزامهم بمعتقد ما، يجب أن يؤمنوا بوجود خالق، وإذا كانوا يؤمنون بذلك، يجب أن يوافقوا على أن الله خلق الجميع، وذلك بنقلهم من الخاص إلى العام، وعندما يقرون بإنسانيتهم المشتركة، يصبح من الصعب أن يقتل بعضهم بعضا، وتصبح التسوية أسهل لأنهم اعترفوا أنهم يتعاملون مع أشخاص مثلهم، وليسمع شيطان من جنس دون إنساني”.

قد تكون الدبلوماسية القائمة على المعتقد أداة مفيدة في السياسة الخارجية، غير أنني لا يمكن أن أقول أنها يمكن أن تحل محل الدبلوماسية التقليدية، فغالبا ما يكون أبطال مسرحية سياسية منيعين اتجاه الالتماسات التي تقوم على أسس دينية أو أخلاقية، أو شديدي التشكيك بها. لكن إذا كنا لا نتوقع المعجزات، فلن تؤدي المحاولة إلى خسارة شيء، سيواصل انبعاث الشعور الديني التأثير على الأحداث في العالم، ولا يستطيع صناع السياسة الأمريكية تحمل تجاهل ذلك، بل يجب الترحيب به عند أخذ كل العوامل في الحسبان، فالدين في أحسن الأحوال، قد يعزز القيم الإنسانية، لكي يعيش أشخاص من ثقافات مختلفة على قدر من الانسجام، وعلينا الاستفادة إلى أقصى حد من ذلك الاحتمال.

 

++++++++++++++++++++

 

 هكذا كان رد الملك السعودي 

 

أثناء زيارتي للمملكة السعودية لتجديد صلتي بولي العهد الأمير عبد الله، كان ذلك قبل ستة أشهر من خلافته للملك فهد، وعلى الرغم من أن عبد الله في أوائل الثمانينيات من العمر، إلا أنه مازال محتفظا بالقوة الجسدية والحيوية، ولديه لحية وشارب كثيف، كلاهما أسود اللون. كما أن له طريقة هادئة وموقرة في الحديث. وعندما أخبرته بأنني أقوم بتأليف هذا الكتاب، ابتسم موافقا، وأشار إلى نسخة القرآن ذات الغلاف الأخضر بجانبه على مكتبه.

في أثناء البحث في خوفه من الصورة المشوهة التي ألحقها بعض الأشخاص بالإسلام الذي هو دين السلام والرحمة، قال إن المسيحية واليهودية تجتذب جميعها حصتها من العناصر المتطرفة، وأن هناك بعض المسيحيين المحافظين الذين يشعرون بالحاجة إلى اختلاق أزمة، من أجل التسبب بوقوع المعركة الفاصلة. سألته إذا كان القرآن يمنع المسلمين من التخلي عن أراضي حكموها ذات يوم، فقال إنه لا يوجد شيء صارم باستثناء بعض المناطق والأماكن المقدسة.سألته: في هذا المجتمع الشديد التمسك بالدين، ما الذي تعتقد أن الله يفرضه في إدارة المملكة؟ فأجاب: الإيمان ثابت، لكنك لا تلجأ إلى الله قبل أن تستشير أصدقاءك ومستشاريك والجمهور والبلدان الأجنبية، وبعد ذلك تتكل على الله لمساعدتك على اتخاذ القرارات الصحيحة. وتدعو أن تكون النتيجة مرضية”.

لقد سمعت أحد القادة المسلمين وهو نيجيري يقول إن الإسلام أكثر الأديان ديمقراطية، فالجميع متساوون أمام الله. ويرى بعض المعلقين أن ثمة إفراط في تقدير أهمية الدين، وأن القضايا الوحيدة ذات الأهمية الحقيقية، هي اقتصادية، أي عندما يقتنع العرب بأن الديمقراطية، ستتيح لهم العيش بمزيد من البحبوحة، فلن يكون هناك أهمية لشيء آخر، وهذا يذكرني بفيلم “المتخرج” عندما تطمئن الشخصية التي يلعب دورها دوستان هوفمان في الفيلم بأن مفتاح سعادته المستقبلية يكمن في مهنة عن البلاستيك. فهناك عقلية معينة في الغرب تفترض أن الجميع يريدون أن يعيشوا مثل الغربيين. وفقا لهذا النمط من التفكير، إذا كان العرب والمسلمون مستائين فإنما مرد ذلك أنهم يحسدون الغرب على الغنى المادي ونمط العيش المريح. لكن لا ينظر إلى الاحتمال المخالف: ذلك أن بعض العرب على الأقل، يعتقدون أن الغرب يحاول استمالتهم إلى حياة سطحية ومنحلة، وبالتالي تركهم ملعونين إلى الأبد. المصالح المادية مهمة، لكن التاريخ يخبرنا بأن الأفكار التي يتم التمسك بها بقوة، وسواء أكانت متنورة أم غير صائبة، فلها أهمية أكبر. وقد كتب أحد العلماء المسلمين البارزين:”إذا سئل أحدهم ما إذا كان المسلمون يريدون الحرية، فسيكون الجواب: نعم، حتما. لكن الغالبية العظمى من المسلمين تضيف أن الحرية بالنسبة إليها، لا تعني أولا الحرية من الله والدين، وهي ستقبل الحريات الأخرى شريطة ألا تدمر دينها وما يعطي معنى لحياتها.

+++++++++++++++++++++++

 

نشر الرسوم الكاريكاتورية للرسول كان عملا ينم عن التزمت 

 

في شتنبر 2005 طبعت صحيفة دنماركية سلسلة من الرسوم الكاريكاتورية تصور النبي محمد (ص) وتربطه بالإرهاب، فثارت موجة من الاحتجاجات، بعضها عنيف، عندما أعيدت طباعة الرسوم المغضبة في أماكن أخرى في أوربا، وعرضت على الإنترنيت، وقد صورت الهستيريا بطريقة درامية الانقسام بين أوربا العلمانية والمسلمين، كما عمل المتطرفون في كافة الأطراف على تحويل الكراهية إلى مصلحتهم. لقد كان نشر الرسوم الكاريكاتورية بالرغم من أنه ممارسة لحرية التعبير، عملا ينم عن التزمت، وكانت الاحتجاجات ممارسة لحرية التعبير بشكل متساو.

إن هذا الحدث الحزين بأكمله مؤسف جدا، وهو انتصار للعاطفة على العقل، غير أن المواقف التي أثارها لم تكن جديدة. ذلك أني في سنة1991 شاركت في مسح أجرته صحيفة لوس أنجلوس تايمز بعنوان “نبض أوربا” ولم نفاجأ عندما وجدنا تحاملا على مجموعات الأقلية، ولكنني ذهلت من مقدار الشعور بالحقد والضغينة تجاه المسلمين وخاصة المهاجرين من شمال أفريقيا. وفي أثناء حرب البوسنة صدمت واكتأبت بموقف بعض زملائي الأوربيين الذين بدوا أنهم يعتبرون المسلمين البوسنيين أقل تحضرا من معذبيهم الصرب والكرواتيين. ومن الشائع في السنوات الأخيرة سماع صوت “أوربا للأوربيين” و”عودوا إلى دياركم أيها الغرباء”.

إن لقدوم المهاجرين في أي مجتمع تأثيرا على إحساس البلد المضيف نفسه. ففي الولايات المتحدة الأمريكية، كانت كل موجة متتالية من الهجرة، تولد مخاوف من أن تضعف الهوية الأمريكية أو تفقد. ولكن التكيف في أوربا أصعب، وكما لاحظ أحد قادة الكنيسة في ألمانيا: “أن لبلدان أوربا الثقافة الأساسية نفسها، إننا نعرف كيف نعيش سويا مع الكاثوليك والبروتستانت لأن لدينا إيمانا مشتركا بالمسيح، واعتقادات مشتركة لكن العلاقات مع المسلمين مختلفة تماما. أما الولايات المتحدة هي تجمع لشعب من العديد من الثقافات”.

كنت في الحادية عشرة عندما وصلت عائلتي إلى الولايات المتحدة الأمريكية، وعلى الرغم من أنني فخورة بتراثي الأوربي، فقد كان التكيف مع موطني الجديد طموحي الوحيد، كنت متلهفة لأن ينظر إلي على أنني مراهقة أمريكية حقيقية، حيث كنت أمضغ اللبان، وأقرأ الكتب الهزلية، وأقلد طريقة زملاء الصف المسايرين للموضة في اللباس والكلام، وكنت أنزعج كثيرا عندما يتصرف والدي كأجنبيين. كانت والدتي تقرأ الطالع، ووالدي متمسك بالشكليات حتى أنه كان يرتدي معطفا وربطة عنق، حتى عندما يصطاد السمك.

++++++++++++++++++++

 

لو كنت اليوم وزيرة للخارجية الأمريكية

 

لو كنت اليوم وزيرة للخارجية الأمريكية، فلن أسعى في التوسط للنزاعات على أساس المبادئ الدينية، ولن أحاول التفاوض فقط على التفاصيل الأكثر تعقيدا لاتفاق تجاري أو اتفاقية للحد من الأسلحة، بل سأطلب من أشخاص أكثر مني خبرة في كل حالة أن يبدأوا عملية تحديد المشاكل الأساسية، واستعراض الاحتمالات، واقتراح العمل. وقد يكون تدخلي أو تدخل الرئيس ضروريا لإتمام اتفاق، لكن الخطوط العريضة يعرفها كل من يحلل دقائق المشاكل المطروحة.

حين كنت وزيرة للخارجية، كان لدي مكتب كامل من الخبراء الاقتصاديين الذين يمكنني الرجوع إليهم، وفئة قيادية من الخبراء الذين أكسبهم إتقانهم للرطانة التقنية لقب “الكهنوت”، وباستثناء السفير “سيبل” لم يكن لدي خبراء مماثلون لدمج المبادئ الدينية بجهودنا في مجال الدبلوماسية، ومثل هذه المعرفة ضرورية بالنظر إلى طبيعة العالم اليوم. والسفير “بوب سيبل” بعد أن غادر وزارة الخارجية، أنشأ مؤسسة الالتزام العالمي لتحسين مناخ الحرية الدينية. واختار لها شعار”اعرف أغنى وأعمق ما في معتقدك، وما يكفي عن معتقد جارك كي تحترمه”.

فإذا كانت الدبلوماسية فن إقناع الآخرين بالعمل كما ترغب، فإن السياسة الخارجية الفعالة تتطلب أن نفهم لماذا يقبل الآخرون ما نقوم به، ومن حسن الحظ أن المطلب الدستوري الأمريكي الذي يفصل الدين عن الدولة، لا يصر أيضا على أن تكون الدولة جاهلة للكنيسة والمسجد والكنيس والمعبد. وفي المستقبل يحب ألا يعين سفير أمريكي في بلد تكون المشاعر الدينية فيه قوية ما، ما لم يكن لديه فهم عميق للمعتقدات التي تمارس في هذا البلد.فعلى السفراء وممثليهم أينما كانوا أن يقيموا علاقات مع القادة الدينيين المحليين، وعلى وزارة الخارجية أن تستخدم مجموعة الخبراء في الدين، أو تدربهم لنشرهم في واشنطن والسفارات الرئيسية في الخارج.

++++++++++++++++++++++++++

 

كان هناك دائما مكون ناقص: اليقين 

 

لصنع القرارات الذكية، على القادة الأمريكيين أن يبدأوا بالمعلومات الجيدة. عندما كنت وزيرة للخارجية، كنت أبدأ كل يوم في مطبخي بقراءة الجرائد وأنا أحتسي القهوة، وعندما كنت أصل إلى مكتبي في الطابق السابع من مبنى وزارة الخارجية، تكون على طاولتي رزمة من المعلومات الصادرة عن مكتب الاستخبارات والأبحاث في الوزارة. تميز تحليل المكتب بالجودة في التاريخ والإطار الدبلوماسي لأوضاع معينة: من يفعل ماذا ولمن ولماذا ومنذ متى. بعد ذلك كنت أقرأ نسخة من التقرير اليومي الموجز المرفوع للرئيس، وهو وثيقة عالية السرية، لكنها غير جذابة في معظم الأيام. وفي أثناء القراءة كان مندوب عن “السي، آي، إي” يقف أمامي ويراقبتي فيما لو كان لدي أي سؤال أو طلبات خاصة.

التقرير الموجز اليومي شديد الاقتضاب، وكنت أدرسه لكي أطمئن إلى ما يبلغ به الرئيس، ثم كنت أتصفح نسخة مطولة من المادة نفسها، تدعى التقرير الاستخباراتي الوطني اليومي، وبعد ذلك أتلقى تقريرا موجزاً عن التهديدات الإرهابية المحتملة. ووسط هذا الكم من البيانات، كان هناك مكون ناقص دائماً هو: اليقين. لو كان الاستخبارات جهاز تلفزة، لكانت نموذجا قديما بالأبيض والأسود رديء الاستقبال، بحيث يظهر معظم الصورة رمادية، باهتة وغير مميزة.

يمكنك العبث بالمقابض كما تريد، ولكن يتوقف ما نراه على ما نتوقعه أو نأمل بأن نراه أكثر، مما هو عليه في الواقع.ومع ذلك، كان فريق السياسة الخارجية في إدارة كلينتون، يتخذ القرارات، سواء أكنا واثقين مما نعرفه أم لا، فالأحداث لا يمكن أن تنتظر، بل تكون القرارات الصغيرة نسبيا مهمة، لأننا متى ما بدأنا التحرك في اتجاه ما، تصير العودة صعبة، كل منا أقسم على حماية الدستور وتنفيذ الواجبات، لكن متى يكون لضمائرنا دور وهل لدينا مسؤولية أخلاقية أيضا؟ إن الدين في أحسن الأحوال يعزز القيم الأساسية، لكي يعيش أشخاص من ثقافات مختلفة في قدر من الانسجام.

+++++++++++++++++++++++++++++

 

الدين.. البعد الناقص في فن الحكم 

في سنة 1994 أصدر مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية كتاب: “الدين، البعد الناقص في فن الحكم” ويقدم هذا الكتاب حجة مقنعة بدور الدين في التأثير على السلوك السياسي واستخدام الأدوات الروحية للمساعدة في حل النزاعات. وشكل دوغلاس جونسون، المؤلف المشارك في الكتاب فيما بعد المركز الدولي للدين والدبلوماسية، الذي تابع دراسة ما أسماه “الدبلوماسية القائمة على الدين”، ولعب في الوقت نفسه دورا توسطيا مهما في السودان، وأقام علاقات مفيدة في كاشمير وباكستان والسودان. ويرى جونسون وهو ضابط بحري ومسؤول كبير سابق في وزارة الدفاع، أن الوسيط المستند على الدين لديه وسائل يفتقد إليها الدبلوماسي التقليدي بما في ذلك الصلاة والصوم والغفران والتوبة وإلهام الكتاب المقدس.

قبل نصف قرن رأى والدي حينما كتب عن الحرب الباردة، أننا سواء كنا محافظين أو تقدميين، ديمقراطيين اشتراكيين أم ديمقراطيين اجتماعيين، بيضا أم سودا أم صفرا، يمكننا أن نقبل أن الكرامة الإنسانية واحترام الفرد يجب أن يكونا محور كل شيء، وأنا أومن بذلك أيضا، أن احترام كل فرد هو المكان الذي يرتبط فيه الإيمان الديني والالتزام بالحرية السياسية أوثق ارتباط. والفلسفة القائمة على هذا المبدأ لديها أكبر الإمكانات لنقل الناس من تعارض وجهات النظر، وجمعهم معا لأنها لا تستثني أحدا، ومع ذلك فإنها تتطلب من الجميع النظر في آراء الآخرين واحتياجاتهم.

ومع ذلك يثار السؤال التالي:كيف يمكننا أن نأمل بتوحيد الناس، حول مبدأ كاحترام الفرد يعتبر مفهوما غربيا؟ الجواب بالطبع هو أنه ليس غربيا. فالهندوسية تطلب “ألا يعامل أحد الآخر بما ينفر منه هو نفسه”. وتعلمنا التوراة “أحب جاري كما أحب نفسي”، ولاحظ زرادشت أن “ما أراه خيرا لي، يجب أن يكون خيرا للجميع”. وقال كونفوشيوس “لا تعامل الآخرين بما لا تحب أن تعامل به”، وعلمنا بوذا أن نعتبر الآخرين كأنفسنا، ورأى الرواقيون في اليونان القديمة أن “جميع البشر سواسية في بلاط الحرية العظيم”، ويأمرنا الإنجيل المسيحي بقوله “عامل الآخرين كما تحب أن يعاملوك به”، فيما ينبه القرآن إلى أن المؤمن يحب لأخيه ما يحب لنفسه. وأخيرا الغاية المعلنة من أول قانون معرف في العالم هي “انتصار العدالة وضمان ألا يضطهد القوي الضعيف”. هذا هو نوع النظام القانوني الذي يجب أن يطوره العالم اليوم كهدية لشعب العراق، إنه قانون حمورابي، الهبة التي تلقتها الحضارة قبل أربعة آلاف سنة من بابل القديمة.

++++++++++++++++++++

 

 بوش تجاهل ملاحظاتي والحرب على العراق من أسوأ كوارث السياسة الخارجية 

 

بتجاهل نصيحة الخبراء، قامر الرئيس بوش بغزو العراق، على الرغم من التعقيدات التي يشكلها الدين والتاريخ وغياب مبرر “الحرب العادلة” المقنع، وما نتج عن ذلك من افتقار إلى الدعم الدولي. ولتبرير الرهان، بالغ في المخاطر التي تشكلها الحكومة العراقية، والمنافع التي يحققها إقصاء صدام حسين. والأدهى من ذلك أنه وعد القوات الأمريكية “بتقلص التهديد الإرهابي لأمريكا، والعالم لحظة نزع سلاح صدام حسين”. وتبين في الواقع أن الغزو والاحتلال زادا من ذلك الخطر.

وعلى الرغم من العواقب غير المقصودة للغزو الأمريكي، فإن إدارة بوش تصر أن بوسعها مع ذلك الوفاء بتعهد الرئيس “بجعل الأمور أفضل”. ولسبر أغوار ذلك، حضرت اجتماعا في البيت الأبيض في خامس يناير من سنة 2006 لكل وزراء الخارجية والدفاع السابقين الذين ما يزالون على قيد الحياة. لقد كانت مجموعة مميزة، ولديها ما يكفي من الخبرة لأن تشعر بأنها تتمتع بشيء من الشباب. اجتمعنا في غرفة روزفلت، حيث استمعنا إلى حديث حاسم من الرئيس، أعقبه تقرير عبر الفيديو من سفيرنا في بغداد، ولما تبين أن الفيديو غير مسموع جزئيا، تذكرت كل الأعطال التقنية، التي كانت تقاطع اجتماعاتنا عندما كنت في الحكومة، فحتى في البيت الأبيض في القرن الواحد والعشرين، نتوقع في بعض الأحيان من التكنولوجيا أكثر ما نستطيع الحصول عليه.

وفيما كنا جالسين هناك، وزع الموظفون لدى الرئيس كراسا يعرض اقتباسا متفائلا عن العراق نقلا عن نائب الرئيس، ومجموعة من الأحاديث حول مكاسبنا السياسية والعسكرية في العراق. وبعد تقرير آخر من القائد العسكري الأمريكي في بغداد، منحنا فرصة التحاور مع الرئيس. ناقش وزراء الدفاع السابقون الرئيس وعبروا عن قلقهم بشأن تأثير الانتشار الطويل على قواتنا بالعراق، وحينما حان دوري أشركته قلقي بشأن تراجع الموقف الأمريكي في العالم، ومقدار تزايد صعوبة التعامل مع المخاطر في أماكن أخرى من العالم بسبب العراق. شكرني الرئيس، لكنه تحدى انتقاداتي، وانتقلنا إلى المكتب البيضاوي لأخذ صورة جماعية، كان اجتماعا مهذبا، لكنه لم يكن مثمرا.

كان غزو العراق يهدف إلى إظهار القدرة الأمريكية، ولكنه أثبت بدلا من ذلك حدود تلك القدرة، ومن المفارقات العديدة للسياسة الأمريكية أن إدارة بوش على الرغم من مبادرتها المستندة إلى الدين، ترتاح إلى العمل مع الزعماء العلمانيين، أكثر بكثير من القادة العراقيين الذين يعتبر الدين لديهم مركزيا، وينطبق ذلك حتى إذا كان القادة الدينيون ذوي توجه معتدل ومتقبلين للأهداف الأمريكية على العموم.

وظهر الدليل على ذلك خلال التهييء للجولات الأولى للانتخابات في يناير 2005، فقد عمل المعهد الوطني الديمقراطي الذي أرأسه مع الأحزاب السياسية في العراق بشكل مباشر وهي تحضر لهذا الحدث التاريخي. لكني ذهلت حين علمت بوجود خلاف في وزارة الخارجية الأمريكية بشأن تقديم عشرات الملايين من الدولارات لمساعدةأحزاب علمانية، وماإن علمنا بهذه الفكرة الخطيرة، حتى ذكرت احتجاجات المعهد الوطني الديمقراطي وممثلين عن منظمات أخرى تروج للديمقراطية، إدارة بوش، بأن الهدف الأساسي للسياسة الأمريكية هو مساعدة الشعب العراقي في انتخاب حكومة شرعية وتنصيبها، وإذا ما فضلنا فريقا على آخر سنؤكد كل الشكوك على نوايانا، ونظهر خطابنا عن الديمقراطية بمظهر أحمق، مع إثارة أسئلة جديدة عن موقفنا من الإسلام.

لقد كان إرسال الأمريكيين للقتال والموت في العراق فكرة مثيرة للشكوك، أما أن نطلب منهم تقديم هذه التضحية فيما نقوم نحن بتخريب الديمقراطية فهذا أمر معيب.

ربما يعد غزو العراق وما تلاه من أسوأ كوارث السياسة الخارجية في تاريخ أمريكا. كانت الولايات المتحدة تفتقر إلى “السلطة الصحيحة” للذهاب إلى الحرب ضد العراق، فليس بوسعها الادعاء بأنها عملت على فرض إرادة المجلس القومي الدولي، عندما عارضت أغلبية أعضاء المجلس خطة الرئيس. “أراد بوش إزاحة صدام حسين عن طريق عمل عسكري يبرر الارتباط بين الإرهاب وأسلحة الدمار الشامل، فتم إعداد الاستخبارات بما يتناسب مع السياسة”. وسرعان ما علمنا أنه ليست هناك أسلحة للدمار الشامل.

فقد توقع المسؤولون في الإدارة أن تكون الحرب والانتقال سهلين وغير مكلفين وخاليين من المخاطر، لذلك أهملوا التخطيط لما بعد الحرب. ففي جلسة قبل الغزو، جلست بصبر، فيما كان القادة المدنيون لوزارة الدفاع يشيرون إلى الخرائط ويجملون التوقعات. رفعت يدي ثم سألت: “كل ذلك جيد، لكن أين خططكم لما بعد الحرب؟ وبدلا من الإجابة، أبلغني المسؤولون ألا أقلق.

++++++++++++++++++++++++++

 

 كنت أردد بعد كل اجتماع “عليك تعلم المزيد عن الإسلام”

 

عندما رفعت يدي لأقسم يمين تسلم منصب وزيرة للخارجية، كانت في ذهني لائحة من الأولويات من أبرزها، الرغبة في تقوية الروابط الأمريكية مع العالم الإسلامي. بدا ذلك ضروريا، فللولايات المتحدة مصالح طويلة الأمد تحميها في الشرق الأوسط وجنوب آسيا. وكانت نهاية الحرب الباردة قد وفرت فرصة لإقامة شراكات مع البلدان المستقلة حديثا وذات البعد الاستراتيجي في آسيا الوسطى، وسرعان ما أتاح الانتخاب المفاجئ لرئيس معتدل في إيران احتمال بعث الدفء في العلاقات المتجمدة منذ فترة طويلة مع ذلك البلد. وقدمت دوريات السياسة الخارجية طوال التسعينات من القرن الماضي مقالات حول “المتطرفين الإسلاميين”، فوجدتني في اجتماع إثر اجتماع أخط في دفتر ملاحظاتي”عليك تعلم المزيد عن الإسلام”.

كنت ملمة بعض الشيء بهذا الموضوع بالطبع، ففي العاشرة من عمري كان والدي يعمل كرئيس لبعثة الأمم المتحدة في الهند وباكستان المكلفة بحل وضع كاشمير، وكنت حتى في تلك السن أدرك الوقائع الأساسية، فقد انقسمت شبه القارة الهندية بسبب الدين، حيث أراد زعماء الهند دولة علمانية متعددة الاثنيات، وأراد قادة باكستان بلدا للمسلمين، فعلقت كشمير بين الاثنين. حدث ذلك قبل ستين سنة.

لم يكن هناك كثير من المسلمين في “دنفر” حيث قضيت سنين مراهقتي، لكن والدي كان قد أنشأ صداقات خلال عمله في الأمم المتحدة، وقد قدم بعضهم لزيارته، ومنهم على وجه الخصوص السيد ظفر الله خان وهو وزير خارجية سابق لباكستان، أعجبت به لأنه كان وقورا، وواسع الاطلاع وجذابا. وعندما اصطحبني إلى الفطور ذات صباح، أشارت زميلاتي في الصف اللواتي حسدنني إلى أنه بوسعه اختيار زوجة ثانية مع الاحتفاظ بالأولى، غير أن ما أثر في عند الحديث معه عن كشمير، هو كم يمكن أن تتعقد الحياة عندما يذكي الدين والوطنية النزاع ويكون كل جانب مقتنعا بأنه يملك الحقيقة وحده.

جلست في وزارة الخارجية بعد مرور سنين طويلة، وفكرت في السيد ظفر الله، وكيف بدا خارج المكان في “دنفر”.والحقيقة أنه سيبدو غريبا تقريبا في وزارة الخارجية في سنة 1997 أن ليس لدينا مسلمون يتولون مناصب عالية، فقط يشغلون مناصب متوسطة المستوى. فقررت أن علينا تحسين اتصالاتنا، ولهذه الغاية راجعت كل شيء من استخدام الموظفين وتدريبهم، إلى إدراج العطل الإسلامية إلى جانب العطل اليهودية والمسيحية في تقويمنا الرسمي، وبدأنا سلسلة من المباحثات مع ممثلين عن المسلمين الأمريكيين، ودعوناهم في أثناء شهر رمضان إلى مأدبة إفطار ضيوفا على وزارة الخارجية. ووضعنا أيضا دليلا تعريفيا عن الإسلام يكون متاحا أمام الأشخاص الذين يسافرون لمصلحة الولايات المتحدة الأمريكية إلى بلدان ذات غالبية مسلمة.

 

+++++++++++++++++++++++++++++

 

هفوتي في تبرير العقوبات على العراق

 

أثناء تولي منصب وزيرة للخارجية الأمريكية، كان العراق ينطوي دائماً على الاختيار بين شرين، وفيما كنت أحاول تفسير سياستنا، قلت للأسف شيئا دفع العديدين للتساؤل كيف يمكنني أن أتجرأ على تأليف هذا الكتاب. ذلك أن صحافيا كان قد سألني ما إذا كانت المحافظة على العقوبات مهمة جدا لتبرير موت العديد من الأطفال العراقيين نتيجة لذلك، فترددت ثم أجبت: ذلك خيار صعب جدا، لكن نعتقد أن ذلك يستحق هذا الثمن”.فقد كان يجب أن أقول: بالطبع لا، ذلك ما يدفعنا إلى القيام بكل ما يمكن، لكي يحصل العراق على كل ما يحتاج إليه من أموال لشراء الدواء والغذاء”.ولأن فمي كان أسرع من عقلي، فقد ظهرت بمظهر القاسية وعديمة الإحساس.

 

++++++++++++++++++++++++

 

عندما قالت الملكة نور إن المرأة المسلمة سبقت المرأة الأمريكية في الحصول على الحقوق

 

أشارت نور ملكة الأردن إلى أن”القليل من الغربيين يدركون أن الإسلام في القرن السابع منح النساء حقوقا سياسية وقانونية واجتماعية، لم يكن الغرب قد سمع بها. حقوقا كانت النساء في الولايات المتحدة وسواها يكافحن للحصول عليها.، لقد أقام الإسلام باكرا هذه الحقوق، مثل حق المساواة في التعليم، والتملك والمتاجرة، وعدم الإكراه على الزواج، وعلى تساوي النساء والرجال أمام الله، وذلك فيما كانت بقية العالم، تعتبر النساء مجرد متاع منقول”.

وليس هناك شيء في القرآن- تشير أولبرايت – يمنع المرأة من التصويت في الانتخابات أو قيادة السيارة أو الاختلاط بالرجال في الأماكن العامة أو العمل خارج البيت. (فقد كانت زوجة النبي الأولى امرأة أعمال ناجحة) وقد انتخبت البلاد التي تضم أكبر أعداد من المسلمين، أندونيسا والهند وباكستان وبنغلاديش وتركيا، أنثى رئيسة للوزراء، وهذا امتياز لا تستطيع الولايات المتحدة ادعاءه.

تاريخ الخبر: 2022-03-24 12:19:10
المصدر: الأيام 24 - المغرب
التصنيف: سياسة
مستوى الصحة: 64%
الأهمية: 73%

آخر الأخبار حول العالم

تراجع جديد في أسعار الحديد اليوم الخميس 2-5-2024 - اقتصاد

المصدر: الوطن - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-02 06:21:03
مستوى الصحة: 53% الأهمية: 54%

مع مريـم نُصلّي ونتأمل (٢)

المصدر: وطنى - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2024-05-02 06:21:50
مستوى الصحة: 60% الأهمية: 50%

المزيد من الأخبار

مواضيع من موسوعة كشاف

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

تحميل تطبيق المنصة العربية