بروكسل عاصمة لقمم ثلاث... في ظل تصعيد لم تعرفه أوروبا منذ نهاية الحرب الثانية


بعد شهر بالتمام على بداية الغزو الروسي لأوكرانيا تحوّلت بروكسل، اليوم الخميس، إلى عاصمة للدبلوماسية الدولية باستضافتها ثلاث قمم متزامنة للحلف الأطلسي ومجموعة الدول الصناعية السبع والاتحاد الأوروبي مخصصة لاتخاذ تدابير جديدة ضد روسيا والتأهب لمواجهة التصعيد المرتقب في العمليات العسكرية التي لم تشهد لها أوروبا مثيلاً منذ نهاية الحرب العالمية الثانية.

وكان الأمين العام للحلف الأطلسي ينز ستولتنبرغ صرّح قبيل الجلسة المغلقة للقمة التي بدأت في العاشرة قبل الظهر: «إن الحلفاء عازمون على مواصلة تشديد العقوبات ضد روسيا لإنهاء هذه الحرب الوحشية والدفاع عن وحدة أراضي أوكرانيا التي تناضل قواتها المسلحة ومقاومتها من أجل حريتها وحقوقها».

وكانت الحرب المستعرة في أوكرانيا فرضت على الحلف الأطلسي تعديل خططه لاختيار خلف للأمين العام الحالي الذي قررت القمة تمديد ولايته حتى نهاية سبتمبر (أيلول) من العام المقبل. ويذكر أن البديل في منصب العام كان محسوماً بعد اختيار ستولتنبرغ لرئاسة المصرف المركزي في بلاده النرويج، حيث سبق له تولّي وزارة المال ورئاسة الحكومة. وكان من المفترض أن تنتخب القمة الأطلسية المقررة في مدريد مطلع الصيف المقبل الأمين العام الجديد الذي تتوافق آراء الدول الأعضاء لتتولاه امرأة للمرة الأولى منذ تأسيسه. ومن الأسماء المتداولة رئيسة الوزراء البريطانية السابقة تيريزا ماي والمسؤولة السابقة عن السياسة الخارجية الأوروبية الإيطالية فيديريكا موغيريني ووزيرة الدفاع الألمانية السابقة آنيغريت كرامب كارينباوير.

وفيما كانت القوات الروسية تواصل سياسة الأرض المحروقة في المدن الأوكرانية وتواجه هجمات مضادة على عدة جبهات، أفاد صندوق الأمم المتحدة لإغاثة الطفولة «يونيسف» بأن 4.3 مليون طفل أوكراني قد نزحوا حتى الآن هرباً من المعارك، وأن هذا العدد مرشح ليتضاعف في الأسابيع المقبلة، فضلاً عن أكثر من نصف مليون طفل لاجئ في البلدان الأوروبية. وكانت اللجنة الدولية للصليب الأحمر أعلنت عن تجهيز عشرة آلاف سرير في المستشفيات الأوروبية لمعالجة اللاجئين المصابين بأمراض مزمنة، فيما حذّر برنامج الغذاء العالمي من حدوث مجاعة بين السكان الباقين في أوكرانيا، وأيضاً في بعض البلدان التي تعتمد بنسبة عالية على صادرات المواد الغذائية الأوكرانية.

أكثر المتحمسين لفرض المزيد من العقوبات على روسيا كان رئيس الوزراء البريطاني الذي قال لدى وصوله إلى القمة: «بقدر ما تكون العقوبات شديدة، بقدر ما نساعد أوكرانيا ونتمكن من تقصير هذه الحرب». وتساءل جونسون: «ماذا بوسعنا أن نفعل لمنع روسيا من استخدام احتياطها من الذهب والعملة الصعبة؟»، ليؤكد بعد ذلك أن الرئيس الأميركي جو بايدن كان على حق عندما قال إن روسيا ترتكب جرائم حرب في أوكرانيا.

ويأتي قرار القمة الأطلسية بنشر أربعة فيالق جديدة على الجبهة الشرقية القريبة من مسرح المعارك في بلغاريا ورومانيا والمجر وسلوفاكيا، ليعزّز قوات الحلف المنتشرة حالياً في بولندا واستونيا ولاتفيا وليتوانيا ويرفع عديدها إلى 40 ألفاً، فضلاً عن وجود أكثر من 100 ألف جندي أميركي في القارة الأوروبية تدعمهم خمس حاملات طائرات مع تشكيلاتها المواكبة في البلطيق والبحر المتوسط.

لكن رغم أن الدول الغربية تتحرّك منذ اندلاع الأزمة على إيقاع الإدارة الأميركية، خصوصاً بالنسبة للعقوبات الاقتصادية والمساعدات العسكرية إلى أوكرانيا، إلا أن الحلفاء الأوروبيين ما زالوا يقاومون رغبة واشنطن في فرض حظر شامل على صادرات الغاز والنفط الروسية وتجفيف مصادر التمويل الخارجي التي تعتمد عليها موسكو.
https://twitter.com/aawsat_News/status/1503764207526834180

الإجماع بين الحلفاء الغربيين على الجبهة العسكرية وزيادة المساعدات للقوات المسلحة الأوكرانية يقابله تباين واضح في المواقف الأوروبية من حزمة العقوبات الاقتصادية، وبخاصة ما يتصل منها بإمدادات الطاقة التي تعتمد عليها بعض بلدان الاتحاد، مثل ألمانيا وإيطاليا وهولندا والمجر، بنسبة عالية. وكان المستشار الألماني شولز أوضح مؤخراً أن بلاده تعارض فرض حظر على صادرات الغاز والنفط الروسية، لكنها ستكثّف جهودها للحد من الاعتماد على الإمدادات الروسية. في المقابل، تعتبر بلدان أخرى مثل بولندا ودول البلطيق أن الوقت قد أزف لتضييق الخناق الاقتصادي على نظام بوتين وفرض حظر شامل أو جزئي على صادراته النفطية، بينما ترى مجموعة أخرى من الدول أنه من المستحسن التريّث والتدرّج في العقوبات وفقاً لتطورات الأزمة. وتعتبر هذه المجموعة الأخيرة التي تشكّل فرنسا وإسبانيا نواتها، أن دفع دولة بحجم روسيا إلى الانهيار الاقتصادي والفوضى السياسية من شأنه أن يخلخل الاستقرار في القارة الأوروبية.

وتقول مصادر أوروبية إن الأولوية الآن هي لتطبيق العقوبات الاقتصادية ومنع روسيا من الالتفاف عليها بمساعدة أطراف ثالثة، خاصة أن المؤشرات الأولى على تأثير هذه العقوبات بدأت تظهر مؤخراً في انهيار قيمة الروبل واضطرار المصرف المركزي الروسي إلى رفع أسعار الفائدة على الودائع بنسبة 20 في المائة وإغلاق بورصة موسكو منذ نهاية الشهر الماضي ثم فتحها مجدداً أمس الأربعاء لفترة وجيزة. ويعتبر المسؤولون في المفوضية الأوروبية أنه بعد التصعيد العسكري الروسي واستهداف المدنيين والتهديد باستخدام السلاح النووي، بات من الصعب جداً الحفاظ على علاقات تجارية طبيعية مع موسكو في القريب المنظور.

وتجدر الإشارة أن المفوضية الأوروبية كانت وافقت منذ يومين على مشروع قرار لعرضه على القمة، يقضي بإلزام شركة «غازبروم» الروسية بيع مراكز تخزين الغاز التي تملكها في أوروبا، والتي تحوي نصف الاحتياط الأوروبي، إذا أبقتها فارغة كما فعلت قبل بداية الحرب.

ومع ارتفاع الضغوط لوقف استيراد النفط الروسي الذي يغطّي ثلث الواردات الأوروبية، يستبعد المسؤولون في المفوضية التخلي عن استيراد الغاز الروسي في الوقت الحاضر، نظراً لاعتماد بعض البلدان الأوروبية الوازنة عليه بنسبة عالية.

لكن جبهة الطاقة ليست هي الوحيدة التي تقلق الأوروبيين، فإذا كانت روسيا هي المحطة الرئيسية للتزود بالوقود بالنسبة للاتحاد الأوروبي، فإن أوكرانيا هي مخبز هائل يمدّ السوق العالمية بما يزيد على 10 في المائة من القمح، كما أن عدداً من البلدان في أفريقيا والشرق الأوسط يستورد نصف احتياجاته من الحبوب من السوق الأوكرانية التي تحتل المركز الرابع بين مصدّري المواد الزراعية الغذائية إلى الاتحاد الأوروبي، وتغطّي 52 في المائة من صادرات الذرة و19 في المائة من القمح و23 في المائة من الزيوت النباتية إلى السوق الأوروبية.

ويذكر أن نائب رئيس المفوضية للشؤون الاقتصادية فلاديس دومبروفسكي كان اتهم روسيا بتعمد استهداف مخازن الاحتياط الغذائي في أوكرانيا، فيما شبّه مفوّض الشؤون الزراعية الاعتداء الروسي بالطرق التي كان يستخدمها الجيش السوفياتي في ثلاثينيات القرن الماضي على عهد ستالين للتسبب في مجاعة قضت على حياة أكثر من مليون شخص. وصرّح مصدر في المفوضية أن الاتحاد الأوروبي لا يواجه نقصاً في المواد الغذائية بفضل اكتفائه الذاتي من المنتوجات الزراعية، لكنه اعترف بأن ارتفاع أسعار المحروقات والمواد الزراعية من شأنه أن يشكّل عائقاً في وجه حصول الطبقات الفقيرة على الغذاء الكافي.

وتنبّه المفوضية في تقريرها المعروض على القمة بأن الاتحاد يواجه تحدياً إضافياً لإطعام اللاجئين الأوكرانيين الذين تجاوز عددهم 3.7 مليون في أقل من شهر واحد، والذين تراجع معدل تدفقهم من 200 ألف يومياً إلى أن يعود إلى الارتفاع مع احتدام المعارك. وتفيد تقارير المفوضية بأن حوالي مليونين من هؤلاء اللاجئين غادروا البلدان التي دخلوها عند خروجهم من أوكرانيا ليواصلوا طريقهم إلى دول الاتحاد الأخرى التي سيضطر جميعها تقريباً إلى استقبال هذا النزوح الذي قد يتضاعف في الأشهر المقبلة.

في موازاة ذلك، أعلن مصدر رسمي أميركي يشارك في القمة الأوروبية أن واشنطن على استعداد لاستقبال مائة ألف لاجئ من أوكرانيا كحد أقصى، مع إعطاء الأولوية لأولئك الذين لهم أقارب يقيمون بصورة شرعية في الولايات المتحدة، وأنها ستتبرّع بمبلغ مليار دولار إضافية كمساعدات إنسانية.

وبعد ساعات قليلة من إعلان الحلف الأطلسي أن الدول الأعضاء تعهدت تخصيص 2 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي للإنفاق العسكري، قال البابا فرنسيس من روما إنه يشعر بالخجل عندما يسمع أن مجموعة من البلدان ستخصص هذه النسبة من ثرواتها القومية على التسلّح ردّاً على ما يحصل. وإذ وصف البابا هذا القرار بأنه «ضرب من الجنون»، قال: «إن هذه الحرب ولدت من ثقافة السلطة باعتبارها تسلّطاً وتعسّفاً، وبالتالي فإن الرد ليس بمزيد من الأسلحة والأحلاف العسكرية السياسية، بل بمقاربة مختلفة لإدارة العالم والعلاقات الدولية».


تاريخ الخبر: 2022-03-25 00:24:03
المصدر: ألشرق الأوسط - السعودية
التصنيف: سياسة
مستوى الصحة: 88%
الأهمية: 88%

آخر الأخبار حول العالم

الأمم المتحدة تحذر من هجوم إسرائيلي "وشيك" على رفح بجنوب قطاع غزة

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-01 12:26:20
مستوى الصحة: 59% الأهمية: 61%

المنتخب المغربي يتوج بلقب البطولة العربية لكرة اليد للشباب

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-01 12:25:49
مستوى الصحة: 56% الأهمية: 50%

المنتخب المغربي يتوج بلقب البطولة العربية لكرة اليد للشباب

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-01 12:25:57
مستوى الصحة: 55% الأهمية: 57%

الأمم المتحدة تحذر من هجوم إسرائيلي "وشيك" على رفح بجنوب قطاع غزة

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-01 12:26:16
مستوى الصحة: 52% الأهمية: 65%

توقعات أحوال الطقس اليوم الأربعاء

المصدر: موقع الدار - المغرب التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2024-05-01 12:25:10
مستوى الصحة: 57% الأهمية: 66%

المزيد من الأخبار

مواضيع من موسوعة كشاف

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

تحميل تطبيق المنصة العربية