عزيزي القاريء يسعدني أن أستكمل معك تأملاتي في معاني كلمات وموسيقى ونغمات لحن فاي إيطاف إينف. لحن الصليب العجيب. وقد شرحت في المقال السابق، 5 أقسام من 9 أقسام يتكون منها اللحن، فدعنا الأن نستكمل الأربعة أقسام الأخيرة منه.

6. التمهيد لكلمة الصليب:

مما لا شك فيه أن اللحن بالكامل هو للصليب، لكن عند إقتراب النطق بكلمة الصليب كان يجب أن يمهد اللحن لها بأسلوب مختلف، فهى كلمة عند النطق بها ترتعد الشياطين. لذلك فاللحن عند كلمة “هيجين بي استافروس” ومعناها “على الصليب” يبدأ بتحويل المقام ودرجة الإستقرار لتكون على نغمة “لا”. وتظهر نغمة “دو نصف دييز” لأول مرة فى اللحن لتُشكل تأثيراً غريبا جميلاً مع إنخفاض مفاجئ عند كلمة هيجين، التى بأسلوب الميليسما تمتد ليتأخر النطق بكلمة الصليب عن عمد. ثم فى منتصف كلمة هيجين يحدث تحول موسيقى آخر فتظهر الى جوار نغمة “دو نصف دييز”، نغمة أكثر غرابة هى” سى نصف دييز” وتتلاحم النغمات الغريبة فى سلالم منخفضة لتمهد للنطق بكلمة “استافروس” ولتُعبر السلالم المنخفضة عن الفترة التى يتم تجهيز الصليب فيها على الأرض تمهيدا لرفعه على الجلجثة.

7. التعبير عن كلمة الصليب نفسها:
ما هذه الجملة العجيبة التى تصرخ فى تَقّطُع، إنها تصور الصليب وهو يُرفع بعد أن علقوا المخلص عليه لتنظره كل عين، فاللحن يرتفع ويحتد ويتقطع، وكأنه يصور صراخ السيد المسيح على الصليب وهو يقول تارة “إيلى إيلى لما شبقتنى” (مت 46:27)، وتارة أخرى عندما صرخ الى ألآب وقال “قد أكمل”، وأخرى عندما “صرخ بصوت عظيم وأسلم الروح”.

وظهور نغمة “فا نصف دييز” الغريبة أيضا أعطت لونا وطعما لكلمة الصليب مختلفا عن اللحن بأكمله،لتخص الخشبة المقدسة بنغمة خاصة.

8. التعبير عن خلاص جنسنا:
الجملة “خا إب أوجاى إمبنجينوس” جاءت بصيغة تحمل العتاب أو الأسى. مما لا شك فيه أن خطاياناهي التي سببت لفادينا الحبيب كل هذه الآلام. وفى نفس الوقت جاءت بطيئة لتعبر عن موت السيد المسيح عندما قال: ” يا أبتاه فى يديك أستودع روحى” إنه التسليم الكامل للنفس، الراحة والإطمئنان، إذ أسلم نفسه، وأصعد ذاته بإرادته الكاملة على الصليب.

وربما جاءت هكذا لتعبر أيضاً عن الظلمة التى كانت على الأرض كلها. لكن على كل حال لم تكسرالتصعيد النغمى، ولم تؤثر بالسلب على السياق اللحنى، فهى برغم ما تحمله من عتاب أو أسى، إلا انها قوية ثابتة،ليست فى الطبقات المنخفضة التي تم سماعها فى الجزء الأول من اللحن، بل على العكس كان لها دور محورى فى ربط متن اللحن بخاتمة وذروته.

9. ذروة اللحن ونهايته:
وينتهى اللحن نهاية قوية حيث تزداد سرعته فجأة بعد البُطئ الشديد الذى حدث بالجملة السابقة، إنها ذروة اللحن، إنه الهدف وقد تحقق، إنه الخلاص وقد تم وإشتمه أبوه الصالح وقت المساء على الجلجثة.

لقد إنشق حجاب الهيكل من وسطه من فوق الى أسفل، وهو الذى كان يفصل القدس عن قدس الأقداس ليُظهر ما كان مخفيا ورائه.

والأرض تزلزلت، لتبتلع الأشرار قساة القلوب، والصخور تشققت، لكى تنطق بمجد الرب إذ مكتوبٌ:”إن سكت هؤلاء فالحجارة تنطق” ، والقبور تفتحت وقام كثير من أجساد القديسين.

إنها ذروة اللحن، وغاية الصليب هو خلاص جنسنابالذبيحة التى قدمها المسيح بذاته فاشتمها أبوه الصالح وقت المساء على الجلجثة.

تأمل:-

إلهى .. يامن أصعدت ذاتك بإرادتك، لتقدمها ذبيحة مقبولة على الصليب، ليس أحد فى العالم يستطيع أن يقدم مثل هذه الذبيحة. لذلك إقبل ذبيحة تسبيحى بهذا الحن “فاى ايطاف إينف”، فهو يخرج من قلب يحبك ومن شفاه تتلذذ بتسبيحك.

إجعل نغماته تتسمر فى قلبى ولحمى، كما تسمر جسدك الطاهر على خشبة عود الصليب. وعندما تنخفض نغماته، إجعلني أنخفض معها إلى قبرك المقدس لأُمات معك كل النهار.

وعندما تتصاعد نغماته العذبة فتأخذنى معها الى العلو، عندئذٍ، ينشق داخلى كل حاجز يفصلنى عنك، ويتزلزل جسدى الخامل، ليطرد خارجه كل خطيئة، ويتشقق قلبى المتحجر، لينطق بمجدك كما نطقت الحجارة عند موتك المقدس، فأقوم من رقاد الكسل لأرنم قائلا لحن الصليب “فاى إيطاف إينف”.

عزيزي القارئ بركة الصليب تعطيك القوة، وبركة لحن الصليب تملأ كيانك بالنقاوة والحب، وإلى أن نلتقي في الغوص في لحن آخر، أتركك تستمتع بهذا اللحن العجيب، لحن الصليب “فاي إيطاف إينف”.

الجزء الأول من هذا اللحن:

تأملات فى لحن الصليب “فاى إيتآف إينف” (١)

ولمتابعة اللحن اسمع وشاهد الفيديو التالي: