وجعلت قرة عيني في الصلاة


بقلم: شيماء زرايدي

أجساد حاذت بين المناكب وأرواح تسامت إلى سابع السماوات؛ إنه موعد ليس كباقي المواعد، موعد تقف فيه بين يدي الخالق عز وجل ملك الملوك خمس مرات في اليوم كيفما كانت حالتك فرحا حزينا مبسوطا مهموما قويا ضعيفا. يقبلك جل جلاله كيفما أنت فيقول أسجد واقترب.

 وصال ليس كباقي الوصل تعود منه محملا بالمدد الإلهي. كرب قد فرجت بعد إلحاحك، هموم قد أزيحت بالدموع المنسكبة على الوجنتين تذللا وانكسارا أمام الذي لا يزيدك التذلل أمامه سوى عزة وقوة في الحياة الدنيا ورفعة في الآخرة. عبادة ليست كباقي العبادات رفعها الإسلام وعظم قدرها وأعلى مكانتها فهي عمود الدين وعماده؛ بها تشيد صرح نهضتك الإيمانية فإذا صلحت صلح سائر العمل وإذا فسدت فسد سائر العمل: عن أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: “إِنَّ أَوَّلَ مَا يُحَاسَبُ بِهِ الْعَبْدُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ عَمَلِهِ صَلَاتُهُ فَإِنْ صَلَحتْ فَقَدْ أَفْلَحَ وَأَنْجَحَ وَإِنْ فَسَدَتْ فَقَدْ خَابَ وَخَسِرَ، فَإِنْ انْتَقَصَ مِنْ فَرِيضَتِهِ شَيْءٌ قَالَ الرَّبُّ عَزَّ وَجَلَّ: انْظُرُوا هَلْ لِعَبْدِي مِنْ تَطَوُّعٍ فَيُكَمَّلَ بِهَا مَا انْتَقَصَ مِنْ الْفَرِيضَةِ؟ ثُمَّ يَكُونُ سَائِرُ عَمَلِهِ عَلَى ذَلِكَ” .

الصلاة جماعة وانجماع على الله

“تجمع الصلاة المسلمات والمسلمين فتعطي الجسم قبلة، وللقلب محط أشواق ، وعبادة وللوقت نظام، يخرج المصليات والمصلين من زمن سائب تائه الى زمن معالمه أوقات الصلاة، فنهار المصليات وليلهم يوم محكوم له معنى يتجاوز أليات المعاش الجسمي ووتائره” .

أجساد تجتمع على العبادة في بيت العبادة فتنتعش الأرواح وتنتقل من زمن العادة إلى زمن العبادة، ومن غفلات الأزمان وشهوات الدنيا إلى تلبية نداء رب السموات. أساس هذه العبادة هو الخشوع فيها الذي لا يأتي إلا بالانجماع على الصلاة وأدائها جماعة حيث إنّ الله عزّ وجلّ جعل ثواب أدائها في جماعةٍ مضاعفاً عن أدائها منفرداً، وقد بيّن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم أنّ الصلاة في جماعةٍ يزيد أجرها عن الصلاة منفرداً بدرجاتٍ عديدةٍ، من ذلك أنّه قال عليه السّلام: “صلاةُ الرجلِ في الجماعةِ تُضَعَّفُ على صلاتِه في بيتِه، وفي سُوقِه، خمسًا وعشرين ضِعفًا، وذلك أنّه: إذا توضَّأَ فأحسَنَ الوُضوءَ، ثم خرَج إلى المسجدِ، لا يُخرِجُه إلا الصلاةُ، لم يَخطُ خُطوَةً، إلا رُفِعَتْ له بها درجةٌ، وحُطَّ عنه بها خَطيئَةٌ، فإذا صلَّى، لم تَزَلْ الملائكةُ تصلي عليه، ما دام في مُصَلَّاه: اللهم صلِّ عليه، اللهم ارحَمْه، ولا يَزالُ أحدُكم في صلاةٍ ما انتَظَر الصلاةَ”. ولا ينبغي للمسلم أن يتخلّف عن صلاة الجماعة طالما أنّه سمع النداء للصلاة.

الصلاة أمانة

روي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه كان كلما دخل عليه وقت الصلاة اصفر مرة واحمر أخرى، فقيل له في ذلك، فقال: “أتتني الأمانة التي عرضت على السموات والأرض والجبال فأبين أن تحملنها وأشفقن منها وحملتها ولا أدري أسيء فيه أم أحسن”.

فهي نور العبد إذا حافظ عليها جزي وكفي؛ عن أبي مالك الأشعري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “الطهور شطرُ الإيمان، والحمد لله تملأ الميزانَ، وسبحان الله والحمد لله تملآن – أو تملأ – ما بين السماوات والأرض، والصلاة نور، والصدقة برهان، والصبر ضياء، والقرآنُ حُجَّة لك أو عليك، كلُّ الناس يغدو فبائعٌ نفسَه، فمعتِقُها أو مُوبقُها” .

ويجب أن تُؤَدَّى الصلاة في أوقاتها المحدَّدة شرعًا؛ قال تعالى: إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا ، وأداء الصلاة في وقتها مِن أحبِّ الأعمالِ إلى الله؛ عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: سألتُ النبي صلى الله عليه وسلم: “أيُّ العملِ أحبُّ إلى الله؟ قال: “الصلاةُ على وقتها”.

الصلاة مكيال

وروي عن سالم بن أبي الجعد قال: “قال الصلاة مكيال فمن وفى وفي له ومن طفف فقد علمتم ما قال الله في المطففين”. ذاك الموعد الذي ليس كباقي المواعد تعود منه أيها العبد محملا بفضائل أكثر من أن تحصى فهي كفارة للخطايا والذنوب قال تعالى: وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ ، وعن أبي هريرة رضي الله عنه؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “أرأيتُم لو أن نهرًا بباب أحدِكم يغتسلُ منه كلَّ يوم خمسَ مرات، هل يبقى مِن درنه شيءٌ؟”، قالوا: “لا يبقى مِن درنه شيء”، قال: “فذلك مثل الصلواتِ الخمس، يَمْحُو اللهُ بهن الخطايا”

هي موعد العبد وربه يناجيه ويدعوه ويتضرع إليه، لأن الصلاة فلاح؛ فيها ركوع وسجود ووقوف تكبير وحمد وشكر ودعاء.

أنت الواقف بقلب مكسور وظهر مثقل بالهموم، والدمع انسكب مدرارا على الوجنتين وأنت تناجي ربك “الله أكبر” أكبر مني ومن ضعفي ومن همي ومن كربتي ومن ألمي وسقمي وشدتي. وكلك يقين أنها مغسلة للروح ومطهرة للقلب. ثم تركع بكل انكسار وتذلل وأنت تدرك أنه ذل العزة وانكسار الرفعة والفلاح  مرددا: “سبحان ربي العظيم” فترجو أن تكون قد أديت ولو القليل من الأمانة التي وكِّلَت إليك فتقوم “ربنا ولك الحمد” مهما تكالبت علينا الهموم واشتدت علينا الأوجاع وضاقت بنا الأرض بما رحبت؛ ربنا ولك الحمد حتى ترضى وإذا رضيت وبعد الرضى.

 بعدها تفتح لك الأرحب فاسجد واقترب؛ تسجد فتناجي وتتذلل وتلح وتطلب وترغب من رب الطلبات ومحقق الرغبات ومضمد الجراح وجابر الخواطر مسكن الأرواح، هو الذي يعلم ما بك فيرحم ضعفك ويقبل توبتك ساعة الغنائم فطلب مناك العالي فهو رب المعالي، فمهما طال اللقاء عظمت الأماني حان الفراق ليتجدد اللقاء في موعد أخر. أجلس وأدِّ حق السلام لرب السلام كما كان لقاء سيد الخلق وحبيب الحق عليه أفضل الصلوات مع ربه عز وجل في رحلة المعراج بين حمد ربه بأخْير المحامد ويدعوه بأكرم الأدعية تأدبا في حضرة ملك الملوك “التحيات لله، الزكيات لله، الطيبات الصلوات لله”. هو لقاء الأحبة فاختر له أحسن الألفاظ وأمتعها لكل محب سر في مخاطبة محبوبه “السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته” فما جزاء الإحسان إلا الإحسان.


[1] رواه أبو داود (864)، والترمذي (413)، والنسائي (465) وصححه الألباني.
[2] ياسين عبد السلام، تنوير المؤمنات، ص 293 و294.
[3] متفق عليه عن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعًا.
[4] رواه مسلم.
[5] النساء: 103
[6] الحديث رواه البخاري.
[7] هود: 114
[8] أحرجه الشيخان.
تاريخ الخبر: 2022-03-27 18:20:16
المصدر: الجماعة.نت - المغرب
التصنيف: سياسة
مستوى الصحة: 50%
الأهمية: 51%

آخر الأخبار حول العالم

الركراكي يحظى باستقبال خاص في مقر نادي إشبيلية

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-07 15:25:43
مستوى الصحة: 52% الأهمية: 54%

الركراكي يحظى باستقبال خاص في مقر نادي إشبيلية

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-07 15:25:52
مستوى الصحة: 47% الأهمية: 50%

المزيد من الأخبار

مواضيع من موسوعة كشاف

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

تحميل تطبيق المنصة العربية