بعد ترويض “موقف مدريد”.. هل تخطط المملكة المغربية لاستصدار موقف أوروبي موحد من الصحراء المغربية ؟


ثمة تطورات مهمة جرت على نسق زمني أفضت إلى تحول مفصلي في سياسة المغرب الخارجية تجاه عواصم الدول الأوروبية التي استندت طيلة عقود في ميزان القوى مع المغرب إلى توظيف ورقة الصحراء المغربية لكسب نقاط دبلوماسية، بيد أن هذا المنحى “ينحو إلى الزوال ” بعدما انتهجت الرباط ضغوطا دبلوماسية على شركائها في أوروبا من خلال تنويع شركائها وتقوية أبعادها الإستراتيجية التي أكدت محورية الرباط في الإمتداد الإقتصادي والسياسي أو الأمني سواء على مستوى الداخل الإفريقي أو في الإمتداد الأوروبي.

 

“دبلوماسية هجومية بطابع الندية” تدفع “الخصوم” إلى خارج المنطقة الرمادية، هدف سعى إليه المغرب من خلال علاقاته سواء مع ألمانيا أو اسبانيا، ومن خلالهم كيان الإتحاد الأوروبي ومؤسساته، وهو ما تكشف من قرار حكومتي البلدين بدعم تاريخي وغير مسبوق للمقترح المغربي للحكم الذاتي في الصحراء المغربية، مايعني بالنسبة لهم نقطة نهاية للأطرحة الإنفصالية التي وظفت لعقود لجر المغرب نحو منطقة “الإضعاف والإبتزاز السياسي”.

 

برلين-الرباط

 

مارس 2021، المغرب يدعو كل الهيئات الحكومية إلى الامتناع عن التعاون والاتصال بالسفارة الألمانية والمنظمات السياسية الألمانية، و في 6 ماي من نفس السنة، يقرر استدعاء زهور العلوي، سفيرته في برلين، للتشاور بسبب “المواقف العدائية التي تنتهك المصالح العليا للمملكة”، في إشارة إلى موقف ألمانيا من ملف الصحراء المغربية. حيث جرت ألمانيا كثيرا إلى ثني واشنطن عن الإعتراف بمغربية الصحراء، إلى جانب تملصها من اتفاقات أمنية ملزمة للطرفين ..إلى غيرها من الملفات التي وقفت حجر عثرة في تطبيع العلاقات، إلى أن أن صعدت الحكومة الألمانية الجديدة وإعلانها الصريح بدعم المغرب في مقترح الحكم الذاتي وبالتالي بحث افق تطوير العلاقات وفق “منطق الندية”.

 

وعن علاقات البلدين يقول أحمد بالعايدي، الباحث في العلاقات الدولية، إن إقدام الرباط على استدعاء سفيرته في برلين هي خطوة دبلوماسية عادية في العلاقات بين الدول ولا تدخل في خانة قطع العلاقات عكس ما جرى مع اسبانيا، وإنما هي بمثابة خطوة من إجل إيجاد حل للمشاكل المتعددة التي تراكمت وتجمعت ترسباتها في ميزان العلاقات بين الجانبين انطلاقا من عداء قوى داخل النسق السياسي الألماني للمغرب، لاسيما في قضية وحدته الترابية، مؤكدا أن  “ما زاد الوضع تأزما وقتها،  اعتراف الولايات المتحدة الأمريكية بسيادة المغرب على صحرائه، هذا خلق نوع من الرجة داخل المعسكر المعادي للمملكة، وبالتالي المغرب بما أنه صاحب حق اعتمد على أوراق دبلوماسية دفع بها صانع القرار الألماني إلى اتخاد القرار وفق مايره مناسب بعدما عبرت الرباط بصريح العبارة عن عن رفضها لتوجه الحكومة الألمانية المتماهي مع الأطروحة الإنفصالية”.

 

وهنا يجب التذكير، وفق الخبير في العلاقات الدولية خلال حديثة ل”الأيام 24″  أن ألمانيا طالما كانت معنية بمشكل الصحراء المغربية على اعتبار أنها شاهدة تاريخيا على مؤتمر برلين سنة 1884 ومطلعة جيدا على بنود اتفاقية باريس ومدريد عام 1902 و 1904 التي قسمت بموجبها أراضي المملكة، ومن هنا الدبلوماسية المغربية كانت حريصة في تعاملها مع برلين إلى إلزامها على الأقل الحياد الإيجابي وأن لا تحاول التأثير على قرارات الدول الأخرى السيادية كما حصل إبان اعتراف واشنطن بمغربية الصحراء ودعوتها لإجتماع طارئ لمجلس الأمن.

 

وبغض النظر عن المصالح المشتركة اقتصاديا وأمنيا بين المغرب وألمانيا إلا أن الرباط لا يمكنها التعامل مع أي دولة أخرى وهو منقوص أو مجزأ من صحرائه، كما اتضح ذلك في كثير من الخطب الملكية، ومن هنا يمكن القول الدبلوماسية المغربية لعبت أوراقها وتحولت من “دبلوماسية دفاعية إلى هجومية” فرضت بها تغير للموازين والقوى ومنه “إرغام” الحكومة الجديدة في ألمانيا على فتح صفحة جديدة في العلقات بما يحفظ مصالح البلدين.

 

بالإضافة إلى  الضغط الدبلوماسي الذي فرضه المغرب اقتصاديا، يشير المتحدث أن “هناك ما توفره البلاد من افاق واعدة في صناعة السيارات الكهربائية، ودخوله في علاقات قوية مع بريطانيا في أعقاب خروجها من الإتحاد الأوروبي بخصوص تأمين إمدادات الكهرباء عبر البحر، وحصول شركات برطانية على عدد من الإستثمارات على مستوى التنقيب واستغلال النفط والغاز الطبيعي، مايعني تضاءل فرص ألمانيا في السوق المغربية، ما دعاها إلى تغيير موقفها وإدراك الأهمية الجيو سياسية واستراتيجية للمغرب على المستوى الإقليمي”.

 

مدريد والرباط

 

بعد سنة كاملة من اتساع هوة الخلاف بين مدريد والرباط حول قضايا متعددة أبرزها ملف الصحراء المغربية، التي كانت دائما اسبانيا تلتزم به حياد سلبي رغم أنها المستعمر القديم للمنطقة وأنها على علم وفق بنود الإتفاقية التي جمعتها مع فرنسا سنوات 1902 و 1904، إلا أنها ظلت في تماه في أحيان كثيرة مع أطروحة جبهة البوليساريو على خلفية استقبالها لرئيسها المزعوم بهوية جزائرية مزورة..وما تلى ذلك من رد فعل مغربي باستدعاء سفيرته وهناك واعتبار الحكومة الإسبانية أنها خرجت عن مبادئ حسن الجوار والتمادي في ممارسة استفزاز المملكة في قضيتها الأولى.

 

إلى أن تم إحداث تغير جذري في الموقف الإسباني بدعم المقترح المغربي للحكم الذاتي، الذي قال عنه أحمد بالعايدي الباحث في العلاقات الدولية، أنه انتصار جديد للمغرب بعد الانتصار الذي حققه من خلال التغيير الذي حصل في الموقف الألماني وقبله الموقف الأميركي في عهد دونالد ترامب ولاحقا في عهد جو بايدن، وأن اعتراف الغرب بوحدة أراضي المغرب سيفتح الطريق أمام تطورات مهمة من بينها تسوية الخلافات مع أوروبا في ما يتعلق بصادرات الأقاليم الجنوبية.

 

ولفت إلى أن المغرب بهذه الخطوة الإسبانية يكون قد عزل الجزائر وبوليساريو في الغرب، ولم يبق أمامهما سوى بؤر صغيرة في أفريقيا سيتم التغلب عليها تدريجيا من خلال استراتيجية مغربية تقوم على الاستثمار الاقتصادي في القارة وتنويع الشراكات وبناء تحالفات على قاعدة المصالح، وهو ملعب لا تقدر الجزائر على المنافسة فيه.

 

واعتبر أن رسالة سانشيز بمثابة تطور إيجابي في السياسة الخارجية الإسبانية في علاقتها بالمغرب وقضاياه الاستراتيجية، وعلى رأسها قضية الصحراء المغربية، وهذا الموقف يتسم بوضوح وانحياز إيجابي للطرح المغربي.

 

“الرسالة تضمنت اعترافا ضمنيا بالخطأ واعتذارا عن الخطأ الدبلوماسي الذي ارتكبته إسبانيا في حق المغرب، بسبب استقبالها زعيمَ جبهة بوليساريو، والذي بسببه تم قطع العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، وأن الرسالة أشارت إلى توجه إسباني يهدف إلى تصحيح ذلك بتعزيز مسار الوضوح في العلاقات ما بين البلدين، وهذا ما كان يطالب به المغرب مباشرة بعد اندلاع الأزمة بين الدولتين”. يضيف المتحدث.

 

فرنسا والمغرب

 

في تواصل لمسلسل الدعم العلني للمغرب في قضية الصحراء المغربية، ونجاح الدبلوماسية في تحقيق مكاسب وكسب نقاط في ميزان العلاقات الدولية، جددت فرنسا، هي الأخرى، دعمها لمخطط الحكم الذاتي المقدم من طرف المغرب باعتباره “أساسا للنقاش، جادا وذا مصداقية”، من أجل تسوية النزاع حول الصحراء المغربية.

 

وقالت المتحدثة باسم وزارة الشؤون الخارجية الفرنسية، إن موقف فرنسا من قضية الصحراء “ثابت لصالح حل سياسي عادل، دائم ومقبول لدى الأطراف، وفقا لقرارات مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة. ومن هذا المنظور، فإن مخطط الحكم الذاتي المغربي يشكل أساسا للنقاش جادا وذا مصداقية”. ويأتي هذا الإعلان في أعقاب تبني إسبانيا لموقف رسمي تعترف من خلاله بأن المبادرة المغربية للحكم الذاتي تشكل الأساس الأكثر جدية، واقعية ومصداقية لتسوية الخلاف حول الصحراء المغربية.

 

التطور الإيجابي الذي تشهده العلاقات بين المغرب وإسبانيا، انعكس بصورة مباشرة رغم أن باريس كانت على توافق مع المغربية في قضية الوحدة الترابية غير أن تأكيد فرنسا مرة أخرى هي  “رسالة التزام بإقامة علاقات جيدة بين شركائها الأوروبيين وجيرانها على الضفة الجنوبية للبحر الأبيض المتوسط. فمن خلال الحوار يمكن التغلب على التحديات المشتركة”.

 

المغرب والإتحاد الأوروبي

 

انتصار الدبلوماسية المغربية في علاقاتها الخارجية مع عواصم لها ثقلها على المستوى الأوروبي أو الدولي على غرار مدريد وبرلين، يفتح بحسب الخبراء الباب أمام المغرب لقلب المعادلات والتوازنات لصالحه في علاقته مع التكتل الأوروبي وإحداث تغيير كبير في كيفية تعاطي الأخير مع ملف الصحراء المغربية مستقبلا.

 

ويقول الخبير في العلاقات الدولية، إن المملكة  نوعت دبلوماسيتها من اتصالاتها داخل الاتحاد الأوربي على المستوى الفردي والجماعي، إلى العلاقات الثنائية، وكذلك مع أجهزة ومؤسسات الاتحاد التي بدأت تقتنع أكثر بأهمية قضية الصحراء بالنسبة للمغرب”.

 

ويرى الباحث ذاته أن “التغيير الإيجابي الذي عبرت عنه كل من إسبانيا وألمانيا واكبته تحركات مغربية على مستوى أوروبا الشرقية كفاعل أساسي في التكتل الأوربي؛ وبذلك يمكن القول إن توجهات السياسة العامة للاتحاد الأوربي تتجه نحو تبني مواقف أكثر توازنا ووضوحا في قضية الصحراء المغربية”.

 

تعاطي السياسة الخارجية المغربية بخصوص ملف الصحراء أضحت، وفق المتحدث ترفض ازدواجية المواقف من الوحدة الترابية، بالخصوص من الشركاء الاقتصاديين الأساسيين، وهو ما عبر عنه الملك محمد السادس خلال خطاب المسيرة الخضراء سنة 2021″، مشيرا  إلى أن “من جانب آخر لم يعد مستساغا تعامل دول أوروبا مع المغرب في إطار ملفات معزولة.

 

 

تاريخ الخبر: 2022-03-28 00:17:28
المصدر: الأيام 24 - المغرب
التصنيف: سياسة
مستوى الصحة: 68%
الأهمية: 79%

آخر الأخبار حول العالم

وزير خارجية مصري أسبق: خسائر الأرواح أكثر ما يؤلم الإسرائيليين

المصدر: RT Arabic - روسيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-17 03:07:22
مستوى الصحة: 79% الأهمية: 98%

موعد مباراة نهضة بركان ضد الزمالك المصري في إياب نهائي كأس الكاف

المصدر: الأيام 24 - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-17 03:10:54
مستوى الصحة: 63% الأهمية: 77%

طقس الجمعة.. نزول أمطار متفرقة بهذه المناطق من المملكة

المصدر: الأيام 24 - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-17 03:10:57
مستوى الصحة: 67% الأهمية: 74%

أنطونوف: واشنطن لا تروقها علاقات روسيا بدول أمريكا اللاتينية

المصدر: RT Arabic - روسيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-17 03:07:18
مستوى الصحة: 75% الأهمية: 100%

برشلونة يتجاوز ألميريا بفضل ثنائية لوبيز

المصدر: RT Arabic - روسيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-17 03:07:25
مستوى الصحة: 82% الأهمية: 100%

المزيد من الأخبار

مواضيع من موسوعة كشاف

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

تحميل تطبيق المنصة العربية