نقاشات حول رؤى التنمية: أطروحات وتواريخ «1- 4».. نيريري والحرية والتنمية وأوجاما (أكتوبر 1968)


نقاشات حول رؤى التنمية: أطروحات وتواريخ «1- 4»

قصي همرور

قصي همرور

نيريري والحرية والتنمية وأوجاما (أكتوبر 1968)

في أكتوبر 1968م، أصدر نيريري مخطوطة بعنوان “الحرية والتنمية” صدرت باللغتين الانكليزية والسواحيلية Freedom and Development /Uhuru na Maendeleo ثم في م1973، أصدرت دار جامعة أكسفورد للنشر كتاب نيريري “الحرية والتنمية” الذي يحوي أوراقاً وخطابات له بين العامين 1968 و1973. وكان هذا الكتاب أحد الكتب الثلاثة التي أصدرها نيريري بعنوان “الحرية”، وهي “الحرية والاشتراكية” (وقد ترجم الاشتراكية بالسواحيلية إلى “أوجاما”) و”الحرية والتنمية” و”الحرية والوحدة [الوطنية]”،  جميعها صدرت عن دار جامعة أوكسفورد للنشر (بالتوالي في 1967، و1969، و1973)، وقد قدّم الناشر في ترويجها أنها صادرة من أحد أبرز المفكرين من  العالم الثالث.

وهذه ليست كتابات نيريري الوحيدة في التنمية، بطبيعة الحال، ففي نفس الفترة أخرج منشوراً بعنوان “الاشتراكية والتنمية والريفية” ومنشوراً بعنوان “التعليم من أجل الاعتماد الذاتي”، وكانا قاعدتين لسياسات معنية بالتعليم وبالتنمية الريفية، وقد نُشرا أيضاً ضمن كتاب صدر في العام 1968 بعنوان “أوجاما.. مقالات في الاشتراكية” عن دار جامعة أوكسفورد.

احتوى الكتاب نفسه على نص “إعلان أروشا” (1967) باللغة الانكليزية، والذي يُعتبر أحد أهم كتابات نيريري لأنه وضع به لبنات بناء الدولة التنزانية الجديدة، وهي دولة تنموية من طرازٍ عالٍ (قبل ظهور مصطلح الدولة التنموية (developmental state)، ذلك كما اعتنت كتابات نيريري منذ بداياتها بأوضاع المرأة في تنزانيا وأفريقيا وأهمية النهضة بأوضاعها وزيادة وكالتها عن نفسها ووكالتها في المجتمع كجزءٍ لا يتجزأ من عملية تحقيق التنمية والحرية وتوطين الاشتراكية.

مخطوطة نيريري “الحرية والتنمية” تستحق القراءة بصورة كاملة (متوفرة كاملة أونلاين)، لكن باختصار، فيها يربط نيريري بين التنمية والحرية، ويصفهما بارتباط البيضة والدجاجة، فالحرية تعتمد على التنمية  (لأن الحرية لا تكون كاملة بدون التحرّر من المرض والجهل والفقر والقهر) والتنمية تعتمد على الحرية (لأن عملية التنمية عملية يقوم بها الأحرار لأجل أنفسهم وليس المقهورين بواسطة غيرهم)، والتنمية الحقة مقصودها الناس وإذا كانت متزنة ومستقرّة (أي مستدامة) فلا بد أن تحصل بواسطة الناس أنفسهم؛ وفق ذلك فإن من أساسيات التنمية ديمقراطية القرار وتوفير التعليم الذي يوفر القدرات المطلوبة لتنفيذ القرار، وأن دور القيادة السياسية هو توفير هذه الشروط للناس ثم الاضطلاع بضمانات الانضباط والمسؤولية التي تتبع اتخاذ القرار الديمقراطي الحر. بعد ذلك يربط نيريري بين ذلك التنظير التأسيسي وبين التنزيلات العملية في التخطيط والتنفيذ، عن طريق نموذج تعاونيات أوجاما وآفاقها.

أدناه، ترجمة لجزء مختصر من المخطوطة (والتي نُشرت ونوقشت كذلك كورقة سياسات تبناها حزب “تانو” الحاكم في تنزانيا آنذاك):

——–

الحرية والتنمية متصلات اتصالاً كاملاً مثل الدجاج والبيض! بدون الدجاج لا تحصل على بيض، وبدون البيض ستكون سريعاً بدون دجاج. كذلك، بدون الحرية لا يمكن الحصول على التنمية، وبدون التنمية سرعان ما تخسر الحرية.

الحرية تعتمد على التنمية

ما الذي نعنيه عندما نتحدث عن الحرية؟ أولاً، هنالك الحرية الوطنية، وهي قدرة مواطني [تنزانيا، البلد] على تقرير مستقبلهم بأنفسهم بدون تدخل خارجي. ثانياً، هنالك الحرية من الجوع والمرض والفقر. ثالثاً، هنالك الحرية الشخصية للفرد؛ وهي حقّه في الحياة الكريمة والمساواة مع الآخرين، وحقه في حرية التعبير وحرية المشاركة في صنع القرارات التي تؤثر في حياته، والحرية من الاعتقال التعسفي لأنه أزعج بعض من في السلطة، إلى آخره. جميع هذه جوانب ونواحي من الحرية، ومواطنو [تنزانيا، البلد] لا يمكن وصفهم بالأحرار حقاً إلا عند ضمان جميع هذه النواحي.

لكن من الواضح أن هذه النواحي تعتمد على تنمية اقتصادية واجتماعية. وما دام بلدنا فقيراً، وشعبه شحيح التعليم وبدون فهم أو قوة، فإن حريتنا الوطنية تبقى معرضةً للخطر من أي قوة خارجية أكثر قدرة…. تلك مسألة تتعلق بوعي الشعب أنهم أحرار ولديهم ما يدافعون عنه، سواء كان الدفاع بالسلاح أم بوسائل أخرى أدق وأمهر.

ومن الواضح كذلك أن الحرية من الجوع والمرض والفقر تعتمد على زيادة الثروة والمعرفة في المجتمع…. وحتى الحرية الشخصية تصبح أكثر حقيقةً عندما تُسنَد بالتنمية. يستطيع المرء أن يدافع عن حقوقه بفعالية فقط حين يفهم ماهية تلك الحقوق ويعرف كيف يستعمل الآلية الدستورية المتوفرة لحماية تلك الحقوق- ومثل هذا النوع من المعرفة جزء من التنمية.

والحقيقة هي أن التنمية إنما تعني تنمية الناس [التنمية البشرية]. الشوارع والبنايات، وزيادة ناتج المحاصيل، وغير ذلك من الأشياء المشابهة، ليست هي التنمية: هي فقط أدوات للتنمية. الطريق المعبّد الجديد يمدّد في حريات المرء إذا سافر فيه. الزيادة في عدد بنايات المدارس تُعتبر تنمية فقط إذا تم استعمالها في تنمية عقول وأفهام الناس. الزيادة في منتجات محاصيل الذرة، والقمح، والبقوليات، تُعتبر تنمية فقط حين تؤدي إلى تحسين تغذية الناس. والزيادة في محاصيل القطن والقهوة والسيزال تُعتبر تنمية فقط حين يمكن بيعها واستعمال عائدها في أشياء أخرى تزيد من صحة وراحة وفهم الناس….

التنمية تجلب الحرية، ما دامت تنمية للناس. ولكن الناس لا يمكن تنميتهم، إنما يمكنهم تنمية أنفسهم. ذلك لأنه بينما من الممكن لغريب أن يبني للمرء منزلاً، لا يمكن لذلك الغريب أن يهب المرء كرامة وثقة كإنسان؛ هذه أشياء على المرء أن يبنيها بنفسه، فهو ينمّي نفسه عبر ما يفعله؛ عبر اتخاذ قراراته وعبر زيادة فهمه لما يفعله ولماذا- أي عبر زيادة معرفته وقدراته، وعبر مشاركته الندّية في حياة مجتمعه…. التنمية لأي امرئ يمكنها في الحقيقة أن تحصل فقط عبره نفسه؛ التنمية للناس ينبغي لها أن تكون بواسطة الناس.

وأخيراً، إذا كانت التنمية ستزيد حريات الناس، فيتوجّب عليها أن تكون تنمية من أجل الناس. عليها أن تخدمهم  وتخدم مصالحهم. كل أطروحة [تنموية] ينبغي الحكم عليها وفق معيار خدمتها لهدف التنمية- وهدف التنمية هم الناس. لكن إذا كانت الأطروحة مبذولة من جانب الناس، وشرعوا هم أنفسهم بتطبيقها بإرادتهم الحرة، فهي تلقائياً ستكون من أجلهم، ما دامت تتوفر ثلاثة شروط: أولاً أن الناس يفهمون ما هي حاجاتهم، وثانياً أنهم يفهمون كيف يمكن استيفاء تلك الحاجات، وثالثاً ما إذا كانت لديهم الحرية لاتخاذ قراراتهم أصالةً عن أنفسهم والشروع في تنفيذها.

التنمية تعتمد على الحرية

ما دام هدف التنمية هو زيادة الحرية والرفاه للناس، لا يمكنها أن تحدث بالقوة الجبرية. المثل الشهير يقول الحقيقة بهذا الخصوص: يمكنك سوق [الحيوان الداجن] إلى الماء، ولكن لا يمكنك جعله يشرب. يمكنك عن طريق الأوامر، وحتى عن طريق الرق، بناء أهرام وطرق ضخمة، ويمكنك تحقيق توسّع كبير في المناطق المزروعة، وزيادة في كمية المنتجات الخارجة من المصانع. كل هذه الأشياء، وأكثر، يمكن تحقيقها عن طريق استعمال القوة الجبرية؛ لكن لا يستطيع أيّ منها تحقيق تنمية الناس. الإجبار، والوعود الخادعة، لا يمكنهم في الواقع سوى تحقيق أهداف مادية قصيرة المدى. لا يمكن للإجبار أن يأتي بقوة للأمة أو للمجتمع، ولا يمكنه أن يوفر أسساً لحرية الناس، أو الأمان لأي فرد أو مجموعة من الأشخاص.

هنالك طريقة واحدة فقط يمكن عبرها جعل الناس يبنون تنميتهم بأنفسهم، وتلك هي توفير التعليم والقيادة. فقط عبر التعليم والقيادة يمكن للناس أن يفهموا ماهية احتياجاتهم وماهية ما ينبغي أن يعملوه لاستيفاء تلك الاحتياجات. هذا هو نوع القيادة التي ينبغي [لممثلي الحكومة] توفيرها للناس. وهذه هي الطريقة التي عبرها يمكن أن نجلب التنمية [لبلادنا]. لكن، وبينما ينبغي علينا توفير تلك القيادة، على القرارات أن تأتي من الناس أنفسهم، وهم من عليهم أن يتولوا تنفيذ البرامج التي قرروا بشأنها.

وعليه فهنالك عاملان مهمّان في التنمية المعنية بالناس. الأول هو القيادة عبر التعليم، والثاني هو الديمقراطية في اتخاذ القرار. ذلك إذ أن القيادة لا تعني الصراخ في وجوه الناس، ولا تعني استغلال السلطة في التعامل مع الأفراد والمجموعات التي تختلف معها، وبدرجة أقوى لا تعني إلقاء الأوامر للناس حتى يفعلوا كذا وكذا. القيادة تعني الحديث والنقاش مع الناس، والشرح والإقناع والجذب. القيادة تعني أن توفّر اقتراحات بناءة وتعمل مع الناس حتى تبيّن لهم بياناً بالعمل ما الذي تحثّهم على فعله. القيادة تعني أن تكون متحداً مع الناس، وأن تدرك وتتصرف باعتباركم سواسية….

كما أن توفير القيادة لا يعني سحب قوامة الناس على قضاياهم. يجب أن يتخذ الناس قراراتهم بخصوص مستقبلهم عبر العمليات الديمقراطية. لا يمكن للقيادة استبدال الديمقراطية؛ بل ينبغي أن تكون جزءاً من الديمقراطية. إذا كان القرار على المستوى القُطري فإن الناس يتخذوه عن طريق اللجان القُطرية التنفيذية، والبرلمان، ومؤتمر [الحزب الحاكم]. وإذا كان القرار على مستوى الإقليم أو المحلية فإن الناس يتخذونه عن طريق لجنة المحلية أو مجلس الإقليم. وإذا كان الأمر يتعلق بمسألة محلية تماماً…. فيمكن للناس المعنيين أن يبتّوا فيها عن طريق النقاش الحر. ليست هنالك طريقة أخرى يمكن عبرها جلب التنمية الحقيقية، لأنه مثلما الحريات الحقيقية للناس تستدعي التنمية، كذلك فإن التنمية الحقيقية للناس تستدعي الحرية….

[انتهى النص المترجم القصير…. وثم في بقية المخطوطة يربط نيريري بين التأطير الذي قدّمه للعلاقة بين التنمية والحرية (أو الحرية والتنمية) وبين مشروع قرى أوجاما Ujamaa  التعاونية/ الاشتراكية. فذلك المشروع فيه كتابات أخرى وتفاصيل حول لوجستيات العملية، وكيفية إنشاء وتسجيل تعاونيات أوجاما، وماهية المسائل المتوقعة منها مقابل باقة الدعم واللوجستيات التي توفرها الدولة وفق برنامجها وسياساتها لدعم المشروع، إلخ، مما تعرضنا لتفاصيله في كتابات منشورة سابقاً.]

——-

أيضاً، بعد خروجه من رئاسة تنزانيا، ببضع سنوات، قامت مجموعة من رؤساء دول حركة عدم الانحياز بترشيحه لرئاسة “مفوضية الجنوب” التي أسستها دول الجنوب بهدف عمل مسح بحثي شامل يخرج بتقرير يتناول القضايا الأساسية التي تواجه دول الجنوب الاقتصادي بالشرح والمعالجة العامة.

تكوّنت المفوضية من عدد من الأعضاء الخبراء في التنمية من شتى دول الجنوب (28 عضواً- بمن فيهم رئيسها وسكرتيرها العام- من 27 دولة، من أفريقيا وآسيا وأمريكا الجنوبية وجزر الكاريبي)، كما تضمنت سكرتارية من الباحثين المتميزين في مجالات التنمية والاقتصاد والعلوم السياسية (مذكورين أيضاً، وقد رأس السكرتارية د. مانموهان سينغ، أستاذ الاقتصاد الذي صار لاحقاً رئيس وزراء الهند من 2004 إلى 2014)، واستعانت بطيفٍ واسعٍ من باحثين وأساتذة آخرين، كما استعانت بخبراء التنمية في أونكتاد ويونسكو وفي جامعات ومؤسسات أخرى.

استغرق عمل المفوضية حوالي ثلاث سنوات، وأخرجت تقريرها في 1990، صادراً عن دار جامعة أكسفورد كذلك. أهم شيء يمكن قوله عن تقرير مفوضية الجنوب أنه نتيجة تفاكر وتدارس بين أهل الجنوب بخصوص الجنوب، وهو لذلك لديه مصداقيةً عالية، بالإضافة لكونه أُعِدّ عبر مشروع بحثي من أكبر وأوسع المشاريع البحثية في مجاله.

كتب نيريري مقدمة التقرير، بوصفه رئيس المفوضية، وعند قراءة التقرير لا يمكن للقارئ الذي يعرف كتابات نيريري السابقة حول التنمية وقضايا الجنوب والتحرّر السياسي والاشتراكية، لا يمكن له ألّا يرى بصمة نيريري واضحة في مجمل التقرير، من تعريفه للتنمية (والذي يشبه كتابات نيريري السابقة عن التنمية والحرية) وحتى القضايا الأخرى.

ثم في 1999، صدر كتاب أمارتيا سن، “التنمية كحرية”، وكان قبلها بسنة قد حصل على جائزة نوبل في الاقتصاد. يقول فيه سِن إن تعريفنا للتنمية ينبغي أن يكون تعريفاً لما نريده منها، أي تعريف معياري وليس وصفيّاً (مثل التعريف اللبرالي الكلاسيكي الشهير لها والذي يتعامل معها كمؤشرات نمو اقتصادي ومؤشرات عامة أخرى عن بيئة الحريات اللبرالية والتي تشمل حريات الملكية الخاصة- المادية والفكرية والإبداعية). ثم يطرح سِن، كخلاصة من خلاصات انخراطه في قضايا التنمية لعقود، أن تعريف التنمية هو الزيادة في شروط ومحتوى الحرية، على المستويين الفردي والجماعي، والحرية هنا تشير إلى خمس حريات أداتية (أي وسائل) هي: الحريات السياسية المتعارف عليها، التسهيلات الاقتصادية، الترتيبات الاجتماعية، ضمانات الشفافية، والأمن الوقائي.

مع ذلك يطرح أيضاً أن تكامل هذه الأنماط من الحريات يقودنا إلى فهم أن الحرية هي غاية التنمية ووسيلتها الأساسية لتحقيق التنمية كذلك. في مجمل كتابه، يستند سن في أطروحته على كتابات الاقتصاديين اللبراليين المعروفين، مثل آدم سميث وفريدرك هايك، لكن الأطروحة العامة من الناحية الفلسفية التجريدية مترابطة ووافرة الإقناع، أما من الناحية التطبيقية وناحية النماذج المقدمة فقد استند سن على دراسات واسعة (منها دراساته هو نفسه) المتعلّقة بالموضوع، بيد أن معظم تلك الدراسات كانت من مجالين: الاقتصاد التنموي وفق المنظور اللبرالي، وعدد من الدراسات التنموية من آسيا إجمالاً والهند تخصيصاً (ثم هنالك دراسات معدودة تناولت أفريقيا وبقية العالم بصورة عابرة ومختصرة).

في دراسات التنمية، في الجامعات، حالياً، يصعب أن يتخرّج المرء بدون أن يكون قد مرّ على كتاب أمارتيا سن هذا، لأن به تأطير تعريفي للتنمية يختلف عن تأطيرين ثانيين أساسيين: التأطير اللبرالي الكلاسيكي والتأطير النقدي/ الجذري اليساري (وهو من ناحية التأطير جديد نسبياً وجدير بالقراءة والاستعمال، ومن ناحية محتوى الأطروحة فمجمل حججه الكبرى نتيجة تراكمات في دراسات التنمية يمكن أن نجدها في كتابات أخرى متفرِّقة من السبعينات حتى التسعينات، لكن لأمارتيا سن نكهته ومساهمته المهمة فيها).

لذلك فالبنسبة لي، أثناء الدراسات العليا، كان طبيعياً أن أمرّ على كتاب سن، فقرأته كله في 2016، واستندت عليه كأحد المراجع في دراساتي، لكني كذلك، في نفس العام، قرأت كتاب نيريري “الحرية والتنمية”، وهو بخلاف كتاب سن غير مشهور، بل لم ينصحني به أحد في الأكاديميا إنما سعيت له بنفسي وقرأته في تنزانيا. لذلك، ولعدة أسباب أخرى، فإن هذين الكتابين كانا دوماً في نظري يتحدثان عن نفس مسار التنمية العام (نظرياً) لكن بلغتين مختلفتين ووفق موقفين مختلفين عموماً في الاقتصاد السياسي. وفي مايو 2018، علّقنا في صفحتنا على فيسبوك بالآتي: قبل أن يصدر أمارتيا سن “التنمية كحرية” في 1999، أصدر المعلّم نيريري “الحرية والتنمية” في 1974.

مؤخراً، ولعدة أسباب أيضاً، بدت تتراءى لي مسببات أكثر وراء اشتهار أحد الكتابين وقلة اشتهار الآخر (رغم أن الآخر هو الأقدم بحوالي 30 سنة، ورغم أنه صدر عن دار جامعة أكسفورد وهي نفس الجامعة التي درّس فيها سن اقتصاديات التنمية في نفس الفترة التي صدرت فيها كتب نيريري المعنية)؛ ثم من الأشياء الغريبة (وليست غريبة تماماً) أن كتاب أمارتيا لا يشير لكتابات نيريري أبداً، وإذا اعتبرنا أن هذا ليس مشكلةً كبيرة، باعتبار أن نيريري لم يعد مشهوراً في التسعينات مثلما كان في السبعينات والثمانينات، فإن غياب تقرير مفوضية الجنوب من كتاب سن هو الغريب حقا، لأن ذلك التقرير مشهور جدا في دوائر التنمية وفي دول العالم الثالث وذو مصداقية عالية وصدر قبل 9 سنوات فقط من كتاب سن، عن دار جامعة أكسفورد، وشارك في الاحتفاء به عدد من المنظمات العالمية التي تتعامل مع دول الجنوب بصورة أكثر ندية (مثل الأونكتاد).

لدينا حاليا ورقة بحثية- بنسختين عريبة وانكليزية- تتناول الاتجاه الفكري التنموي القديم لدى الحركة الأفروعمومية في الربط بين التنمية والتحرّر، مع اعتبار نيريري أحد أعمدة التفكير التنموي ضمن الحركة الأفروعمومية، ثم لدينا بعد ذلك مقارنات أخرى وشخصيات أخرى (مثل التلاقيات الكثيرة، المثيرة للاهتمام، بين نيريري ومحمود محمد طه في قضايا اجتماعية واقتصادية شتى، ومثل كتابات وليام دوبويز المبكرة عن الاقتصاد التعاوني كأداة تحرّر مجتمعي)، ومنها المزيد من التفصيل حول المقارنة بين كتابي “الحرية والتنمية” و”التنمية كحرية” وملابساتهما. يحتاج صدور الورقة بعض الوقت نظراً لخطوات التحرير والنشر العلمي، لكن هذه كبسولة للمهتمين…. وللحديث شجون.

تاريخ الخبر: 2022-03-29 21:22:02
المصدر: صحيفة التغيير - السودان
التصنيف: سياسة
مستوى الصحة: 47%
الأهمية: 67%

آخر الأخبار حول العالم

لقجع يعلن انطلاق مشاريع مونديال 2030

المصدر: الأيام 24 - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-03 15:09:27
مستوى الصحة: 63% الأهمية: 72%

بعد 20 عاما خلف القضبان.. منير الرماش يغادر السجن

المصدر: تيل كيل عربي - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-03 15:10:23
مستوى الصحة: 45% الأهمية: 68%

أسعار صرف أهم العملات الأجنبية اليوم الجمعة

المصدر: الأيام 24 - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-03 15:09:34
مستوى الصحة: 70% الأهمية: 82%

زوج ابتسام بطمة يتعرض لموجة من السخرية بسبب “ترند”

المصدر: الأيام 24 - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-03 15:09:38
مستوى الصحة: 70% الأهمية: 80%

جائزة أفضل لاعب إفريقي في "الليغ1".. حكيمي ضمن القائمة النهائية

المصدر: تيل كيل عربي - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-03 15:10:20
مستوى الصحة: 55% الأهمية: 57%

هيئة للصيادلة تحذر من الانقطاع المسترسل لبعض الأدوية

المصدر: تيل كيل عربي - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-03 15:10:21
مستوى الصحة: 56% الأهمية: 61%

المزيد من الأخبار

مواضيع من موسوعة كشاف

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

تحميل تطبيق المنصة العربية