من أسرار الصلاة: التوحيد


بقلم: عبد الرحيم ضرغام

الصلاة هي الركن الثاني من أركان الإسلام، وتعد الركن الوحيد الذي فُرض في السماء لتكون عبادة سماوية تسمو بالإنسان روحيا في اليوم خمس مرات. ولكل عبادة من العبادات أسرار تميزها عن باقي العبادات الأخرى، وللصلاة أسرار منها التوحيد.

فما هو التوحيد في الصلاة؟ وماهي بعض تجلياته؟

التوحيد لغة هو مصدر وحَّد يوحد توحيدًا؛ أي: جعل الشيء واحدًا، ومنه قولهم: وحَّد البلدة؛ أي: جعلها واحدة تحت حاكم واحد. أما التوحيد في الصلاة فيقصد به كل ما يوحد المصلين في أثناء إقامتهم للصلاة ويمكن إجمالها في يلي:

توحيد المعبود:

المسلمون جميعا يقفون في صلاتهم أمام الإله الواحد الأحد الفرد الصمد فتكون وجهتهم إله واحد هو الله تعالى المعبود وحده سبحانه وتعالى، وهذا من أعظم تجليات التوحيد في الصلاة.

توحيد القبلة:

كان المسلمون في البداية يصلون في اتجاه بيت المقدس، وأمر الله سبحانه نبيه صلى الله عليه بتغيير القبلة إلى بيت الله الحرام حيث الكعبة المشرفة مصداقا لقول تعالى قد نرى تقلب وجهك في السماء فلنولينك قبلة ترضاها فول وجهك شطر المسجد الحرام وحيث ما كنتم فولوا وجوهـكم شطره وإن الذين أوتوا الكتاب ليعلمون أنه الحق من ربهم وما الله بغافل عما يعملون ، ويعد استقبال القبلة من شروط الصلاة بمعنى أن جميع المسلمين لهم قبلة واحدة أين ما كانوا يوجهون وجههم شطرها.

وتوحيد القبلة مقصد سام يروم توحيد وجهة المسلمين وربطها بأسمى البقاع المطهرة، ومهبط الوحي على خاتم الأنبياء والمرسلين ربطا مكانيا مقدمة للربط الروحي السماوي المتسامي على الأماكن والأزمان.

توحيد الزمان:

من أهم مميزات الصلاة توحيد الزمان فكل صلاة تبتدئ بآذان وينتهي وقتهــــــا بآذان الصلاة الموالية، وهكذا فالآذان يسمع ويلبى في نفس الوقت، فتجتمع القلوب في نفس الزمان متوجهة للباري الخالق المصور، وترتفع الأدعية في نفس اللحظات إلى رب الأكوان ليفتح للمؤمنين الفتح المبين أفراد وأمة.

“وترتبط مواقيت الصلوات الخمس بالشمس ارتباطا جوهريا عندما تحسب هذه المواقيت بالقياس على أقرب خط عرض تنظم عنده العلامات الفلكية المحددة لمواقيت الصلاة” . مواقيت خمس معروفة مضبوطة بالتوقيت تتوحد فيها قلوب المسلمين في ساعات مباركات قياما وسجود وركوعا ودعاء استمطارا لرحمة الله.

توحيد المكان:

يعد المسجد أطهر البقاع على وجه الأرض وله أهمية بارزة باعتباره المكان الذي يجتمع فيه المصلون لإقامة الصلاة ونظرا لأهمته الكبيرة في نشر الاسلام فهو أول عمل قام به النبي صلـى الله عليه وسلم عندما قدم المدينة مهاجرا من مكة وتعد الصلاة فيه ذات فضل أكبر بالمقارنة مع باقي الأماكن الأخرى، حيث يغنم المصلي ثواب المشي وصلاة الجماعة وثواب انتظار الصلاة وتلاوة القران الكريم والأذكار دفعة واحدة بحضور للصلاة في المسجد ويعد المسجد المكان الذي يوحد المسلمين بجميع أجناسهم ولغاتهم.

وهكذا فالمسجد مكان يجتمع فيه المسلمون للصلاة والذكر والقرآن، وأيضا فهو مؤسسة الحي التي تناقش ما يخص شؤون سكان جوار المسجد من مصالح الدين والدنيا، كما يعد المسجد مأوى لعابري السبيل وطلاب العلم، حيث التكافل الاجتماعي ونصرة المظلوم، بل كان المسجد مكان انطلاق السفراء والمجاهدين نحو كل بقاع الدنيا.

توحيد الأبدان:

“يأوي المصلي إلى صف المصلين المتراصين بين يدي الله”  في المسجد الواحد صفوفا متراصة متحاذية مناكبهم وأقدامهم ومتصلة أجسام في توحيد بديع لا فرق بين شيخ وشاب وطفل، ولا فرق بين أبيض وأسود وأحمر وأصفر وعربي وأعجمي وغني وفقير وحاكم ومحكوم. فكان توحيد الأبدان مقدمة لتوحيد القلوب والأفهام والحركة بعد الصلاة ونتيجة لها أيضا.

توحيد القلوب:

كل ما سبق يروم تحقيق غاية غايات التوحيد وهي توحيد القلوب، والقلب أهم جارحة لدى الإنسان وهي محل نظر الله عز وجل لذلك أولى الإسلام لها أهمية كبيرة؛ عن سيدنا الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ رضي الله عنه قَالَ: “كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَخَلَّلُ الصُّفُوفَ مِنْ نَاحِيَةٍ إِلَى نَاحِيَةٍ يَمْسَحُ مَنَاكِبَنَا وَصُدُورَنَا وَيَقُولُ: لَا تَخْتَلِفُوا فَتَخْتَلِفَ قُلُوبُكُم” .

النبي صلى الله عليه وسلم ربط بين توحيد الصفوف وتوحيد القلوب والمقصود بتوحيد الصدور هو توحيد القلوب لأن القلب محله هو الصدر وتوحيد القلوب ينتج عنه المحبة والألفة بين جماعة المصلـين فيزداد تعارفهم وتعاونهم على البر والتقوى والعمل الصالح.

وتوحيد القلوب أثمر رجولة في الجيل الأول من المسلمين فدانت لهم الدول واحتضنتهم الشعوب التي دخلت طوعا إلى دين الإسلام لما رأوا ما ينبع من قلوب المسلمين رحمة ورأفة وأخلاقا إنسانية رفيعة.

خلاصة:

التوحيد في الصلاة من أعظم أسرارها شعر به المصلي أم لا يشعر، إلا أنه لا يكلف البحث عنه غير القليل من التفكرفي العبادة العظيمة حيث “شرع الله عزو جل صلاة الجماعة خمس مرات يجتمع عليها المسلـــــــمون خمس مرات في اليوم والليلة على صعيد الحي وشرع الجمعة يجتمعون عليها مرة في الأسبوع على صعيد الجهة والمدينة”.

هذا الانجماع على الصلاة بهذه الوتيرة اليومية والأسبوعية متوحدة أجسامهم وقلوبهم في نفس المكان والزمان وقبلتهم واحدة واقفين مستحضرين الواحد الأحد يجأرون له بالدعاء وتلهج ألسـنتهم بالتسبيح والصلاة على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، من أعظم النعم التي حبا بها الله عز وجل أمة الإسلام.

 


[1] سورة البقرة، الآية 143.
[2] مرسي علي مرسي، روح الصلاة ومعراج قبولها عند الله تعالى،  ص271
[3] عبد السلام ياسين، جماعة المسلمين ورابطتها، ص89
[4] رواه الإمام النسائي.
[5] عبد السلام ياسين، المنهاج النبوي تربية وتنظيما وزحفا، ص155.
تاريخ الخبر: 2022-03-30 12:20:12
المصدر: الجماعة.نت - المغرب
التصنيف: سياسة
مستوى الصحة: 49%
الأهمية: 61%

آخر الأخبار حول العالم

«جائزة عمار» تفتح أبوابها «للمبدعين» - أخبار السعودية

المصدر: صحيفة عكاظ - السعودية التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2024-05-03 18:23:52
مستوى الصحة: 57% الأهمية: 57%

طرح تذاكر عروض «سماكداون» و«ملك وملكة الحلبة» - أخبار السعودية

المصدر: صحيفة عكاظ - السعودية التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2024-05-03 18:23:53
مستوى الصحة: 57% الأهمية: 53%

القضاء على إرهابي والقبض على عنصري دعم للإرهابيين ببرج باجي مختار

المصدر: جريدة النصر - الجزائر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-03 18:24:13
مستوى الصحة: 45% الأهمية: 69%

اختصاصي: لا صحة لتسبب زيت الزيتون في خفض الكوليسترول - أخبار السعودية

المصدر: صحيفة عكاظ - السعودية التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2024-05-03 18:23:51
مستوى الصحة: 57% الأهمية: 51%

تهور سائق حافلة لنقل المستخدمين بالصخيرات كاد يتسبب فاجعة فاجعة مميتة

المصدر: أخبارنا المغربية - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-03 18:23:38
مستوى الصحة: 74% الأهمية: 80%

المزيد من الأخبار

مواضيع من موسوعة كشاف

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

تحميل تطبيق المنصة العربية