تشهد الأيام الأخيرة نقاشاً حول ما إذا كانت أوكرانيا ستصبح أفغانستان جديدة بالنسبة لروسيا. ووفق الخبير السياسي بمركز الدراسات الإيرانية "إيرام"، رحيم الله فرزام، تتبنى وجهة النظر تلك أن ترغب الولايات المتحدة والغرب في جر موسكو إلى حرب تستمر سنوات لتستنزف قواتها كما حدث مع الاتحاد السوفييتي في أفغانستان.

وترى وجهة النظر نفسها أن روسيا بوتين وقعت في خطأ استراتيجي فادح بوقوعها في هذا الفخ الغربي، مثلما وقع الاتحاد السوفييتي من قبل.

روسيا ليست وحيدة

يذكر الهجوم الروسي على أوكرانيا باحتلال الاتحاد السوفييتي لأفغانستان، من عدة وجوه، فقد شهد العالم بعده حالة من الاستقطاب مثلما حدث عام 1979 بعد الغزو السوفييتي لأفغانستان.

وفي 1980، أدانت الجمعية العامة للأمم المتحدة الاحتلال السوفييتي لأفغانستان، كما أدانت في 2 مارس/آذار الجاري الهجوم الروسي على أوكرانيا.

لكن فروقاً واضحة بين الأمرين، ففي الفترة السوفييتية أدانت 108 دول الاحتلال بينما دعمته 18 دولة اشتراكية وامتنعت 12 دولة عن التصويت، أي يمكن أن نقول إن الاتحاد عُزل عن العالم باستثناء الدول الأعضاء في حلف وارسو.

بينما في التصويت الذي أُجري في 2 مارس/آذار، امتنعت 35 دولة عن التصويت وفضلت أن تبقى على الحياد.

وبين الممتنعين عن التصويت دول مهمة سياسياً واقتصادياً، كالصين والهند وباكستان، ويشكل عدد السكان فيها نحو نصف سكان العالم.

ومن اللافت أن الصين وباكستان، اللتين أدانتا احتلال الاتحاد السوفييتي لأفغانستان عام 1980، ودعمتا المجاهدين الأفغان، لم تصوتا ضد روسيا هذه المرة. ولأول مرة منذ عدة سنوات تصبح نيودلهي وإسلام أباد في الطرف نفسه. ويمكن أن نفسر ذلك بأن روسيا اليوم ليست وحيدة كما كان الاتحاد السوفييتي.

عقوبات مشابهة

تُطبق اليوم عقوبات تستهدف الرياضيين والفنانين ورجال الأعمال الروس، تشبه مقاطعة أولمبياد موسكو في عهد الاتحاد السوفييتي. كما يوجد تشابه من ناحية مبالغة الإعلام الغربي في خسائر الروس.

فقد كان الإعلام الغربي يبالغ كثيراً في الخسائر العسكرية للاتحاد السوفييتي في أفغانستان، وكان يدعي أنه فقد 10 آلاف جندي في الشهر الأول فقط. إلا أن الوثائق التي كشف عنها بعد سنوات أظهرت أن الأرقام مبالغ فيها إلى درجة كبيرة.

واليوم نرى ادعاءات مشابهة تقول إن موسكو فقدت 14 ألف جندي، و500 دبابة و500 مدرعة و90 طائرة، بل إن هناك ادعاءات تقول إنه جرى القضاء على 15% من الجيش الروسي.

بين 1979 ـ 1989 كانت باكستان مركز الدعم العسكري الذي وفره الغرب والولايات المتحدة للمجاهدين في أفغانستان، كما كانت هي الدولة التي استقبلت أول موجة هجرة من أفغانستان وفتحت أبوابها للاجئين. واليوم تلعب بولندا هذا الدور ولكن لا ندري بعد ما إذا كانت ستكتفي بدور استقبال اللاجئين أم سيكون لها دور في دعم المقاومة المسلحة في أوكرانيا.

الجغرافيا هي الفارق الأهم

لعل الخصائص الجغرافية هي أبرز الفوارق بين البلدين. فبينما تتميز أفغانستان بطبيعة جبلية وتضاريس وعرة، تتشكل معظم الأراضي الأوكرانية من أراض مسطحة وتضاريس سهلة. وكانت صعوبة التضاريس والطبيعة الجبلية من العوامل التي أثرت كثيراً في مجريات الحرب أمام الاتحاد السوفييتي.

إذ حدت الجغرافيا حرية الجيش السوفييتي وقدرته على التحرك والانتقال من نقطة إلى أخرى، بينما وفرت ميزة كبيرة للمجاهدين المسلحين ومكنتهم من تطبيق أسلوب الهجمات الخاطفة، والاحتماء في الجبال. وهو ما سهل استدراج المجاهدون للقوات السوفييتية إلى المناطق الجبلية والريفية. ولم تحدث تقريباً أي اشتباكات داخل المدن بل وتحولت المعركة إلى حرب استنزاف استمرت سنوات.

في مقابل ذلك، نرى أن الحرب في أوكرانيا ذات التضاريس والأراضي المسطحة إضافة إلى الطرق السريعة المتطورة، مقارنة بأفغانستان، قد وصلت إلى أبواب المدن قبل أن يمر شهر واحد على اندلاعها. وفي حال لم تفضِ المفاوضات إلى نتائج توقف المعارك، فإن اشتباكات الشوارع والأحياء السكنية هي التي ستحدد مصير الحرب.

الروابط التاريخية والثقافية

من الاختلافات المهمة أيضا الروابط التاريخية والثقافية الوثيقة بين الشعبين الأوكراني والروسي والتي لم تكن موجودة بين السوفييت والأفغان. إذ لم يدعم الاحتلال في أفغانستان سوى قطاع ضئيل لا يتعدى 10% من سكان المدن، بينما 20% من السكان الأوكرانيين ينحدرون من أصول روسية.

بالطبع ليس من الصواب الادعاء أن كل الأقلية الروسية في أوكرانيا دعمت الهجوم الروسي إلا أن الروابط الوثيقة بين الشعبين ثقافياً وتاريخياً ودينياً من أهم الفوارق بين الحالتين.

تعتبر روسيا مناطق داخل أوكرانيا مثل أوديسا وسيفاستبول ودونباس ميراثاً تاريخياً منذ العهد السوفييتي الذي كانت إدارته تواجه صعوبة في إقناع شعبها بشرعية احتلال أفغانستان، فيما يتمكن الرئيس الروسي اليوم من نيل دعم الرأي العام عبر ترويج النظريات القومية التي تقول إن هذه المناطق كانت في السابق جزءاً من بلاده.

من الادعاءات الأساسية الأخرى التي يروجها بوتين لكسب شرعية للهجوم، قوله إن "النازيين الجدد" في أوكرانيا يضطهدون الأقليات الروسية، وقد طرح الحزب الشيوعي الروسي، ثاني أكبر حزب في البلاد، هذا الادعاء لأول مرة.

وكان هذا الحزب أيضاً هو أول من اعترف باستقلال منطقتي دونيتسك ولوغانسك. وهو من أكثر داعمي الحرب على أوكرانيا بعد الحزب الحاكم.

اختلاف النظام العالمي

ومن أهم الفروق أيضاً بين الحرب السوفييتية على أفغانستان والهجوم الروسي على أوكرانيا، أن النظام العالمي الحالي يختلف كثيراً عن النظام ثنائي القطب الذي كان عام 1980.

فعلى عكس النظام ثنائي القطب الذي كان يضم قطبين معزولين عن بعضهما تماما نعيش حاليا في نظام عالمي تتداخل فيه الدول وتترابط مع بعضها.

وفي 1980 كانت حصة الاتحاد السوفييتي في الاقتصاد العالمي حوالي 10%، وقد تصل إلى 15%، إضافة إلى الدول المشاركة في حلف وارسو.

غير أن الاتحاد السوفييتي كان صاحب اقتصاد منغلق لا يصدر أو يستورد، ولذلك لم يكن اعتماد متبادل من الناحية الاقتصادية مع الدول الأخرى.

أما اليوم فنصيب روسيا في الاقتصاد العالمي حوالي 2%، وكثير من الدول الغربية معتمدة عليها في الطاقة والغذاء. ولذلك فإن استمرار الحرب 10 سنوات في أوكرانيا سيكون له تداعيات خطيرة على الاقتصاد العالمي.

كما أن أوكرانيا باعتبار موقعها الجغرافي ومكانتها في الزراعة العالمية، يجعلها دولة ليس من السهل على الغرب التخلي عنها مثل أفغانستان.

وسيكون لاستمرار عدم الاستقرار فيها لعدة سنوات تأثيرات مباشرة على الدول الأوروبية. لذلك ليس من المحتمل أن تتحول الحرب في أوكرانيا إلى حرب استنزاف تستمر لسنوات طويلة كما حدث في أفغانستان.

TRT عربي - وكالات