الروائى طارق إمام لـ«الدستور»: أنا فائز حتى لو لم أتوج بـ«البوكر».. ولا يوجد خاسر فى الكتابة

حوار: خالد حماد - شارك فيه: إيهاب مصطفى - عدسة: مصطفى سعيد - إسلام محمود

بعد وصول روايته إلى القائمة القصيرة للجائزة

 يحيى الطاهر عبدالله والمخزنجى سبب شغفى بالقصة القصيرة وإبداع المنسى قنديل جعلنى أعشق الرواية جلال أمين أفسد ذائقة القراء

«جروبات القراءة» مليئة بالدواعش والنقاد المزيفون سبب انتشار الأدب التجارى

أكتب عملًا جديدًا عن الشاعر «أونجاريتى» عقب نكسة 67.. وأصور خلاله لحظات شديدة الأهمية فى الواقع المصرى

تؤمن «الدستور» بأن مثقفى مصر هم إحدى ركائز قوتها الناعمة، وأن الكتابة فى حد ذاتها فعل مقاوم للتطرف والقبح، وأن «الجدية» هى قيمة تستحق الاحتفاء فى حد ذاتها، حيث نحتاج جميعًا لأن نتناول أمور حياتنا بالجدية اللازمة.. على هذه الخلفية أسعدنا خبر وصول الروائى المصرى والزميل «طارق إمام» للقائمة القصيرة لجائزة البوكر العربية ذات السمعة الأدبية الحسنة، فهو كاتب جاد أخلص للكتابة منذ ١٩٩٥، وراهن على طموح فنى مرتفع لم يخضع فيه لمقولة «الجمهور عاوز كده»، وواصل الكتابة بدأب ليصدر عملًا روائيًا كل عامين تقريبًا.. بمعدل إنتاج يكشف عن دأب..فضلًا عن طموح للتجريب وحساسية فنية عالية.. فى طريقه حصل طارق إمام على عدة جوائز، منها جائزة ساويرس للرواية فرع كبار الكتاب، وجائزة الدولة التشجيعية فى الأدب عن رواية «طعم النوم» ومجموعة جوائز أخرى متنوعة.

«الدستور» استضافت «طارق إمام» للاحتفاء بخبر وصوله للقائمة القصيرة للبوكر، ولإلقاء الضوء على تجربة كاتب مصرى من جيل التسعينيات اتسمت كتاباته بالجدية والطموح الفنى.

 

■ نريد لهذا الحوار أن يكون حوارًا للقارئ العام لا حوارًا متخصصًا.. وبالتالى نريد أن نعرف ما العوامل التى أسهمت فى تكوينك ككاتب من جيل التسعينيات أو جيل بداية الألفية؟

- كنت مغرمًا بالقراءة منذ البداية ولكن كنت مغرمًا أكثر بالرسم، وكانت عائلتى ترى أننى سأصبح رسامًا، ورغم أن والدى ينتمى أكثر لعالم الكتابة «والده هو المترجم المعروف السيد إمام»، إلا أنه لم يوجهنى إلى أى اتجاه، وتركنى أبحث عن طريقى بنفسى، ولكن تجلّت اللحظة الفارقة التى جعلتنى أتجه إلى الكتابة، حين أهدانى والدى سلسلة الروايات المترجمة للناشئين، التى كانت تصدرها الهيئة العامة للكتاب، فى أواخر الثمانينيات، وهذه الروايات كانت على نقيض ما نعرفه عن روايات «الجيب» الخفيفة التى لا تصنع كاتبًا، إذ كانت تضم روائع الأدب العالمى مترجمة بشكل مبسط، وربما تكون هى التى حسمت اتجاهى للكتابة، وأستغل الفرصة الآن لأطلب من هيئة الكتاب أن تعيد طباعتها مرة أخرى.

وفى سن ١٤ سنة قررت أنى سأصبح كاتبًا، وكتبت أول قصة قصيرة وأرسلتها لمجلة «أدب ونقد»، وكان المسئول عنها، فى ذلك الوقت، الشاعر الكبير الراحل حلمى سالم، وفوجئت بها منشورة، ومن هنا بدأت أدرك أن هذا هو عالمى الذى ولدت من أجله.

■ من هم الكُتّاب المصريون والعرب الذين أثروا فيك؟

- كنت أميل فى بداياتى إلى قراءة القصص والروايات القصيرة، وكنت مفتونًا، وما زلت، بالكتابات القصصية ليحيى الطاهر عبدالله، وذلك للغته وشكل قصصه الذى يمتزج الشعر فيها بالقصة، إلى جانب معالجته كل القضايا الكبرى للمجتمع فى إطار جمالى بحت، كان يطرح عبر قصصه كيف تكون جماليًا وسياسيًا ولديك وجهة نظر.

وأحببت كذلك محمد حافظ رجب بكتاباته السيريالية التى ليس لها شبيه، وكذلك محمد المخزنجى بقصصه القصيرة، ومنها مجموعة «رشق السكين» التى كانت وقت صدورها كتابة غريبة بالنسبة لى وليس لها شبيه، ولا شك أن كتابات «المخزنجى» كانت تلائم مزاجى وقتها لأنه كان يقدم لى حلًا سحريًا فى كتابة القصة القصيرة، وهو: كيف تكتب قصة قصيرة بها كل مواصفات السرد البديع وفى أقل عدد من السطور.

■ لكن ما الرواية التى ألهمتك لتصبح روائيًا؟

- يرجع الفضل إلى حبى وشغفى بالرواية إلى محمد المنسى قنديل بروايته «انكسار الروح»، وكانت بالنسبة لى قصيدة طويلة، خاصة أننى كنت أميل إلى الأعمال التى تتمتع بالحس الشعرى.. هذه هى الأسماء التى حرضتنى على الكتابة وتمنيت أن أكون مثلهم.

■ ومن هم الكُتّاب الأجانب الذين أثروا فيك؟

- بالطبع، أحببت جابرييل جارثيا ماركيز الذى كان اكتشافًا فى العالم العربى بعد ترجمة رواياته وقتها، وهو الذى جعلنى أتمنى أن أكون كاتبًا بكل ما قدمه فى عالم الواقعية والسحرية، وما زلت أحفظ عبارة ذكرتها لجنة جائزة نوبل فى حيثيات منحه الجائزة وهى: «رواية (مائة عام من العزلة) لماركيز يختلط فيها الواقع بالخيال فى ظل تركيبة ثرية لعالم شعرى»، وهذه التركيبة هى ما أفضله فى عالم الكتابة، ودائمًا ما أذهب إليها فى جميع كتاباتى.

■ ربما كانت الكتابة فى تلك المنطقة بعيدة بعض الشىء عن القارئ العادى.. ألم تفكر فى أن تكون كتابتك أكثر جماهيرية؟

- وقتها لم أفكر فى هذا، خاصة أن طبيعة القارئ الموجود الآن أو قارئ «البيست سيلر» لم تكن موجودة وقتها، لذا لم أقلق، كنا نكتب لأننا حاضرون داخل المشهد الثقافى، ولاننا نريد أن نكتب، ولم يطرأ على ذهنى كيف سيتقبل القارئ كتابتى.

وعندما بدأت تظهر ما يمكن تسميته «كتلة القراء» أصبح لدىّ تفكير آخر، وهى أننى أكتب للتعبير عن رؤيتى للعالم سواء نجحت أو أخفقت، والأمر الثانى أنى إذا استطعت أن أخلق قارئًا جديدًا فهذا أفضل لى من متابعة القارئ الجاهز حتى إذا كانت كتابتى صعبة على القارئ العادى فى لحظة ما.

وربما مع إصدارى الكتاب الثانى والثالث والرابع تتحول كتابتى بالنسبة للقارئ الجديد من شفرة مستغلقة إلى لغة مفهومة، فأنت تكتسب بعد فترة جماهيرية تزيد وتكبر، وهذا أراه قد تحقق مثلًا فى رواية «ماكيت القاهرة»، وهى رواية تجريبية ومركبة، لكنها نجحت بشكل واسع جدًا بين جمهور القراء.

ونحن هنا عندما نتكلم عن القارئ يشغلنا القارئ اللحظى، أحيانًا هناك اختبارات للواقع اللاهث الذى نعيشه، يمكن أن تجد مائه ألف قارئ مغرمين بكاتب ما، وبعد عامين أو ثلاثة لا يظل نفس الكاتب يحظى بنفس الشعبية.. الذائقة لم تعد مضمونة، ودائمًا ما أردد أن توقع طبيعة القارئ هو أكبر تصرف غبى قد يقع فيه الكاتب، القارئ غير متوقع.

وعند الحديث عن نفسى، لدىّ أعمال تخيلت أنها ستنجح نجاحًا تاريخيًا فى المبيعات، ولم تُطبع منها سوى الطبعة الأولى، وهناك نموذج آخر، هو رواية «ماكيت القاهرة»، رواية ضخمة ومعقدة ومتشابكة، وشديدة الفلسفية، إلى جانب أنها طبعت خارج مصر، والسوابق تقول إن الكاتب الذى ينشر خارج مصر لا يحقق مبيعات، وكان لدىّ هاجس بأنها لن تحظى بشعبية قرائية، لكن وجدت ما يدهشنى، وجدت ذلك النجاح والانتشار الذى جاء نتيجة قراء متفاعلين ومشتبكين معها، ونفس السياق كان مع «هدوء القتلة»، فقد نجحت جدًا بكل ما فيها من تجريد، ونالت جائزة ساويرس وجائزة الدولة التشجيعية.

■ عدد الروايات التى أصدرتها وبدايتك المبكرة للغاية «نشَر أول مجموعة وعمره ١٨ عامًا» يكشف عن نوع من الدأب على الكتابة.. هل عانيت ماديًا كى تخلص للكتابة أم كيف سار الأمر؟

- أنا أعمل صحفيًا فى مجلة «الإذاعة والتلفزيون».. الفكرة كانت أن أرفض إغراءات العمل الإضافى من أجل زيادة الدخل، أو العمل فى الصحف الخاصة حتى أجد وقتًا وطاقة لكتابة الأدب.. وكان هناك أيضًا إغراء السفر خارج مصر، فى أوقات صعبة جدًا، كنت أعانى فيها ماديًا، وكان والدى السيد إمام قد سافر إلى الخليج فى مرحلة طفولتى، فنصحنى قائلًا: «إذا سافرت لن ترجع، وإذا عدت فلن تكتب ما أردت كتابته قبل أن تسافر»، ونفس النصيحة جاءتنى من صديقى الشاعر والكاتب الصحفى فارس خضر، وقت التحاقى بالعمل بمجلة «الإذاعة والتليفزيون»، وبعد ذلك شعرت أننى لست ميالًا لفكرة السفر.

■ هل هناك أشياء حرمتك من التركيز فى الكتابة فى وقت من الأوقات؟

- هناك أشياء كثيرة قاومتها، وعلى رأسها كانت الكتابة الصحفية، أو كتابة المقال، لكننى خنت الصحافة لحساب الإبداع، إلى جانب عدم اكتراثى بالتحقق المادى، الذى تحققه الصحافة وفرصها.. قررت أن لدىّ مشروعًا يهمنى وأننى أستطيع أن أعيش بدخل قليل أو معقول، وأهم داعم مادى لى فى مشوارى كان الجوائز الأدبية التى حصلت عليها والتى منها جائزة ساويرس التى حصلت عليها فى وقت مبكر.

كما أننى رأيت فى مجلة «الإذاعة والتليفزيون» أسماءً كبيرة لمبدعين بدءًا من الأستاذ خيرى شلبى، أعطونى نصائح كثيرة فى هذا الاتجاه وكيف لا تسرقك الصحافة من الأدب، وأنا نفذت نصائحهم، خاصة وأنا مؤمن تمامًا بأن الشىء الوحيد الذى أجيده فى الحياة هو أن أقرأ وأكتب. 

■ لمن تقرأ من الكُتّاب المعاصرين؟

- هناك أسماء كثيرة منها إبراهيم فرغلى وحمدى أبوجليل وأحمد الفخرانى وأحمد مجدى همام، كل هذه الأسماء رفدت الأدب بأعمال جديدة.

■ مع انتشار ظواهر مثل «البيست سيلر» وغيرها ورواج ما تسمى «الرواية التاريخية».. كيف تقيّم المشهد الأدبى الآن؟

- نحن نعيش لحظة سائلة جدًا، اليوم دور النشر تختار الكاتب على أساس صفحته بـ«فيسبوك» وعدد «الفولورز» عليها، هذه الظاهرة صنعت أمرين عكس بعضهما تمامًا، قدمت تنوعًا شديدًا يجعل الكتابة التى مثل كتابتى تحظى بمكانتها من ناحية، ومن ناحية أخرى خلقت حالة أن كل أشكال الكتابة جميلة وأنه يجب أن نكون متسامحين، وأرى هذا بمثابة باب خلفى لمفهوم «دعه يعمل دعه يمر» وهى وسيلة ناعمة لتكميم الأفواه وإسكات الصوت النقدى تجاه أى كاتب فى هذا الاتجاه، وحينها إن كتبت نقدًا لعمل ما دون المستوى فستوصم بالكراهية والحقد، وهذا يجعلنى أسأل: لماذا لا نكتب ونعلق؟، ما المانع فى أن أرى أن رواية ما رديئة وأعبر عن هذا؟

ورغم أن منافذ النقد والتعليق أصبحت أكثر، لكن التابوهات أصبحت أعلى، بمعنى أن هناك العديد من «جروبات» القراءة تمنع الكتابة أو التعليق فيها، والأمر يصل إلى الحظر أحيانًا، إلى جانب أن لدينا عيبًا آخر أننا ظاهريًا أمام منافذ عديدة وكثيرة لديها خطاب موحد أشبه بالزى الرسمى.

أذكر أنه فى ليلة رحيل الكاتبة نوال السعداوى اكتشفت أن العديد من «جروبات» القراءة المصرية يحتلها الدواعش، ورأيت كيف تُلعن نوال السعداوى ليلة رحيلها داخل جروبات القراءة، وحذرنى بعض الأصدقاء من الكُتّاب من الاشتباك مع هؤلاء، لكننى ذهلت أن الاختراق وصل إلى هذا الحد.

■ ما تفسيرك لانتشار الأدب التجارى خاصة فى الفترات الأخيرة؟

- لدىّ أكثر من تفسير، الأول أن هناك بعض النقاد غير الحقيقيين أضفوا شرعية على هذا النوع من الأدب، وأرى مثلًا أن ناقدًا مثل الدكتور جلال أمين لا يصلح أن يكون ناقدًا، ورغم ذلك أخذ مساحة مهمة فى أهم الصحف المصرية، وقد منح الفرصة فى أن يوجه الذائقة العامة تجاه الأدب الردىء، وأصبح ينعت النوع الآخر من الأدب بالصعوبة.

وكان يكتب مقالات فى الأهرام يشيد فيها بروايات بالغة الرداءة، وهذا أسهم فى منح الشرعية لكتّاب دون المستوى الفنى، وأسهم فى خلق ظاهرة الأدب التجارى.

فى الفترة الأخيرة صارت العديد من دور النشر تنشر كل شىء تحت عنوان أن هذا أدب، على عكس ما كان متعارفًا عليه سابقًا من أن دور النشر الحقيقية لا تنشر هذه النوعية من الكتابات، والحقيقة أن هذا النوع موجود حتى فى أوروبا، لكن لا يوضع «دان براون» مع «هيمنجواى» مثلًا على رف واحد، ولكن هذا يحدث لدينا ونتج عنه نوع من الإرباك للقارئ.. كأنك تقارن «هيفاء وهبى» بـ«أم كلثوم» مثلًا.. والمقارنة هنا لا تجوز.

■ هل سطوة جلال أمين تخطت مساحة رجاء النقاش مثلًا؟

- عملت مع رجاء النقاش فى سلسلة قصور الثقافة، وقد أهديته كتابى فى مقابلتى الأولى معه، وفى مقابلتى الثانية أبدى إعجابه الشديد بالكتاب، وقال لى: «أنا لن أكتب عن هذا الكتاب»، ولم أكن طلبت منه أن يكتب، فسألته: لماذا؟ فقال: «على كل جيل أن يخلق نقاده»، وهذا يجعلنى أقول إنه فى فترة ظهور جلال أمين كان رجاء النقاش توقف عن فكرة النقد التطبيقى، وهذا ما خلق صيغة لوجود الأول، إلى جانب أن خطاب صلاح فضل وجابر عصفور لا يمكن مقارنته بخطاب جلال أمين الذى امتاز بالخفة، والقدرة على الوصول للجمهور العادى وهذه كانت خطورته. 

■ أشرت فى حوارات سابقة لك إلى أنك مشغول بكتابة رواية عن الشاعر الإيطالى المصرى «أونجاريتى» ومن قبل أنجزت رواية عن «كفافيس»، الشاعر اليونانى الذى عاش فى الإسكندرية فى الأربعينيات.. كلاهما شاعر أوروبى مغترب فى مصر.. هل أنت منشغل بفكرة الاغتراب؟

- نعم.. جدًا مبدئيًا.. اغترابى الأول يرجع إلى أننى من دمنهور وأعيش بالقاهرة، ربما لعب هذا دورًا، إلى جانب انشغالى بفكرة الشخص الذى يكتب وعلاقة الفرد بالمدينة، وحين أكتب كل يوم أحس أننى أرى وجهًا جديدًا للمدينة، لذلك لدىّ شعور بالاغتراب الدائم، إلى جانب أننى فى حالة جدل دائم حول كل ما يطرح، وأحيانًا أحس أننى خارج الزمن، ودائمًا ما يشغلنى إحساسان متلازمان ومتناقضان بالنسبة لى، فالمدينة تمنحك شيئًا على عكس الريف.. تمنحك أهليتك كمواطن أو كساكن للمدينة أو كفرد مستقل، ولكنها فى نفس الوقت تجعلك تذوب فى القطيع، وتخبرك فى كل لحظة بأنك واحد من هذا القطيع، لذا أرى أن القاهرة هى بنت الرواية أكثر من كونها بنت الشعر.

■ لكن فى حالتى «كفافيس» و«أونجاريتى» أنت تذهب تحديدًا إلى الإسكندرية التى ارتبطا بها.. هل تستهويك كتابة «النوستالجيا» أو الحنين للماضى الجميل؟

- أنا ضد فكرة «النوستالجيا» أو الحنين، خاصة فى الرواية التاريخية، وأعتقد أن الكتابة عن التاريخ يجب أن تكون بتحفز، وأقتبس حديث الكاتب الصحفى وائل لطفى عن أن الروايات التاريخية التى تكتب عن الحوادث المعروفة تعيد إنتاج ما قرأناه فى الأرشيف الصحفى ولكن فى صورة رواية، وهذا أول سؤال سألته لنفسى عندما شرعت فى الكتابة عن «كفافيس»: هل «كفافيس» هو فعلًا شاعر الإسكندرية؟ وبأى معنى؟ وما مدى علاقته بهذه المدينة؟ واكتشفت مع البحث أن كفافيس كان أجنبيًا يكتب بالعامية اليونانية الدارجة، ولا يشتبك مع الواقع المصرى نهائيًا، وتكتشف أن هناك أسطورة ما تمت صناعتها عن كونه مصريًا سكندريًا، أما عند النظر إلى الأمر بشكل واقعى ستجد أن هذه الحالة غير موجودة.

الإسكندرية كمدينة لديها هوية مختلفة ومغايرة عن القاهرة، هويتها مرتبكة فى علاقتها حتى بمصر، فهى جزء من الكوزموبولتانية الممثلة بالفعل، حتى إن جمال حمدان وصفها بأنها قطعة من أوروبا ألصقت بالشاطئ المصرى. 

وبالنسبة لى عدت للتاريخ حتى أرى المدينة المرتبكة التى تبحث عن هويتها، وذلك عبر أشخاص مرتبكين وبدورهم يبحثون عن هويتهم بكل المعانى.

«أونجاريتى» بالنسبة لى هو أكثر مصرية من «كفافيس»، فالثانى ابن برجوازية عليا، ثمة علاقة تربط أسرته بالخديو الذى قلد والده نياشين، وكان يزورهم فى المنزل، وهذا على عكس «أونجاريتى» الإيطالى الذى يموت والده فى أعمال حفر قناة السويس، وهو مواليد محرم بك، ووالدته صاحبة مخبز، وإحدى أبرز العلامات فى حياته هى انتحار صديقه محمد شهاب بباريس، وهنا كان لدىّ سؤال فى التاريخ: كيف أستطيع أن أكتب عن «أونجاريتى» ولا أقرأه فى مرآة «كفافيس»، دون أن تكون كل رواية صورة من الأخرى؟، وفى روايتى الجديدة أكتب عن حياة «أونجاريتى» عقب نكسة ٦٧ فى لحظة شديدة الأهمية على مستوى مصر.

■ هناك تيمات أساسية يركن إليها مشروعك السردى، وأبرزها محاولة استعادة فكرة «ألف ليلة وليلة» إلا أن تلك التيمة غابت فى روايتىّ «طعم النوم» و«ماكيت القاهرة»؟

- أخالفك الرأى فى هذا، «طعم النوم» بتوصيفها «رواية معارضة» لم تبعد عن «ألف ليلة وليلة» ولو رجعت إلى الرواية ستجد أن مدخلى إليها جاء بجملة من «ألف ليلة وليلة».. يمكن أن أقول إن «طعم النوم» كتبت بشكل أساسى كمعارضة لـ«ألف ليلة وليلة».

أما «ماكيت القاهرة»، فهى رواية عمر، كتبت المقطع الأول فيها عام ٢٠١١، وواصلت العمل فيها تسع سنوات، وهى مختلفة عن كل ما كتبت، لأنها تعبر بأقصى صيغة عن طارق إمام ابن هذا الواقع وابن هذا الجيل، وتعبر عن الفترة من ٢٠١١ حتى اليوم بالأسئلة الشائكة على كل المستويات، وكانت الرواية التى شككت كثيرًا فى أننى سأنهيها، وكلما كنت أظن أنها شارفت على الاكتمال، تفاجئنى أنها لم تكتمل، أو لم تكتب بعد.

وتضمنت أيضًا أسئلتى عن الفن، حاولت أن أكتب عنها من الهامش، وكان أبطالها فنانين وفيهم جزء كبير يشبهنى.. وهى تكاد تكون ٣ روايات متداخلة، حيث كل شخصية من شخصياتها الثلاث رواية فى حد ذاتها.

■ لو حدث وحصلت على جائزة «البوكر».. ما هى ملامح الكلمة التى ستلقيها فى حفل تسلمها؟

- لا أستطيع فعلًا أن أفكر فى أى شىء يخص ما قد يحدث فى «البوكر»، أتمنى بالطبع أن أفوز وإن لم يحدث فإننى فائز بالكتابة، وهناك جملة أرددها فى العديد من المناسبات «لا خاسر فى الكتابة».

كيف ترى رواج أعمال «الديستوبيا» أو «أدب المدينة الفاسدة».. ولماذا كانت ملمحًا رئيسيًا فى «ماكيت القاهرة»؟ 

- هناك شىء فى بنية الرواية أجبرنى على هذا، كنت أحتاج للعمل على لحظتين مستقبليتين لزمنين فى المستقبل، و«الديستوبيا» موجودة كملمح داخل الرواية، وفى تقديرى الشخصى أن جنس «الديستوبيا» تم امتهانه فى كثير من الأعمال مؤخرًا، ولكنها موجودة بشكل ما فى أعمال جادة، ومصر والعديد من بلدان العالم العربى أنتجت أعمال «ديستوبيا» جيدة.

تاريخ الخبر: 2022-04-01 21:20:58
المصدر: موقع الدستور - مصر
التصنيف: سياسة
مستوى الصحة: 51%
الأهمية: 52%

آخر الأخبار حول العالم

محامي التازي: موكلي كشف أمام المحكمة أشياء كانت غائبة عنا جميعا

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-03 21:26:18
مستوى الصحة: 56% الأهمية: 59%

محامي التازي: موكلي كشف أمام المحكمة أشياء كانت غائبة عنا جميعا

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-03 21:26:14
مستوى الصحة: 52% الأهمية: 59%

المزيد من الأخبار

مواضيع من موسوعة كشاف

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

تحميل تطبيق المنصة العربية