د. محمد الباز يكتب: كيف تحول «الاختيار» من مسلسل درامي إلى حارس للذاكرة الوطنية؟

توافقت الأقدار فى هذه اللحظة على أن ينتبه الجميع لما يقوله الرئيس. 

كنا نشارك فى الندوة الثقيفية الـ٢٩ التى عقدتها القوات المسلحة فى ١١ أكتوبر ٢٠١٨ احتفالًا بذكرى انتصارات أكتوبر. 

وجدنا الرئيس عبدالفتاح السيسى يأخذنا إلى مساحة يختلط فيها الإنسانى بالسياسى، وهى المساحة التى فتحت بابًا كبيرًا بعد ذلك للفكرة التى أعتقد أن الأجيال القادمة لن تفلتها من بين أيديها بسهولة. 

سأل الرئيس: يا ترى إيه الفرق بين هشام عشماوى وأحمد منسى، ده إنسان وده إنسان، ده ظابط وده ظابط، والاتنين كانوا مع بعض فى فرقة واحدة؟ 

وكما سأل الرئيس أجاب، قال: الفرق بينهم إن واحد منهم اتلخبط وخان، والتانى استمر على العهد والفهم الحقيقى لمقتضيات الحفاظ على الدولة المصرية وأهل مصر، منسى بنسقف له وبنبص له بملء العين، والتانى عايزينه علشان نحاسبه. 

تجسدت لدى الجميع الفكرة التى يضعها الرئيس أمام الشعب المصرى كله. 

فكرة «الاختيار».

فى هذه اللحظة كان هناك من يلتقط المعنى ويقرر أن يحوله إلى عمل درامى من دم ولحم وأعصاب ومشاعر، لا ليروى من خلاله قصص الأبطال الذين اختاروا الوطن ووقفوا فى صفه وعملوا على حمايته واستقراره فقط، ولا قصص هؤلاء الذين لم يختاروا الوطن ولم يقفوا فى صفه ولم ينصروه فقط، ولكن ليصنع ملحمة وطنية كبرى، يحفظ بها للأجيال التى ضحت حقها فى أن نتذكرها ونخلدها وندين لها بالفضل، ويحافظ بها على ذاكرة الأجيال القادمة، وهى ذاكرة مستهدفة بكل أسلحة الدعاية السوداء التى عرفها خبراء الإعلام على مدار التاريخ، ويضع بين الذين خانوا الوطن وبينه حاجزًا وحجابًا فلا يعبرون إلى مدينتنا مرة أخرى. 

«الاختيار».. ليس مجرد مسلسل درامى، التقطت الشركة المتحدة فكرته من وحى مقارنة عقدها الرئيس بين منسى وعشماوى. 

من يميلون إلى تبسيط الأمور يعتبرونه كذلك. 

لكن الحقيقة أننا أمام معنى يتجاوز مهمة الدراما فى التوثيق والشحن المعنوى وإعادة رسم الصور المشتتة وربما تزجية الوقت أيضًا، إلى مهمة تكون فيها الدراما سلاحًا من أسلحة المعركة التى تخوضها مصر دفاعًا عن بقائها. 

لقد فرضوا هذه المعركة على مصر فرضًا. 

الشعب المصرى فى ٣٠ يونيو ٢٠١٣ قرر أن يسترد دولته من بين أيدى من لا يعرفون معنى أو قيمة للدولة، وأعتقد أن هذا كان «الاختيار» الأكبر فى حياة المصريين، «اختيار شعب» خرج بالملايين ليقول إنه يريد وجه الوطن الذى يريده، لا ما يخططه له الذين قرروا اختطافه وتغريبه وتشويه ملامحه. 

عرفنا «الاختيار» فى الجزء الأول وسرنا خلاله إلى جوار أحمد منسى. 

منسى البطل الرمز، الذى لم يعد مجرد ضابط فى القوات المسلحة قرر أن يتصدى إلى خصوم الوطن ويدافع عن الأرض، ويضحى بنفسه من أجل ألا يترك رجاله بين يدى أعدائهم، حتى وهم جثث لا حول لها ولا قوة، ولكنه أصبح ملهمًا ونموذجًا للبطولة فى معناها المطلق، ويكفينا ما نسمعه من أطفالنا الذين يريدون أن يصبحوا أبطالًا مثل منسى. 

وعرفنا «الاختيار» فى الجزء الثانى.. وهو يحيطنا ببطولات رجال الداخلية وفى القلب منهم رجالات الأمن الوطنى، وعلى رأسهم محمد مبروك، الذى استشهد وهو يجاهد من أجل كشف الحقيقة وفضح المتورطين فى خيانة هذا الوطن وبيعه والتفريط فيه. 

لم يكن مبروك مجرد ضابط ينتمى إلى الأمن الوطنى.. هو أيضًا كان أقرب إلى معنى كبير فى حياتنا، معنى أن تكون حارسًا لبلدك، لا يشغلك عن ذلك شىء، ومعنى أن تعرف أنك تقف على حافة الموت، لكن لا يجعلك ذلك تتراجع أو حتى تفكر فى أن تنسحب.. ففى انسحابك هزيمة لوطنك، ونحن لا نرضى لوطننا الهزيمة.. وحتى لو وقعنا فى أسرها، لا نستسلم حتى نحولها إلى انتصار. 

الجزء الثالث يدخل بنا إلى ساحة الملحمة الوطنية الكبرى. 

يسجل أخطر ٩٦ ساعة مرت بها مصر خلال السنوات العشر الماضية، وهى الساعات التى كانت فاصلة، إما أن تسقط مصر تمامًا فى فخ الحرب الأهلية أو أن تقف على قدميها وتصد وترد كل ما يراد لها وبها، كانت هذه الساعات أيضًا ساعات «الاختيار» الكبرى فى حياتنا، فإما أن نكون شعبًا عظيمًا، وإما أن نصبح شعبًا ضائعًا. 

عندما انتهى الجزء الأول من «الاختيار»- موسم رمضان ٢٠٢٠- كانت مفاجأة سعيدة للمشاهدين أن يتم الإعلان عن الجزء الثانى، وعندما انتهى الجزء الثانى- موسم رمضان ٢٠٢١- كانت مفاجأة سعيدة أيضًا أن يتم الإعلان عن الجزء الثالث، وأعتقد أن السلسلة لن تنتهى عند حلقتها الثالثة، فسيكون هناك جزء رابع وخامس وسادس، ومن يدرى، فيمكن أن يكون هذا العمل ملازمًا لنا لسنوات طويلة. 

أعتقد أنه لا بد أن يكون «الاختيار» كذلك، لأنه ببساطة شديدة تحوّل من عمل درامى وطنى إلى حارس للذاكرة الوطنية.

قد يستهين البعض بهذه المهمة «حراسة الذاكرة الوطنية». 

من يفعل ذلك لا يعرف جيدًا ما الذى تمثله الذاكرة الوطنية فى معارك الحفاظ على الدول وتمسك أبنائها بما حققوه، لأن ما حققوه دفعوا فيه ثمنًا غاليًا، ليس دماءهم وأرواحهم فقط ولكن دفعنا الثمن من راحتنا واستقرارنا وراحة بالنا وتقدمنا وسيرنا فى طريق الديمقراطية الذى نحلم به جميعًا. 

بعد خروج المصريين الكبير فى ٢٠١٣، كان الجميع يتابع المعارك التى تدور على الأرض، الجماعة الإرهابية قررت أن تشعل النار فى كل شىء، نزولًا على شعارها الذى عملت به دون أن تعلنه وهو «يا نحكمكم يا نقتلكم»، حرقت الكنائس والمؤسسات والمنشآت العامة، واعتدت على رجال الجيش والشرطة واستهدفتهم بالقتل المباشر. 

كانت الجماعة الإرهابية تزرع فى كل شارع قنبلة، وتقيم بالقرب من كل ميدان كمينًا لتصطاد به من ترى أنهم وقفوا فى طريق انفرادها واستبدادها بالسلطة، لم تنقطع مظاهراتها ومسيراتها، ولم تكف عن قطع الطريق وتعطيل مصالح البلاد والعباد، ثم ركنت إلى صيغة الاعتصام الكبرى فى ميدانى رابعة العدوية والنهضة، فى رسالة إلى أنها لن تبرح مكانها حتى تحصل على كل ما تريد. 

كان هدف الجماعة الأول من الاعتصامات، بعد توسيعها، أن تصدر للعالم أن فى مصر حكومتين لا حكومة واحدة، ورئيسين لا رئيسًا واحدًا، فتتحول القضية المصرية بعد ذلك إلى قضية دولية يجلس كل من هب ودب لينظر فيها. 

كانت هذه المعركة بادية أمام الجميع، وتصدى لها الجميع. 

فما كان جيش مصر أن يترك هؤلاء المرتزقة ليعبثوا بأمننا. 

وما كانت شرطة مصر لتسمح أو تتسامح مع عناصر الجماعة الإرهابية الذين أرادوا أن يمرحوا فى شوارعنا بلا رقيب أو حسيب. 

وما كان للشعب المصرى كله أن يقف مكتوف الأيدى أمام هؤلاء الذين قرروا أن يدوسوا على الوطن من أجل مصالحهم الخاصة. 

إلى جانب هذه المعركة، كانت هناك معركة خفية. 

فقد قررت الجماعة الإرهابية على عادتها التى لم تتخل عنها طوال تاريخها أن تروى الحكاية على هواها وبمزاجها الخاص، وطبقًا لما تراه وحدها، وبدأت بالفعل فى الكذب علينا جميعًا ونحن لا نزال أحياء. 

فصوروا الثورة انقلابًا. 

وتعاملوا مع خروج المصريين لاسترداد وطنهم على أنه محاولة للقضاء على الإسلام. 

أصبح الوطنى فى عرفهم خائنًا والخائن وطنيًا. 

رفعوا الإرهابيين إلى مرتبة الصديقين والشهداء، وأهالوا التراب على الشهداء الحقيقيين. 

فى عهود سابقة استطاعت الجماعة أن تكتب التاريخ على هواها، لأنه لم يكن هناك من يتصدى لها ويفند أكاذيبها، لكن هذه المرة، ولأن المعركة مصيرية بالفعل، فقد لعبت قوى مصر الناعمة، جميعها، دورًا فى محاولة كشف الزيف، وفى القلب جاءت الشركة المتحدة من خلال أعمالها الدرامية وعلى رأسها «الاختيار» لترد على الجماعة كيدها، ولا تترك لها الساحة لتتحرك فيها وحدها. 

ولأن «الاختيار» بالنسبة لى- كما هو بالنسبة لكم أيضًا - ليس مجرد مسلسل درامى، بل تاريخ حى يسير على قدمين، فإننا سنسير إلى جواره طوال أيام عرضه، فى يوميات، أحكى لكم فيها كواليس ما جرى، وتفاصيل ما حدث.

فما حدث كثير، وستظل حاجتنا وحاجة الأجيال القادمة متجددة إلى معرفته، فبدون المعرفة لن يكون هناك وعى، وبدون الوعى لن يكون هناك مستقبل.. لا لنا.. ولا لوطننا.

تاريخ الخبر: 2022-04-02 21:20:56
المصدر: موقع الدستور - مصر
التصنيف: سياسة
مستوى الصحة: 50%
الأهمية: 55%

آخر الأخبار حول العالم

محامي التازي: موكلي كشف أمام المحكمة أشياء كانت غائبة عنا جميعا

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-03 21:26:18
مستوى الصحة: 56% الأهمية: 59%

محامي التازي: موكلي كشف أمام المحكمة أشياء كانت غائبة عنا جميعا

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-03 21:26:14
مستوى الصحة: 52% الأهمية: 59%

المزيد من الأخبار

مواضيع من موسوعة كشاف

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

تحميل تطبيق المنصة العربية