الغاز الجزائري يضع نظام الجنرالات في ورطة كبيرة

 

بقلم : د.خالد فتحي

ستتمنى الجزائر كثيرا لو أنها ظلت مستورة، ولم تتسرع، وتقرر في لحظة نزق و طيش إغلاق انبوب الغاز المغاربي الأوربي الذي يمر عبر المغرب، بعد سلسلة اتهامات ملفقة وباطلة كالتها للمملكة. فهي توجد  الآن بسبب هذه الرعونة وعمى البصيرة بين المطرقة والسندان، بعد أن زارها انطوني بلنكين وزير خارجية الولايات المتحدة الأمريكية   قادما إليها  من الرباط.  

من المفهوم أن بلنكين، الذي يسعى لتهدئة روع أوروبا، والذي يهمه أن يقلل ارتهان القارة العجوز بالغاز الروسي، قد بحث هناك إمكانية قيام الجزائر بزيادة ضخ غازها في السوق الأوروبية للتقليص من الابتزاز الروسي للدول الأوروبية، خصوصا بعد أن طلب بوتين من قادتها شراء الطاقة بالروبل. ومن الواضح أن البادرة المطلوبة من الجزائر تقتضي منها  أساسا تشغيل هذا الخط باستعجال.

الجزائر حليفة تقليدية لروسيا، ولكنها أيضا تدعي صداقة أمريكا، ولها علاقات تجارية معها، وبالتالي أي قرار ستتخذه بعد هذه الزيارة سيجعلها تقع تحت نقمة واحد من الكبار على الساحة الدولية.

يعرف الكل أن الجزائر الرسمية تحنق على الولايات المتحدة اعترافها بسيادة المغرب على صحرائه، وهو القرار الجريء الذي كان له تأثير الدومينو على مواقف العديد من الدول الأوربية التي حذت تباعا حذو واشنطن، كما لم يعد سرا عزلتها عربيا بخصوص هذا الملف المكلف جدا لكلا البلدين وللمنطقة المغاربية برمتها، والآن قد صار مضرا بالمصالح الأوربية نفسها.

تبدو كل الخيارات  أمام الجزائر  سيئة جدا، فالرؤية مشوشة تماما أمام قصر المرادية: التحالفات المقبلة لازالت في طور المخاض، ونتائج عملية كسر العظام ما بين وروسيا والحلف الأطلسي وأوروبا، اللذين يخوضان حربا عسكرية غير مباشرة مع بوتين، غير معروفة لحدود الآن، كما أن اتفاقية فينيا لازالت تعتمل، وقد تعيد الحليف الإيراني إلى الحضن الامريكي، أو تؤدي على الأقل إلى تطويعه وارغامه على الالتزام بالاقلاع عن مغامراته التي يوجه من خلالها أذرعه الإرهابية ضد الدول العربية ومن ضمن ذلك دعمه لانفصالي البوليزاريو، كل هذه الاحتمالات تجعل الجزائر في حيص بيصص، حيث ستخبط خبط عشواء كيفما قررت أن تتصرف.

الولايات المتحدة الأمريكية تملك المعلومات الكافية عن نوايا الجزائر، وتستطيع توقع شطحاتها المقبلة، ولربما تحتاج الجزائر الآن أن تبرهن عن سلامة طويتها للأوروبيين والامريكيين على السواء، إذ من السذاجة أن نعتقد أن اغلاق الأنبوب المغاربي للغاز لم يكن بسبب رغبة الجزائر في تضييق الخناق على القارة العجوز بشكل مسبق، لأن غزو روسيا لأوكرانيا لم يكن وليد الصدفة، او قرارا اتخذ بين عشية وضحاها، بل هو مخطط له استراتيجيا منذ بدأ بوتين في مشروع استعادة أمجاد الاتحاد السوفياتي البائدة.

مهما حاولت الجزائر أن تتنصل من هذا التواطؤ المحتمل مع الروس، فلن تصدقها الولايات المتحدة ما لم تتجند لمد اوروبا بالغاز متناسية عداءها للمغرب، لكن هذا القرار دونه خرط القتاد كما يقولون، فهي لن تستطيع إغضاب روسيا التي هي أكبر مزود لها بالسلاح دون أن تودع حلمها في اقتطاع الأقاليم الجنوبية من المغرب، بل ليس بوسعها حتى أن تقايض هذا القرار المطلوب منها بمراجعة الولايات المتحدة الأمريكية لقرارها الداعم لخطة الحكم الذاتي التي اقترحها المغرب على المجتمع الدولي.

ولعل الولايات المتحدة الأمريكية تعرف في قرارة نفسها جيدا، والحالة هذه، حدود الصداقة والود الذي  تكنه الجزائر للصف الديمقراطي الليبرالي الحر، فلا تراهن عليها، بل تقيم عليها الحجة، فحتى عقب مرحلة انتهاء الحرب الباردة التي تلت  موت الاتحاد السوفياتي، ظلت الجزائر وحدها ضمن شرذمة قليلة من الدول وفية لتلك المرحلة من التاريخ، لأن مثل ذلك التحجر يعفيها من مراجعة أساليبها ومواقفها الخاطئة، ومن القيام بنقد ذاتي أمام شعبها و شعوب المنطقة المغاربية، ولذلك هي بالنسبة لامريكا واوروبا بلد ميؤوس منه استراتيجيا، اذ هذا مافهمته القارتان بوضوح مؤخرا بعد الفجور في الخصومة مع المغرب.

نظن أن زيارة بلنكين للجزائر كانت لأجل رفع العتب عن الولايات المتحدة، وسحب كل الأعذار التي قد تتعلل بها الجزائر غدا بعد أن بنفسه غبار المعركة أمام اوروبا التي تدعي حبها وشراكتها، فمن الصعب جدا أن يلتقط نظام متكلس الإشارات التي تنبعث من حواليه، ويقرر أن يتصرف وفق الهندسة الجديدة التي تتهيأ في العالم بشكل يضمن مصالح شعبه.

بلنكين جعل من الجزائر آخر محطة له في جولته التي قادته لأربع دول، مكث فقط ستة ساعات، وأنجز ندوته الصحفية من سفارته بالجزائر ، كأنه جاء يتفقد موظفيه، وبالتالي لا مجال للمقارنة مع الزيارة المثمرة التي قام بها للرباط.

لا نشك الآن أن الولايات المتحدة تعرف حاليا وبشكل جيد من هو حليفها الموثوق به مغاربيا الذي ينبغي التعويل عليه، إلا ان الجديد هو أنها صارت الآن تجهر بهذه الشراكة الاستراتيجية مع المغرب، بل وتصدح بها في قلب الجزائر حين دعت العسكر إلى مراجعة علاقتهم بروسيا والمغرب، وتبني المقاربة الدبلوماسية لحل الصراع المفتعل من قبلهم في الصحراء المغربية. 

هكذا تكون الجزائر قد ندمت على اغلاق انبوب الغاز المغاربي الذي يعرضها لهذا الانكشاف، محولة نعمة حباها بها الله إلى نقمة عليها. وقديما قد قيل لايحيق المكر السيء إلا بأهله، وهكذا ستتذكر اوروبا غدا أن الجزائر تنكرت لها خلال وقت الشدة لأنها بكل بساطة دولة تحب أن تعانق الأوهام،  أما إذا حدثت المعجزة، وباعت الجزائر أوربا غازا إضافيا عبر المغرب، فذلك يعني أن جزائر أخرى قد ولدت بعد زيارة بلنكين، جزائر مفيدة لنفسها ولمحيطها الإقليمي، وذاك مانرجوه لها دائما.

 

 

 

تاريخ الخبر: 2022-04-02 21:23:25
المصدر: أخبارنا المغربية - المغرب
التصنيف: سياسة
مستوى الصحة: 62%
الأهمية: 73%

آخر الأخبار حول العالم

تفاصيل مشروع وزاري جديد لوضع حد للمحسوبية في التعيينات

المصدر: الأيام 24 - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-02 15:08:47
مستوى الصحة: 63% الأهمية: 79%

جامعة الكرة: بركان تأهل رسميا إلى نهائي كأس "الكاف"

المصدر: تيل كيل عربي - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-02 15:09:44
مستوى الصحة: 49% الأهمية: 62%

مقاييس الأمطار خلال 24 ساعة الأخيرة

المصدر: الأيام 24 - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-02 15:08:39
مستوى الصحة: 74% الأهمية: 75%

الرئيس الكولومبي يعلن قطع العلاقات مع إسرائيل

المصدر: الأيام 24 - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-02 15:08:51
مستوى الصحة: 73% الأهمية: 78%

البرلمان يناقش الحصيلة المرحلية لحكومة أخنوش

المصدر: الأيام 24 - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-02 15:08:37
مستوى الصحة: 63% الأهمية: 83%

هل يقنع بنعطية أكرد بمغادرة "البريمر ليغ"؟

المصدر: تيل كيل عربي - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-02 15:09:43
مستوى الصحة: 60% الأهمية: 56%

توقيف الدعم المالي للأسر يجر لقجع للمساءلة 

المصدر: الأيام 24 - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-02 15:08:54
مستوى الصحة: 70% الأهمية: 80%

المزيد من الأخبار

مواضيع من موسوعة كشاف

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

تحميل تطبيق المنصة العربية