الشاعرة هبة علاء الدين: كثيرة هي الأسماء التي تلهمني وتشعل الرغبة المتوهجة للشعر

هبة علاء الدين شاعرة لبنانية تكتب قصيدة النثر بمناح صوفية جديرة بالتأمل والرصد، كونها نجحت في الجمع بين طياتها وتشكيلها اللغوى الكثير من الرومانتيكا بأليات حسية تنهل من الوحشة والفقد والغربة حيث أنها تركت وطنها الأم "بيروت" بعدما أصدرت دوانيين هما "وحدى ألون حزن الياسمين"، و"موعد على القصيدة".

هبة علاء الدين في لقائها الأول مع «الدستور» تحدثت عن العيش والسفر والقصيدة اللبنانية والعربية وتلك الأجواء الفنية المغايرة التى لازمتها منذ تركها لديارها. هبة حائزة على شهادة دبلوم (license) من كلية التربية في بيروت في تعليم العلوم والرياضيات وتعمل مؤسِسة ومعلمة في معهد لغتي في ساحل العاج لتعليم اللغة العربية لغير الناطقين بها. 

سألتها بداية.. بعد كلّ هذا الاختلاف في شكل القصيدة في ما يخصّ ديوانيك الأول والثاني، لماذا لم يطرق اسم هبة علاء الدين الشاعرة في الساحة اللبنانية والعربية؟ 

أبتسمُ كثيراً وأنا أعيدُ سؤالك هذا في ذهني، وتعودُ بي الذكرى إلى بدايات ممارستي الشعرية، أرى هبة في الثانية أو الثالثة عشر من عمرها تخطُّ أولى قصائدها "الرّكيكة" بولهٍ وشغف، تدسّها في دُرجٍ سرّي، تخبّئُ فيها مشاعرها ورؤاها؛ كبرتُ وأنا أؤمن أنّ الشعر ملاذٌ للروح، وأنّ له عزلة مقدسة، وأنه بعيدٌ كلّ البعد عن مديح المجاملين، وفشلتُ في إقران صوتي مع القصيدة في محافل الضوء والتصفيق، كنت أسعى أن يكون صوتها الداخليّ هو الأقوى والأكثر إيقاعاً في نفوس القرّاء. وتضيف الشاعرة “ هبة علاء الدين.

تأخرتُ في النشر، فقد صدر ديواني الأول "وحدي ألوّن حزن الياسمين" عام ٢٠١٩ وديوان "موعدٌ على القصيدة" عام ٢.٢١، وأعترف هنا أنني قصّرتُ كثيراً في متابعة مصير ديوانيّ، لكنّ عشقي للأدب والشعر خاصة لا ينفكّ يتضاعف فأنا أعيشه اليوم روحاً، أكتبهُ أنفاساً وأتذوّقه حياةً كاملة؛ الآن أكتب كي أموت بالطريقة التي أريدها. 

ربما كان بُعدي "المكاني" عن الساحة اللبنانية والعربية سبباً في عدم مشاركتي الفعالة والوجودية في الوسط الثقافي كوني مقيمة في أفريقيا منذ ما يقارب السبعة عشر عاماً، لكني أنا هنا الإنسانة التي تقضي غربتها قرب نوافذ الانتظار، تتلمّسُ الغيم بأصابعَ من ضوء، لتغزلَ منها قصائدها المتعَبة، بصمت.

- هناك أكثر من منحى في قصيدتك الشعرية، منها الصوفي، الوجداني، الرومنطيقي. ليتكِ تحدّثينا عن أيّ الأسماء الشعرية العربية أو اللبنانية أو حتى العالمية كان لها السطوة في منتجك الشعري؟ 

 كلّ ما تقرأه، فيحفر في داخلك ويهز فيك الوجدان، تجده حاضراً في قصائدك. 

اليوم ورؤيتى كشاعرة، وقبل أن أتفرّد في نصي، كان من الطبيعي جداً أن أتأثر بقراءاتي ومطالعاتي، ثم أعيد إنتاج نصوصي الشعرية بطريقة تُظهر حضوري الكامل وحواملي الثقافية الخاصة بي. وإذا أردتَ التخصيص فأنا لا أخفي ميولي إلى الأدب الروسي بكافة أشكاله واهتمامي بمتابعته، كما أنني أسعى إلى تحقيق نوعٍ من الخلاص الفني عبر كتاباتي وربما أكون بذلك متّبعةً لتراجيديا الأدب اليوناني الذي خلّص اليونانيين من تشاؤمهم كما عبّر نيتشه. 

وتضيف هبة: أما من جهة انتماءات القصيدة و"السطوة" كما ذكرت في سؤالك، في الحقيقة يصعب عليّ التقيّد بمدرسة أو بمذهب أدبيّ، أحبّ قصيدتي حُرّةً ، متفرّعة، أحبّها تصارعُ إسمي ووجهي، أحبّها "انتحاراً مُرجَأً" كما يعبّر إميل سيوران. 

- هل في ظلّ هذا العدم الوجودي والعبث والفوضى التي تجتاح العالم دور في هذا الشكل من الكتابة الشعرية؟ هل الأحداث الواقعية لها علاقة بالمنتج الشعري لديك؟ 

ربما لم نشأ يوماً أن نكتب عن الحرب، المعاناة، الأسى، البؤس، الآلام .. لكنّ رائحة الرماد المشتعل في قلوبنا، نحن الذين لا تزال تصفعنا ويلات بلادنا وتحرقنا جراحاتها المتناثرة، موجعةٌ جداً. 

هذا الموتُ الطويل، الباسطُ كفين ممشوقين، يعلّقُ على صدورنا قلائدَ الدخان الكثيف، صوراً تتجلّى بوضوح تامّ بين كتاباتنا . وتضيف الشاعرة..

ولأنّ هذا الفقدَ لا يحدث مرةً واحدة، فنحن لن نستطيع أن نغمضَ عينَ الشِّعر عن الأزمات والأوجاع التي نعايشها يومياً، وفي كلِّ مرة نعطي القصيدة أيدينا، تراها تأخذنا حيث اليتمُ والدّمعُ والظّلمُ والقهرُ والقمعُ والثَّكل والعتمةُ والبردُ والهلاك .. 

لذلك نحن نكتب حين نريد أن نبكي بكاءً طويلاً، فنطلقُ صرخاتٍ مدوّيةً على شكل قصائد. 

- ليتكِ تحدثينا عن خارطة الشعر العربي واللبناني في السنوات العشرة الأخيرة. 

 في الواقع، تبرز تساؤلات كثيرة في الأوساط الفكرية العربية حول مسيرة الثقافة الفنية الأدبية وما تؤول إليه الآداب بمختلف أشكالها في ظل الاضطرابات والظروف القاسية التي تمرّ بها البلاد. لا تخفى على قارئ المشهد الأدبيّ الراهن الصعوبات التي تعيق عملية الإغتناء اللغوي والثقافي والعاطفي، وغياب دعم الحكومات والوزارات، وتعطّل المؤسسات الثقافية والأدبية، وتفاقم الأوضاع الاقتصادية والسياسية التي ترمي بثقلها وتُراكِم تردّداتها في بنيان الفكر، وتعرقل التقدّم الحضاري للشعوب. وتضيف ( إلا أنّ هذه البلاد التي أنجبت العظماء والمبدعين والكتّاب والشعراء والمفكرين قد أورثتنا شغفاً لا يملّ ورغبةً مُثلى في الحياة للحفاظ على هذا الإرث الضخم وللاستمرار في بثّ روح الإبداع في الإنتاجية الأدبية وتطوير القصيدة من حيث الشكل والمضمون. أما على الصعيد اللبناني خصوصاً، يشهد الحراكُ الثقافي أنشطةً مختلفة وأمسيات شعرية وملتقيات أدبية، تساهم جميعها في تخطّي التحديات وتغيير واقع مظلم ألمَّ ببيروت، بيروت التي طالما هدهدت مهدَ أبرز المحافل الأدبية، بيروت حيث حرية النشر والتعبير، بيروت حيث أحلامنا العذبة التي تنتظر بسمةَ شفاء.. 

هناك في بيروت، تنضجُ قصائدنا على نيران الأزمات، فتغني وتغني رغم كل البكاء. 

- في تصريح من تصريحاتك الإعلامية ذكرتِ أنه قد تمَّ انفصالٌ بينكِ وبين ديوانيكِ السّابقين، فهل تقصدين بهذه القطيعة أنّ ما أنتجتِ من شعر هو الفارق في التجربة أو المرحلة وما هو الإختلاف في ديوانك الثالث الذي تحضرين لإصداره، ولماذا كان النكران تجاه بدايتك الشعرية بهذه التصريحات؟ 

 ليس نكراناً بقدر ما هو تفحُّص ونقد وإعادة تركيب ذاتي عميق وحقيقي؛ كلنا نعلم بالتأكيد أن الشعر هو التجربة، وأنّ عليكَ كشاعر أن تلمسَ تجدُّدَ صورك الشعرية كلما التفتّ إلى الخلف قارئاً نصوصاً سابقةً لك، لذلك أعتقد أن الشاعر الذي لا ينفصل عن أولى خطواته الشعرية هو في الواقع لا يقدّم لذاته في الدرجة الأولى ولقارئه ثانياً أيَّ جديد. الآن حين أعود إلى قصائدي السابقة، أجد نفسي في مأزق يجعلني في حالة رفض لتقبّل بعضها أحياناً، رغم الأصداء الجميلة التي رافقت صدورها. وربما هو مفترق طرق ثقافي، ربما تجدُّد ونضوج في التجربة وعدم الاستقرار، فأنا في حالة دائمة من القلق والتردد والبعد عن الثبات. وتستطرد الشاعرة..

الإختلاف الذي أبحث عنه في إصدارٍ ثالث هو اختمار التجارب الأكثر نضجاً حين تتوفر لها المقومات الكاملة، فلا بدّ من خلق فارق لغوي وثقافي بعيداً عن التكرار أو الاغترار بالكمّ. 

أحاول أحياناً أن أرجئ كتابة نصوصي ونظم قصائدي إلى أن أهذبها وأصقلها بمساحةٍ طويلة من المطالعة، أهرب من فخوخ نصوص نيّئة رتيبة وأسعى إلى إيقاد شعوري كاملاً في نصّ متدفق ناض ، فهاجسي الدائم هو بحثي عن "القصيدة الحُلُم"، وسأبقى في رحلة البحث هذه حتى يشيبَ الحرفُ في ذاكرتى والقاريء

- حدثينا عن معالم أو مسارات أو رؤى ديوانك الثالث. 

أنا متأنيةٌ جداً في تحديد معالم إصداري الثالث، أفكّر في نشر نصوص نثرية تقترب من الشعر ، أقوم بقراءتها وتعديلها باستمرار كي تنتمي إلى الجمال، الجمال فقط.

ألاطفُ اللغةَ بدلالٍ علّها ترقُّ لي بمفرداتها ودلالاتها وعمقها وغناها، أخوض تجاربي بمسؤولية في نحت مفاتن قصيدتي لعلّها تقودني إلى ديوان ثالث، من يدري؟ نشاءُ وتشاءُ القصيدة، وللقصيدة ما تشاء..كلُّ ما أريده، أن لا أضيفَ كتاباً فارغاً عقيماً يحمل مشاعر آنيةً على رفوف مكاتبنا العربية، وأن يكون حتماً ثورةً في المجهول. 

- الشاعرة هبة علاء الدين المولودة في بيروت والمقيمة في ساحل العاج، كيف كانت تجربتك مع الشعر في لبنان وفي ساحل العاج وهل هناك نوع من التواصل مع شعراء ساحل العاج؟ ليتكِ ترصدين لنا المشهد الشعري في ساحل العاج. 

يومَ سكَنّا بيوتاً بعيدة، وقطَعْنا مسافاتٍ طويلةً دون أن نمرَّ صباحاً على قهوة أُمٍّ أو قُبلةٍ دافئة، تجزّأْنا.. جزّأتْنا الأماكنُ والذكرياتُ والطرقاتُ والملامحُ والمقاعدُ المختلفة. 

قدمتُ إلى ساحل العاج منذ سنين، هنا نضجت تجربتي الشعرية وهنا وُلد ديواناي، حملتُ معي ذاكرةَ المكان بكلّ تفاصيله، تلك الذاكرة التي منحتني شموعاً كثيرة لقصائدي. أزور لبنان مرةً كل سنة، أمشي في شوارع بيروت، أطبعُ صورها في ذاكرتي المشوّهة بحقائب الوداع، ثم أعود فتفلتُ أصابعي إصبعاً إصبعاً، وتحضنني الوحدة هنا بمعطفها الفضفاض.مثقلة أنا دائماًبوحشة اللغة وتغرّب مفرداتها، أشعر بأنّ قصيدتي خلية نحل كبيرة، تفتقد فيروز وعبد الوهاب، وجميلات أفلام الأبيض والأسود، لذا يأتي شِعري وجدانياً محلّقاً حول سقف النوستالجيا الثقيل. لستُ على صلة بأحد من الشعراء العاجيين في هذا البلد، وفي الحقيقة بسؤالك هذا فتحتَ لي باب التساؤلات أمام وجودهم على المستوى الرسمي، إذ أنني لم أتلمس هذا المشهد الشعري منذ قدومي. 

- بعيداً عن الشعر والفن والأدب في الواقع اللبناني والعربي والعالمي، ما يحدث في لبنان من حروب منذ خمسة عقود كيف أثّر في شكل القصيدة اللبنانية وخاصة عند شاعراتها، وكيف أثّر في الشاعرة هبة علاء الدين في ما يخصّ شكل القصيدة وموقف الشاعرة من العالم وما هي رؤيتك لنتاج هذه الحروب في المنتج الشعري اللبناني؟ 

تترك الأزماتُ والحروبُ بصمتَها على جباه قصائد الشعراء في لبنان، ولذا ترى قصائدنا مضطربة كاضطراب الفرح في بلادنا، مزهوّةً بالحب والثورة والمجد حيناً، مكسورةً بالمآسي والمعاناة والآلام حيناً آخر ؛ مرةً نُفرغُ بين راحات بيروت حَبّاً لعصافير ربما تأتي غداً بسلامٍ يشبهُها، ومرّةً نعتذرُ للبحر ، لباعة الورد، للرّفاق الذين توزعوا قهراً على المطارات.. وتضيف هبة علاء الدين_ كما لو أنَّ كلَّ ما في العالم يدعوكَ مُرغَماً إلى التقاط صورة فوتوغرافية في ظلِّ هذا الكوكب، شاهداً على آثامه معاصراً هُراءَه العبثيّ، مبتسماً مُشرعاً ثغرك مُذعناً للخديعة البرّاقة؛ هم يقتلون بلادنا كلَّ يوم، لكنّ في بلادنا ما لن يموت، وقد ذكرنا مسبقاً آخر تجليات المنتديات الثقافية والأدبية في لبنان وتأثّرها بالظروف الراهنة وبإهمال الدولة لمبدعيها، إلا أنني أؤمن بأنّ هذا الجيل الشاب من الأدباء اللبنانيين، الجيل الذي كوى تجاربه بنار التحديات فارتقت ونضجت، سيعيدُ تركيب التاريخ والجغرافيا في مفردات قصائد خالدة، جيلاً عريقاً شاعراً يعرف جيداً كيف يبدأ ولا يعرف كيف ينتهي.

- من هي الأسماء الشعرية أو الروائية أو القصصية التي تزيد من وهج الدوافع الفنية عند الشاعرة هبة علاء الدين؟ 

كثيرةٌ هي الأسماء التي تلهمني وتشعلُ فيّ الرغبة المتوهجة في الشعر والكتابة، شعراء وروائيون وقاصّون، أذكر منهم رياض الصالح الحسين، خليل حاوي، سعدي يوسف ، سيلفيا بلاث، فرجينيا وولف، آنا أخماتوفا، خوليو كورتاثار.. وأنا هنا لا زلتُ على أعتاب الشعر طفلةً تتذوّقُ نبيذه النادر، أنتظر كما فعلت الشاعرة الجميلة مارينا إيفانوفنا تسفيتايفا أن «يحين وقت أشعاري»، لو بعد أن تُغمَضَ عيناي.

تاريخ الخبر: 2022-04-04 12:21:06
المصدر: موقع الدستور - مصر
التصنيف: سياسة
مستوى الصحة: 48%
الأهمية: 51%

آخر الأخبار حول العالم

“غلاء" أضاحي العيد يسائل الحكومة

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-04-29 12:26:39
مستوى الصحة: 52% الأهمية: 56%

“غلاء" أضاحي العيد يسائل الحكومة

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-04-29 12:26:45
مستوى الصحة: 57% الأهمية: 67%

المزيد من الأخبار

مواضيع من موسوعة كشاف

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

تحميل تطبيق المنصة العربية