المدينة التي أغرقها غضب الله
المدينة التي أغرقها غضب الله
كانت مدينة بورت رويال أغني مركز للتجارة في العالم.. وكانت في الوقت ذاته أعظم مدينة للخطيئة وجنة للقراصنة ومرتعا للخاطئات وأخيرا تحققت نبوات الناس عنها فأغرقها غضب الله في يوم من الأيام وأبادها من الأرض في لحظة من لحظات غضبه.
كثيرا ما تغطي أتربة البراكين المدن وتدفنها تحت أنقاضها وأحيانا تجتاز العواصف والأنواء وتبيد مدنا بأسرها. وكثيرا ما تمحو الزلازل مدنا من الوجود, ولكن ما حدث لمدينة بورت رويال كان من نوع آخر ففي تمام الساعة الحادية عشرة والدقيقة الثالثة والأربعين من يوم 7 يونية عام 1692 وفي أقل من عشر دقائق غرقت المدينة بأسرها بمن عليها وما فيها في البحر الكاريبي وبها مجموعة كبيرة من القراصنة والقتلة والسفاكين.
قال شاهد عيان في مذكراته التي نجت من الفرق بأعجوبة:
اهتزت الأرض وانتفخت وتشققت وانفتحت ثم قفلت بحركة سريعة غريبة وبذلك أطبقت الأرض علي كثيرين ودفن عدد آخر أحياء وماتوا في الحال ثم انهار جبل ضخم مرتفع وتلونت السماء الزرقاء بألوان حمراء قانية وكأنها أفران تغلي فيها المعادن, ومات أكثر من ألفي نفس في الفوضي التي اعترت المدينة ولم يقتصر الأمر علي ذلك بل إن القبور فتحت وتبعثرت جثث الموتي هنا وهناك لتنضم إلي الموتي الجدد الذين جرفتهم الأمواج العاتية إلي الشواطئ وتحطمت السفن الكبيرة وسفن القراصنة المحملة بالكنوز بل وسحقتها الأمواج العنيفة بقسوة وضراوة.
ويؤمن أهالي جامايكا حتي يومنا هذا بأن ما حدث لمدينة بورت رويال كان نتيجة لغضب الله علي مساوئ وأخطاء أهل المدينة ولكن الجيولوجيين استطاعوا أخيرا أن يفسروا ماذا حدث للمدينة.
كانت الجزيرة الصغيرة بورت رويال ترتكز علي دعامة من الرمال أو قاعدة واهية تكونت حول أخدود من الصخور علي هيئة الرقم 7 وعندما حدث الزلزال اهتزت الرمال في الحال من حول المنحدرات وغاص 90% من المدينة إلي عمق 50 قدما في البحر.
كانت بورت رويال مدينة العجائب, مدينة الكنوز, مدينة القراصنة وأخيرا مدينة السفن التي تلتف حولها في كبرياء وكانت تسمي عنق الزجاجة وقلعة حصينة يغير منها القراصنة علي السفن العابرة في عرض البحار ولمعت أسماء عدد كبير من القراصنة في ذلك الوقت منهم هنري مورجان وقد قاد هذا القرصان أسطولا في عام 1668 ضد بيرتو في جنوبي كوبا وعاد بخمسين ألف قطعة من الجواهر, وبعد شهور قليلة أغار علي بورتوبللو في باناما وعاد ومعه ربع مليون قطعة من الجواهر الثمينة أيضا بجانب 300 عبد أسود وفي عام 1670 أصدر حاكم باناما الإسباني حكمه بشنق جميع القراصنة بدون محاكمة فكان رد مورجان عليه أن أغار علي بلده كلها واحتلها مع إخوانه القراصنة..
كانت الجرائم منتشرة في المدينة الصاخبة وكلما جلب اليها قرصان للمحاكمة كان أعضاء المحكمة من القراصنة فما هي إلا دقائق حتي يطلق صراحه ويرد إليه اعتباره.. وظلت المدينة هكذا غارقة في خطاياها وجرائمها وشرورها إلي أن جاء يوم 7 يونية عام 1692 وكان يوما صحوا تلونت فيه السماء بألوان زرقاء زاهية وغدت صفحة البحر كالمرآة ولكن ما كادت عقارب الساعة تقترب من الدقيقة الثلاثين بعد الحادية عشرة صباحا حتي اهتزت الأرض فجأة وتداعت المباني وهوت ثم غاصت الجزيرة بسرعة خاطفة ومعها كنوز القراصنة ولم ينج من الناس إلا عدد ضئيل.
والغريب أن نفس الرمال التي تداعت من تحت الجزيرة عادت وتراكمت مرة أخري فبرزت بورت رويال إلي الوجود ولكنها أصبحت قرية صغيرة علي أنقاض المدينة العظيمة بل وأصبحت قرية صغيرة للصيادين الذين يشيعون عنها الأساطير فيقولون إن كنيسة بورت رويال دفنت بأكملها تحت الماء ولاتزال أجراسها تدق كلما تلاطمت الأمواج معها عند السحر.
وفي عام 1966 بدأ عدد من العلماء يغوصون تحت الماء في المكان الذي غرقت فيه بورت رويال ويعودون بأشياء كثيرة وثمينة منها عدد كبير من بنادق القراصنة التي نزعت من السفن الغارقة المهشمة تحت الماء ووعاء نحاسي به بعض أجزاء سلحفاة بحرية كانت تطهي علي النار منذ 277 سنة مضت وساعات وقطع من الذهب.
ويقول أو يتكهن العلماء بأن نفس الجزيرة سوف تبرز إلي الوجود مرة أخري عن قريب أو يبرز جزء منها وقد تعهدت حكومة جامايكا أن تبني المدينة القديمة علي الجزء الصغير الذي تخلف منها بعد غرقها مباشرة وأصبح قرية للصيادين.