يروي خبير الآثار د. منصور بريك قصة تمثال الإمبراطور الرومانى كاراكلا المسحور، مؤكدا أنه في نوفمبر عام ١٩٨٩م تلقت منطقة آثار الهرم إخطارا من مباحث شرطة كوم حمادة يفيد بضرورة حضور لجنة من الأثريين لمعاينة مضبوطات أثرية فتم تشكيل لجنة ثلاثية برئاسة الأثرى المرحوم أحمد عبدالحميد مجاهد وعضوية كل من منصور بريك والمرحوم إيهاب عامر وتوجهت اللجنة إلى مركز شرطة كوم حمادة والتقت برئيس المباحث الذى حكى لنا موضوع القضية.
ويتلخص فى أن صياد من قرية الطرانة التابعة لمركز كوم حمادة فى ذلك الوقت والتى تتبع حالياً مركز منوف بمحافظة المنوفية كان فى قاربه يصطاد السمك فى فرع رشيد من نهر النيل الذى تقع قرية الطرانة على ضفته الغربية وعندما قام بشد شبكة الصيد لاحظ أن بها شيء ثقيل ويصعب عليه رفعها من المياه فما كان منه الا أن طلب مساعدة بعض من أصدقائه من الصيادين الذين كانوا فى قواربهم بالقرب منه وعند رفعهم شبكة الصيد وجدوا فى داخلها نصف تمثال كبير يخرج لهم من نهر النيل فصرخ الصياد خائفا مرددا: "مسحور مسحور مسحور" فتجمع رجال ونساء القرية على التمثال وظلوا يضربونه بالشباشب والأحذية مما تسبب فى تحطم أنف التمثال والجزء الأسفل من عينيه.
ويضيف الخبير الأثرى د. منصور بريك أن التمثال ظل ملقى على ضفة فرع رشيد حتى جاءت الشرطة ونقلت التمثال وقامت بالقبض على الصياد الطيب. وقامت اللجنة الفنية بمعاينة التمثال واتضح أنه نصف تمثال من الجرانيت لأحد الأباطرة الرومان حيث شعره المجعد يظهر أسفل غطاء الرأس المصري القديم "النمس" ويعلو جبهته ثعبان الكوبرا ومن شكل ملامح التمثال افترضت اللجنة أنه للامبراطور كاراكلا الذي حكم من ٢١١ وحتى ٢١٧ ميلادية حيث أن النقش الهيروغليفي الموجود على العامود بظهر التمثال غير واضح وكاراكلا مشهور بقيامه بمذبحة الفرسان الشهيرة ودفنهم فى مقبرة كوم الشقافه. وبعد ما كتبت اللجنة تقريرها أصر المرحوم أحمد عبدالحميد على طلب الإفراج عن الصياد الطيب وكان اسمه ماهر لأنه لم يقم بسرقة التمثال ولم يكن يحفر فى أرض أثرية بل كان يصطاد سمك فى فرع رشيد والحقيقة وافقنا جميعاً على كتابة ذلك فى التقرير الفنى وهو ما كان خطأ قانونيا.
ويشير بريك إلى أن اللجنة توجهت بعد ذلك إلى نيابة دمنهور وهناك كان الجدال الكبير مع وكيل النيابة والذى تفهم وجة نظرنا وطلب تغيير التقرير لأننا لسنا محامين حتى نطالب بالافراح عن المتهم فى تقريرنا ووعد بالافراج عن الصياد وأصر وكيل النيابة على أن نثمن التمثال فقال أحد أعضاء اللجنة أن التمثال يساوي ٢ مليون جنيه وفوجئنا بالصحف آنذاك تكتب بعدها بيوم صياد يعثر على تمثال يساوي ٢ ونص مليون جنيه!
ويلفت منصور بريك، إلى أن اللجنة قامت باستلام التمثال من نيابة دمنهور وتم إيداعه مخازن الهرم وظل فيها حتى عام ٢٠٠٣م حيث كانت وزارة الثقافة والمجلس الأعلى للاثار يقومون بعمل متحف الاسكندرية القومى الشهير وكانت هناك لجنة لإختيار القطع وكان يشرف على الأعمال فى ذلك الوقت أيمن عبدالمنعم من وزارة الثقافة وحسين أحمد مدير صندوق آثار النوبة فأخبرتهم عن تمثال كاراكلا الموجود فى مخازن الهرم والذي لابد أن يكون ضمن قطع سيناريو متحف الإسكندرية القومى لأنه الأحق أن يكون التمثال به وفعلا جاءت موافقة الأمين العام ورئيس القطاع وحضرت لجنة لاستلام التمثال ومعها سيارة شرطة للتأمين حتى الإسكندرية وبعد تغليف التمثال ولفه بالإسفنج جيدا تم وضعه فى صندوق سيارة جديدة من صندوق آثار النوبة وانطلقت السيارات إلى الإسكندرية.. لكن كاراكلا رفض أن يودع الهرم فى سلام فعند وادي النطرون تحديدا على الطريق الصحراوي كادت السيارة التى تحمل التمثال أن تعمل حادث وتفاديا لذلك قام السائق بفرملة السيارة فجأة وبقوة ليقتحم تمثال كاراكلا كابينة السيارة محطماً الزجاج والصاج ويدخل إلى كابينة القيادة بحوار السائق ليصرخ مدير صندوق النوبة منك لله يا منصور أنت وكاراكلا بتاعك دمرتم العربية وانتظر الموكب حتى تم تغيير السيارة ونقل التمثال للمتحف ليعرض هناك ولا أنسي عند شرح الوزير فاروق حسنى للرئيس الأسبق حسنى مبارك عن التمثال ويقول له أنه تم العثور عليه فى نهر النيل. وأخيراً عند زيارتكم لمتحف الإسكندرية القومى ومشاهدتكم لتمثال كاراكلا لاتنسوا أن من اكتشفه ليس عالم آثار أو تم الكشف عنه فى موقع أثري بل مكتشفه هو صياد مصري بسيط من قرية الطرانة يدعى ماهر.
