رسائل وداع


مهدي رابح

في زمان غابر كان السائد من أنظمة الحكم هو الثيوقراطية وهو نمط حكم تدعي فيه السلطة القائمة أنها تستمد شرعيتها من الذات الإلهية ويدعي الحاكم أنه يحكم باسم الاله، وبالتالي تلغي كافة اشكال الشرعية السياسية بحجة الاستجابة للإرادة الإلهية، ويكون الناس مجبرون على الطاعة العمياء لهذه السلطة من منطلق الحق الإلهي. ويتربع في جوهر هذا النظام مفهوم أن “الإله” اختار الحاكم من بين البشر لحكمة يعلمها، وعلى البقية السمع والطاعة، وأن أي عصيان للأوامر هو عصيان لـ”الإرادة الإلهية”. ومن هنا استمد النظام السابق، الذي حاول بقدر استطاعته إعادة إنتاج هذا النظام القروسطي بلباس عصري جرأته في قتل المعارضين والتنكيل بهم واستمد علماء دين السلطان بعض الفتاوى لتوفير غطاء شرعي له كتحريم الخروج على الحاكم وجواز قتل ثلث المتظاهرين… الخ.
َبالطبع لم يكن من المتخيل اصلا ان يتجرأ احد على اهانة الحاكم/المختار آنذاك كون ذلك سيفسر بصورة تلقائية وكأنه إهانة ضمنية للذات الإلهية وما يترتب علىه من عقوبات قد تصل على الأرجح حد الإعدام.
في الانظمة الديموقراطية الراسخة فإن إلقاء البيض الفاسد او فردة حذاء على صاحب منصب دستوري منتخب او احيانا توجيه صفعة على وجهه يقابل في كثير من الأحيان ببرود بالغ وفي الغالب يواصل المسؤول الذي تعرض للاهانة امام الجميع ما انقطع من حديث او نشاط ودون توجيه تهمة ضد المحتج/الجاني، فالمحتج رغم تجاوزه لحدود اللياقة لكن السيد المنتخب الذي تعرض للإهانة للتو يستمد شرعيته منه ومن غيره من الناخبين بناء على وعود انتخابية محددة ويعرف وظيفياً كخادم لهم Public Servant.
ومن هنا جاء الارتباك عقب إلقاء إحدى الصحفيات لحذائها في وجه شاغلي منصة المؤتمر الصحفي للحاضنة السياسية للانقلاب، حيث تدافع المولولون المعتادون بعضهم يتملس عصاةً والآخر يقفز بلا وجهة محددة وآخرون تعلوا وجوههم الشاحبة الدهشة وكأنهم رأوا كائنا اسطوريا مرعبا او ربما شبحاً للتو ، فلا حق إلهي يمكن أن يدّعي ولا شرعية قانونية تبقت بعد تمزيقهم الوثيقة الدستورية ولا شرعية مستمدة من تفويض الجمهور بأي شكل من الأشكال ولا حتى أدني درجات القبول الاجتماعي، هو وضع بلغ من الهشاشة حدا يجعل من حذاء سيدة رقيقة غاضبة تهديدا وجوديا حقيقياً له.
اعتقد ان حذاء صفاء،وقبل ساعات من موعدنا مع موكب السادس من أبريل العظيم هو اقرب الي موقف أخلاقي عُزِّز برسالة وداع لائقة منه لتعبير عن موقف سياسي محدد او محض احتجاج، لكنه كذلك رسالة ضمن رسائل وداع اخري اكثر أهمية تسربت من بين ثقوب الاسافير دون أن يلتفت إليها احد اهمها على الإطلاق بداية مواجهة المدعو على كوشيب لاتهامات المحكمة الجنائية الدولية بالاشتراك في ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، وهي قضية ستنزع من وجه قيادات النظام السابق وشركائهم من القيادات الانقلابية الحالية أخر طبقة من قناع الشرعية الزائف وتجعلهم في مواجهة أشباح حقيقية هذه المرة، أشباح آلاف من ضحاياهم في دارفور تلاحقهم في صحوهم ومنامهم حتى النزع الاخير.

 

تاريخ الخبر: 2022-04-06 00:21:58
المصدر: صحيفة التغيير - السودان
التصنيف: سياسة
مستوى الصحة: 55%
الأهمية: 55%

آخر الأخبار حول العالم

روسيا ترد على استعماريي الغرب الجدد

المصدر: RT Arabic - روسيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-15 06:06:50
مستوى الصحة: 78% الأهمية: 89%

قوات "الشمال" تتجه نحو تحرير خاركوف

المصدر: RT Arabic - روسيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-15 06:06:52
مستوى الصحة: 82% الأهمية: 98%

«الشاورما» تشغل الألمان وتلاحق رئيس البلاد! - أخبار السعودية

المصدر: صحيفة عكاظ - السعودية التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2024-05-15 06:23:42
مستوى الصحة: 57% الأهمية: 54%

«الرياض المالية» تطلق صندوق «1957 فنتشرز» - أخبار السعودية

المصدر: صحيفة عكاظ - السعودية التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2024-05-15 06:23:39
مستوى الصحة: 57% الأهمية: 56%

الجدعان: تحديات جدية تواجه الاقتصاد العالمي - أخبار السعودية

المصدر: صحيفة عكاظ - السعودية التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2024-05-15 06:23:41
مستوى الصحة: 48% الأهمية: 56%

إطلاق سراح الرهائن بالضغط العسكري كلام فارغ!

المصدر: RT Arabic - روسيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-15 06:06:51
مستوى الصحة: 85% الأهمية: 96%

مع مريـم نُصلّي ونتأمل (١٥)

المصدر: وطنى - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2024-05-15 06:21:26
مستوى الصحة: 45% الأهمية: 50%

أمريكا ترفع رسوم سيارات الصين الكهربائية 3 أضعاف - أخبار السعودية

المصدر: صحيفة عكاظ - السعودية التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2024-05-15 06:23:40
مستوى الصحة: 57% الأهمية: 62%

المزيد من الأخبار

مواضيع من موسوعة كشاف

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

تحميل تطبيق المنصة العربية