عين على أولياء مراكش.. الولي الصالح أحمد العباس السوسي – الحلقة الثالثة


بدر الدين البوعمري

خلف الولي الصالح سيدي أحمد السوسي رحمة الله عليه بعده شيخا ورعا، وفقيها لامعا، و محدثا بارعا. سيدي أحمد بن أحمد السوسي الملقب بالعباس. أحد رموز الحركة الصوفية بمراكش في القرن الثاني عشر.داع صيته في ربوع البلاد و خارجها، اقتفى أثر أبيه، وسار على دربه في السعي وراء التصوف، و الفقه، و الحديث. والنهل من معين العلوم، و مجالسة الشيوخ، و الفقهاء، و الحرص على ملازمتهم، والحذو حذوهم يعرفه العباس بن ابراهيم السملالي 9 ”

وأحمد العباس بن سيدي أحمد السوسي المراكشي دفينها ” رجل كثير الترحال بين المدن و القرى، و التنقل بين المداشر و السهول بحثا عن الحقيقة الربانية. و قد لزم مدينة فاس لردح من الزمن، جاور شيوخها، وصلاحها.وأخذ عنهم، و ارتوى من مشرب علمهم، فتأثر بهم ، و أثر. و انتزع له مكانا ضمن جمهرة الشيوخ الذين أثثوا المشهد الديني، و العلمي بفاس إبان الحكم السعدي.

لم يحفل الشيخ على غرار والده بمخالطة الأعيان، و التزلف لأولي الأمر، ولا بملذات الحياة، و زخرفها، بل عاش بدوره عفيفا، ناسكا

متعبدا،زاهدا في متاعها يقول عنه العلامة الفقيه أبو عبد الله محمد المنالي الزبادي 10 ” ومنهم سيدي أحمد العباس بن سيدي أحمد السوسي. كان رحمه الله تعالى شيخا عارفا بالله ، زاهدا ورعا،معرضا عن الدنيا و زهرتها. كان له أرض خارج مراكش غرسها أصحابه له بأشجار الزيتون و التين و دوالي العنب، و سخر الله فيه حتى ظهرت غلته ، ولما خرج من مراكش يقصد الحج و جاز على الجنان المذكور فرآه مخضرا فسأل عنه فقالوا له هو جنانك الذي غرسنا لك فدعا عليه باليبس، فما رجع من الحج حتى وجده يابسا أرضا كما كان قبل غرسه”

حضي الولي، وأبوه باحترام و تقدير السلاطين السعديين الذين عايشوهم، تشهد على ذلك ظهائر التوقير التي كانت تقدم لهما على غرار العلماء، و الأولياء، و الصالحين كما جاء على لسان أحد الحفدة.

وقد اتفق جل المؤرخين ، والمترجمين على أن سيدي أحمد السوسي الابن قد وافته المنية في العشر الخامسة من القرن الثاني عشر 11″و توفي صاحب الترجمة رحمه الله تعالى سنة إحدى و خمسين و مئة و ألف بمراكش، و دفن بقبة والده المذكور يمنة الداخل لها”

كرامات الشيخ و ابنه

لا يستقيم الحديث عن الأولياء و الصالحين، دون الإتيان على ذكر بعض الأمور، و السلوكات التي يعجز العقل البشري عن فهمها، بل في أحيان كثيرة عن تصديقها لما لها من حمولة غيبية تنضح بالمقدس الديني، والمتخيل الشعبي. و يتقاطع فيها المنطقي، و الخرافي. فتنحو غالبا إلى أفعال، و قدرات خارقة، من قبيل إبراء الأسقام، و منح الذرية، و فتح العقول، وتيسير الصعاب، و تليين القلوب…فقد سماها بعضهم كرامات، فيما دعاها آخرون بركات، أو أسرار ربانية استأثرهم بها المولى عز و جل دون باقي خلقه، على حد تعبيرهم. و قد جاءت كتب التراجم و التاريخ حبلى بهذه الكرامات، و الإشارات التي كانت القاسم المشترك بين غالبية الأولياء، والصالحين، و العارفين بالله في جميع أقطار المجتمع الإسلامي منذ فجر الإسلام. و قد ورد ت ثلة من الأحداث المنسوبة لشيخنا سيدي أحمد السوسي ، ونجله أبي العباس ، رواها عنهم مريدوهم ، وأصحابهم، و أتباعهم . و على رأسهم تلميذه الفذ، الشيخ الفقيه ،والمؤرخ الأديب، علامة عصره محمد الصغيرالإفراني المراكشي

12″ و من كراماته الشهيرة أن نفرا من الطلبة قصدوه برسم اختباره في مسائل علمية، فكلما سألوا عن مسألة أجاب عنها بأحسن جواب، فعجبوا منه مع أنه لم يمارس شيئا من علم الظاهر قط. فقال لهم و الله ما جلستم بين يدي حتى وقف سيدي أبو قاسم على رأسي ، فكل مسألة ألقيتموها علي لقنني جوابها، و أخبر رحمه الله بمغيبات كثيرة فوقعت على وفق ما أخبر به، و تتبع ذلك يطول. و قد لازمته مدة و رافقته حضرا و سفرا و انتفعت بمجالسته، و شملني دعاؤه، و أخبرني و أنا في زمان الحداثة سوف أراك تهتز على كراسي مراكش و منابرها، فحقق الله رجاءه و صدق فراسته. و بعث له بعض الأشياخ من فاس رسالة بليغة فكلفني أن أجيب عنها و أنا إذ ذاك في مبادئ الطلب، فقلت له يا سيدي أنا لا أفهم غالب ألفاظ هذه الرسالة، فكيف أطيق الجواب عنها؟ فقال لي أجب عنها و الله يفتح عليك، فأجبت عنها بجواب حسن، فدعا لي و من ثم سهل الله علي صناعة الإنشاء حتى صارت المعاني تتزاحم على قلبي إذا رفعته و الحمد لله على ذلك.”
و من جملة ما روي عن الشيخ، و التي تبقى محط استفهام و تعجب بالنظر لدلالاتها، ومدى صدقيتها ما ورد كذلك على لسان تلميذ آخر من تلامذته النبغاء، و أحد كبار أدباء ، و شيوخ المدينة العلمية

فاس، العلامة و المؤرخ أبي عبد الله محمد المنالي الزبادي الفاسي 13 ” كان رحمه الله مستجاب الدعوة صاحب أحوال ربانية،اجتمعت معه بدارنا مع أخي المذكور وذلك حين كان قاصدا للحج، ولما رجع من الحج، نزل بدار الحلوي من زنقة الجياد ذات الصهريج و الأشجار ، عام ثمانية و أربعين و مائة و ألف ، و مدة إقامته بتلك الدار و الناس مجتمعون من كل الطوائف الليل و النهار و الأسواق تعمر و تفرغ و كانت عشية من تلك الأيام، اجتمع فيها كثير من أهل الخير، كأخينا سيدي عبد المجيد المذكور و العلامة الشريف سيدي عبد الهادي العراقي الحسيني المتقدم ذكره …و أمثال هؤلاء وغيرهم من الفقراء.فكانوا يذكرون الله بالجلالة و غيرها من الذكر و الصلاة على النبي صلى الله عليه و سلم و كلام الششتري و كلام سيدي عبد الرحمان المجذوب و سيدي محمد الشرقي ، و حضرت في تلك العشية نفحة من نفحات الله التي يتعرض لها و سكر القوم و تهول الشيخ سيدي أحمد العباس و جعل يحلف لا يكون سلطانا غير مولانا عبد الله بن سماعيل ، و جعل الشيخ سيدي محمد الصنهاجي المذكور يحلف على خلاف ذلك ، و رجع كل منهما أسدا حتى كان كل واحد منهما يشتم الآخر و تعانقا معا و تخانقا و لم يقدر أحد من الناس أن يقدم عليهما و يزعم على فراقهما حتى التويا هذا على هذا و خرجا كذلك

من القبة و سقطا معا في الصهريج الذي بوسط الدار و نزل الناس إليهما و أخرجوهما و أدخلاهما إلى القبة و نزعوا عنهما ثيابهما و ألبسوهما ثيابا أخر ، و أنكر كل واحد منهما مقالته و حلفه، و كان من مراد الله أن برهما معا، فتولى مولاي عبد الله عن حلف سيدي أحمد العباس و على حلف سيدي محمد الصنهاجي بعد ما تولى كان لا عبرة له ساقط صولة الملك حتى مات كذلك أوائل صفر عام إحدى و سبعين و مائة و ألف” و من جملة الأمور الغيبية التي جئنا على ذكرها سلفا ما يتعلق بالأسقام ، الأمراض، و علاجها، و كذا تيسير الأمور و هو ما جاء على لسان الشيخ الزبادي نفسه 14 ” و كان رضي الله عنه يوما يتوضأ عندنا بدارنا و لما فرغ من وضوئه، وجد أخي سيدي أحمد يخاصمني ، فنفض يده بالماء في وجهي و ضرب بسبابته في جبهتي، و قال احشم ، الحمى، و سافر من الغد، فأخذتني الحمى الباردة و بقيت في عشرة أشهر و لا نفعت كتابة و لا بخور و لا عزيمة و لا دهن و لا غير ذلك حتى طلب الفقراء من أحينا سيدي عبد المجيد أن يقرئهم الديانات أو التصوف بمسجد القرويين و امتنع من القراءة بالقرويين و أراد مسجدا غيره، فكتب أخونا سيدي عبد المجيد رحمه الله إلى الشيخ سيدي أحمد العباس يستشيره فيما يقرأ و أين يقرأ و أخبره بمرضي فأجابه رضي الله عنه أما ما ذكرت لنا

على القراءة فأين ما وجدت قلبك من الله فخيم، و أما ما ذكرت من حمى أخيك محمد فأكتب له بيدك بالعسل و قلم جديد في آنية نظيفة بما يظهر لك يبرأ إن شاء الله، فكتب لي كما قال ، و شفاني الله منها ، و جعل أخي رحمه الله يقرأ بالقرويين بين المغرب و العشاء بظهر الصومعة، و كان له هناك مجلس كبير حفيل قرأنا عليه فيه ”

هوامش

-9- –الإعلام بمن حل مراكش و أغمات من الأعلام ص : 370
-10-سلوك الطريقة الوارية في الشيخ و المريد و الزاوية ص : 234
-11—نفسه
– 12- صفوة من انتشر من أخبار صلحاء القرن الحادي عشر ص : 356
-13- سلوك الطريقة الوارية في الشيخ و المريد و الزاوية ص : 234
– 14-سلوك الطريقة الوارية في الشيخ و المريد و الزاوية ص: 235

تاريخ الخبر: 2022-04-07 12:15:24
المصدر: كِشـ24 - المغرب
التصنيف: سياسة
مستوى الصحة: 43%
الأهمية: 43%

آخر الأخبار حول العالم

ميلة: بعثـة من مجلـس الأمـة تعايـن مرافـق واستثمـارات

المصدر: جريدة النصر - الجزائر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-06 03:24:25
مستوى الصحة: 55% الأهمية: 61%

أكّدت أن أي عملية برية ستؤدي إلى شل العمل الإنســاني

المصدر: جريدة النصر - الجزائر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-06 03:24:31
مستوى الصحة: 60% الأهمية: 65%

عنابة: استحداث لجنة لمتابعة تهيئة الواجهة البحرية

المصدر: جريدة النصر - الجزائر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-06 03:24:27
مستوى الصحة: 47% الأهمية: 65%

والــي أم البواقي يكشف: مسـاع للتكفـل بالمستثمريـن عبـر 17 منطقـة نشـاط

المصدر: جريدة النصر - الجزائر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-06 03:24:28
مستوى الصحة: 49% الأهمية: 50%

المزيد من الأخبار

مواضيع من موسوعة كشاف

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

تحميل تطبيق المنصة العربية