تحدي الثقة واليقين (٢)
تحدي الثقة واليقين (٢)
تورطت جد إلي حد الغرق, نعم تورطت في كل قصة وحكاية في كل بيت ومع كل أسرة لفحتني مآسيهم إلي حد الاحتراق, ثم نجوت علي أبواب جحيم عذاباتهم, في كل مرة خضت فيها تحدي الثقة واليقين مع زوجة شابة تحولت لأرملة معيلة, وأطفال لا حيلة لهم في الحياة مع زوج كفيف وبنات بلا أم, أو رجل أقعده المرض والعجز وتلقفت الحمل الزوجة, مع أطفال ترعرعوا في ملاجئ اليتم, فيما يجوب والدوهم الشوارع متسولين, طفل مستيقظ يفرك أجفانه ليجد نفسه فجأة بلا عائل ولا رعاية فتاة في ريعان الصبا, تخلي الكل عنها فقدمت جسدها وجبة رخيصة للالتهام أمام ذئاب الشرف, مقابل القوت اليومي لأخو الصغار.
هذه عينة لما أصادفه يوميا من حكايات افتح قلبك جميعها تحمل عوامل مشتركة بينها هي غياب العائل, غياب المال, غياب الفرح غياب الأمان, وغياب الأمل, فهل يصعب علينا المساهمة في اعادة ما غاب عنهم؟
الإجابة معقدة, فقصص المعاناة متنوعة وطالما كانت قادرة علي مزيد من إبهار العاملين في حقل الإغاثة الإنسانية بكل أنواعها وبقدر الثراء الذي يستشري في كل قصة بقدر خيوط الحزن المشتبكة فيها مع العوز والاحتياج, فالفقر لا ينشد أبدا لحنا منفرد العزف, بل يأتي ومعه من كل مأساة نغمة حزينة وأخري صادمة لتصبح سيمفونية من الأزمات المركبة, تحتاج أيضا لحل مركب, قد لا نملكه ولا نجده لكننا نقدم الأمل للناس ربما يمكنهم الصبر علي ما يبتلون به, نسعي لفك شفرة الأحزان في القلوب.
ربما لا نملك الإمكانيات التي تسمح بحل أزمات كل من يأتينا لأن الأمور صارت اعقد حالا, علي كافة المستويات لكننا نحاول وفي المحاولة بصيص من الأمل المنشود, فنسعي لدرء شبح التشرد عن الذين فقدوا أماكن إيوائهم ونسدد عنهم القيم الإيجارية, نقدم جلسات مساعدة نفسية للفتيات اللواتي تعرضن للتحرش نتيجة انكشاف ستر أسرهن بسبب الطرد, ولأولئك الذين صدمتهم الحياة تباعا ليس في العوز فقط, ونساهم في سداد قيم فواتير الكهرباء والمياه التي تحولت إلي كابوس شهري مزعج حتي للمستورين.
نقدم للعرائس ما يسمح لهن ولو بالقليل من فرحة ليلة العمر, قدر ما نستطيع, نساهم في توفير الطعام عبر شهريات ثابتة لأسر معدومة أو لأسر كانت مستورة وحينها كانت تساهم معنا في التبرع للحالات المعوزة ثم انكشف عنها الستر وصارت معوزة, نهتم بالشهريات التي توفر للبعض الطعام في ظل تفشي جنون الأسعار,لأن البطون لا تمتلك مهارة الانتظار.
هزمنا مرارا في معاركنا لإنقاذ عدد من الحالات, فلم يكن لدينا ما يكفي لسداد قوتهم, جرفتنا مشاعر الذنب, وجرفت يقيننا إلي أن لملم الله شتات المشاعر وأعاد لنا انتصارات, وآن لنا أن ننهض ونغتسل من الشكوك وندون في دفتر الثقة ما فعلته أيادي المحبين ليكونوا سببا يتمجد به اسم الله.
يبدو أن الهزائم الخفية أم الانتصارات المعلنة, فبعد تراكم القلق أرسل الله كل الاحتياجات للحالات التي نشرنا عنها حتي بداية يناير الماضي حينما نشرنا حلقة تحت عنوانتحدي الثقة واليقين.. عكاز الغلابة, وكان الأمل حينها في جمع مبلغ يصل إلي حوالي 110 آلاف جنيه.
وانتصرت الثقة في التحدي ثم تراجعت الأيام مثلما تتراجع كل الأشياء وعاد القلق وعادت الوساوس إلي صدري الملتهب لأسأل نفسي في مطلع كل شهر ماذا سأفعل؟ وأنا حقا لا أفعل, وإنما يد الله التي تفعل في كل مرة لكن يبدو أنني لا أتقن الدرس أبدا.
وها نحن علي مشارف الاحتفال بعيد القيامة المجيد, والأسر المحتاجة تنتظر البركة المعتادة من أي نوع ملابس, طعام, مال يسندهم في زمن الغلاء المرير, والعرائس اللاتي راود الحلم مخيلتهن, مازلن في انتظار مساعدة التجهيز لليلة العمر, إنه موسم الأفراح وإتمام الزيجات بعد الأصوام وبحلول الصيف فماذا سنفعل؟
الأمان حق, الطعام حق, الحلم حق, الفرح حق,الأمل حق, مغادرة التجارب اللعينة حق, لكننا قيد العجز, الزمن أسرع من خطواتنا نحو الإغاثة, والناس تصرح من غلاء الأسعار, ولا حيلة لنا, فالتزامات العيد تتطلب 120 ألف جنيه قبل حلول 24 أبريل.
هذا هو تحدي الثقة واليقين الثاني الذي نخوضه مع الله, شكوكنا البشرية أما قدرته الإلهية, خوفنا من الخذلان مقابل وعوده الأزلية الأبدية.
وهانحن نضع أمامكم سباقنا, فشاركوا معنا لفك شفرة الأحزان في قلوب المعوزين ليدخلوا مع سيدهم إلي أفراح القيامة.