تَصدَّر الرئيس الفرنسي المنتهية ولايته إيمانويل ماكرون، لائحة نتائج الانتخابات الرئاسية التي أُجريَت الأحد 10 أبريل/نيسان الجاري. محرزاً نسبة 27.8% من الأصوات، ومتقدماً على مطاردته اليمينية المتطرفة مارين لوبان بفارق يزيد على 1.649 مليون صوت، هي التي حلَّت في المركز الثاني بـ23.1%.

في وقت فشل فيه اليسار في عرقلة هذا السيناريو الذي يضعه أمام خيارين أحلاهما مر، يُجمِع محللون على أنها كانت منذ البداية خطة ماكرون للدفع بالساحة السياسية الفرنسية إلى أن تفرز هذه المعادلة التي تصبّ في صالحه. ويعوّل هذا الأخير على الكتلة الناخبة اليسارية لأن تمثّل "سدّاً انتخابياً" أمام صعود اليمين المتطرف إلى الرئاسة.

ماكرون ولوبان في الدور الثاني

سنة 2017 شهدت فرنسا نفس السيناريو، إذ صعد ماكرون مرشح حركة "فرنسا إلى الأمام" الوافد الجديد وقتها إلى الدور الثاني من الرئاسيات، حيث تنافس وجهاً لوجه مع زعيمة اليمين المتطرف مارين لوبان. فيما يحكم مؤشران أساسيان هذه النسخة من المنافسة، أولهما أن كلا المرشحين وسَّع قاعدة فوزه مقارنة بالسنوات الخمس الماضية.

ثانياً، دخول قوى يمينية جديدة أكثر تطرفاً للساحة الفرنسية، هي الكتلة الناخبة التي مكنت المرشح العنصري إريك زمور من أن يحلّ رابعاً بنسبة 7.1%، ويبلغ تعدادها قرابة 2.5 مليون صوت، مقابل تقهقُر اليمين التقليدي الممثَّل في الحزب الجمهوري، الذي لم تحرز مرشحته سوى 4.8% من الأصوات. وعقب صدور نتائج الانتخابات، عبّر زمور عن دعمه لزعيمة "التجمع الوطني" ووجه أنصاره للتصويت لصالحها في الجولة الثانية.

هذه المعطيات تصعّب مهمة ماكرون للفوز بعهدة ثانية، مع أن كل المعطيات ترجّح فوزه ذاك. فحسب استطلاعات رأي سابقة، فإن من المرجح تغلُّب ماكرون على لوبان بفارق ضئيل جداً، بـ51% مقابل 49% وفق ما نشرته لوفيغارو.

هذا ما يفسر استمرار ماكرون في ترديد خطابه ضد المسلمين، محاولاً استمالة أقصى ما يمكن من ناخبي اليمين واليمين المتطرف، حتى بعد نجاحه في المرور للدور الثاني، إذ خاطب مناصريه بعد إعلان فوزه قائلاً: "أعتمد عليكم لأن المرحلة حاسمة لفرنسا وأوروبا، إذ نريد لبلادنا أن تكون قادرة على التصدي للانعزالية الإسلاموية".

خطة ماكرون لمواجهة لوبان

منذ إعلانه في أكتوبر/تشرين الأول 2020 عن قانون "محاربة الانعزالية الاسلامية"، الذي سُطِيَ بموجبه على عدد من الحقوق المدنية لمسلمي فرنسا، كما شرع الباب أمام صعود اليمين المتطرف. ولعبة ماكرون الانتخابية، حسب المراقبين، واضحة وتكمن في بحث عن اقتطاع جزء من ناخبي مارين لوبان، والتحضير لمواجهة معها يعوّل فيها مجدداً على اليسار لكبح تقدُّم زعيمة "التجمع الوطني".

رجوعاً إلى ذلك الوقت، كان الصحفي الفرنسي المخضرم آلان غريش استشرف هذا الأمر، إذ علّق عليه قائلاً: "نحن في بلد يعيش أزمة صحية خطيرة، يعيش تصاعداً مهمّاً في معدلات الفقر، مشكلات اجتماعية بالجملة، مشكلات الصحة والتعليم، إلخ. بالتالي يصعب علينا تصديق أن تكون أولوية حكومة ما في ظل كل هذه الظروف هي التطرق إلى (الانعزالية الإسلامية) وما يقع داخل الأوساط المسلمة".

مضيفاً: "هي دوافع انتخابية إلى البحث عن حصد أصوات في اليمين، ومن ثم التحضير لمقابلة محتملة مع مارين لوبان في الدور الثاني من الانتخابات القادمة، التي سترغم اليسار في المقابل على منحه أصواتهم لأنهم لا يريدون لوبان رئيسة للجمهورية، وبالتالي يضمن حظوظه في ولاية ثانية (...) لكنها لعبة خطيرة!".

"لعبة خطيرة" هي ما تنبّه له صحيفة ليبيراسيون في تقرير لها، إذ أوضحت أن "السد" الذي دأب اليسار على تمثيله أمام صعود اليمين المتطرف "قد تصدع"، أصبح مشكوكاً في تكراره خلال الدور الثاني من هذه الانتخابات، نظراً إلى الاستقطاب اليميني الكبير الذي فتح له ماكرون الباب خلال القسم الثاني من ولايته المنتهية، كذلك الأزمات التي عرفتها البلاد جراء سياسته ما رفع حدة التشكُّك في النظام السياسي، وهذا ما يصبّ في مصلحة لوبان وحزبها.

واكتفى جزء من مرشحي اليسار بالدعوة إلى عدم التصويت لصالح لوبان، بلا تصريح بدعم ماكرون. وردّد المرشح اليساري الأبرز جان لوك ميلونوشون في خطابه عقب نتائج الدور الأول: "لا أصوات للسيدة لوبان!". وتعهدت مرشحة حزب "النضال العمالي" نتالي آرتو بالتصويت بورقة فارغة لأنه "إذا انتُخب ماكرون فسيطبق سياسات لوبان، وإذا انتُخبت لوبان فستطبّق سياسات ماكرون... نحن نختار بين خصمين للشعب".

TRT عربي