زلزال أبريل


أمل محمد الحسن

المشهد الأول:

الدموع في كل مكان تتجه تلتفت إليه.. البعض يرقص والبعض يسجد.. لكن الدموع كانت هي القاسم المشترك.. سقطت.. سقطت..كان فرحا مزلزلا هز جميع الافئدة، حنينها وقاسيها، كان شيئا فوق التصور وأكبر من كل التوقعات. اليوم ١١ ابريل من العام ٢٠١٩، تم إعلان سقوط نظام البشير بعد أيام قليلة من كسر الطوق الأمني وتنفيذ اعتصام القيادة العامة.

الدموع كانت تنهمر بسبب انتصار إرادة الشعب السوداني الذي جاء بثورة متأخرة أعوام طويلة عن ثورات الربيع العربي، مواجها نظاما بقناع إسلاموي جسد الفساد والمحسوبية والتمكين حتى شهدت البلاد انهيارا تاما في البنى التحتية والتعليم والصحة.

انقسم جنوب السودان في عهده وسكن ملايين من أهل الولايات المختلفة في معسكرات داخلية وخارجية! كان نظاما باطشا يشدد قبضته الأمنية على كل شيء وكل شخص، نسج نظامه الأمني ابتداءا من الأحياء تصاعديا حتى أعلى هرم في الدولة.

كان المنتمون له يتفنون في صناعة الأجسام الموازية؛ حتى تحولت مؤسسات الدولة ومشاريعها القومية لخرابات ينعق فيها البوم! بينما تحولت موارد البلاد لتمويل مشروعاتهم الخاصة التي ازدهرت وحولتهم جميعا لرجال أعمال نافذين يملكون معظم رؤوس الأموال في البلاد!

والأدهي والأمر أن البلاد لم تكن تستفيد من تلك المشاريع بمقدار خردلة؛ حيث كانوا يعفون أنفسهم من الضرائب والجمارك وكل ما يذهب لخزينة الدولة!

كان نظاما ينتج مخبرينه الدوليين بنفسه! يصدر الدولة ومعلوماتها وأمنها بلا ذرة احساس بالوطنية أو العار في مزادات دولية لمن يدفع أكثر أو من يمنح لقب أمير!!

لم يستطع أحدا أن يصدق؛ انها سقطت! فرحا لا تملك الكلمات التعبير عنه! الدموع وحدها تخرج كل ما يمور داخل تلك الارواح المتعبة التي طال سجنها داخل أوطانها!

سقطت تب

المشهد الثاني:

٣ أعوام كاملة مرت على لحظات الفرح الغامر تلك، قطار عطبرة، جمهورية أعالي النفق، اعتصام القيادة العامة سقوط البشير، الذي قبع على صدور الشعب السوداني ٣ عقود كاملة ليحول البلاد إلى ملك خاص لأسرته بلا رقيب او حسيب، يبيع لمن يدفع أكثر! تارة مع ايران ومرة مع روسيا، ولا بواكي للوطن المحتضر! نيلين وعطشانة!

سقوط البشير الذي كان يدفع معظم ميزانية الدولة لجهاز أمنه، سقوط البشير الذي قال إن الدعم السريع (راس ماله)! سقوط البشير الذي أحرق واباد قرى كاملة وقتل وسحل بلا رمشة جفن، بل دافع عن اغتصاب النساء في دارفور بعنجهية وصلف وكامل العنصرية

سقط البشير وهتفنا: يا عنصري ومغرور، كل البلد دارفور.

تضامنا ورسمنا لوحة بديعة للسودان كما نحبه شهدها وشارك فيها الجميع من كل السودان.

أذهلنا العالم الذي رأي وجها آخرا للسودان، غير ذلك الكالح الجائع الفاسد الذي صدره البشير وصحبه، وجها مشرقا مشرفا حتى وقف العالم تعظيم سلام واستلف عباراتنا ليمهر بها بياناته وصورنا ليزين بها شوارعه ومحطات قطاراته.

٣ سنوات مرت على سقوط الطاغية، لكن الشعب الذي تمكن من فعل ذلك يعلم يقينا أن مهمته لم ولن تنتهي بسقوط الراقص (٣٠ سنة بترقص.. الليلة رقصتنا) ولم تفتر عزيمته واصل في النضال ورفع المطالب حتى بعد جرح مجزرة القيادة العامة!

وجاء انقلاب البرهان في ٢٥ اكتوبر الماضي، ليجر ساعة الزمن لأيام البشير مرة أخرى، يبيح لنفسه قتل المتظاهرين واعتقالهم وتعذيبهم واغتصاب النساء، ذات العنجهية التي هتفنا ضدها سابقا.. وعلا الهتاف: الثورة ثورة شعب والسلطة سلطة شعب.. والعسكر للثكنات والجنجويد يتحل.. والشارع فيهو بنات.

الشعب الذي اسقط البشير بعد أن ظن أنه لا توجد قوة في الأرض تملك أن تزحزحه عن كرسيه؛ لم يصمت ولا لحظة واحدة على انقلاب البرهان، ولم يفارق الشارع والطرقات، هاتفا هادرا منافحا مدافعا عن حقه في الحرية والعدل والكرامة.. وبالتاكيد الحكم المدني.

مشهد ثالت:

اليوم ٦ ابريل، يوم بالغ السخونة اليوم الرابع في شهر رمضان المبارك، والشوارع اكتست بالبشر، في الخرطوم وبحري وأمدرمان وبالتوازي في مدني والفاشر وعطبرة وشندي وكسلا والقضارف النهود الجنينة يا الله.. ذات مشاهد القيادة العامة، الجميع يحاول أن يطعم الجميع الماء الأكل البيوت المشرعة، وصمود المتظاهرين في وجه القمع المفرط من أجهزة الانقلابيين النظامية.

تطورت أجهزة القمع لتشمل النهب المسلح وزعزعة الأمن واغتصاب النساء في قلب الخرطوم وذات الطرق القديمة في محاولة تكميم الأفواه؛ ومثال على ذلك تحقيق نيابة الجرائم الموجهة ضد الدولة مع مديرة وحدة مكافحة العنف ضد المرأة، سليمى اسحاق. وذلك لأنها أعلنت عن وجود حالات اغتصاب مؤكدة! كيف تجرؤ على إخراج اسرار الدولة حتى يقدمها رئيس البعثة الأممية فولكر بيرتس للأمم المتحدة لتعرب عن قلقها من استخدام اجساد النساء أرضا للحروب ضد التظاهرات!

ثلاثة أعوام مضت على سقوط البشير، والعزيمة لم تفتر، وقرأنا في تاريخنا القريب أن الشعب دائما ينتصر.. والبزدريك يا خوفو من غضبك عليهو ومن مشيك..

بعد أعوام طويلة، سيتحول ابريل لشهر مقدس في تاريخنا الشعبي، ستعتبر الاجيال القادمة أن ما فعله الآباء والاجداد عبارة عن اساطير! كاني أرى صور البشير والبرهان وكافة المرتزقة الذين يقفون بين الشعب وحريته نازلة من مشانق تحت جسر النيل الأزرق، هناك تماما تحت جمهورية أعالي النفق.

سيتحول ابريل يوما لقرع حديد الجسر، لقرع أي شيء، سيقف رئيس الدولة في ذلك الوقت احتراما لأرواح الشهداء التي سقطت، سيبكي الناس عندما يرون فيديوهات القتل المجاني، ستستحي الشرطة، وسينكس الجيش رأسه، وسيكتب التاريخ درسا جديدا للطغاة، وسينتصر الشعب لا محالة.

ح تسقط وح نعرس.. ح نعرس كنداكة

#مليونية11ابريل

تاريخ الخبر: 2022-04-12 00:22:15
المصدر: صحيفة التغيير - السودان
التصنيف: سياسة
مستوى الصحة: 60%
الأهمية: 64%

آخر الأخبار حول العالم

القوات المسلحة الملكية.. 68 عاماً من الالتزام الوطني والقومي والأممي

المصدر: موقع الدار - المغرب التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2024-05-14 00:25:18
مستوى الصحة: 45% الأهمية: 54%

المزيد من الأخبار

مواضيع من موسوعة كشاف

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

تحميل تطبيق المنصة العربية