ضمن أحداث مسلسل الاختيار 3 ــ القرار، جاءت ثلاثة مشاهد دالة وكاشفة لمحاولة جماعة الإخوان الإرهابية وسعيها لطمس هوية المصريين. 

تجلى أحد هذه المشاهد، عندما سأل “محمود”، الموظف بالشهر العقاري، وأدى دوره الفنان محمود البزاوي، صديقه وجاره “عم مكاوي”، عن مكان لتتعلم فيه ابنته الخياطة، فيجيبه الأخير عن مركز يقدم هذه الخدمة، وكيف أن هذا المركز قد خرج شابات وشباب بمهارة. 

وعندما تذهب ابنة "محمود" إلى المركز لتقدم طلبا بالالتحاق بإحدى دوراته، تستقبلها فتاة “مختمرة” أي ترتدي الخمار، وترد علي تحيتها “صباح الخير” بـ"السلام عليكم ورحمة الله وبركاته"، وهي تنظر لها نظرة احتقار واستعلاء، نظرة استهجان لفتاة قررت ألا تسير وراء القطيع وتطلق شعرها للريح، شعرها الذي لا تراه عورة كما تنظر وتقول هذه الجماعات المستترة وراء قناع الدين.

سرعان ما تعود هذه الفتاة المسئولة عن مركز تعليم الحياكة والتفصيل ولتقدم لابنة محمود الطلب الذي يجب عليها ملأه، بعدما حاولت أن تطردها بطريقة دبلوماسية، لكنها ترضخ أمام إصرار ابنة محمود، لتفاجئ بكتيب ألحقته الفتاة بطلب التقدم للدراسة بالمركز، كان الكتيب بعنوان “الحجاب قبل الحساب”، وهو ما يعيد إلى الذاكرة انتشار هذه الكتيبات انتشار النيران في الهشيم، خلال عقدي الثمانينيات والتسعينيات من القرن المنصرم، وصولا إلى أيامنا الحالية، بل وتذكرنا بالملصقات التي تطاردنا ليل نهار في كل مكان، سواء ملصقات داخل عربات مترو الأنفاق، أو المواصلات العامة، أو حتى على جدران المباني في الشوارع والميادين، وأبرز هذه الملصقات وتلك التي تتهم النساء بأنهن السبب وراء الغلاء، “لن يزول الغلاء حتى تتحجب النساء”!

  ــ “الست” أم كلثوم هرم مصر الرابع وكيف كفرها الإخوان

المشهد الثاني ضمن أحداث  مسلسل الاختيار 3 ــ القرار، هو لذلك الإخواني “منتصر” الذي يبيع السبح، وكيف نجح بالحيلة ومطاردة صاحب البازار في أن يظفر منه بالموافقة علي إيجار جزء من محله ليبيع فيه بضاعته. وما أن يسمع صوت الست أم كلثوم تصدح في المحل، حتى يهجم على الشابين العاملين في المحل، يكاد يفتك بهما ويصرخ فيهما بغل وحقد: «يا أخى ده مكان أكل عيش، بدل ما تشغل قرآن.. تشغل حاجة تغضب ربنا». فيرد عليه الشابين بهدوء: «ما إحنا شغلنا قرآن.. وبعدين ما ساعة كده وساعة كده». ليرد منتصر بكراهية وعنف مهاجما الشابين كاد أن يفتك بهما: "لا مش هسد وداني ودا منكر ولازم أغيره متوعدًا إياهم بالحساب في وقت لاحق"، قبل أن يتدخل صاحب المحل ويفض الاشتباك بينهم. يكشف هذا المشهد كراهية الجماعات اليمينة المتأسلة للفن ورموزه، كما يرصد ثعبانية وتلون هذه الجماعات، وكيف تحايل هذا الإخواني على صاحب المحل يستعطفه بنعومة حربائية ليصل إلى هدفه، حتى وافق الأخير.

كما يوثق هذا المشهد كيف حاولت جماعة الإخوان الإرهابية، طمس هوية الشعب المصري، ذلك الذي يطرب لأصوات ملوك دولة التلاوة المصرية، من أول الشيخ محمد رفعت، ورفعه لآذان المغرب، حتى أننا لا نشعر ولا نعترف بمغرب شهر رمضان إلا بصوته، مرورا بـ"عتاولة" القراء المصريين: عبد الباسط، الحصري، الشيخ مصطفى إسماعيل، المنشاوي، وصولا إلى الشيخ النقشبندي وابتهالاته، تلك التي أبدع فيها مع عبقري الموسيقي بليغ حمدي، فانطلق صوته في رحاب الكون، يهدهد القلوب ويمنحها السكينة والونس. 

وكما يطرب المصري لقراء دولة القرآن المصرية، تنشرح صدورهم وقلوبهم أيضا بألحان فنانيه ومبدعيه، من أول الست أم كلثوم، مرورا بموسيقار الأجيال محمد عبد الوهاب، محمد فوزي، وصولا لإبداعات الست تحية كاريوكا وسامية جمال وغيرهن. 

هو المصري عينه الذي يرتاد الموالد الشعبية، هو المصري المسلم الذي يحج إلي مولد "العدرا" السيدة مريم العذراء، ويقيد لها الشموع في موالدها في جبل الطير وغيرها، وهو نفسه الذي سواء مسيحي أو مسلم يحرص على مولد سيدنا الحسين، ويحرص على تناول البصل الأخضر والفسيخ في عيد شم النسيم، يحتفل به المصري منذ أجداده المصريين القدماء، كما يحتفل بالمولد النبوي.

ــ هكذا استغلت جماعة الإخوان المساجد لأغراضهم السياسية

أما المشهد الثالث في مسلسل الاختيار 3 ــ القرار، يفضح محاولات الجماعة الإرهابية لطمس هوية المصريين، ذلك المشهد الذي يرصد ويفضح جماعة الإخوان الإرهابية في استخدام بيوت الله ــ المساجد ــ في الأغراض السياسية، ودفع المصريين إلى التصويت لدستورهم الذي سلقوه بالليل، بنعم، ومن يختار اختيارا حرا حسب قناعاته وقال بـ “لا” فإنه كافر يكره الدين ويعمل ضده، أو كما قال محمد حسين يعقوب مقولته الشهيرة: “وقالت الصناديق للدين نعم”!

وعن علاقة المصريين بالمساجد، وفي كتابه “الإسلام المصري”، يذهب الكاتب الصحفي والإعلامي دكتور محمد الباز، إلى أن: "المصريون يستعدون استعدادا خاصا ليوم الجمعة، فصلاته شعيرة عظمى يؤدونها بطقوس خاصة جدا، لدرجة أن هناك الآلاف الذين لا يصلون ولا يدخلون المساجد إلا لصلاة الجمعة فقط وترى لهؤلاء منطقا طريفا وهو من الجمعة للجمعة مكفرات لما بينهما إذا اجتنبت الكبائر.. وما داموا يجتنبون الكبائر فمؤكد أن الله سيغفر لهم ذنوبهم الصغيرة.. وفي لحظة الصلاة تجد المساجد وقد ملئت عن آخرها بالمصلين.. لكن الحياة لا تتوقف.. والمواصلات العامة تعمل.. المقاهي لا تخلو من روادها.. الشوارع تواصل حوارها مع المارين فيها.. المحلات تستقبل المتعاملين معها.. الحياة تسير بشكل عادي جدا.. لا أحد يغضب من الآخر.. فكل واحد في حاله.. الجميع يعيش في سلام على راحته وبراحته.

ويشدد “الباز” على أن "هذا التوافق يعبر عن المصريين الذين يحبون ربهم ولا يخافون منه.. يصلي فيهم من يصلي ويعبث فيهم من يعبث.. لكنهم يعتقدون أنهم في النهاية في كف الله التي لا تبخل عليهم مطلقا".