كان يظن البعض أن شمال سيناء لا يزال خارج التغطية وأن "الجمهورية الجديدة" لن تطالها من قريب أو بعيد خاصة مع الأحاديث غير الحقيقية حول أن المشروعات التنموية تتمركز فى العاصمة الإدارية وبعض المحافظات ولا نصيب لشمال سيناء الذي لا يزال الإرهابيون يعبثون فيها ويهددون بناء الحجر قبل البشر هناك.

هذه الأسئلة الصريحة حملتها "الدستور" في حقيبتها خلال يومين داخل مدن مراكز ومدن وقرى شمال سيناء، مع إبراز السؤال "متى ينتهى الإرهاب فى شمال سيناء؟"، و"مصير تلك البقعة المقدسة بعد انتهاء العمليات العسكرية فى الحرب مع الإرهابيين؟" "كم عاماً ستحتاج الدولة لإعادة بناء المدن من جديد؟" وأخيراً "ما هى النتائج التى حصدها أبناء سيناء من حفر الأنفاق الجديدة والمعديات الحديثة التي قالت الدولة أنها لربط سيناء بالوادي والدلتا"؟.

البداية كانت من المعلومات التى حصلت عليها "الدستور" وتحققت منها خلال جولتها فى شمال سيناء، حيث تعمل نحو 400 شركة مدنية فى إعادة بناء وتطوير مدن العريش وبئر العبد ورفح والشيخ زويد عبر إعادة تأهيل وبناء البنية التحتية من طرق ومدارس ومناطق سكنية وخدمات معيشية كمحطات للمياة والكهرباء والصرف الصحي والكهرباء وشبكات الهاتف والإنترنت.

فلسفة إعاده التخطيط العمرانى للعريش وأجوارها وتوابعها، نبع من الإهتمام  بأن تكون مدينه متكامله المرافق والخدمات، كما تطورت نظرة الدولة لها بأن تكون "مدينة ذكية" على غرار المدن الجديدة التى تبنيها الدولة فى كافة أنجاء الجمهورية.

وبحسب مسؤولي السلطات المحلية فى شمال سيناء والتذى التقتهم "الدستور" فإن عملية إعاده البناء تتم بمراعاه البعد الاجتماعي والقبليه وطبيعه أهالى سيناء لكي لا تكون تلك التنمية واعادة الحياة بمعزل عن الواقع، وبدأت من التخطيط لإنشاء مطار مدنى دولى إلى جانب مطار آخر عسكري، تشمل ربط العريش بالموانئ البحرية.

خاصة أن الاهتمام بتطوير وإعادة بناء "ميناء العريش" سيحوله من ميناء محلي لأحد الموانىء التجارية العالمية وربطه بمحور تنميه قناه السويس، كذلك ميناء سياحى لاستقبال الرحلات البحريه ليس تجارىاً وعسكرياً فقط. كل ذلك يتم جنباً إلى جنب مع الشواطئ التي يعاد تطويرها على طول الساحل وليس العريش فقط (يمتد من شرق بورسعيد وبمواجهة حوالى 200 كيلو متر حتى رفح شرقا) والاستفادة من كل منطقه على حده، إضافة لانشاء محطات تحلية مياه البحر لتغطيه المنطقه بالكامل على طول الساحل.

أما الفلسفة الأبرز خلال اعادة بناء شمال سيناء فتشمل أيضا بناء الإنسان، ولذلك تم بناء مدارس دوليه ومدارس لغات ومدارس يابانيه، إضافة إلى جامعات اهليه وأخرى تكنولوجيه، خاصة مع الحديث الدائر حول صعوبة الحياة بسبب نقص الخدمات، وليس ذلك فقط، فقد تم تعيين خطباء وأئمة من وزارة الأوقاف لكل المساجد المنعزله، بالتوازي مع إعاده ترميم الكنائس بالعريش.

فلسفه  البناء – وفقاً لجولة "الدستور"- لم تسقط من حساباتها إعاده الهويه والتراث وكذلك ترميم قصور الثقافه متحف العريش، كما أنها تعمل على توفير الحياه الكريمه للمواطنين هناك من خلال.مبادره "حياه كريمه" التي تنطلق في كل قرى سيناء على 3 مراحل، انتهت الأولى منها بنسبه 90% من القنطره شرق، وجاري العمل فى المرحلة الثانية مباشرة.

لا عطش فى شمال سينا

من داخل محطة "الريسة" لتحلية مياه البحر بالعريش والتى تصدرها لافتة تقول أنها "بدعم من الشعب الأمريكي للشعب المصري" والتي تُعد أول محطة تعمل بنظام "مبادل الضغط" (px) الموفر للطاقة الكهربية بمقدار النصف، إلقتينا رئيس قطاع مياه الشرب بشمال سيناء، الذى أوضح أن المحطة تمت وفق أعلى المعايير وأحدث المواصفات التكنولوجية العالمية للقضاء على مشكلة نقص مياه الشرب بشكل كامل في المحافظة.

رئيس قطاع مياه الشرب بشمال سيناء  لفت لـ"الدستور" أن المحطة المقامة على مساحة 7 آلاف و500 متر مربع شرق مدينة العريش، تبلغ قدرتها الإنتاجية 5 آلاف متر مكعب يومياً وتبلغ تكلفتها الإجمالية حوالي 10 ملايين و960 ألف دولار، كما تستخدم تقنية "فلاتر التنقية الدقيقة" التي تعمل على تقليل نسبة "العكارة" إلى أقل من واحد ميكرو تليها مرحلة "الضغط الأسموزي" والتي يتم فيها فصل الأملاح عن الماء تحت ضغط مرتفع، مع مبادل الضغط، من إنتاج إحدى أكبر الشركات الأمريكية في إنتاج موفرات الطاقة، حيث يبلغ متوسط توفير الطاقة المستخدمة 3 كيلووات للمتر المكعب من المياه، ويُعتبر هذا المتوسط من أعلى معدلات توفير الطاقة في العالم، لافتاً إلى أن شبكة المياه الجديدة فى المحافظة أنهت مشكلة العطش بنسبة كبيرة في مدينة العريش التى يبلغ مساحتها 27 ألف كم.

الأسعار أقل من القاهرة “أهلا رمضان”

فى وسط مدينة العريش، ظهر أمامنا شادر ضخم تعلوه لافتة "معرض أهلا رمضان" على مساحة 20 مترا طول في 60 مترا عرض، ويعج بالأهالي الخارجين يحملون بضائعهم والداخلين إليه ممن يستعدون لشهر رمضان الكريم، تستقبلك فى مداخله فوانيس وسلع رمضان، حيث  تفقدت "الدستور" كل أرجاء المعرض وتنقلت بين 20  باكية يحتويهم المعرض، وسألت الأهالى والتجار حول الأسعار والتخفيضات.

التقينا فى بداية الجولة مدير عام التموين بشمال سيناء أماني رسلان، والتى أوضحت أنه تم الاتفاق مع كبار تجار الجملة للبيع في المعرض بسعر مخفض للأهالي طوال شهر رمضان، وهو ما أجبر أصحاب المحال التجارية على مجاراة أسعار المعرض، لافتة إلى أنه تم ضبط مئات من القضايا للمتلاعبين بالأسعار وكذلك أصحاب البضائع منتهية الصلاحية بالمحال التجارية.

ولفتت أماني خلال حديثها لـ"الدستور" أن التخفيضات وصلت التخفيضات فيها لأكثر من 25%، موضحة أن الهدف من معرض "أهلا رمضان" هو تخفيض الأسعار والوقوف بجانب محدودي الدخل.

أحد الجزارين وكان يعلق لافتة فى الأسعار على اللحوم لديه، حيثيبيع كيلو اللحوم الطازجة بـ130 جنيها للكيلو و95 جنيها لكيلو اللحوم السوداني الطازجة، وفى الباكية المجاورة  وجدنا تخفيض سعر كيلو الأرز إلى 10 جنيهات للكيلو، فيما وصل سعر طبق البيض بين 50 و52 جنيها بفارق نحو 15 جنيهاً من الموجود فى القاهرة.

إلتقينا بشكل مفاجىء بأسرة من سيدتين وشاب وصلوا المعرض للتبضع فأكدوا أن السلع متواجدة بأسعار مناسبة خاصة أن أقاريهم فى القاهرة يتحدثون عن أسعار تصل لأكثر من زيادة ربع المنتجات، موضحين أن الأسعار فى كل شىء سواء فى الأسواق واللحوم والمنتجات الغذائية أقل بكثير عن الوادى والقاهرة، مشيرين إلى توفر  البقوليات والياميش واللحوم وغيرها بأسعار مخفضة.

أحمد سليمان مراقب تمويني إلتقيناه على مشارف المعرض، أكد أن تعليمات لديهم بالرقابة الصارمة على الأسعار، ولفت إلى أنه تم افتتاح معارض أخرى فى بئر العبد والشيخ زويد وغيرهما من المدن، مشيرا إلى أنها مستمرة طوال شهر رمضان، وأن محافظة شمال سيناء تعد متميزة فى هذا المجال، والالتزام بالأسعار المحددة، وفقا لآليات التموين والحكومة للحفاظ على استقرار السوق.

وأشار سليمان إلى تجهيز افتتاح معرضين لأهلا رمضان أحدهما بوسط مدينة العريش والآخر فى المساعيد علاوة على إنشاء شادر لبيع السلع واحتياجات رمضان فى بئر العبد بخلاف شوادر أخرى فى بعض المدن بالمحافظة.

قنبلة المساعيد الموقوتة. وسعداء المساعيد

تقول رواية متواترة نقلها بعض كبار الأهالي فى حي المساعيد بالعريش لـ"الدستور" خلال جولتنا فيه، أن سبب  تسمية هذا الحي بـ"المساعيد" يعود إلى أن الخليفة عمر بن الخطاب عندما علم بنية الصحابي عمرو بن بن العاص دخول مصر، أرسل له كتابا يقول فيه إن كنت دخلت أرض مصر أو جزءا منها فتوكل على الله وإن لم تكن دخلت فعد، فلما سأل أصحابه أين نحن قالوا في العريش وهي من أرض مصر، فسر لذلك وقال "استريحوا يا رفاق فالمساء عيد"، ومن حينها وأصبح اسم الحي "المساعيد".

دلفت إلى المساعيد وذاكرتي لا يتستطيع عن المشاهد القديمة وخاصة فى 9 يناير 2017 حينما استهدف وفجر الإرهابيين كمين شرطة المطافئ بالحي وأسفر عن ذلك استشهاد تسعة جنود وإصابة آخرين. لكن بسبب تلك الدماء الطاهرة التى مر عليها نحو 5 سنوات تبدل المشهد لبناء عمارات سكنية واعادة تأهيل عمارة التعاونيات القديمة وأصبح الحي مكان المعيشة الرئيسي لمعظم طلاب جامعات سيناء، لاسيما أن حي المساعيد يقع في مدخل المدينة الغربى وعلى ساحل البحر المتوسط.

فى منطقة دوران شبرا، كانت مشاهد البناء والطلاء بارزة، التقينا احمد عطاى الطالب بكلية طب الاسنان فى جامعة العريش خلال طريقه إلى أحد المكتبات الشهيرة لشراء بعض مستلزماته الدراسية، والذي قال إن ثلثي الموجودين حاليا بحي المساعيد من طلاب الجامعات وهو ما يجعل تلك المنطقة حيوية، خاصة أنها تطل على شواطىء كان يستخدما الكثيرين مصايف عامة، مشدداً على أن المنطقة تتمتع بالأمان والحياة العادية تماما كالقاهرة.

وخلال الجولة  كشف مسؤولي الإسكان والمحافظة أنه يجري الآن تنفيذ مشروع تطوير 105 عمارة سكنية في حي المساعيد ينفذها جهاز تعمير سيناء، ويتكون المشروع من عدة مراحل بتكلفة حوالى 445.7 مليون جنيه، ويتضمن إزالة وإعادة إنشاء العمارات على 8 مراحل ليتم رفع كفاءة حى المساعيد بالكامل حيث كانت تهدد تلك العمارات حياة ساكنيها لأنها انشأت قديما فى الثمانينات وكانت تابعة للتعاونيات، لكنها كانت قنبلة موقوتة.

حيث بدأ العمل في عمارة الترميم على ٥ مراحل بإجمالى 54 عمارة سكنيه ، بإزالة الحوائط والواجهات القديمة المتهالكة والصرف الصحي القديم وتدعيم الأعضاء الخرسانية من أعمدة وكمرات وأسقف على حسب حالتها الانشائية، وتكلف ذلك 105 ملايين و700 ألف جنيه، وتم تسليمها لأصحابها بالفعل فور الانتهاء من عمليات الترميم، فيما تضمنت المراحل التالية إزالة وإعادة إنشاء باقى العمارات على 3 مراحل اخري بتكلفة إجمالية تبلغ 340 مليون جنيه، حيث تم تسليم العمارات التي تم الانتهاء منها إلى أصحابها، وتتبقى المرحلة الثامنة والأخيرة الجارى الإعداد لتنفيذها خلال أيام لإعادة تسليمها إلى أصحابها والإقامة بها مرة أخرى بعد إنشائها وتجهيزها بالمرافق الأساسية.

سألت "الدستور" عن أين كان يعيش سكان عمارات المساعيد خلال فترة البناء؟ فأوضح المسؤولين أنه خلال فترات ومراحل الترميم والإزالة والإنشاءات تكفلت الدولة بتوفير سكن مناسب لأصحاب الوحدات السكنية بتلك العمارات حتى تم الانتهاء منها وإعادة المواطنين إليها مرة أخرى. 

قلب سيناء المفتوح

رغم الجهود الكبيرة والتعاقدات التى نفذتها محافظة شمال سيناء مع 4 جامعات لاستقدام أطباء استشاريين واحصائيين للعمل بمستشفى العريش العام فى كافة التخصصات نظراً لنقص الأطباء هناك ولإتساع المستشفى لعمليات التطوير الأخيرة التى شملت إنشاء مبني لعلاج الأورام (بالكيماوي وأمراض الدم) وكذلك مبنى لمرضى الكلى، إلا أن محافظ شمال سيناء اللواء عبدالفضيل شوشة أوضح لـ"الدستور" خلال لقاء على هامش جولة فى مدن وقرى شمال سيناء أنه حتى الآن لا زال عدم توافر إمكانية لإجراء عمليات "قلب مفتوح"، وذلك على الرغم من وجودة أشعة رنين وقسطرة للقلب.

ووفقاً لمحافظ شمال سيناء فإنه سيتم تحويل مستشفى العريش العام لمستشفى تعليمي (جامعي) لصالح كلية الطب بجامعة العريش، لافتاً إلى أن هذا سيعزز مستوى الخدمة الطبية على أرض المحافظة، خاصة أن المستشفى تستقبل حاليا كوادر طبية من جامعات القاهرة والزقازيق والمنصورة والأزهر ومعهد القلب . علي مدار الأسبوع فى مختلف التخصصات.

ووفقاً لمدير المستشفى الدكتور أحمد منصور، فإنه قد تم تعليق أول جرعة كيماوي بنهاية شهر فبراير الماضي بعدما تم افتتاحها لتقديم كامل الرعاية الصحية لمرضي الأورام و أمراض الدم المتميزة لأبناء محافظة شمال سيناء لتخفيف المعاناة ومشقة السفر عنهم، لا سيما أن الوحدة تتكون من غرفة لتلقى العلاج الكيماوى وغرفة للكشف على مرضى الأورام وجهاز لتجهيز العلاج الكيماوي بجانب صيدلية لصرف أدوية أمراض الدم، حيث تقوم بعلاج الأورام وأمراض الدم والعلاج الكيماوي، فيما يتم التخطيط لأن تكون المرحلة القادمة للعلاج الإشعاعي.

مدارس لغات بصبورات ذكية.. و"ويجز" المفضل لبعض الطلاب 

كان وجهتنا التالية إلى منطقة أرض الجولف التابعة لمدينة العريش، والتى كانت مثلها مثل كل المنشآت فى شمال سيناء تم تغيير اسمها بأسماء الشهداء ممن حموا الأرض لكي يتمكن الباقين فى العيش ولكي يعرف الأجيال القادمة قصص الشهداء الذين تلقوا الطلقات بدلاً من أسرهم.

هنا حيث مدرسة "الشهيد الرائد محمد الزملوط الرسمية للغات بالعريش" والذى كان من رجال الشرطة فى شمال سيناء وقتله الإرهابيين أسفل منزله بعد العودة من خدمته وواجبه الوطني. الآن تتزين المدرسة الذى تحتوي على 859 طالب بمختلف المراحل التعليمية بصورته.

يشير مدير المدرسة عمرو ضرغام لـ"الدستور" أن البعض كان يظن أن سيناء لا يوجد بها تعليم إلا أن الصورة غير ذلك تماماً فالمدرسة ضمن عدة مدارس للغات وبها أحدث البرامج التعليمية والأجهزة التكنولوجية، خاصة مع دخول "الصبورات الذكية" لكافة فصول المدرسة والتى تعمل بكافة الوسائط المتعددة من صور ورسوم وفيديوهات وتسجيلات صوتية لكي يتخرج منها طلاب على مستوى عالي من التعليم واللغات.

وأوضح ضرغام أنه قد بلغ إجمالي عدد الفصول 24 فصل لمرحلة رياض الأطفال والمرحلة الإبتدائية والصفين الأول والثاني الإعدادي.

وتفقدت "الدستور" قاعات رياض الأطفال والتي يبلغ عددها 7 قاعات، من بينها 4 قاعات لـ KG1 و عدد 3 قاعات أخرى لـ KG2. كما حاورنا رياض الأطفال  عن أحلامهم وطموحهم، والذى قال أحدهم أن يريد أن يصبح مثل الرائد محمد الزملوط الذي علقت صورته أعلى المدرسة، فيما قالت فتيات من مراحل تعليمية أخرى بأنهن يحبون مغني الراب المصري الشهير بـ"ويجز" كما أدوا بعد الأغنيات له، ولفت طالب ثالث أنه يحلم بأن يكون كلاعب العالمي محمد صلاح المحترف بتادي ليفربول الإنجليزي.